كلما تتوغل في شخصيته تدرك ان شجرة وطنيته راسخة الجذور في اعماق الأرض.. في معارك الحياة لم يساوم على الوطن ولم يتراجع عن الدفاع عنه.
يوم كان يتجرع الألم في الزنازن المظلمة نسج قصائد الحرية، ورقص على اشعار بابلونيرودا.
عبدالرحمن عثمان المسكون بالصدق والشفافية احد اولئك الذين تفيض ارواحهم بالحداثة والتقدمية والانسانية، كل شيء في حياته يهون الا الوطن والحرية والمساواة.. كل شيء فيه يضج بالمعرفة المستنيرة، وحب الحياة، والشغيله، والمرأة، ومن اجل ذلك كان ولا يزال مدافعا شرسا ضد اعداء الوطن والحرية.. وضد الجهل وقوى الظلام.
هناك، في الزنازن الضيقة الرطبة المطلة على البحر والصخور الجبلية الوعرة واغصان الاشجار اليابسة المتدلية، كان حلمه ان تملئ البطون الجائعة، وان ينام الصغار في الاحياء الفقيرة دون ألم وقلق ومرض، وان تمضي حفلات السمر ابتهاجا بالعدالة والغد المشرق.
هناك، في تلك الجزيرة البعيدة الضاجة بسجناء الرأي وآخرون متورطون في قضايا جنائية مختلفة اطلق عليه لقب الاستاذ.. كان استاذا للغة الانجليزية.. كانوا يعجبون به وهو يوقد لهم شموع المعرفة ليزيح عنهم ستار الامية.
كانت مقالاته السياسية والاجتماعية النقدية جريئة، ولكن وعلى اثر ارتفاع الضغط في عينيه ضعف بصره.. كم تمنينا له الشفاء العاجل وان يعود لحياته الطبيعية ويعود قلمه التنويري إلى سابق عهده وهو يدعو إلى التقدم والعدالة الاجتماعية.
حقا كانت كتاباته تتصدى للطائفية والطائفيين والفساد، كانت واقعية تلامس هموم الناس، لا تهادن العنف والارهاب وقوى الظلام التكفيرية واستبداد الانظمة، ومن اجل هذا كان صوته يرتفع في ثقة واصرار ضد اضطهاد الانسان للانسان.
هكذا معنى الحياة عند عبدالرحمن لم تشوهه اغراءات الحياة، ولم يتلون في سبيل منافع شخصية ضيقة!
ان ايقاع اسلوبه في الكتابة يعبر عن تحديات وهموم العقل، ومن اجل انتصار العقل، راح يدافع عن اليسار، والفكر العلمي، وقضايا العمال والمرأة، والديمقراطية وقضايا التحرر والاستقلال الوطني، كتب في احدى الصحف المحلية تحت عنوان «الديمقراطية وحدة متكاملة وكل لا يتجرأ» نشر في 13 ديسمبر 2001 «المطالبة بالقضاء على ظاهرة الفصل التعسفي، والغاء عقود العمل المؤقتة، وفرض عقوبات على المؤسسات المخالفة هي مطالبة وطنية تبعث على فخر واعتزاز المواطن البحريني بشكل عام، والطبقة العاملة البحرينية بشكل خاص».
وفي مقابل ذلك يقول «لا يمكن ان يتمتع الانسان«بالحريات السياسية»في الوقت الذي يشد فيه الحزام على بطنه.. كما لا يعقل ان يتمتع هذا المواطن«بالعدالة الاجتماعية» وعملية التوزيع العادل للثروة بينما يخضع ويقع تحت طائلة الترهيب والتخويف وتكميم الافواه ومصادرة الحريات السياسية والمدنية في ظل غياب الديمقراطية.. من هنا جاءت مواد الدستور ومبادئ الميثاق الوطني لتؤكد انصهار مفاهيم الديمقراطية في بوتقة الوحدة الشاملة غير القابلة للتجزئة».
ومن هنا راح يغوص في كيفية القضاء على الفصل التعسفي التي في نظره لن تتحقق مهماتها ما لم يتم ادخال تعديلات جذرية على المادة (110) من قانون العمل بحيث تتماشى وصالح العمالة البحرينية.
وبالاضافة إلى ذلك ليس ثمة حلول ناجعة للعمالة البحرينية في صون حقوقها المشروعة سوى خروج العقليات الإدارية من مظاهر الجمود والبيروقراطية.
في حين لم يتردد في الدفاع عن المرأة اينما كانت.
يقول في مقال له «نوال السعداوي في مواجهة الافكار المتشددة»: تتعرض الدكتورة نوال السعداوي منذ أمد بعيد لعملية المضايقات من قبل بعض التيارات السياسية الدينية، ولعل الحملات الاعلامية مؤخرا ضد افكار السعداوي ومواقفها قد ازدادت شراسة من خلال التشهير بها واتهامها من البعض بالكفر والالحاد ما يعني على وجه التحديد انزال الحدود بحقها.. ولكن على الرغم من اساليب التهديد والترهيب والتشهير من قبل القوى المتشددة الموجهة اليها، التي فرضت عليها في بعض الاحيان ترك وطنها وسفرها إلى بلجيكا بصورة مؤقتة، فانها ابت نفسها الخنوع ورفضت كرامتها الركوع والخضوع.
ويقول ايضا: ان ما حدث للسعداوي من هجوم فكري هو ليس اول وآخر هجوم، وانما هو مسلسل منظم من الاحداث المترابطة من الترهيب ودعوى الحسبة والتشهير والتفكير بالمناضلين والمفكرين الشرفاء والمستنيرين والتقدميين الذين يختلفون مع افكار الاسلام السياسي بكافة اطيافه.. انه بدلا من تكريم السعداوي، وصون حريتها والدفاع عنها درء خطر التيارات المتشددة فان ذلك لم يحدث!!.
هكذا كان عبدالرحمن عثمان ومايزال حرا ومحبا لهذه الأرض الطيبة، وللعقل والحرية والفكر المستنير الذي يفيض بالعطاء والتقدم.