يحي العالم في هذا اليوم – الخامس عشر من سبتمبر – اليوم العالمي للديمقراطية وذلك للتأكيد على أهمية التمسك بالديمقراطية والالتزام بكل مقتضياتها وجعل الممارسة الديمقراطية مكتملة العناصر والأركان والتصدي لمحاولات من يريد للديمقراطية أن تكون مفقودة أو منقوصة وعليلة نظاماً وثقافة وممارسة.
إن المنبر التقدمي لا يسعه وهو يشارك في إحياء هذا اليوم من الدعوة إلى النظر في المعاني التي تحملها هذه المناسبة واستلهام القيم التي تمثلها الديمقراطية، ويطالب بمراجعات وإصلاحات جدية يكون مرساها إيجاد نظام ديمقراطي فاعل يرتكز على معايير ديمقراطية صحيحة لا يشكو من العقم والتسيب والفساد والمساس بحقوق الإنسان واعتلال الممارسة السياسية، وتجاهل أن الديمقراطية تبقى الخيار المنشود ولا محيد عنه للبحرين ولكافة الدول في الحاضر والمستقبل.
إن اليوم العالمي للديمقراطية بما يمثله اليوم من معانٍ ومضامين على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية لها ارتباط مركب ووثيق الصلة بكل ما له علاقة بأسلوب ونمط حياة الإنسان، وانطلاقاً من ذلك باتت الديمقراطية مرسى أي إصلاح في العصر الحديث، ولم يعد هناك بلد ما في العالم خاض أو يخوض تجربة الاصلاح إلا وكانت تنمية الحياة الديمقراطية مطلبه وغايته، وعلى هذا الأساس كانت القوى الوطنية في البحرين وفي طليعتها المنبر التقدمي تطالب بإصلاحات سياسية جوهرية تشكل البنية الأساسية للديمقراطية، من أهمها سلطة تشريعية منتخبة لا يؤخذ على سلامة مساراتها ولا نزاهة سير انتخاباتها، وقادرة على أن تمثل الشعب وتعبر عن آماله وتطلعاته وهمومه ومطالبه الوطنية، وقادرة على التصدي لكل أوجه الفساد والتعدي على المال العام بمنتهى الكفاءة.
إن تلك المطالب ليست وليدة اليوم أو الألفية الجديدة وإنما هي مطالب برزت وبشكل جلي وواضح منذ منتصف القرن الماضي عند مختلف التشكيلات السياسية والقوى الوطنية التي ولدت مع الحراك السياسي الذي تبنى أطروحات ومطالب توافق عليها الشارع البحريني بمختلف توجهاته ومكوناته السياسة والدينية والقومية ولم تكن موضع خلاف بين أي من هذه القوى، وهي كلها تصب في سياق المطالبة بالديمقراطية والتمسك بالحريات والقيم التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوخي قيم العدل والمساواة والانصاف واحترام مبدأ فصل السلطات وتفعيل كل آليات المحاسبة والمساءلة .
إن مما يؤسف له أن نشهد في السنوات الأخيرة تراجعًا في الكثير من المبادئ التي تبناها وحمل لواءها المشروع الاصلاحي لجلالة الملك وهو أمر يستحق وقفة جادة لإعادة الحيوية في مجرى الحياة العامة والسياسية التي كان قد أطلقها المشروع ويوقف من يريد أن يعطل أو يشوه تلك المبادئ، ويطرح مفاهيم مظللة عن الديمقراطية ممن تتعارض مصالحهم مع أي إصلاح أو تنمية للحياة الديمقراطية، أو لديهم من الاعتبارات والمآرب والمصالح الذاتية والتزلف ما يكفى، ومن ضمن هؤلاء من يعدون أنفسهم أصحاب قلم ورأي وفكر ونشطاء وغيرهم ممن يعملون دون كلل على التقليل من شأن أي مسعى يراد به تجاوز حال المراوحة الراهنة المعيقة للإصلاح والعمل الوطني الجاد والحيلولة دونما يوجد أفق تتوافق عليه الدولة والقوى السياسية للخروج من هذه المراوحة.
إننا في المنبر التقدمي نرصد تطورات الحياة السياسية على المستوى الإقليمي والدولي وما ينتج عنها من تأثير على الوضع السياسي الداخلي للبحرين ونجد أن التغييرات والاصطفافات الإقليمية والدولية تستدعي من مراكز القرار في البلاد إعادة صياغة مشروعها السياسي المحلي بما يعزز الثقة بين المؤسسات الرسمية والمواطن ، ويعيد معه إنتاج المفهوم القانوني لدور الدولة بحيث يصبح المواطن هو السند الأول الذي ترتكز عليه القرارات وتصبح الدولة مقيدة بالقواعد القانونية التي تلتزم بها الدولة الديمقراطية وفق المفهوم العالمي الوارد في المعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية، ونجد أن لا يمكن تحقيق هذه الغاية في ظل تشريعات ولوائح وقرارات مقيدة للحريات العامة وللإجراءات والتدابير المعطلة للديمقراطية، وفي مقدمتها قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون مجلسي الشورى والنواب، بجانب اللوائح التنفيذية والاجرائية التي تحد وتعيق حق الممارسة الفعلية للحياة الديمقراطية.
إن غياب الممارسة الديمقراطية في إدارة حياة المجتمع كرست وبشكل سافر استفحال الأزمات والفرقة ازداد معها وتيرة الانحدار والتراجع في أهم الملفات الحياتية للمواطن في المقدمة منها ما يتصل بالبطالة وفرص العمل وتدني مستوى الدخل وفرض الرسوم والضرائب والفساد والحريات العامة وغير ذلك من الملفات المهمة، وبمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية يدعو المنبر التقدمي إلى إطلاق الحريات العامة وإعطاء البرلمان كامل الصلاحات في التشريع والرقابة والمساءلة والمحاسبة، وتعديل القوانين والقرارات واللوائح المقيدة للممارسة الديمقراطية الحقيقية، وفي هذا السياق ندعو إلى حوار وطني تتوافق عليه كل القوى والمكونات الرسمية والمدنية هدفه النهوض بواقعنا الراهن والتصدي لما نواجهه من مشكلات وفتح الأبواب لتجربة ديمقراطية واعدة ومشرقة تلبى تطلعات شعب البحرين حاضراً ومستقبلاً.
المنبر التقدمي – البحرين
15 سبتمبر 2021