يصادف اليوم، 14 أغسطس، الذكرى الخمسون لاستقلال البحرين من نير الاستعمار البريطاني، الذي جثم على أنفاس شعبنا الأبي لعشرات السنين، ونكّل بالمناضلين ضده، بالاعتقال والسجن والتعذيب والنفي، وقمع بالقوة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاستقلال الوطني والحرية والعدالة.
لكن كل ذلك لم يكسر إرادة شعبنا، ولم يضعف من عزيمته في مواصلة النضال، حتى تحقق لوطننا استقلاله، حين أكدّ البحرينيون بكافة مكوناتهم لمبعوث الأمم المتحدة، على أن تكون بلادهم دولة عربية حرة ومستقلة وذات سيادة، ورفضوا بالإجماع المطالبات الإيرانية ببلادهم، وتضافرت، في تحقيق ذلك، تضحيات شعبنا مع ميزان القوى يومها، لصالح قوى التحرر الوطني والاجتماعي في العالم العربي والعالم، حيث كانت آمال وتطلعات شعبنا مثل تطلعات كل شعوب العالم في مستقبل يؤمن الحرية والكرامة والمشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني.
فتح الاستقلال الوطني آفاقاً جديدة أمام وطننا، كان من أهمها إقرار أول دستور في تاريخ البحرين بمشاركة ممثلين منتخبين من الشعب، وقامت أول تجربة برلمانية، بعد الانتخابات النيابية التي جرت في في السابع من ديسمبر 1973، التي استطاعت القوى الوطنية إحراز نجاحات كبيرة فيها، بفوز غالبية مرشحي كتلة الشعب المدعومة من جبهة التحرير الوطني، إضافة إلى عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، وشرعت الحركة العمالية في تأسيس نقاباتها، ولكن هذه التجربة التي كان يمكن أن تسفر عن تجربة ديمقراطية مهمة في البحرين والمنطقة، سرعان ما اجهضت بحلّ البرلمان وتعليق مواد أساسية في الدستور، وفرض قانون أمن الدولة الذي على أساسه شنت حملات اعتقالات متتالية نالت المناضلين الوطنيين والنقابيين والنشطاء من مختلف الاتجاهات المعارضة، حيث ساد القمع وتكبيل الحريات نحو ثلاثة عقود متواصلة.
وانبعث الأمل مجدداً في بداية هذه الألفية مع انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك والتصويت الشعبي الساحق على ميثاق العمل الوطني، وما تلا ذلك من توسيع نطاق الحريات العامة، بما في ذلك حرية العمل الصحفي والنقابي، وتشكيل الجمعيات السياسية، لكن التطورات اللاحقة، خاصة بعد أحداث عام 2011، سرعان ما نالت من الكثير من هذه المكتسبات، وأفقدتها الكثير من محتواها، خاصة مع فرض المزيد من القيود على السلطة التشريعية وتقييد صلاحيات مجلس النواب، والتضييق على الحريات العامة مجدداً.
إن المنبر التقدمي إذ يحيي الذكرى الخمسين لاستقلال البحرين، يؤكد على المطالب الوطنية، وفي مقدمتها إحياء الأجواء التي سادت في البحرين بعد المشروع الإصلاحي، وإطلاق الحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير والتنظيم، والتوسع في برنامج العقوبات البديلة وتسوية أوضاع المعتقلين والسجناء السياسيين، وإدخال التعديلات الدستورية الضرورية التي توسع من صلاحيات السلطة التشريعية، وتتيح المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني، وتمكين مؤسسات المجتمع المدني من أداء الدور المناط بها، وهذا يتطلب صياغة مشروع وطني يحفظ لكل الأطراف مواقعها السياسية، ويحقق ما ننشده جميعاً من استقرار ونهضة وتوحيد الجهود في إنجاز التنمية والحياة الكريمة للمواطنين، عبر مدّ جسور الحوار بين المعارضة المتمثلة في مختلف تكويناتها السياسية والشخصيات الوطنية بين بعضها البعض من جانب وبينها وبين الدولة من جانب آخر.
المنبر التقدمي – البحرين
14 أغسطس 2021