بحكم اتصالي بالوسط الثقافي، أتذكر هنا جلسة خفيفة جمعتني بناشر بحريني أبدى استغرابه من انصراف الجهات المعنية بالثقافة، عن الاهتمام بالاصدار المحلي، والذي يتعرض للإهمال على كل صعيد، وكنتيجة حتمية يؤدي هذا لتكدس تدريجي فيما يشبه الورطة، فيتحول الكتاب إلى سلعة كاسدة عند الناشر تتوسع مشكلتها وبلا حل!
من هذه الزاوية نستلم خيط الحديث في هذه القضية لنقول:
الكتاب المحلي اليوم في وضعية حرجة حقــاً من حيث اعطاؤه الاهتمام الكافِ الذي يليق به، المثـقف كما هو معلوم إلى الآن لا يزال يكابد مصائبه ويحسب خسائره، إصدار كتاب ليس بالأمر السهل ولا حتى تسويقه، فمن يهتم؟ السؤال .. ماذا قدمت الجهات المعنية لدعم الكتاب المحلي ومؤلفه في هذا الشأن؟ كذلك ماذا قدمت لدعم و تطويرصناعة الكتاب البحريني؟
لسنا نتحدث عن تصريحات رسمية ذات طبيعة احتفالية من أجل البهرجة الإعلامية وحسب، تنقضي بنهاية الحدث، بل يعنينا وضع صناعة الكتاب البحريني بالدرجة الأولى ورفع قيمة التحديات التي تواجهها، فمن المهم خلق اجواء ايجابية تتوخى دعم الناشر المحلي والمؤلف على حدٍ سواء وفق رؤية منهجية سليمة، تراعي تحفيزه وتذليل العقبات أمامه لكي ينهض ويبدع ويحقق النجاح.
في حال آمنا بالفكرة وأقتنعنا بأن ساحتنا الثقافية تعاني من قلة الاهتمام بالكتاب المحلي، أجد أنه لابد من وضع استراتيجية وطنية تؤسس وتنظم لصناعة الكتاب البحريني وفق معايير الجودة والانتشار والتسويق بما في ذلك الأخذ بيد المؤلف البحريني، لن نعدم الوسيلة في ذلك ولنا في تجربة إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال على العناية بالكتاب الإماراتي والخبرات التي تحققت في سبيل تنمية الفعل الثقافي، ما جعل هذه الإمارة في مركز الصدارة، إذ تُعتبر بجهود د. سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، العاصمة الثقافية لدولة الإمارات، والتي حققت قفزات ثقافية رفيعة على المستوى الخليجي ,العربي تستحق منا الاحترام والتقدير.
كل ما نحتاج إليه من أجل بلوغ غايتنا، يتمثل في تنسيق الجهود المشتركة وهذا لا يتحقق من غير خطة واضحة المسار تُـفعل على الأرض وفق جدول زمني يحقق هذه (الاستراتيجية) الآنفة الذكر التي نجمل بنودها وفـق التالي :
• وضع لائحة رسوم تفضيلية خاصة بالناشر المحلي من أجل التخفيف عليه وتحفيزه على المشاركة في احتفالية معرض الكتاب، وذلك بتخفيض أجور الأرضية والتنسيق مع الناقلة الوطنية (طيران الخليج) لتخفيض أجور النقل ابتغاء دعم الناشر البحريني.
• إلزام إدارة المكتبات العامة في وزارة التربية والتعليم بوضع آلية جديدة تدفع في إتجاه تبني الكتاب البحريني وتشجيع مؤلفه كي تتوازى مع تثقيف الأجيال الجديدة بتعريفها للكتاب البحرينيين كما هو معمول به الآن في المناهج الدراسية.
• إعادة الحياة لجائزة التميز لأفضل كتاب بحريني والتي كانت وزارة الإعلام تقيمها سنوياً، مع أهمية تطوير الجائزة في شقها المحلي لدعم الكاتب البحريني، لا أن تميل كفتها نحو الخارج، حيث تهاجر الجائزة عربياً و تضمحل محلياً!
• تخصيص جائزة لدعم أدب الشباب البحريني وتبني نتاجاته الشعرية – القصصية – الروائية ، وكذا الاحتفاء به وبمنجزه الإبداعي.
• العناية بتكثيف جهود الترجمة مع ضرورة إستحداث قسم خاص بذلك في وزارة الثقافة، من أجل ترجمة الأدب البحريني للغات العالمية، ودعم المترجم البحريني والتعاون مع دور النشر العربية المرموقة والمتخصصة.
• أهمية تحفيز الجمهور على القراءة بخلق أفكار جديدة ، ترغب في القراءة والتحصيل المعرفي، واستغلال وسائل المواصلات العامة باستئجار مساحات إعلانية تروج للكتاب البحريني .
• وضع آلية عمل تدعم الناشر البحريني وتخفض عنه تكاليف الشحن الجوي، من أجل التسهيل لانتشار الكتاب البحريني في معارض الكتاب العربية .
• إستحداث جائزة (أفضل ناشر بحريني) من أجل تشجيع الناشرين المحليين بغية تطوير صناعة الكتاب البحريني .
• التنسيق مع أسرة الأدباء والكتاب لعقد شراكات برامجية مع سفارت الدول العربية والصديقة إبتغاء تفعيل الحراك الأدبي وتعريف دول العالم بساحتنا الثقافية والأدبية.
• تسهيل إجراءات التراخيص الجديدة لدور النشر البحرينية لتعزيز القدرة التنافسية في صناعة الكتاب المحلي.
• استحداث حاضنة بحرينية تحت مسمى (مدينة النشر/ حي الثقافة) بغرض توفير مكاتب عمل للناشرين البحرينيين والمؤسسات العربية بما يعزز مكانة المملكة في هذه الصناعة والاستثمار فيها لتكون بمثابة منطقة حـرة معفية من الضرائب.
• استحداث جائزة “سفيرالبحرين الثقافي” تُقبل بخصوصها الترشيحات من المراكز الشبابية والجمعيات الثقافية، يحق للفائز فيها تمثيل مملكة البحرين في المحافل والأعراس الثقافية العربية لمدة عامين. يتمتع فيها الفائز بعدة امتيازات تكريماً له ولدوره في الساحة الثقافية.
هناك أفكار كثيرة أخرى من الممكن وضعها ضمن هذه الاستراتيجية المفترضة لا ترد في ذهني الآن، لكن أعتقد أن المهتمين بالثقافة في مملكة البحرين يشاركوني التفاؤل بها، كما أن كوادرنا المحلية من أبناء الوطن، كلٌ في مجاله، لهو قادر على الإبداع والمشاركة في نجاح هذه الخطة إذا ما آمنا بالطرح السالف الذكر، فقط لنبدأ الخطوة الأولى، حتماً سنحقق منافع جمة لن يكون مردودها على الساحة الثقافية فحسب بل سوف تهيء مورداً استثمارياً حيوياً وغير متطور بالشكل الكافي، حيث يسهم في نمو الاقتصاد المحلي، وهي النتيجة التي نتوخاها في نهاية المطاف. فمتى ما تحققت الرغبة السياسية لصناع القرار لدينا بهذا الشأن، فسوف نبلغ الضفة الأخرى من حلم ساحتنا الثقافية ومن ثم وضعها في الأمام بمقدمة الصف الحضاري كيما تتنافس وتتكامل مع شقياقاتها الخليجيات التي أستغلت ذات الفكرة وحسنت من موقعها في التنافسية الثقافية العالمية، التي قطعت شوطاً طويلاً في هذا المجال.