ناضل شعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي من أجل مجلس نيابي منتخب، وقدّم وخلال تلك المسيرة قوافل من الشهداء والمعتقلين والسجناء السياسيين والمنفيين، حتى تحقق له ذلك في السابع من ديسمبر عام 1973 عندما انتخب أول مجلس تشريعي في تاريخ البحرين الحديث، ولو قدر لتلك التجربة النيابية الاستمرار ربما كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مختلفة .
أجهضت التجربة الناشئة بسبب عوامل عدّة في 26 أغسطس من عام 1975، حيث تمرّ في هذا الشهر الذكرى 46 لحل المجلس الوطني، الذي أعقبته حقبة سوداء عاشها شعبنا وحركته الوطنية حتى مجيء فترة الانفراج السياسي في فبراير 2001 والتصويت على ميثاق العمل الوطني وبداية عهد جديد أعاد الحياة النيابية في اكتوبر من عام 2002 وقبلها أجريت انتخابات للمجالس البلدية في مايو من نفس العام 2002، وإن حدث جدل سياسي حول دستور 2002، وفيما بعد بروز ثنائية المشاركة والمقاطعة في صفوف الجمعيات السيياسة المعارضة، انتهت بمشاركتها جميعاً في انتخابات 2006. وكان المؤمل يومها أن تتطور هذه التجربة الجديدة لا أن تتراجع وهي لازالت حديثة .
المجالس البرلمانية في بلدان العالم التي تؤسس لبناء الدولة المدنيّة القائمة على الديمقراطيّة والتقدم الاجتماعي تتطور بالممارسة الفعليّة، ومنح مزيد من الصلاحيات والتشريعات لصالح تقدّم ورقي الشعوب التي تمثلها عبر مجلس منتخب بشكل ديمقراطي من خلال الاقتراع السري وبإرادة شعبيّة، ليكون سلطة تشريعيّة مستقلة ليست تابعة للسلطة التنفيذية عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.
يفترض في المجالس النيابيّة المنتخبة أن تمارس صلاحياتها، وتراقب أداء الحكومة ووزرائها، من خلال المساءلة القانونية والتشريعية وتقديم الوزراء والمسؤولين للمحاكمة إذا ثبت عليهم التورط في قضايا الفساد وسرقة المال العام أو الأداء الإداري السيء الذي يكون عائقاً في وجه تنفيذ المشاريع والخطط المقرّة مسبقاً، وإذا فشل الوزير أو المسؤول أو قصّر في عمله يجب أن يساءل ويتحمل مسؤوليّة أخطائه، ويقدّم استقالته من منصبه وإذا ثبت عليه أي توّرط يقدمّ للمحاكمة، لا أن يكافىء على أخطائه، ويصبح مستشاراً أو وزير دولة أو عضو مجلس الشورى.
المشكلة أن عيون بعض النواب مفتوحة تنظر هنا وهناك، ماذا ستقدم لهم الحكومة بعد أن أبرزوا مهاراتهم في مساندة ودعم المشاريع والمراسيم والقوانين المقدمة من قبلها داخل المجلس مخالفين في ذلك القسم الذي بدأوا به عضويتهم في مجلس النواب بالدفاع عن حقوق ومصالح الشعب والوطن، وليس الوقوف مع الحكومة وكسب ودها ورضاها.
شيء معيب من نواب انتخبهم الشعب أن يقفوا مع المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 2020 بتعديل المادة (173) من اللائحة الداخلية للمجلس، إما بالتصويت على ذلك، أو تعمّد عدم حضور جلسة التصويت، أو حضورها والامتناع عن التصويت كي يمرر هذا التعديل، وهو المرسوم الذي يحدد مدة المناقشة العامة بخمس دقائق فقط ويقصرالحديث على عشرة أعضاء فقط للمناقشة، وألا يتعرضوا بالنقد لأداء الوزراء والمسؤولين في الحكومة، فيما كان مجلس 2014 قد رفع عدد مقدمي الاستجواب من 5 نواب، وقائمة التراجعات تطول.
لم أقرأ أو أسمع بأن أعضاء مجلس نواب في أي بقعة من بقاع العالم عملوا على تقليص صلاحيات مجلسهم، وإن حدث فسيكون في البلدان الدكتاتورية والمستبدة، ونظام الحزب الواحد، حيث “الديمقراطية” تؤسس وتقام حسب رغبات الحاكم أو الحزب الحاكم، أما في البلدان التي تعمل على ترسيخ مبادئ ومقوّمات الدولة الديمقراطيّة الحديثة فإن الوضع يختلف، فهى تعمل وفق القوانين والتشريعات الموضوعة على أسس حقيقية ويكون دستورها أبا القوانين وبالاخص إذا تمّ إنجازه من خلال مجلس تأسيسي على غرار ما جرى في البحرين في عام 1973.
النائب المنتخب من الشعب يجب أن لا يصبح موظفاً لدى الحكومة ينفذ ما تطلب منه، ويقف ضد الإرادة الشعبية، عليه أن يصدق مع الشعب ويصون الأمانة، ونحن نعرف بأن العديد من النواب الحاليين لا يفكرون في إعادة ترشيح أنفسهم في الانتخابات القادمة في عام 2022، لأن الشعب لا يثق فيهم وأصبحوا مثل “الأوراق المحروقة” ينتظرون المكافأة الحكومية.
طبيعي أن تكون هناك حالة من التذمر في الأوساط الشعبيّة من أداء أعضاء مجلس النواب وأصبحت الثقة معدومة، وتزداد الأسئلة حول اصرار الحكومة على تقليص صلاحيات المجلس؛ هل تريد من الشعب أن لا يفقد كامل ثقته في الحياة النيابيّة، ولا يفكر في مجلس منتخب يؤدي واجباته الدستورية والتشريعية والرقابية على أكمل وجه، وهل ما تفعله الحكومة يتقاطع مع المنادين بمقاطعة المجلس القادم، ليكون فارغاً من ممثلين حقيقيين للشعب في المجلس.
ويبقى السؤال: هل يتكرر انتخاب أشخاص لا تهمهم غير مصالحهم الشخصية، أم ترشح الكفاءات الوطنية والنزيهة؟