الهبة الشعبية التي حدثت إثر اعتداءات المستوطنيين على أخوتنا في الاراضي المحتلة الفلسطينية، دلالة لا تقبل الشك عن مدى التصاق القضية الفلسطينية في وجدان هذا الشعب، وكل ما أعقب توقيع اتفاقيات التطبيع من تصفيق وتهليل لا يعدو كونه ريشة في مهب ريح مناصرة القضية الأم.
في وقفة تضامنية نظمّتها جمعيات سياسية بمناسبة الذكرى الـ 73 للنكبة، قال السفير الفلسطيني في البحرين بأن: “اختيار الوقوف مع الحق الفلسطيني هو حماية للهوية الوطنية البحرينية وحماية للهوية العربية لهذه المنطقة ولهذا الشعب، وحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية وحماية أولاً وقبل كل شيء للمسجد الأقصى، والقدس درّة التاج”.
وتعبيراً عن تقدير الفلسطينيين لمواقف شعبنا البحريني، وصف السفير هذا الشعب بأنه: “شعب أصيل، وعريق”، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني يحفظ للبحرينيين كل المواقف القومية، وقال صراحة: “لم نلق منكم إلا كل تأييد، وها أنتم اليوم تكرسون ذلك، وهذا الشعب لا يمكن له أن يتخلى عن هذه العراقة والأصالة”.
تصريحات السفير الفلسطيني امتداد لمشاعر أخوتنا في فلسطين حيث قربت وسائل التواصل الاجتماعي المسافات وألغت الحدود والقيود، فما يظهره الشعب البحريني من تضامن وتعبير ونصرة للقضية وللشعب الفلسطيني يصل مباشرة إلى أهله هناك، الصوت المنادي في المنامة برفعة القضية الفلسطينية يصل لمسامع المرابطين في القدس ورام الله ونابلس والخليل، ورفرفة الأعلام في المحرق تصل إلى تخوم غزة، وخان يونس ورفح. اليوم لم يعد هناك حدود ولم تعد هناك حواجز تمنع التضامن والأصوات المناصرة والداعمة من الوصول إلى “زهرة المدائن”.
وفي المقابل فإن كل الأصوات التي كانت تطفو عائمة ضد تيار المد الشعبي، تهلل وتصفق وتروج لاتفاق التطبيع من الكيان أصاب أصحابها الخرس وانكتمت، وتبدد كل زعيقهم، وزادت عزلتهم ونبذهم من قبل كل أبناء شعبنا، فما بدا مفضوحا ما كانوا يصدعون رؤوسنا به عن وردية جيش الاحتلال، وشيطنة داعمي القضية الفلسطينية وربط مآربهم وأهدافهم بغير ذي القدس كما يدعون، وتلاشت تلك الفقاعات حينما شاهد العالم أجمع وحشية ذلك الكيان واستهدافه للمساكن والأطفال والمدنيين العزل.
سيبقى شعب البحرين وفياً للقضية الفلسطينية وما تمثله القضية الفلسطينية، ومهما دارت المتغيرات السياسية والدولية والمآرب البرغماتية، فإن هذا الشعب كان وما زال وسيبقى كشجرة زيتون جذعها في المنامة وأغصانها الوارفة تظلل القدس.
درّة التاج
نحن وفلسطين
القضية العادلة للشعب الفلسطيني منغرسة في وجدان الشعب البحريني عبر عقود، منذ أن قام الصهاينة باحتلال الأرض الفلسطينية وشرّدوا شعبها من أراضيه، بدعم من الإمبريالية العالمية، والبريطانية منها بشكل خاص، فمنذ أربعينيات القرن العشرين، على الأقل، وشوارع المدن في البحرين شاهدة على المسيرات التضامنية مع شعب فلسطين وقضيته الوطنية.
وما أكثر الشبان البحرينيين الذين تطوعوا للقتال مع المقاومة الفلسطينية، ومنهم من استشهد في صفوفها، ومع كل هبة أو انتفاضة في الأراضي المحتلة، يخرج البحرينيون إلى الشوارع لإعلان تضامنهم مع فلسطين، ويقيموا الندوات والمهرجانات، ويجمعوا التبرعات، ويرسلوا الوفود التضامنية، بمن فيهم الأطباء الذين يذهبون للتطوع في علاج الجرحى جراء العدوان الصهيوني.
وكانت فلسطين الأرض والشعب، حاضرة في الأدب والفن البحرينيين، فعنها كتبت القصائد والقصص، وغُنيّت الأغنيات، والمثل الساطع هو ما قدّمته فرقة “أجراس” ومؤسسها الفنان التقدمي والوطني الراحل سلمان زيمان، حيث يشكل عدد الأغاني التي قدّمتها الفرقة عن فلسطين النسبة الأكبر بين الأغاني المشابهة في البلدان العربية، والكثير منها جرى انتقاء كلماتها من قصائد شعراء المقاومة الفلسطينية مثل توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم.
لذلك شكّل إعلان تطبيع العلاقات بين البحرين ودولة الكيان صدمة كبيرة لكل البحرينيين، الذين هالهم أن يروا بلدهم يقيم علاقات مع العدو ويتبادل معه السفراء، ويستقبل مسؤولين صهاينة على ارضه، حيث بدا ذلك استفزازاً وإهانة لمشاعرنا كبحرينيين، تربطنا بفلسطين وشعبها أقوى الأواصر، ولقت الخطوة استنكار وإدانة كافة الجمعيات والقوى السياسية والمجتمعية، ومؤسسات المجتمع المدني وكل أبناء وبنات شعبنا.
وعلى عهدهم، جدّد البحرينيون موقفهم الذي لا يحيدون عنه حين اندلعت، مؤخراً، هبة أهل مدينة القدس احتجاجاً على توجه قطعان المستوطنيين، مدعومين من المؤسسة الصهيونية وأجهزة أمنها ومحاكمها، لمصادرة بيوت العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح في المدينة، والتي أشعلت غضباً شعبياً في كامل فلسطين، في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي الضفة الغربية، و قطاع غزة الذي واجه ببسالة، وعلى مدار 11 يوماً متواصلة القصف الصهيوني الهمجي بالصواريخ والطائرات والقذائف من البحر والجو والأرض، ما أوقع مئات القتلى والجرحى، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، خاصة النساء والأطفال، وأحدث دماراً مريعاً.
أمس واليوم وغداً؛ سيظل البحرينيون رافضين للتطبيع مع العدو، مطالبين بوقفه، والعودة إلى الالتزام بمبادىء المبادرة العربية للسلام وبالحق الفلسطيني الشرعي.