لم يكن دستور 2002 ، حين صدوره ينص على حق أعضاء مجلس النواب في طرح موضوع عام للمناقشة كوسيلة من وسائل الرقابة على أعمال الحكومة، وهو من الحقوق التي كان دستور 1973 قد نصّ عليها وسلبها الدستور الجديد، غير أن التعديلات التي أدخلت على الدستور عام 2012 أعادت هذا الحق في المادة (68 البند ب) فأجازت بناءً على طلب موقع من خمسة أعضاء على الأقل من مجلس النواب، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، وتبادل الرأي بصدده، وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة الداخلية للمجلس، وقد جاءت هذه الإضافة، كما تقول المذكرة التفسيرية لتعديلات 2012 في إطار ما انتهت إليه الإرادة الشعبية في حوار التوافق الوطني من مرئيات بشأن التعديلات التي ترى إدخالها على الدستور القائم، ومنها منح دور أكبر لمجلس النواب في الرقابة.
غير أنه منذ إقرار مرئيات حوار التوافق الوطني وإصدار هذه التعديلات عام 2012 لم نجد ولم تجد الإرادة الشعبية بأنه قد تم منح مجلس النواب دوراً أكبر في الرقابة على أعمال الحكومة، بل وجدنا تراجعاً وتقييداً لهذا الدور، وللأسف أن من ساهم في هذا الانتقاص من هذا الدور الرقابي، هم أعضاء مجلس النواب وفي النظام الداخلي الخاص بالمجلس (اللائحة الداخلية).
تعديل المادة (173) من اللائحة الداخلية المتعلقة بطرح موضوع عام للمناقشة جاء من الحكومة بموجب مرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، بتاريخ 3 سبتمبر 2020 أي صدر في اجازة مجلس النواب ما بين دور الانعقاد الثاني والثالث دون أن يتوافر له شرط الاستعجال أو بتعبير الدستور تدابير لا تحتمل التأخير، واشتمل على قيود وشروط جديدة لطرح موضوع عام للمناقشة العامة وقد وافق عليه المجلس في جلسته الماضية بالطريقة التي شاهدها الجمهور وعبر عنها باستياء وتهكم.
وإذا كنا (تنفهم) أن التعديل المذكور جاء من الحكومة، فإن الذي لا يمكن تفهمه أو قبوله هو أنه رغم الايجابية النسبية التي أوجدتها التعديلات الدستورية لعام 2012 في شأن الاستجواب على أن (تجرى مناقشة الاستجواب في المجلس مالم يقرر أغلبية أعضائه مناقشته في اللجنة المختصة)، هو قيام مجلس النواب بتقييد نفسه بتعديل المادة (145) مكرراً (1) الفقرة الثالثة من اللائحة، باقتراح بقانون مقدم من بعض أعضاء المجلس في الفصل التشريعي المنصرم الذي نصّ على أنه (لا يعد الاستجواب جدياً إلا إذا وافق على ذلك ثلثا أعضاء المجلس). وهي سابقة لا مثيل لها على الإطلاق وجاءت بالمخالفة للدستور الذي حدّد بنصوص صريحة وواضحة الحالات التي تشترط أغلبية الثلثين، فأصبحت مناقشة الاستجواب مستحيلة ليس في داخل المجلس فحسب بل في اللجنة المختصة كما جاءت في التعديلات الدستورية.
نحدد جوابنا على سؤال: من المسؤول عن تراجع الحياة النيابية، كما يلي:
إذا كان هناك ثمة إشكالية في الطريقة التي صدر بها دستور 2002 خلافا لمبادئ ميثاق العمل الوطني وفي بعض النصوص التي نصّ عليها وهي عديدة بينها ما تناوله المنبر التقدمي في “وثيقة الإصلاح الدستوري” التي نشرها في العام 2007، واشتملت على أبرز المواد الدستورية التي يتعين تعديلها وشابتها عيوب كشف عنها تجربة الفصل التشريعي الأول، فإن العلة الأكبر هي في التشريعات التي صدرت طبقاً لأحكام هذا الدستور ومذكرته التفسيرية والتعديلات التي تمت عليه، سواء كانت هذه التشريعات صدرت بأداة القانون، أو بمرسوم بقانون، او بمرسوم، إذ جاءت معظم هذه التشريعات تنتقص من الحقوق والحريات ونالت منها، ولعل أبرزها تلك المتعلقة بالنظام الانتخابي والتي أحسبها سبباً من أسباب أخرى رئيسة لهذا التراجع في التجربة النيابية في البحرين.
فهذا النظام الانتخابي هو الذي أوصل لمجلس النواب نوابا يوافقون على تعديلات للقانون الذي ينظم عملهم تنال وتنتقص من دورهم في الرقابة على أعمال الحكومة، وهو الذي أوجد نوابا يمتنعون أو يتغيبون منعاّ من الحرج ما بين الحكومة، وهموم الناخبين اللذين انتخبوهم. هذا النظام الانتخابي هو الذي اسقط الكفاءات أو جعلها تقاطع أو تمتنع عن المشاركة في التجربة البرلمانية، كفاءات وطنية تجمع بين القانون والسياسية ، تجمع بين السياسة والاقتصاد ، تجمع بين السياسة والثقافة، يعج بها مجتمع البحرين يشهد لها الداني والقاصي داخل وخارج البحرين ، وحين نقول كفاءة وطنية لا نعني أن تعبر عن حبها للبحرين وقيادتها السياسية فحسب بل وطنية بمعنى تلك التي لا تسعى كلما سنحت الفرصة لها بمدح وتبجيل صناع القرار، بل هي تلك التي تنشد إصلاحاً حقيقياً بمعالجة وانتقاد كل ما يعيق الإصلاح من فساد ومفسدين، تنشد العدالة الاجتماعية للمواطنين في العمل، في الصحة والتعليم والسكن وعند التقاعد. والتمتع بكافة حقوقهم السياسية دون انتقاص.
هذا النظام الإنتخابي جعل من الإقامة العادية سيفا مسلطاً على الكثير من المترشحين أصحاب الكفاءة وجعل من الشرطة رقبياً على المرشح لمعرفة أين ينام في مسقط رأسه أم في مكان إقامته العادية، فهذا النظام الذي يقسم مناطق البحرين إلى أربعين دائرة انتخابية ساهم إلى حد كبير في سقوط من يمتاز بالكفاءة من المرشحين لمجلس النواب، وعزز من دور العلاقات الأسرية والطائفية في اختيار المرشح.
كل ذلك جاء بالمخالفة لأحكام الدستور من أبرزها:
المادة(57/أ) من الدستور التي اشترطت في عضو مجلس النواب أن يكون اسمه مدرجاً في أحد جداول الانتخاب. غير أن مشرّع مرسوم بقانون مباشرة الحقوق السياسية اشترط في المادة الثانية الفقرة 3 من هذا القانون في كل مواطن لمباشرة الحقوق السياسية أن يكون مقيما إقامة عادية في الدائرة الانتخابية طبقاً لما هو ثابت في بطاقته السكانية في مخالفة صريحة للنص الدستوري المذكور. ونال من تكافؤ الفرص بين المواطنين التي نصت عليها المادة الرابعة من الدستور.
المادة (89/أ) التي نصت على أن عضو مجلس النواب يمثل الشعب بأسره، بمعني أنه لا يمثل دائرته بل يمثل كل مناطق البحرين التي يتعين أن تكون دائرة انتخابية فحين يقترح عضو مجلس النواب قانونا، او حين يراقب أعمال الحكومة فإنه يمارس هذه الاختصاصات ليس من أجل دائرة انتخابية بعينها بل يمارسه من أجل المواطنين جميعا أينما سكنوا في أي منطقة مناطق البحرين.
وتمتد عيوب النظام الانتخابي الذي يعد من أسباب تراجع الحياة النيابية في البحرين إلى التعديلات التي أجراها المشرع العادي عام 2006 على المادة الثالثة من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي منعت المواطن من حق الترشح لمجلس النواب حتى وإن رُدّ إليه الاعتبار أو حصل على عفو خاص من جريمة كان قد ارتكبها.
وفي الوقت الذي كنا نتطلع فيه من مجلس النواب في فصله التشريعي الرابع المنصرم أن ينصرف إلى معالجة هذه التعديلات نجده يتقدم باقتراح بقانون يضع على القيود الموجودة في الأصل قيوداً جديدة تمنع من حق الترشيح لمجلس النواب قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي، فنال ذلك من حق الاقتراع العام ومن سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات بل امتد إلى النيل من حقوق المواطنة وتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ومع المعايير الدولية والآثار المترتبة على ردّ الاعتبار والعفو الخاص من العقوبة.
لم يبق من وسائل الرقابة البرلمانية سوى الإقتراح برغبة التي لم يتم تقييده لآنه أضعف الوسائل، فالسؤال تمّ تقييده بموجب المرسوم بقانون رقم (49) لسنة 2018، والاستجواب لم يعد ممكنا، والمناقشة العامة غير قابلة للنقد أو اللوم، وتأليف لجان التحقيق سيتم تقيدها في الطريق.