جاء في مقدمة العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية :(إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحراراً، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ تضع في اعتبارها ما على الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، من الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته).
ولأن هذه الحقوق لا تنحصر في حق معين بل هي عديدة، لهذا نُصّ عليها في الاتفاقيات الدولية والدساتير للعديد من البلدان في العالم لتكون ملزمة لها، وأصبحت حقاً دستورياً لا يمكن التنصل منها تحت أي ظرف من الظروف، ولابد من الالتزام بها وتنفيذها تجاه مواطنيها في البلدان المقرة في دساتيرها، وتُساءل وتُحاسب من قبل السلطات التشريعية المنتخبة وتُثار إشكالية حولها مع المنظمات الدولية المعينة بحقوق الإنسان.
موضوعنا عن الحقوق المدنية المثبتة كمواد في دساتير بعض البلدان الخليجية بما فيها بلادنا البحرين، حيث توجد تلك المواد في دستور مملكة البحرين 2002 (7 “أ”، 8 “أ”، 9، 13 “ب”)، ولا يسع المقام هنا لنقل تلك المواد الدستورية، لذا نكتفي بالمادة ( 8) أ- : “لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية”، ورغم أهمية بقية المواد إلا أننا نتوقف أمام هذه المادة بالذات، لما لها من خصوصية لأنها تعنى بالصحة العامة، صحة الإنسان التي بدونها لا يستطيع القيام بالعديد من الواجبات والالتزامات في الأسرة، العمل، المجتمع، وأن توفر التعليم، العمل، السكن، في بعض الاحيان، وإن كان في حالات عديدة لا تتوفر للمواطن جميع تلك الحقوق وبالأخص المواطنين أصحاب الدخل المحدود، وإن حصلوا عليها تأتي بعد معاناة وانتظار لسنوات طويلة، بالأخص السكن الذي هو أيضاً حق دستوري، حيث أن طلبات المواطنين في وزارة الإسكان بالآلاف ينتظرون مدداً تصل إلى 20 و25 سنة، فكيف يطلب من المواطن القيام بالواجبات الدستورية ولا تُلبى حقوقه المنصوص عليها في الدستور؟.
والأكثر من هذا وذاك تستمر سياسة النيوليبرالية بتحميل المواطنين أعباء مالية إضافية من خلال فرض الضرائب والرسوم عليهم، وهم ليسوا شركاء في القرار السياسي ويدفعون الثمن باهظاً لأخطاء وسياسات الدولة الفاشلة والتي لم تستطع التصدي للفساد والفاسدين وسارقي المال العام. ولو تحدثنا فقط عن الفترة الماضية طوال العشرين سنة الأخيرة، فيمكن العودة إلى تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وهو جهة رسمية تابعة للدولة، لنرى حجم الفساد، ولكن لم نقرأ بأن هناك مسؤولين متورطون في قضايا فساد وسرقة المال العام تمت محاكمتهم، مثلما حدث في بعض الدول الخليجية، وليس الاكتفاء بمحاكمتهم، بل صدرت بحقهم أحكام بالسجن في قضايا فساد وغيره، فالفساد وباء خطير وفتاك يجب مكافحته والتصدي له، لا غض النظر عن الموضوع وترك الفاسدين والمتورطين فيه يمرحون ويسرحون دون مساءلة قانونية لهم بتقديمهم للمحاكمة، وكأنها مكافأة لهم على أفعالهم المشينة في سرقة المال العام وهي جريمة بحق الوطن والمواطن.
تمضي التوجهات لتنفيذ السياسة النيوليبرالية تحت عناوين ومسميات متنوعة، بذريعة تقوية الاقتصاد الوطني بانتشاله من حالة الركود والضعف، من خلال الذهاب بعيداً بتنفيد عمليات الخصخصة، وإن كانت إجراءات التحول متفاوتة وتأخذ وقتاً في تلك القطاعات الحيوية (الصحة، التعليم، الإسكان، الكهرباء والماء) التي تمسّ حقوق المواطنين وبالأخص الفئات الفقيرة والكادحة وترك الفاسدين والمتسببين في التراجعات والصعوبات التي يعاني منها الوضع الاقتصادي في البلاد ماقبل جائحة كورونا وتداعياتها مما أدى إلى العجز في الموازنه لعام 2021 و 2022 وارتفاع ملحوظ في الدين العام، يفاقم من استمرارية الأزمة ولن تفيد نصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، نصائح كارثية تحمِّل المواطنين الأعباء المالية وبالأخص الفئات الشعبية الفقيرة بمزيد من فرض الضرائب والرسوم .
تدعو النيوليبرالية “إلى تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع، و تسعى لتحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص، بدعوى أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلد.” وبكلمات فإن النيوليبرالية تزيد الفقير فقراً والغني غنًى وتسلب من الفئات الفقيرة والكادحة حقوقها وبالأخص الحقوق المكتسبة طوال سنوات بل وعقود، وتخلق في المجتمع حالة من التمييز والفوارق الطبقية، وتغيب مبادئ وقيم المساواة والعدالة الاجتماعية .
مهمة أعضاء مجلس النواب كبيرة بالتصدي للتوجهات النيوليبرالية التي تمضي نحو الخصخصة للقطاعات الحيوية (الصحة، التعليم، الإسكان، الكهرباء والماء) لكي لا يكونوا شركاء السلطة التنفيذية في إفقار المواطنين، عليهم التعلم من درس الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، لكي لا تتكرر الأخطاء والمآسي ويتحملها المواطنون ويخسر الوطن.