تجدد جمعيات التجمع القومي والمنبر التقدمي والتجمع الوحدوي إشادتها بكل الإجراءات التي اتخذتها الدولة للتصدي لتفشي وباء كورونا، والجهود الوطنية العالية التي تبذلها كافة الكوادر المعنية وخاصة الكوادر الطبية والصحية، كما تحي بكل واعتزاز الروح الوطنية الجامعة لكافة فئات المجتمع في الالتفاف حول تلك الإجراءات ودعمها، وروح التضامن الاجتماعي التي تجلت في الكثير من الصور والمواقف الرائعة والمبدعة والمسئولة.
وعلى ضوء تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المتحور خلال الأسابيع الماضية وبصورة غير طبيعية ووصول الإصابات إلى العديد من السجناء السياسيين وغيرهم من السجناء، الذين عادة ما تكتظ سجونهم بإعداد كبيرة تجعلهم أكثر عرضة لانتقال العدوى والإصابة، فأن هناك مخاوف جدية وحقيقية لخروج الوضع عن السيطرة وتحول هذه السجون إلى بؤر جديدة لتفشي المرض، مما ينذر بكارثة إنسانية وحقوقية جسيمة. لذلك، فأننا ندعو السلطات إلى الاستجابة السريعة إلى الدعوات الشعبية والإنسانية والحقوقية الكثيرة إلى إطلاق سراح هؤلاء السجناء والتوسع في العقوبات البديلة وذلك من أجل الحفاظ على أرواحهم. كما تدعو الجمعيات الثلاث الحكومة إلى الشفافية بصورة أكبر في الإعلان عن حالة السجناء وأعداد الإصابات نظرا للقلق الكبير الذي ينتاب أهالي السجناء تجاه الحالة الصحية لأبنائهم.
إن الجمعيات الثلاث تستشعر الحاجة الملحة إلى إضفاء المزيد من التضامن والوحدة بين أبناء الشعب وتكاتفه ودعمه لكافة تلك الإجراءات والوقوف صفا واحدا لتجاوز المحنة الراهنة. وهذا يستدعي، من بين أمور كثيرة أخرى، المبادرة إلى مواصلة الخطوات الإنفراجية وإطلاق سراح السجناء من معتقلي الرأي والحقوقيين لدواعي الظروف الراهنة وهي الإجراءات التي قامت بها دول كثيرة في العالم، ولتضفي المزيد من البهجة والتكاتف الوطني في المجتمع، خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك، وتسهم في حلحلة الملف الحقوقي للبحرين وطي صفحة التداعيات السياسية والأمنية الخطيرة التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية.
التجمع القومي
المنبر التقدمي
التجمع الوحدوي
المنامة في 30 مارس 2021
على ضوء الأنباء بتزايد إصابات كورونا في صفوفهم القومي والتقدمي والوحدوي يدعون لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتوسع في العقوبات البديلة
نوال السعداوي امرأة من طراز آخر
غيّب الموت الكاتبة الأديبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي عن عمر ناهز التسعين عاماً، ليرتبط تاريخ وفاتها باحتفالات المرأة في شهر مارس (آذار)، بل أنها رحلت في 21 مارس، يوم الأمهات وكأنها أم لكل التنويريين والمثقفين الذين يؤمنون بأفكارها الجريئة، هي التي كرّست حياتها ومشروعها الفكري لقضايا تحريرالمرأة، بما جعل اسمها يرتبط بكثير من المواقف الفكرية النسوية المثيرة للجدل.
نوال السعداوي، المولودة في شهر أكتوبر/ تشرين الأولمن عام 1931، في قرية كفر طلحة بمركز بنها بمحافظة القليوبية (دلتا مصر)، تخرجت في كلية الطب بجامعة القاهرة، في العام 1955 متخصصة في الأمراض الصدرية، وبدأ شغفها بالكتابة منذ الصغر وجمعت بين الطب والكتابة، ولكن ميولها الأدبية طغت على عملها كطبيبة، وقدّمت ألواناً أدبية شتى، كالقصة والرواية، علاوة على كتبها الفكرية التي كرّستها للدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص، لا سيما مناداتها بالمساواة، وتجريم ختان الإناث، “دعت الى محاربة الختان منذ شبابها. وعلقت في عام 2007 على وفاة الطفلة صاحبة الاثني عشر ربيعاً بدور شاكر أثناء إجراء هذه العملية قائلة :هل كان يجب عليك الموت لتنيري هذه العقول المظلمة؟ هل كان يجب دفع هذا الثمن بحياتك؟ يجب على الأطباء ورجال الدين أن يعلموا أن الدين الصحيح لا يأمر بقطع الأعضاء التناسلية”.
وشاءت الصدف أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في نفس توقيت صدورقرارعن مجلس الشيوخ المصري لقانون يغلظ عقوبة جريمة ختان الإناث، وهي التى كانت من أوائل المطالبات بوقف هذه الجريمة ومنذ عقود طويلة منذ أن كانت هذه المطالبة بحد ذاتها جريمة ولا أحد يجرؤ على التحدث فيها.
الدكتورة نوال السعداوي صاحبة مشروع تنويري ثقافي نسوي، خصوصاً فيما يتعلق بمفاهيم الشرف، والمساواة المفقودة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا، تحدثت عن عبودية النساء والفقراء من قبل الرجل والدولة، وكررت على الدوام أنه إذا تحررت المرأة سيتحرر المجتمع، وجسدت ذلك في كتبها، ومن بينها “المرأة والجنس”، “مذكرات طبيبة” وغيرها.
أثارت آرائها حفيظة المؤسسة الدينية والسياسية، التي قادتها للسجن في زمن السادات عام 1981، بتهمة التآمر على الوطن ولكنها وكما تقول في مقابلاتها: “كسرت قضبان السجن الحديدية بالكتابة، وكتبت وأنا كلي سعادة باستغلال الوقت وإستغلال ورق التواليت وقلم رسم الحواجب التي سربتها لي إحدى السجانات وبدأت في كتابة “سقوط الإمام”، وتوالت مؤلفاتها التى كانت تربط بين تحرير المرأة والوطن من الفاشية الدينية والتابوهات التى حاول المتشددون والظلاميون غرسها في عقول المجتمع، وقد وضع اسمها على قوائم الإغتيالات، وكانت تخاطب النساء قائلة: “حطمن الأغلال وعشن حُرّات. لا تحدث الثورات في الخفاء والكتابة لاتعرف السرية .. حطمي قفل الدرج وأكتبي في النور، اغضبي وثوري ولا تستكيني”.
وقد كرمت بكثير من الجوائز المهمة من عدد من المؤسسات الحقوقية والنسوية والثقافية، بينها جائزة «لشبونة بين الشمال والجنوب» و«إينانا الدولية» من بلجيكا، و«ستيغ داغيرمان» من السويد، و«رابطة الأدب الأفريقي»، و«جبران» الأدبية، وجائزة من جمعية الصداقة العربية – الفرنسية، وأخرى من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية.
وفي مثل هذا الشهر من العام الماضي، اختارت مجلة «تايم» الأميركية السعداوي، مع أخريات، في يوم المرأة العالمي، ضمن قائمة الـ 100 امرأة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2020. ولم يكن احتفاء «تايم» بالسعداوي هو الأول بالنسبة للمجلة، فقد سبق أن أفردت غلافها لصورتها عام 1981، في مواكبة لتعرضها للسجن بسبب آرائها التي أثارت جدلاً واسعاً مصرياً وعربياً، وإعلانها رفض اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل، الأمر الذي كلفها وقتها إقالتها من عملها، إذ كانت مديرة لإدارة الصحة العامة في مصر، وأطلق سراحها عقب شهرين من اغتيال السادات. كما سبق أن اختارتها صحيفة «الغارديان» البريطانية واحدة من أهم الكاتبات في إفريقيا في المجال الاجتماعي والسياسي، ومن بين أفضل 5 روائيات وأديبات من القارة السمراء عام 2018.
هناك الكثير مما يقال عن هذه المرأة الحديدية الصلبة القوية الجريئة الشجاعة التي لم تثنها السنين ولا كل المغريات عن صمودها بنفس آرائها حتى آخر نفس ورمق، وفي الختام سأورد خاطرة أعجبتني تجسد كل الآراء والأفكار الجريئة التى كانت تتبناها الراحلة وتدافع عنها بضراوة، أهدتها الشاعرة كنزة بن ملاح لروح الراحلة الملهمة الدكتورة نوال السعداوي عشية وفاتها:
“أبكيك اليوم دموع المستعبدات، المقهورات، المختونات، الخاضعات/ أبكيك وأبكي شعباً/ يخال كل الأديان معادية للمرأة/ أبكي تلك التي تضرب كل ليلة وتجبرعلى الجماع/ أبكي نساء لايعرفن قيمة النساء ورجال لايعرفن معنى أن يكونوا رجالاً/ أبكي كل أم وكل زوجة/ وكل ابنة خضعت لنظام أبوي عجرفي/ أبكي من تتلذذ كونها ناقصة عقلا ودين/ ابكيك سيدتي، أودع ذلك الحنين الذى خلت أنه سيشفى بلقياك ذات يوم/ أشيعك لسماء آمنة لك ولمن يعرف قيمة النساء/ نامي في سلام وصلي لنا دائماً نحن الإناث/ كوني قديستنا واحرسينا من بعيد/ لاتتركينا دون رشد أو طريق/ كوني معنا كما كنت قبل حين/ أبكيك سيدتي وأبكي زمناً يجعل من المرأة عورة/ يجعل منها أنصاف الأشياء رغم أنها الكمال والكل/ دمتِ أمنا/ دمتِ روحنا/ دامت روحك منبثقة في أرواحنا/ دمتِ الحنين/ وأنا أقول دمتِ أمنا/ نامي في هدوء وسلام/ تسعون عاما وأنتِ لأجلن نحن النساء/ ثائرة على الدوام/ دامت روحك ملهمة وثّابة”.
أزمة القراءة في المجتمعات العربية
عند الحديث عن القراءة ومستوى الإقبال عليها في الدول العربية نجد أنها ضعيفة لعدة أسباب، أهمها ارتفاع نسبة الفقر والأمية في العديد من الدول العربية. ويضاف إلى الأمية الأبجدية الأمية الثقافية التي تتمثل في أن أكثر المتعلمين لا يقرؤون، إما لعدم القدرة على التفاعل مع الثقافة أو لعدم الرغبة في هذا التفاعل.
حتى في المدارس والجامعات العربية نجد أن الغالبية العظمى من الطلبة يكتفون بالكتب المقررة، في ذلك تستوي الجامعة مع المدرسة، فلا المدرسة تشجع على المطالعة، ولا الدراسة الجامعية تتطلب غير ما يقوله أو يكتبه دكتور المادة. يقول بو علي ياسين: “الطلاب العرب هم عموماً طلاب شهادات، والشهادة مطلوبة من أجل فرص العمل، ومن ذلك حتى التدريس في الجامعة بشهادة الدكتوراه، والغالبية العظمى من هؤلاء الطلبة لا يقرؤون بعد مغادرتهم للمدرسة أو الجامعة، لا كتاباً ولا حتى جريدةً، الشهادة، كوثيقة رسمية وحدها تكفي، حتى لو كان صاحبها قد نالها بالغش”.
في السنوات الأخيرة لجأت بعض المدارس العربية إلى فرض القراءة فرضاً على الطلاب كل يوم، فكانت النتيجة عدم تفاعل الطلبة مع هذا المشروع، ليس لأنهم فاقدين لهذه المهارة، إنما كان ينقصهم التحفيز والرغبة الداخلية لحب القراءة. فِعْلُ القراءة يجب أن يكون نابعاً من الداخل ومدفوعاً بالفضول المعرفي والتساؤل الفلسفي، وهذا ما يفتقده القرَّاء الصغار والكبار في مجتمعاتنا العربية. وتفسير ذلك يطرحه بعمق جوستاين غاردر في روايته الشهيرة (عالم صوفي) حيث يقول: “الفارق الكبير بين معلم المدرسة والفيلسوف الحقيقي يكمن في أن المعلم يعرف كماً من الأشياء لا يتوقف عن تعليمها لطلابه بالقوة، بينما يحاول الفيلسوف أن يجد إجابات عن الأسئلة التي يطرحها بالمشاركة مع تلاميذه”.
من الملاحظ على أغلب القرَّاء العرب التبعية العمياء، خصوصاً للمؤسسة الدينية، حيث يكون القارئ العربي أسيراً للخطاب الديني في رؤيته للوجود والأخلاق والمجتمع والسياسة والفن والثقافة بصورة عامة. فهو أشبه بوصف فيليس مندل للقارئ الفاقد للرأي المستقل بالأسفنجة التي تمتص الماء، وهنا ينصح القارئ أن “لا تقرأ مثل الإسفنجة، تنتظر بشكل سلبي حتى تمتلئ بالمعلومات، بل اقرأ بتمعن وتساؤل، وتعاملْ مع المقروء بنديةٍ وأقحمْ نفسك داخلها موافقاً أو مخالفاً أو مُضيفاً أو معدلاً أو مقدراً، وتعلمْ إضافة الملحوظات الهامشية لحظات القراءة فهي لا تتكرر وتعكس مهاراتك العالية في التحليل والتركيب”.
أنواع القرَّاء عديدون، فمنهم من يقرأ للتسلية، وآخرون من أجل سدّ وقت الفراغ، ومنهم من يقرأ لتحقيق النجاح في دراسته والحصول على شهادة توفر له عمل ودخل جيد. ولكن هناك من يقرأ لأن الحياة عنده سؤال وبحث لا يتوقفان حول كل المعارف والأفكار والقيم بما فيها الثوابت والمسلمات. والقارئ النهم الذي لا يتوقف عن قراءة الكتب يتميز دائما بأن مفرداته وأفكاره ومواضيعه تتجدد باستمرار.
القارئ المميز هو من يقرأ بصورة مغايرة عن الآخرين. فهو لا يقرأ الكتب التي يقرؤها الغالبية من القرَّاء، ولا يؤمن بذات الأفكار التي يسلِّم بها أفراد مجتمعه. بينما الجماعات والأحزاب الأيديولوجية التقليدية من دينية وعلمانية أعضاؤها عادة ما يتطابقون فيما يقرؤون فلا يتباينون كثيراً فكرياً وثقافياً. ولهذا ينتقد هاروكي موراكامي القارئ الذي يضع نفسه في إطار جماعته المحدودة ” إن كنت تقرأ الكتب التي يقرؤها الآخرون فقط، ستفكر فيما يفكر فيه الآخرون فحسب”.
ولا بد من التمييز بين التعلم والقراءة وبين الفكر، حيث الأخير يشير إلى قدرة العقل على تصحيح الاستنتاجات بشأن ما هو حقيقي أو واقعي، وبشأن كيفية حل المشكلات. بينما التعلم عملية تذكر وتدريب للعقل وتعديل في السلوك. وبتعبير شوبنهاور: “القراءة والتعلم شيئان يستطيع أي إنسان أن يزاولهما بمحض رغبتهِ، أما الفكر فلا، فالتفكير يجب أن يقدح كما تقدح النار في تيار من هواء”. فهل مشروع تحدي القراءة -مثلا- الذي يعتمد على الكم وليس على الكيف يتقاطع مع ما دعا إليه شوبنهاور أم يتناقض معه؟!
القراءة الكمية السطحية شيءٌ، والقراءة الفكرية العميقة شيءٌ آخر. الأولى هي أقرب للتسلية وملء وقت الفراغ، أما الثانية فهي قراءة تحليلية يقوم فيها القارئ بتحليل الأفكار بشكل عميق، والتفكير بأسلوب نقدي. القراءة الكمية السطحية في الغالب صاحبها مقيد وأسير لثقافة بيئتهِ ومجتمعه، بينما الفرد الذي يتصف بالقراءة الفكرية العميقة أُفُقُهُ المعرفي مفتوح على مجمل الثقافات الإنسانية وليس لسقفهِ النقدي من حدود.
نوال السعداوي وإرثها الخالد في النضال النسوي
رحلت نوال السعداوي، الطبيبة والمفكرة والروائية الجريئة، رحلت تاركةً إرثاً كبيراً لا يستهان به في مجال العمل والنضال النسوي. رحلت ابنة كفر طحلة تاركة خلفها فكراً انسانيا حجز مكانه في الذاكرة، حتى إذا ما تكلم المرء عن رموز النضال النسوي في العالم العربي لا يسعه إلا ذكر نوال السعداوي كأبرز هذه الرموز وأكثرها تأثيراً.
في الحقيقة، أرجعني خبر رحيلها بالذاكرة سنوات للوراء، عندما كنت في الثامنة عشر من عمري، حيث شاهدتها لأول مرة متحدثة على إحدى المحطات التلفزيونية، وكانت التعليقات الصادرة من الجالسين حولي بين ناعتٍ لها بالجنون، ومتهمٍ إياها بالتعصب، بينما كانت بالنسبة لي المرة الأولى التي استمع فيها لإمرأة تتحدث بهذه الجرأة تكسر التابو تلو الآخر.
تجمدت أمام التلفاز متساءلة من هي هذه المرأة التي أثارت جدلاً واسعاً في الجلسة. بانصات تابعت ما تقول، سجلت اسمها في مذكرتي، وأردت أن أعرف المزيد.
لم يطل الأمر حتى اقتنيت الكتاب الأول، “الأنثى هي الأصل” الذي تذهب فيه نوال السعداوي بعيداً إلى عمق التاريخ بحثاً عن حقيقة المرأة ومكانتها ما قبل الاديان، وما قبل تشكل الأسرة “الأبوية” كما تسميها. بشغف قرأتُ الكتاب، وأعدت قراءته للمرة الثانية، سجلت في مذكرتي المعلومات كحجة لخوض النقاشات عن سطوة المجتمع الذكوري على رقاب النساء. كتاب واحد كان كافياً لإحداث ضجيج مدوي في داخلي، كان كفيلاً بكسر العديد من المعتقدات وذلك في ذروة تمردي على السائد والموروث على القيود الاجتماعية تحت مسميات عدة، تمردي على الأغلال التي كنتُ ومازالتُ أرى أنها تهدف لإبقاء المرأة في مرتبة أقل من الرجل.
من “الأنثى هي الأصل” إلى “المرأة والجنس”، “الرجل والجنس”، ومن ثم الروايات الواحدة تلو الأخرى، فكانت تغذي تمردنا بالافكار.
بمجرد أن نكبر، تتراجع حدّة تمردنا، أو ربما يهدأ اندفاعنا، ولكن لا نتنازل عن حرية أفكارنا، والحقيقة أن هذه المرأة الحديدية المتمردة التي لم تتنازل عن أفكارها وحريتها نجحت في فتح ثغرة في جدار الموروث، وكسر الكثير من التابوهات التي ظلت جاثمة على صدور النساء في العالم العربي لسنوات طويلة.
بصوت عالٍ ودون مواربة قالت “لا” عاليا، وعندما قالوا لها “أنت امرأة وحشية وخطيرة” ردت: “أنا أتكلم الحقيقة، والحقيقة هي وحشية وخطيرة”.
مازالت أتذكر كيف تحوّلت نوال السعداوي إلى تهمة بمجرد أن كنا نتحدث عن حقوق المرأة وضرورة مساواتنا بالرجل، أتذكرا جيدا ما قيل لي من قبيل: “أنت متأثرة بنوال السعداوي”، ” يا عمي عورتو راسنا بأفكاركم”، ولكن في جوهر الحقيقة أن نوال اتخذت من اسلوب الصدمة منهجاً، فصدمت المجتمع الذكوري بما لم يعتد على سماعه، فكيف لو كان ذلك من امرأة، كما صدمت المجتمع النسائي الذي لم يعتد على خوض المعارك على طريقتها. معارك شرسة بثمن باهظ، معارك من أجل الحرية والمساواة.
لقد تعرضت نوال السعدواي لأبشع حملة تشويه من المجتمع الذكوري ومن رجال الدين على وجه الخصوص، اُتهمت بالإلحاد وخدمة الماسونية وازدراء الأديان، وغيرها من التهم، حرب نفسية من أشخاص عجزوا عن مواجهة الفكر بالفكر.
إذ من المؤسف في مجمتعاتنا العربية التي يسيطر عليها التعصب والعصبيات، عندما تعجز عن مواجهة الفكر بالفكر، تلجأ إلى خوض حروب نفسية من قبل الإزدراء والتنمر والإتهام بالزندقة والإلحاد والتكفير، بل ما هو مؤسف أكثر أن الكثيرين استسلموا للدعاية السلبية التي اطلقت ضدها دون أن يكلفوا أنفسهم حتى عناء الإطلاع على كتابتها، ونقدها علمياً.
فأين الانحراف الفكري، عندما تقول إن قضية تحرير المرأة قضية سياسية بالدرجة الأولة، لأنها لا تمس حياة المرأة فحسب وأنما تمس حياة المجتمع بأكمله وإن تخلف المرأة وتكبيلها لا يؤخر النساء فحسب بل ينعكس على الرجل والأطفال ويقود إلى تخلف المجتمع.
وأين الزندقة والكفر عندما تقول إن أي دين من الأديان لا يمكن أن يتعارض مع العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، ولا يمكن أن يتعارض أي دين مع الصحة الجسدية والنفسية لجميع أفراده رجالاً ونساءً؛ ولهذا ليس علينا إلا أن نعرف الطريق الذي يقود إلى صحة الإنسان (رجلاً وامرأة) فيكون هو طريق الدين، لأن الدين خلق لسعادة الإنسان وصحته ولم يخلق لتعاسته ومرضه.
نوال السعداوي التي دافعت بقوة عن تحرر المرأة، رفضت بنفس القوة تسليعها واستخدام جسدها في السوق كسلعة وإهانة قدارتها الفكرية وإمكانياتها وحصرها في بعدها الجسدي.
لقد واجهت قضية ختان الاناث بجرأة قلّ نظيرها، ناضلت من أجل تحرير النساء من قيودهن مع ذواتهن قبل أن يخضن معركتهن مع المجتمع، فاحترام المرأة لذاتها وتقدريها لمكانتها هي الخطوة الأولى نحو فرض هذا الاحترام على المجتمع، إذ لا طائل من محاولة تحرير المرأة، اذا ما كانت هي نفسها تعتقد بأنها أقل من الرجل، أو “أنها ناقصة عقل ودين” أو أن أمرأتين تساويان في الكفة قيمة رجل واحد. باختصار تحرير المرأة يبدأ من المرأة ويمتد للمجتمع.
لقد شكلت هذه المرأة حالة فريدة من نوعها لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها حتى في اللحظات الاخيرة قبل رحيلها عندما كتبت: “أنا بنت الله، وتفكيري حر”، لقد اختصرت نوال السعداوي نفسها في هذه الجملة. التفكير الحر، أليس هذا ما تحتاجه المجتمعات للتقدم وتتطور؟!
هدوء…مريد يلقي شعره
اختلف الشاعر مريد البرغوثي عن مشاهير الشعر الفلسطيني، وشعراء القضية الفلسطينية، لارتقاء شعره أعلى درجات السلم اللغوي، بمعنى أن عبارته لم تكن سهلة، لا من حيث ثقل المعنى ولا من حيث الكثافة اللغوية التي يصوغ بها أفكاره. هو تحديداً رجل عميق، صاحب أفكار، نخبوي، مجازي دون ثرثرة، بليغ دون فائض، على الأقل هذا استنتاجي المقتضب عنه بعد تجربتي معه في تواجدنا معاً في لجنة البوكر في إحدى دوراتها. وهي تجربة اتسمت بالغنى بوجوده.
بالتأكيد عرفته كشاعر، لكنه كان يملك مهاراته الخاصة في القراءة، وفي الكتابة، وقد لمست ذلك عن قرب في طريقة كتابته لخطاب التوصية، كان جد مميز، مقارنة مع كل الخطابات التي حضرتها فيما بعد كل سنة خلال احتفاليات البوكر العربية. غير ذلك أذكر جيداً أننا خلال القراءة تبادلنا الكثير من الرسائل الإلكترونية التي حوت تقييماتنا، ومن بين تقييماتي كتبت تقريراً جيداً في رواية الكاتبة هدية حسين، وما حدث لي مع مريد بسبب هذه الرواية يستحيل نسيانه.
فقد اجتمعنا كلجنة في اسطنبول، وصادف أن وصلت طائرته وطائرتي في الوقت نفسه، فخصصت لنا سيارة واحدة لإيصالنا للفندق، فبقيت أنتظره، وبمجرد وصوله جلس بقربي وفتح الحديث بلباقة عالية ودون توقع مني ملمحا أن الرواية لا تعالج قضية مصيرية، أو تحولات كبرى في الأمة، فهي رواية بسيطة تحكي حكاية مصائر أربع نساء بينهن خياطة وهذا في نظره يقلل من قيمة النص. دافعت عن الرواية بقوة في اجتماعنا، وشعرت أن مريد اكتشفني مثلما اكتشفته، ليس فقط من خلال تعاملي مع السرديات، بل في مناقشاتنا المتنوعة بعيداً عن اجتماعات العمل.
كان إيقاعنا الفكري متناغماً جداً، وأذكر فيما أذكر أيضا طريقة إصغائه لي وأنا أفكك رواية “الطلياني” لشكري المبخوت، وإعادة تركيبها بمعاييري الخاصة، أعجبته طريقتي في الدفاع عن النصوص التي نالت اهتمامي، وأعجبت بطريقته في الدفاع عن نصوص الشباب، والنصوص الجديدة، فحين تحدثت عن جشع الكتاب الكبار أيّدني، وأبدى رغبته في إبراز طاقات إبداعية بدماء جديدة.
قبل التعرف عليه وجها لوجه، والتعامل معه إنسانياً، عرفت مريد البرغوثي من خلال كتابه النثري “رأيت رام الله” ولم أختلف عن أغلب من قرأوا هذا الجانب من سيرته، والتي نقل إلينا من خلالها مواضع وجعه الشخصي كفلسطيني سلخ من أرضه، فقد عشت صدمة هائلة وأنا أعبر إلى ماضيه وتاريخه، ومشاعره، وأتوغل بين ذلك الكم الفسيح من الشعر والنثر الجميل لألامس قلبه. بالضبط هكذا تفاعلت مع نصه البديع ذاك، ويصعب علي اليوم وصف لحظات القراءة تلك وما تخللها من هزات نفسية عصية على نقلها لغوياً.
أمام نصه لا يمكن قياس هياج اللغة إلا بكمية الصمت التي تنتابنا. هو نفسه كائن يتقن الكتابة باحترافية عالية لأن الصمت جزء من شخصيته، ثمة جانب مهم في تعامله مع من معه، متأمل، يتقن فن الإصغاء، سريع البديهة، كما تستهويه ألعاب اللغة على طرافتها، والتي يمارسها في تعليقاته الذكية، ومداخلاته المبهرة.
صحيح مريد البرغوثي شاعر مهم وكبير، ولكنه لم يحقق الشعبية التي يستحقها نصه إلى أن توفي. يوم إعلان وفاته تربع على عرش السوشل ميديا ك “ترند” غير محمود درويش مثلا الذي عاش نجماً وتوفي نجماً.
اختلف مريد في مسيرة حياته، وفي صياغته الشعرية لرؤاه السياسية والثقافية. كان حريصا أن تبقى قدماه دائما على الأرض، رفض استصغار نفسه بمجاملات مقيتة، تفرّد بزواجه بالروائية العظيمة رضوى عاشور، وبقصة الحب التي عاشها معها وأثمرت مبدعا بحجم تميم البرغوثي. تفرّد في تلك العلاقة، كوجه لهرم صعب. ولعلي أيضا محظوظة بتعرفي على رضوى عاشور عن قرب في بداياتي بالتلفزيون. وهي شخصية جميلة بتواضعها وهدوئها وحكمتها، إذ أذكر تماما أن فريق العلاقات العامة المكلف باستقبالها في المطار أضاعها، ودون أية مشاكل أخذت تاكسي إلى الفندق، طبعا اعتذرت منها بسبب ذلك الخطأ، ولكنّها تعاطت مع الأمر كما لو أنه لم يحدث، أروي هذه الحادثة لأن بعض ضيوفي كان لا يعجبهم العجب، وخطأ مثل هذا كانوا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسببه.
فهمت تركيبة رضوى عاشور ومريد البرغوثي من خلال تجربة استضافتهما في برامجي، فقد تركا معا انطباعا طيبا لدي، بسبب تواضعهما ولباقتهما وعمقهما.
لا يمكننا الحديث عن مريد دون ذكر رضوى وتميم، نعرف في قرارة أنفسنا أنهم يمثلون جرحنا الأبدي، ويعكسون عاهاتنا العصية عن الشفاء، ذنبنا غير القابل للمغفرة، جحودنا أمام عائلة ناضلت بالشعر والحب والكلمة الجميلة لتحقيق أمنياتها البسيطة، دون أن تحصل عليها على بساطتها…
مريد البرغوثي تجاوز فكرة الشاعر والناثر والناقد، هو قامة وقيمة فلسطينية وأكبر من ذلك هو قيمة عربية. وفي إسمه نضال كبير. عائلته الصغيرة مثلا تتكون من الأب المحمول بهمّ، والأم بهم، تميم الطفل حين رأى والده لأول مرة إلتبست عليه الأمور نادى عمه ب “بابا”، صورة لا تضاهيها صورة لاختصار الشتات الفلسطيني.
وأنا أكتب هذه السطور محاولة قول ما أعرف، لتوثيق شهادتي حول هذا الرجل العظيم، فكّرت في مصائر آخرين من نفس طينته، كيف حرموا من زوجاتهم وأولادهم لأسباب غبية قد تكون مرتبطة بتعنت موظف من الدرجة العاشرة، أو بإفلاس فكري مشترك لمؤسسات يفترض أن تحمي العقول المفكرة والمنتجة بدل تشتيت طاقاتها في السجون وبين المنافي.
قصة مريد ورضوى كانت لتكون مادة سينيمائية تهزّ ضمائرنا، وتضعنا وجها لوجه أمام أخطائنا لنعرف السبب الحقيقي لتخلف عالمنا العربي. ولكن ربما لم يحن الوقت بعد ليقظة، وإدراك حقيقيين لقيمة هؤلاء الإستثنائيين الذين تنهض الأمم بحمايتهم لا بالتنكيل بهم.
لكن مهلا، لماذا تصدّر اليوم مريد البرغوثي قوائم الأعلى تداولا في كثير من الدول العربية؟ لماذا اكتشفت جماهير مواقع التواصل أن هذا الشاعر يلقي شعرا يقتلع القلوب من أقفاصها؟ وأن هذا الصوت بقوة صوت درويش ولكنه ليس درويش؟ وأنّه شاعر من الذين نحبهم كثيرا، ولكنّه قبل هذا الموت كان هناك تحت الشجرة الظليلة التي حجبته عن الضوء؟
ثمة ولادة ثانية لهذا الشاعر لحظة موته، أو لنقل إنبعاث قوي لكلمته، ولكل ما كتبه وهو يروي حكايته. عودة غريبة من الهناك البعيد إلى عقر قلوبنا، انعتاق من السجن الذي ضُرِب عليه، انتصار عظيم للشعر على غير توقع، رسالة من أقوى الرسائل التي يمكن أن يتلقاها العالم، فهذا الجمهور الذي قد يبدو تافهاً ومسالماً مفضِّلا تناقل القصص المفرغة من أي محتوى جاد، بإمكان الشعر أن يرفعه فجأة لعتبة الوعي..!
سر الشعر يكمن هنا، وسر سلطته المخيفة تكمن هنا أيضا، إنّه يوقظ الوعي، وسواء جاء مفعوله مبكراً أو متأخراً فإنّه نفسه، يعيد الحياة للنفوس التي لوثها الموت، يزرعها بشتلات الأمل، ويغير وجهها إلى الأبد.
والآن من لم ير رام الله عليه أن يبحث عنها في كتاب مريد، ومن لا يصدق أن الحب أقوى من المسافات والظلم، فليقرأ قصائده، لا شيء قطع الحبل السري الذي ربطه برام الله ورضوى، فقد واجه كل الأمور الفظيعة بشعره، وهدوئه وصمته. يمكننا الإصغاء جيدا هذا الصوت الرخيم الذي يقرأ شعرا جميلا تقشعر له الأبدان إنّما ينبعث اليوم من قبره.
لقاء لينين وكروبوتكن (2 – 2)
حينها نظرتُ إلى فلاديمير إليتش، بدت على نظراته علامات السخرية والتسلية وهو يستمع بإنتباه شديد لكروبوتكن. كان من الواضح أنه مذهولاً من إنبهار وتحمس كروبوتكن بالتعاونيات على الرغم من أن ثورة أكتوبر قد قدمت نموذجاً متقدماً بأشواط عنها. ظل كروبوتكن يتحدث عنها أكثر فأكثر، وحكى كيف تأسست تعاونية اخرى في مكان آخر في انكلترا؛ بالإضافة إلى تأسس فيدرالية تعاونية صغيرة في اسبانيا، وتطور الحركة السنديكالية في فرنسا. لم يستطع لينين أن يتمالك نفسه فقاطعه فوراً:
(هذا مضر جداً، إذ تجاهل الجانب السياسي وتقسيم الجماهير العاملة يؤدي بهم إلى التغافل عن النضال المباشر.)
كروبوتكن: (لكن هذه الحركة توحد الملايين من البشر، وهذا بحد ذاته يعد شيئاً عظيماً. مع الحركة التعاونية سنخطو خطوة كبرى إلى الأمام.)
قاطعه لينين: (جميل جداً هذا كله. بلا شك، للحركة التعاونية أهمية كبرى ولكن إن كانت تكتفي بطبيعة سنديكالية فإن هذا أمرٌ مضر؛ ولكن أهذا هو الأساس حقاً؟ أيؤدي كل هذا إلى شيء جديد؟ هل تعتقد حقاً بأن العالم الرأسمالي سيفرش الطريق أمام الحركة التعاونية؟ لا، الرأسمالية ستحاول السيطرة على هذه التعاونيات بشتى الطرق الممكنة. هذه التعاونية “المضادة- للسلطوية“ في انكلترا ستسحق بلا رحمة وستتحول إلى أداة في يد رأس المال. سينتهي بها الأمر إلى الاعتماد على رأس المال وهكذا تنتهي الحركة، التي تتعاطفَ معها جداً، في الخيوط العنكبوتية لرأس المال. اعذرني، ولكن ليس لكل هذا أي أهمية! إنها مجرد تفاصيلاً زائدة! ما نحتاجه هو العمل الجماهيري المباشر، وطالما لا يوجد هذا العمل لا يُمكننا أن نقول أي شيء حول الفيدرالية، أو الشيوعية، أو الثورات الاجتماعية. كل هذا لا يعدو كونه لعب أطفال، جلبة من دون أي أساس صلب، بلا سلطة ولا وسيلة وهكذا لا يقدمنا ولا يؤخرنا إزاء أهدافنا الاجتماعية.)
في هذه الأثناء، نهض فلاديمير إليتش بحماس وأخذ يقول ما قاله بصوت عالٍ وواضح، أما بيوتر إلكسيفيتش كان يستمع بإنتباه لكلمات لينين الملتهبة؛ بعدها لم يستحضر كروبوتكن مسألة التعاونيات ثانية.
كروبوتكن: (أنت على حق، من دون النضال لن نصل إلى أي مكان في بلد واحد، ايّ من دون أكثر النضال مرارة.)
لينين: (لكن عليه أن يكون نضالاً جماهيرياً! أما النضال الفردي ومحاولات الاغتيال لا تفيد أحد بأي شيء؛ حان الوقت لأن يفهم الأناركيون هذه الحقيقة. لن ينجح النضال ما لم كان في الجماهير، وعبر الجماهير، ومع الجماهير…أما الوسائل الأخرى، ومن ضمنها الوسائل الأناركية، فأنها الآن في أرشيف التاريخ. إنها بلا أي فائدة، ولا تخدم أي شيء، ولا تجذب الناس؛ بل إنها تشكل إلهاء للناس الذين يسعون خلاصهم في هذا الدرب المتعب.)
فجأة سكت فلاديمير إليتش، وابتسم ابتسامة لطيفة قائلاً: (اعذرني أطلت عليك ولعلني أنهكتك، لكن ما العمل؟ نحن البلاشفة هكذا، وهذه مشكلتنا إذ أن هذه المواضيع هي المفضلة لدينا ولا نستطيع أن نتحدث عنها من دون أن نتحمس.)
كروبوتكن: (إطلاقاً! إذا كنت أنت ورفاقك تفكرون بهذه الطريقة، ايّ إذا السلطوية لم تسيطر على عقولكم، وإذا كنتم تشعرون بأنكم لن تأخذوا نهج الدولة في القمع، إذن ستكونون قد أنجزتم الكثير من الأشياء العظيمة. هذا يعني بأن الثورة في أيدٍ أمينة.)
رقّ قلب لينين فقال: (نحن نقوم بأفضل ما لدينا، كما نحن بحاجة إلى جماهير متطورة. أنا أظن بأن عليك إعادة طباعة مؤلفك (الثورة الفرنسية العظمى) لينشر بأوسع شكل ممكن؛ هذا الكتاب مفيد للغاية. لكن يا ترى أين سيطبع هذا الكتاب؟ ليس من الممكن طباعته في دار نشر الدولة.)
كروبوتكن: (إذا كنت تشعر بأن الكتاب مثير للاهتمام ومفيد فأنا مستعد لنشره في طبعة جديدة ورخيصة. لعلي سأجد دار نشر ما تابعة لأحد التعاونيات ستقبل به.)
لينين: (لن يكون في ذلك أي مشكلة في هذا إطلاقاً.)
بعد ذلك انحسر النقاش ما بين الاثنين، فنظر لينين إلى ساعته ونهض ليعلن بأن عليه الاستعداد لاجتماع السوفناركوم. ودّع كروبوتكن بحرارة وقال له بإنه سيسعد بأي رسالة يتلقاها منه. ودعنا كروبوتكن ورافقناه إلى الباب. بعدها قال لينين لي:
(كم شاخ كروبوتكن! إنه يعيش في بلدٍ متفجر بثورة قلبت كل شيء رأساً على عقب، ومع ذلك جلّ ما يفكر به هو الحركة التعاونية! هاهو فقر أفكار الأناركيين والمنظرين والاصلاحيين البورجوازيين الصغار؛ ففي وقت التهاب الحركة الجماهيرية الخلاقة، ايّ في وقت الثورة، تجدهم في حيرة من أمرهم فلا يبتكرون أي خطة صالحة ولا يطرحون نصائحاً عملية. لنفترض للحظة بأننا قمنا بما ينصحنا أن نقوم به، حينها بحلول يوم غدٍ سنرجع إلى النظام الأوتوقراطي ثانية؛ وأين سنكون نحن؟ جمعينا، وهو معنا، سنكون على جادة الطريق نهذر. كم كانت مذهلة الكتب التي كتبها، وكم كان قلمه رشيقاً، وكم كان منعشاً أسلوبه في الطرح والتفكير، لكن هذا كله ينتمي للسابق ولم يتبق شيئاً. مع ذلك هو كبير في السن وعلينا أن نحيطه برعايتنا ونوفر له كل حاجاته بقدر المستطاع؛ علينا أن ننفذ هذا بأكثر الأشكال حساسية. إن وجوده مفيد للغاية وقيّم بفعل ماضيه وما قام به في الماضي. أرجوك ألا تهمله ووفر له ولأسرته الرعاية التامة وأحطني علماً بأحواله كلها؛ حينها سنناقش كل شيء فيما بيننا ونوفر له المساعدة المطلوبة.)
وفيما كنا نتحدث عن بيوتر إلكسيفيتش وجيله، مشينا أنا وفلاديمير إليتش في الكرملين بإتجاه مبنى السوفناركوم حيث ستعقد الجلسة الثانية لحكومتنا بعد ربع ساعة.
عبدالإله العرب فنان الخط الباقي
رحل عن عالمنا الشهر الماضي فنان الخط العربي والتشكيل الفني عبدالإله العرب، زميل مرحلة الدراسة في قاهرة السبعينات. التقيته في شقة شقيقي الفنان التشكيلي عباس الموسوي، كانوا مجموعة من الفنانيين يدرسون الفنون وهندسة الديكور والخط وغيره أيام ذروة البعثات والمنح الدراسية المقدمة لأبناء البحرين في مختلف التخصصات، وكانوا مذ ذلك الوقت يجربون ابداعاتهم وحصيلة خبراتهم الأكاديمية في الرسم والخط والتشكيل ويشاركون بها في المعارض الفنية في القاهرة.
الطالب الهادئ الوقور الذي يتوارى خجلا حين يعبر عن نفسه، روى لنا انه وصل إلى قاعة المحاضرة ذات يوم مبكراً قبل غيره في أول اأسبوع دراسي له في منتصف السبعينات، فقام بخط عدة كلمات على اللوحة، حين وصل الأستاذ والطلبة انبهروا بالمستوى الفني الرفيع الذي يمتلكه هذا الطالب الوافد القادم من البحرين.
طلب منه أستاذه في الأيام التالية أن يحل مكانه في غيابه. صار الطالب أستاذا على زملائه في الشهر الأول للعام الدراسي، ونال لاحقا استحقاق الجمهورية للطلاب الاوائل من الرئيس الأسبق أنور السادات في دبلوم الخط العربي، اما شيخ الخطاطين العرب السيد إبراهيم فقد وصفه بأنه “واحد من أهم الخطاطين الشباب الذين مروا على تاريخ معهد الخط العربي”، وقد ونشأت بينهما صداقة عميقة امتدت طويلاً. تتلمذ عبدالإله في القاهرة أيضاً على يد مجموعة من كبار الخطاطين، وأساتذة الزخرفة والتذهيب والمتخصصين في خط المصاحف، وتعرف خلال دراسته في مصر على النماذج الخطية المختلفة لكبار الخطاطين العرب والأتراك على مختلف العصور، كما اقتنى العديد من الكتب والكراسات والمجلدات التصويرية المهمة في هذا المجال.
قصة عبدالإله مع الخط بدأت حين كان صبياً صغيراً يجوب أحياء المنامة مدفوعا بنداء غامض لم يجد له تفسيراً، كان يلتقط قطع الفحم والألوان ويخط الحروف على جدرانها ويكسو مآتمها ولوحاتها وأعلامها، كان في التاسعة عشرة من عمره حين انبثقت التجربة البرلمانية الاولى في البحرين، بيد أنه كان مشهوراً ومعروفاً بموهبته الفنية اللافتة فأوكلت اليه هو وستة خطاطين آخرين مهمة خط دستور مملكة البحرين عام 1973.
بعد عودته من الدراسة في مطلع الثمانينات حصل على وظيفة خطاط ومخرج فني في قوة دفاع البحرين، فخطّ المراسلات الحكومية ومجلة القوة وغيرها، لاحقاً جاءته فرصة أخرى للعمل في منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في الدوحة، اتجه عبدالإله إلى العمل التجاري طوال فترة الثمانينات، إذ كان الطلب شديداً على الخطاطين من قبل شركات الإعلان المحلية والأجنبية، في أعقاب الرواج الاقتصادي الذي عرفته منطقة الخليج، وقد راكم عبدالإله خلال هذه الفترة تجربة فنية وبعض المخرات المالية وظفها لتأسيس أول مدرسة للخط العربي عام 1990 بهدف إحياء الخط العربي والإرتقاء به، وجعله صنعة وفناً، وقد استقطبت المدرسة عدداً من خطاطي البحرين، كما تتلمذ فيها عدة مجموعات من الطلاب البحرينيين والعرب والأجانب الراغبين في إتقان حرفة الخط العربي، بعد المدرسة التي كانت حلم عبدالإله منذ صغره تفرق روادها شيئاً فشيئاً وانحسر الطلب عليها ما اضطره لإغلاقها .
تفرغ فيما بعد للمعارض الفنية والرسم والخط والزخرفة الإسلامية والتذهيب والتشكيل، وكان بارعاً في توظيف الحرف العربي في التشكيل، وحصل على أول جائزة تقديرية مرموقة في تركيا من قبل مركز الأبحاث للتاريخ والثقافة والفنون الإسلامية، واختير كعضوٍ دائم في اللجنة الدولية لفن الخط بإسطنبول، وهكذا عُرف الفنان اقليمياً ودوليا، وطارت شهرته وأينعت تجربته، فتلقى المزيد من العروض للمشاركات في المعارض الفنية المختلفة خطاً وتشكيلاً وتصميماً وزخرفة.
بعد الرسم على الورق والأختام وطوابع البريد، وفي منتصف التسعينات اتجه للرسم والتشكيل على السجاد محققاً ابتكاراً جديداً وغير مألوف فنياً في بلدنا، وفي عام 2011 استعانت “شركة الندى للأزياء والهدايا” ببعض أعماله التي تمّ تحويلها وطبعها على الحرير واستخدامها للوشاحات والأزياء الراقية، وقد لاقت رواجاً كبيراً، وأضافت بعداً وقيمة فنية لأعماله القديمة، أو المتحصلة على الجوائز.
ويجمع الفنانون البحرينيون على أن عبدالإله يعدّ امتداداً لاساتذة الخط العربي الكبار الذين سطروا ابداعتهم في الخط العربي على اختلافه، وقد تلازمت الموهبة مع الدراسة المتخصصة مع الإطلاع الدائم والتجريب، إضافة إلى التفرغ التام والممارسة الطويلة الممتزجة بالثقافة والمعرفة الادبية وبتراث الشعر العربي.
كان الروائي والكاتب حسين المحروس ينوي كتابة سيرة الخطاط عبدالإله، إيماناً منه بأهمية هذا الفنان في مسيرة الفن البحريني، إلا أن المشروع تعطل بعد مباغتة المرض للفنان ، حيث فضل الإنزواء والعزلة في السنوات الأخيرة، قانعاً بحياة بعيدة عن التجمعات والأضواء، رغم أنه كان يزمع إعداد بحث شامل عن الخط العربي القديم منذ 300 عام في البحرين وخارجها، وقد جمع مادته وصوره ومستنداته وظل ينتظر الفرصة لإطلاقه.
ولم يسع عبدالإله عرب لحياة مديدة أو طموح مادي كبير وقنع بما تجود عليه مبيعات لوحاته من مردود متقطع وغير ثابت بعد أن اكتسحت التقنيات الإلكترونية الحديثة، أغلب الفنون ونافست فن الخط، بل وسحبت البساط والرزق من أيدي الفنانين والمحترفين.
الفنان الرقيق الهادئ المثقف الملتزم المخلص لموهبته وعمله وابداعه ظلّ يقول: “لا أريد من من الحياة شيئاً سوى قصباتي وألواني وسجائري وركن صغير ومريح أمارس فيه عملي بهدوء”.
أغرم عبدالإله بالأدب العربي الكلاسيكي، وبالمتنبي وأبي نواس والجواهري وأبو العلاء المعري، حتى في أيام مرضه كان الكتاب رفيقه وسلواه، وإذا سئل عن صحته اجاب: “تعجبين من سقمي/ صحتي هي العجب”، في اشارة إلى قصيدة أبي نواس الشهيرة، “حامل الهوى” .
كنا نتمشي مع زميلنا عبدالإله في شوارع القاهرة، وكان يرصد الأخطاء في اليافطات الإعلانية وأسماء المحلات، ويردد أن مصر هي أم الخطاطين العرب فكيف يجورون على الخط العربي؟ إذ لا شيء يضير هذا الفنان كرؤيته لكلمة عربية معوجة أو متجاوزة لأصول الخط العربي الأصيل بكل انواعه.
كثيرة هي الأوسمة والجوائز التي حصل عليها عرب وكان جديراً بها، إلا أن إنسانيته وحسه الفني الراقي وتعامله الإنساني وكرمه الذي بلا حدود يظل عصياً على النسيان. أهدى عبدالاله العديد من أعماله إلى اصدقائه وأهله وزملائه وتلامذته وأبناءهم، اشتغل لهم وساعدهم ودرّبهم وصمم أغلفة كتبهم ويافطات مشاريعهم وبطاقات أفراحهم بالمجان وبلا مقابل.
لم يندم عبدالإله على شيء في حياته بقدر ما كان نادماً وحزينا ًعلى إغلاق مدرسة الخط العربي وهي مشروعه وحلمه الذي اشتغل عليه طويلا وتأمل منه الكثير وخرج منه بخسارة مالية ومعنوية، وكان يقول: اننا يجب ان نقتدي باليابان التي ما زالت تعتني بالخط الياباني الأصيل وبالأدوات القديمة نفسها باعتباره جزءاً من تراثها وحضارتها.
توزعت أعمال عبدالإله على عدد من المتاحف العربية في بلدان الخليج، واهمها لوحة “الحق يعلو” وتكوين الحرف “ح” التي فازت بالمركز الأول في بينالي القاهرة عام 1988، ثم احتلت مكاناً في متحف البحرين الوطني لاحقاً.
إن سيرة عبدالإله جديرة بأن توثق من قبل معاصريه ومجايليه وزملاءه، أما أعماله القديمة والحديثة فلابد وأن يحتضنها معرض فني دائم، اعترافا بموهبته وتقديرا لجهوده وابداعه في تطوير مهنة الخط العربي الأصيل.
نبع الوفا
أمان يا أرض الخلود الخالدة بنبض الزمان
حرزك.. أمان الله ودُعاء المصطفى وأهل الوفا
من خلقت الدنيا وتفاصيلك على نهج الجنان
مليون نخله والعيون اتحوفها جَهْر وخفا
والتين واللوز الحمر .. وعِدّ ما تشاء من فضْل كان
يحعل من البحرين جسمٍ في حَضن هذا البحر نام وغفا
روعة جمالك يا وطن إنّ البحر شالك وصان
لك داخله لول ودُررّ .. ثروات ما قالت: كفى
الناس مشعل طيب يضوي ارجاءها ويحيي المكان
وللضيف نار يقيدها قاصي الحشا .. كلْما لفى
من ريحة المشوم أُجزم يا وطن إنّك حَضن نبع الحنان
وإنّك جنان أهل الوفا .. الوارفه .. الحِصن .. الدفا
في قلوبنا نبض يتغنّى: يا وطن انت الغلا وانت الضمان
من خان بك .. نُجمع معاً ونقول له : آاااخ وأفااا
ينمو على ارضك وئام الشعب والقاده ويُدان
كل خارجٍ عن مِلّة الحُبّ النقي وعبد الجفا
لك حُبّ يرتع في شغاف قلوبنا .. وبسّ بالبنان
أشّر .. وكلْنا لك فدا .. إيدٍ بإيد.. طبّ وشفا
لك نور يضوي قلوبنا وبه نهتدي لْبرّ الأمان
لك نور يضوي قلوبٍ تحبّك يا وطن.. ما قط طفا
في ماضِيِك كنت الحضارة.. الملتقى وكلّ المعان
وفي حاضرك انت التميّز والبطل والدهْر لعيونك صفا
اصعد تربّع يا وطن فوق القممّ واطلق عنان
انجازك التاريخي به ثوب الفخر طال وضفا
إن رحت عنْك .. تبقى الأبو.. وإن جيتلك أمّ واحتضان
يا أمّي ( البحرين) حضْنك راحتي وأمْن وعفا
خذتي شعار الاحتواء كالأمّ .. حُبٍ واتّزان
تغفر إذا إبنٍ خطى درب الخطا وزلّ وهفا
تبقين يالبحرين دانة حِسْن يفداها الحِسان
وتبقين أكرم من عطا واسخى بلد عاش وتسامح ثم عفا
لك نبتهل يا ديرتي كل مرةٍ يُرفع بها صوت الأذان
( الله وأكبر) يحرسك يا ارْض الجمال الخالدة ونبع الوفا
أموال الهيلوكوبتر الضارة بالدولة والمجتمع
تحدثنا في أكثر من مناسبة أن من يحكم العالم الرأسمالي اليوم هي الرأسمالية المالية. ولم يعد سرا على أحد أنها تستخدم المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين، كأدوات فعالة من أجل إخضاع كل نظام الإدارة العالمي وكل إقليم ودولة وطنية فيه، وما يسري فيها من نماذج وسياسات اقتصادية-اجتماعية ونظام مصرفي وسلوك مجتمعي وتشريعات ونظم، كلها لخدمة مصالح طبقة الرأسماليين الماليين – حكام هذا العالم.
يسمي البعض فوز الرئيس بايدن بالمرحلة الثالثة من إدارة أوباما، ويعني هذا الفوز تثبيت الرأسمالية المالية سيطرتها وقيادتها للعالم الرأسمالي من جديد. وقرار إصدار 1.9 ترليون دولار كدفعة أولى من برنامج التيسير الكمي الذي سيغرق البلاد بكميات هائلة من أوراق الدولار التي لا غطاء لها في الواقع الاقتصادي المادي ما هو إلا مدخل قوي لبرامج الإدارة الجديدة. وبذلك يتحقق حلم السيد بن برنانكي، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بأن يصبح ممكناً نثر أوراق الدولار القليلة القيمة من على متن طائرة الهيلوكوبتر على الأفراد والشركات !!
المسافة بين البحرين وواشنطن حوالي 11 ألف كلم. فهل لطائرة هيلوكوبتر أن تقطع هذه المسافة من وراء المحيط الأطلسي؟ نعم، “هيلوكوبتر” بن برنانكي المالية – النقدية وصلت. نعني بذلك أن السياسة المالية النقدية المتبعة هناك تنعكس لدينا في كثير من جوانبها. كيف ؟
يجيب على هذا بشكل غير مباشر تقرير بعثة صندوق النقد الدولي (22 مارس 2021) بعد اختتام المجلس التنفيذي للصندوق مشاوراته مع مملكة البحرين (17 مارس) وفق المادة الرابعة من نظامه. ولنتناولْ ذلك ارتباطا بما جاء في تقارير أخرى في سياق تحليلنا التالي.
من نافل القول إن ميزانية الدولة لدينا لا تستند إلى خطة تنمية اقتصادية اجتماعية ثلاثية، خماسية أو عشرية. بل أن مبدأ التخطيط لا ينال الاعتراف، رغم أنه فرض دستوري. وإذا كنا قد سمعنا يوماً من بعض المسؤولين عن الإنتقال من ميزانيات البنود إلى ميزانيات البرامج (وقد صفقنا لذلك حينها)، إلا أنه سرعان ما طوى الصمت توجهاتٍ كهذه. الذي نشهده في السنوات الأخيرة هو أن وضع الميزانية يتمحور حول مسألة التوازن المالي، وحتى هذا الأخير ليس كأداة اقتصادية، بل كهدف بذاته. هذا النهج بكل ما جرَّه ويجرُّه من سياساتِ خصخصةٍ وتوظيف للعمالة الأجنبية على حساب الوطنية وضرائبَ غير مباشرةٍ وغير عادلةٍ ورفع للدعم عن المواد الغذائية والخدمات الضرورية للمواطنين وغلاء في الأسعار واستمرار ارتفاع سقف الدين العام وعبء خدمته خضع لنقد مرير من جانب كثيرين من المعنيين بالشأن الاقتصادي في بلادنا. بلا مواربة – هذه هي نتائج الأخذ “بالوصايا العشر” للمؤسسات المالية الدولية. لكن هذه المؤسسات لا تتوانى عن أن توجه نيران النقد للحكومات الوطنية عندما يقود هذا النهج الاقتصاد الوطني والبلاد إلى إخفاقات.
بداية يمتدح صندوق الدولي مملكة البحرين لأدائها الجيد في مكافحة جائحة كورونا، لكنه لا يمكن أن يُقِر، مباشرة أو إشارة، إلى أن هذا من فضل قوة الاستمرارية المتبقية من سياسة دولة الرعاية الاجتماعية التي عمل هو وغيره من مؤسسات شبيهة لتفكيكها.
لنبدأ من مشكلة المشاكل- الدين العام. بلغ مستوى الدين العام 133% من الناتج المحلي الإجمالي. ولتبيان خطورة هذا المؤشر نشير إلى أننا نقترب من المؤشر اللبناني البالغ 161.8% (تقرير فوربس، مارس 2021). وفي هذا الصدد “شدّد” التقرير على اتخاذ “تدابير دمج إضافية تتجاوز الميزانية الحالية لوضع الدين على مسار هبوطي ثابت وتقليل اعتماد الإيرادات المالية على أسعار المواد الهيدروكربونية”. كما دعا مدراء الصندوق إلى “خطة تعديل مالي طموحة” على المدى المتوسط و”تعبئة الإيرادات المحلية وترشيد الإنفاق”. طبعا، هذه عبارات عامة تجد محتواها الفعلي في ما يعرف بالوصايا العشر للصندوق والتي كرسنا لها مقالاً خاصاً في أحد أعداد “التقدمي”. بعبارة أخرى في إطار النهج الاقتصادي الحالي ومع تكرار هذه الحلول نرى سقف الدين العام يرتفع مع كل عام. فهل استمرار الصبر على هكذا نهج سيأتي أُكلَه يوما ؟
في هذا الصدد يتساءل واضعوا تقرير معهد التمويل الدولي (IIF) عن الطريقة التي سيقلص بها الاقتصاد العالمي هذا الحجم الهائل من المديونية دونما آثار متعبة على النشاط الاقتصادي؟ ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن الدين العالمي ظلّ لسنوات طوال يتزايد على حساب الإصدار النقدي وتوزيع القروض الرخيصة على الأفراد والمؤسسات. وهكذا فقط يتم تحفيز الاقتصاد عاما بعد عام. لكن أرتيوم دييف، رئيس دائرة التحليل في “إيه ماركتس” الروسية يرى أنه “عاجلا أم آجلا سيؤدي هذا إلى دورة جديدة من العجوزات وإلى انهيار مالي عالمي جديد”. وأنه “لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك. الواضح فقط هو أن الدول لن تستطيع سداد ديونها الهائلة”.
وهنا فارق كبير بين عجز الدول المتقدمة اقتصاديا والدول النامية عن سداد الديون. الديون العالمية مقومة بالدولار الأميركي أساسا وبالعملات الريادية الأخرى كاليورو والفرنك السويسري والين والجنيه الاسترليني. الولايات المتحدة، مثلا، يمكن أن تنتظر تزايد الفقاعات المالية حتى انهيار هرمها المالي، ومعه العالمي. غير أن سيادتها ليست مهددة من أحد في كل الأحوال. الصين – الدولة الاشتراكية، هي الأخرى سارت في طريق التيسير الكمي. لكن بهدف واضح، وهو تشجيع الشركات على الاقتراض للحصول على المزيد من التكنولوجيات المتقدمة. غير أن خطة التنمية الاقتصادية الاجتماعية 14 الجديدة تنظر إلى ظاهرة تعاظم الدين العام بقلق بالغ (رغم أنه بالعملة الوطنية في الأساس)، وستعمل على “تبريد” الدين ثم تصفيره سريعا. بالنسبة للدول النامية، وخصوصا الفقيرة الأمر يختلف. لن يطلب منك أحد سداد الديون، لأنك ببساطة لن تستطيع، كما أن ما بقي لديك من مال لم تعد له قيمة تذكر، خصوصا إذا لم تكن محصنا باحتياطات الذهب. هنا، إفلاس الدولة يؤدي ليس فقط إلى فقدان السيادة، بل ويهدد مفهوم الدولة الوطنية لصالح دمجها في النظام العالمي الجديد، الذي يدور عنه الحديث الآن كما في الخيال. الشركات الكبرى (بعد عمليات دمج هائلة فيما بينها) هي التي ستسيطر مباشرة على “الأراضي” ومن عليها (مجرد أجراء) وما في جوفها (ملكية خاصة). اللهم اجعله مجرد حلم مزعج. البلدان الأوفر حظا للإفلات من هذا المصير هي الأقل غرقا في الديون.
هذا على المستوى البعيد. أما على المستوى القريب والمتوسط فهناك مؤشرات مقلقة حقا. يشير تقرير الصندوق إلى أن الاحتياطات الدولية انخفضت، بحيث لم تعد تغطي أكثر من 1.4 شهر من الواردات غير النفطية المحتملة. للمقارنة نشير هنا إلى أن معدل الأمان العالمي هو خمسة أشهر. ويتوقع تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات أن يصل احتياطي البحرين من العملات الأجنبية 2.4 مليار عام 2020 مقابل 2.3 مليار دينار عام 2019. وفي حين تلجأ غالبية دول العالم، مع تفاقم الأزمة العالمية، إلى زيادة المكون الذهبي في احتياطاتها النقدية الذهبية، باعتبارها أكثر أمانا وارتفاعا مستمرا في قيمتها، إلا أن احتياطات البحرين من الذهب ظلت بمقدار 4.7 طن فقط حسب تقديرات مجلس الذهب العالمي لعام 2020، كما كانت عليه عام 2015. ولتبيان ضآلته يشكل هذا الاحتياطي حوالي 0.34% فقط من مجمل احتياطي الذهب للدول العربية. احتياطي نقدي – ذهبي بهذا القدر والتكوين يشكل خطراً على سعر صرف العملة المحلية الذي سجلّ تراجعا بمقدار -3.4% عام 2020.
يشير التقرير إلى اتسام الاقتصاد بالإنكماش عموما بنسبة -5.4%، والانكماش حاد في القطاع غير النفطي (-7%)، ما أدى إلى ارتفاع العجز المالي إلى 18.2% واتساع عجز الحساب الجاري إلى 9.6% من إجمالي الناتج المحلي لعام 2020. ومهما كانت توقعات تحسن مؤشرات النمو، إلا أن مستقبل النفط في ميزان وسوق الطاقة العالميين سيظل معرضاً للضغوط.
وفي حين ذكر التقرير أن البنوك ظلت تتمتع برؤوس أموال وسيولة جيدة، إلا أنه حث السلطات “على الحفاظ على تحليل استشرافي لمحافظ الائتمان المصرفية ومستويات المخصصات وإدارة الروابط بين البنوك السيادية بعناية.” لا نعرف تماما ما الذي تمّ وضع الإصبع عليه في الإشارة الأخيرة، لكن تجارب بلدان أخرى تسجل محاولة المصارف استغلال نفوذها لتوريط المصرف المركزي في معالجة الفشل، غالباً عن طريق الإصدار النقدي. نرجو أن لا يكون الأمر كذلك.
عوداً إلى بدء المقال، حيث قلنا إن السياسة المالية النقدية تنعكس عندنا بجوانبها السلبية. ترى ما الإيجابي الذي لا ينعكس لدينا ؟
تقول بلومبيرغ إن الرئيس بايدن يخطط لأول زيادة كبرى في الضرائب منذ 28 سنة (منذ عام 1993). وينطلق في ذلك من اعتقاده بأن الأميركيين بحاجة إلى سياسة ضريبية أكثر تقدمية، وتركز على مكافحة عدم المساواة. ولتمويل البرامج الاقتصادية ما بعد حزمة الدعم الثالثة (1.9 ترليون دولار) ستتم زيادة الضرائب على الشركات الكبيرة من 21 إلى 28%، بينما ستقدم الحوافز للشركات الصغيرة والمتوسطة. وستزيد الضرائب على دخل الأفراد الذين يزيد دخلهم عن 400 ألف دولار سنويا (12.6 ألف د.ب شهريا). وتجري دراسة فرض ضريبة أكبر على نمو رأس مال الناس الذين يحققون دخلا أكثر من مليون دولار سنويا. بتقدير Tax Policy Center ستدر الزيادة الضريبية على الميزانية حوالي2.1 ترليون دولار. ويمكن بسهولة ملاحظة أن هذه السياسة الضريبية، مباشِرة أولا، ولا تمس الفئات الدنيا ولا الشركات الصغيرة والمتوسطة بسوء. الضرائب لدينا معكوسة : غير مباشرة، وتستهدف الأضعف أولا !!
سندع جانباً حزم الدعم عن طريق أموال الهيلوكوبتر، والتي تعد كل مواطن بمبلغ 1400 دولار ومزايا إضافية للأطفال وتمديد إعانات البطالة وفئات معينة، ويقول عنها الخبراء أنها قبل نهاية السنة المالية الحالية (1 أكتوبر 2021) يجب أن تزيد دخل هؤلاء بنسبة 20%. إنها أموال ستتأتى عن طريق مزيد من الإصدار النقدي ومزيد من الدين العام. ولذلك فهي مُعابَة من قِبَل العديد من الاقتصاديين.
في مقابل ذلك، وهذا ما ندعو للأخذ به، أنه حتى في أميركا نفسها لا يزال يسري برنامج المساعدة الغذائية (Supplemental Nutrition Assistance Program) منذ عقود. ويسمى أيضا كوبونات الغذاء (food stamps)). وفي العام الأخير فقط زاد عدد الذين يستخدمون الكوبونات من 36 مليونا إلى 44 مليونا. ولا تزال في الكويت تمنح البطاقات التموينية للمواطنين، كما في بلدان كثيرة في العالم. هذا الدعم هو أضمن من حيث ذهابه لأهدافه مباشرة. كما أنه أقل كلفة من أموال الهيلوكوبتر الهائلة. إذ كلما زاد عرض النقود ارتفعت الأسعار الإسمية، ما يسمح بإعادة تدوير قسم كبير من الأموال لصالح التجار وشركاتهم الكبيرة.
ومهما أثار هذا عدم ارتياح البعض، إلا أننا لسنا مع تعميم الدعم (سواء من جهة “تمكين” أو وزارة العمل) لجميع الشركات صغيرها وكبيرها بنفس المبدأ، إذ سيعني ذلك عمليا، وكما هو حاصل، ذهاب الدعم في غالبه لكبار الشركات، وتمكيناً لها ضد الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالضد من فكرة تمكين الأصل التي يجب أن تعني مساهمة الشركات الكبيرة في دعم الصغيرة والمتوسطة. فلا عجب أن نشهد تدهور أعداد كبيرة من هذه الأخيرة في مقابل، مثلا، أن تستولي شركة عائلية واحدة على مختلف مجالات الأعمال، من المصارف إلى وكالات السيارات إلى خدمات الأمن والمكاتب وحتى جمع القمامة !! إن دعماً على هذه الشاكلة لا يعتبر انحيازاً طبقياً لصالح الأغنى فقط، بل وإجهاداً للدولة والمال العام، وسيكون في نهاية المطاف على حساب زيادة الدين العام، في حين تطرح هذه الشركات في السوق إنتاجاً مستورداً في الغالب، وتوظف في الغالب عمالة أجنبية تحوّل الأموال للخارج وتضغط على قطاعات الخدمات في الداخل.
صندوق النقد أكدّ، كما في كل مرة، على مزيد من سياسة التقشف وتمكين القطاع الخاص للعب الدور القيادي في الاقتصاد. وفي هذا لبُّ “الإصلاح الاقتصادي” من وجهة نظره، على أن تكون الدولة مجرد “حارس أمين” لتحقيق هذه التحولات. في مقابل ذلك نقول إن إجراءات ما، مضادة للأزمة مطلوبة بالفعل، كالتي مررنا على ذكر بعضها، لكنها، متناثرة، لا تشكل برنامجاً متكاملاً لخروج اقتصادنا ومجتمعنا من الأزمة الحالية. هذا البرنامج يكمن ببساطة في تغيير النموذج الاقتصادي بشكل جذري، إلى نموذج يخلق اقتصاداً فعلياً، منتجاً، مترابط ومتكامل الأوصال، قادراً على إحداث التراكم الداخلي والتكاثر الذاتي، معبئ لجميع الموارد الداخلية من مادية ومالية وبشرية من أجل التنمية الداخلية. وإيجاد مثل هذا النموذج يحتاج إلى الإيمان بمبدأ أن تلبية حاجات تطور المجتمع وتعزيز دور وقدرات الدولة الوطنية أهم بكثير من تكثير أرباح الشركات، ولو بالمال الفقاعي. وبالطبع هذا بحاجة إلى كوادر بشرية مؤمنة بهذا المبدأ، وليست مبهورة بنموذج وطريقة عيش البلدان التي لم تعد متقدمة، بقدر ما هي متأزمة ليس اقتصاديا فحسب، بل وقيمياً وحضارياً.
ماذا بعد توصيات لجنة التحقيق الثالثة؟
ناقش مجلس النواب مؤخراً تقريرًا موسعًا للجنة التحقيق البرلمانية في أوضاع الصناديق التقاعدية وهيئة التأمينات الاجتماعية، وهو تقرير احتوى علي أكثر من 50 توصية عرضت من خلالها اللجنة رؤيتها وجملة تصوراتها لكيفية معالجة أوضاع مستقبل الصناديق التقاعدية، التي باتت أوضاعها تنذر بالكثير من العواقب الوخيمة اجتماعياً واقتصادياً منذ قرابة العقدين، وتحديداً منذ تداعى أعضاء مجلس نواب 2002-2006 لتشكيل اول لجنة تحقيق برلمانية في دعاوى افلاس الصناديق التقاعدية.
الجدير بالذكر أن التقرير الذي نحن بصدده هنا، هو الثالث من نوعه، وكذلك هي اللجنة بطبيعة الحال، فقد تشكلت على مدى العقدين المنصرمين ثلاث لجان تحقيق برلمانية، مما يدلل بوضوح على مخاوف واهتمام الشارع البحريني بمختلف شرائحه من أوضاع ملف الصناديق التقاعدية وأوضاع التأمينات الاجتماعية، خاصة أن تشكيل اللجنة الأخيرة، جاء في خضم لغط كبير حول أوضاع التقاعد والمتقاعدين بعد صدور مرسوم ملكي الغيت بموجبه زيادة ال 3٪ السنوية بالنسبة للمعاشات التقاعدية بالإضافة الى ثلاث مواد أخرى ذات صلة، ثم تبع ذلك إحالة الحكومة لمشروع بقانون يتعلق بإصلاح وتعديل نظام التقاعد، والمرسوم والمشروع هما حاليا قيد المناقشة والتفاوض مع الحكومة في اللجنة المختصة بذلك.
علي هذه الخلفية جاء تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية الأخيرة، والتي عبر بعض أعضاءها عن استياءهم أكثر من مرة من كيفية إدارة الملفات والتقارير الاكتوارية والاستثمارات، وصولا لإفصاحهم عن ارقام مغلوطة وردت في ما قدم للجنة من معلومات وتقارير كثيراً ما اثارت جدلاً وتعارضات علنية بين أعضاء اللجنة وهيئة التأمينات الاجتماعية، الأمر الذي استدعى التهديد برفع الأمر للنيابة العامة لوقف ما اعتبره رئيس مجلس إدارة التأمينات تعريضاً وتشويهاً لسمعة بعض المسؤولين في الهيئة، ولم يتم حسم هذه القضية بشكل تام حتى الآن، وهو بكل تأكيد تعبير عن الضيق غير المبرر للمعنيين في الهيئة بما عبر عنه ممثلو الشعب المؤتمنون، مثلهم مثل أعضاء مجلس إدارة التأمينات، على أموال واستثمارات الصناديق التقاعدية!
بطبيعة الحال لسنا هنا في وارد سرد التفاصيل التي تحدث عنها تقرير لجنة التحقيق والذي تجاوز عدد صفحاته الألف صفحة، لكننا بكل تأكيد حريصون على إيضاح موقفنا للرأي العام بصورة اكثر وضوحا، فملف التأمينات بقي على الدوام ملفاً مهماً بالنسبة لنا، وتحديداً منذ أن تقدّم رفاقنا في “كتلة الشعب” ومعهم أعضاء برلمان 1973 بقانون التأمينات الاجتماعية الذي بدأ العمل به منذ العام 1976، أي بعد حل المجلس الوطني حينها، كما تابع الشارع البحريني الموقف الصلب ل”كتلة النواب الديمقراطيين” في الفصل التشريعي الأول بعد استئناف الحياة النيابية، الداعي لوقف التلاعب بأموال ومقدرات المتقاعدين والمشتركين في هيئة التأمينات الاجتماعية، ووقف كل اشكال العبث غير المسؤول بأموال التأمينات الاجتماعية ابان لجنة التحقيق البرلمانية الأولى في برلمان 2002- 2006 .
وها نحن في كتلة “تقدّم” نساهم بجهد وافر هذه المرة في ما توصلت اليه لجنة التحقيق البرلمانية الثالثة عبر تقديمنا لمرئيات الكتلة، طارحين من خلالها حلولاً ومقترحات لإنقاذ التأمينات الاجتماعية وصناديقها التقاعدية مما ينتظرها من تراجعات وعجوزات وافلاسات تلوح في الأفق، متمنين أن يتمّ التعامل الرسمي هذه المرة مع ما طرحناه من حلول بالجدّية المطلوبة، وأن لا تركن تلك المقترحات والتوصيات جانباً مثل سابقاتها، بل يجب أن يتم الأخذ بها حفاظا على ديمومة واستمرارية الصناديق التقاعدية ومصالح المشتركين والمتقاعدين.
وباعتقادي أن تشكيل ثلاث لجان تحقيق خلال أقل من عشرين عاماً، يفصح بشكل واضح عن حجم القلق والمخاوف التي تنتاب الناس حيال مستقبلهم المعيشي والتقاعدي، معولين على ضرورة طمأنة الناس من متقاعدين ومشتركين في نظام التأمينات الاجتماعية على كفاءة وحسن إدارة أموالهم واستثمارات الهيئة، عبر قرارات وسياسات يجب أن ترسم بغرض تنمية تلك الاستثمارات والأصول بما يعود على أصحاب المصلحة من متقاعدين ومشتركين وعلى الاقتصاد الوطني والوضع الاستثماري في البحرين بمزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة والتي يجب أن تقدّم بالفعل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وبما يحقق الاستقرار والنماء لتلك الصناديق التي آن الآوان لأن تدار بشكل حرفي ومهني وبعيدا عن أي ارتجال أو إملاءت او توجيهات غير مدروسة.