إن الجمعيات السياسية الموقعة على هذا البيان، في الوقت الذي تتابع فيه حالة التوجس والقلق من تبعات التعديلات التي أدخلت على قانون التقاعد والتأمينات والتي أكدت هذه الجمعيات في وقت سابق رفضها لها ولكل ما يشكل مساسًا بحقوق وامتيازات المتقاعدين، تأتي التعديلات الجديدة على اللائحة التنفيذية لقانون ديوان الخدمة المدنية والتي أبرزها البند الجديد الذي نص على أنه يجوز للموظف الحكومي طوال شغله وظيفته نشر وجهة نظره بكافة الوسائل، شريطة ألا يتناول ما يثير الخلافات فى المجتمع أو يؤثر على الوحدة الوطنية، وهذا لا خلاف عليه، ومواقف الجمعيات واضحة حيال هذه المسألة ولا تقبل المزايدة أو المساومة، ولكن مدّ هذا الحظر إلى كل من يوجه النقد لسياسة الحكومة وقراراتها بأي وسيلة من الوسائل، جاء ليشكل هو الآخر مساس بحق أصيل للمواطنين، وهو حق حرية الرأي والتعبير كفله دستور مملكة البحرين، وتؤكد الجمعيات السياسية أن توقيت كلا التعديلات المرفوضة شعبيًا تأتي في وقت نحن أحوج فيه الى المحافظة على تلك الحقوق وتعزيزها.
إن التعديلات التي أدخلت على قانون التقاعد والتأمينات التى قوبلت بردود أفعال رافضة لها، هي بالمجمل مست المتقاعدين، وكان لافتاً أنها لم تمس إصلاحات فى إدارة هيئة التأمين الاجتماعي، ولا سياساتها الاستثمارية، ولا عوائد هذه الاستثمارات وما يضمن رفع كفاءة سياساتها واستثماراتها، ولا ما يعزز الشفافية حول الوضع الحقيقي لصناديق التقاعد، وتحديد مصادر الخلل فيها.
وإذ نستذكر نص المادة “5” من دستور مملكة البحرين الواردة فى الباب الثانى، فقرة “ج” والتى تنص على “تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين فى حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة”، نرى أن هذا مدعاة للتمسك بحقوق ومكتسبات المتقاعدين وعدم المساس بها.
وفيما يخص التعديلات على اللائحة الداخلية لديوان الخدمة المدنية، وخاصة تلك التي تسلب الموظفين في القطاع العام حقهم في الرأي والتعبير بالقول أو الكتابة أو غيرهما وإخضاع من يخالف ذلك للمساءلة والمحاسبة والعقاب، فإن الجمعيات السياسية وهي ترفض ذلك رفضًا قاطعًا ولكل ما يمس جوهر هذا الحق كونه ركنًا أساسيًا من منظومة حقوق الإنسان، كما تصنف كجزء من الحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مملكة البحرين، وكلها لا تفرّق فى هذه الحقوق بين موظفي القطاع العام والخاص، وتذكّر الجمعيات بما نص عليه دستور مملكة البحرين من تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، استناداً على المادة “18” التي تنص على “الناس سواسية فى الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة “، وكذلك المادة “22” على أن “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو غيرهما”.
اننا نستنكر بشدة المساس بأي شكل من الأشكال بحق حرية الرأي والتعبير وتهديد موظفي الدولة بجزاءات إن مارسوا هذا الحق، وكأن الحكومة مصانة وفوق مستوى النقد، وهو أمر يمكن أن يخضع لكثير من التأويلات والشكوك حول بواعث الحجر على هذا الحق الذي بحسب كل المعاهدات والأعراف الدولية يعتبر حقاً مقدسًا لا يمكن مصادرته، أو التضييق عليه، خاصة أنه يأتى فى وقت بدأت فيه الدولة تعمل على تنفيذ خطط واجراءات على صعيد إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي، وإذا كانت هناك بعض الآمال العريضة المعلقة على هذه الخطوة من منطلق أنها تخدم مرامٍ وأهداف تصب باتجاه هدف الإصلاح الإدارى المنشود، إلا أن الحجر على حرية الرأي والتعبير فى أوساط موظفي الحكومة خطوة لا تخدم هذا الهدف وستجعل تلك الآمال مجرد آمال تنتظر وقتها.
إن الجمعيات السياسية في الوقت الذي تجدد فيه رفضها لتلك القيود على حرية الرأي والتعبير تحت أي ذرائع كانت، فإنها فى الوقت نفسه تستنكر الموقف الجامد أو الصامت من جانب معظم أعضاء مجلس النواب إزاء إجراءات تخالف الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل وتصون حرية الرأي والتعبير، تشدد على ضرورة حماية هذا الحق الذي كفله الدستور من عوارض المساس بهذا الحق، وعدم خلق هوّة بين مقتضيات هذا الحق مع ما نصت عليه التعديلات الأخيرة على اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، كما من جهة أخرى تشدد الجمعيات مجددًا على ضرورة إعادة النظر فى التعديلات التي جرت على قانون التقاعد والتأمينات، ورفض المساس بالحقوق المعيشية المكتسبة للمواطنين، وفي مقدمتها حقوق المتقاعدين وأمنهم الاجتماعي، وتحّمل الجمعيات أعضاء مجلس النواب تمرير ما ينتقص من هذه الحقوق.
إننا ندعو إلى فتح ملف الهيئة العامة لتأمين الاجتماعي وفتح نقاش جرئ حول الكثير من الأمور والملفات المثارة فى الساحة المحلية حول كفاءة إدارة وسياسات وعوائد استثمارات ومشاريع الشركات التابعة للهيئة، ولماذا التركيز على المشاريع العقارية وليس المشاريع التي تشكل قيمة مضافة وتوفر فرص عمل للمواطنين، والسبل المطلوبة والفاعلة لإصلاح وضعها الاكتواري، وغير ذلك من الملفات والقضايا ذات الصلة بالهيئة .
24 يوليو 2020
الجمعيات الموقعة على البيان:
1- المنبر التقدمي
2- التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي
3- الوسط العربي الإسلامي
4- التجمع القومي الديمقراطي
5- الصف الإسلامي