نظام كفالة العامل الوافد نشأت أساساً في حقبة الإستعمار البريطاني في الخليج في الفترة التي سبقت عصر النفط، وذلك خصوصاً من أجل تنظيم صناعة الغوص، حيث كانت لبريطانيا السلطة القانونية على جميع الأجانب الساكنين في دول الخليج. وأخذ الانجليز ينظمون القوانين لأهداف أمنية واقتصادية في آن.. وبناء على هذه التوليفة التقت مصالح عدة أطراف وتشكلت حولها شبكات هجرة عمالية متشبعة.
وكانت هجرة الوافدين مدخلًا لبريطانيا للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج،. فيما كان اهتمامهم سابقاً مقتصراً على تنظيم العلاقات الخارجية لحكام الخليج، ومن أهداف بريطانيا لزيادة عدد رعاياها من الوافدين – ومن جنسيات معينة – في دول الخليج لخدمة أهدافها الإستعمارية، بحيث تتم خلخلة التركيبة السكانية إلى إثنيات وطوائف مختلفة، وزيادة نفوذهم في المنطقة.
ولم يكن مبدأ استخدام الكفالة أمراً جديداً للمسؤولين البريطانيين، إذ كانوا يمارسونه بانتظام في جميع أنحاء الإمبراطورية. وفي بداية عصر النفط في الخليج، برز التصنيف البيروقراطي للوافد .. حيث لجأت السلطات البريطانية إلى فتح الباب لتدفق العمالة الوافدة إلى الخليج من مناطق كانت تحت الإستعمار البريطاني . وفرضت على صاحب العمل /الكفيل، دفع مبالغ لاستخراج التأشيرات للوافدين.
مسقط كانت لها علاقة سكانية اكثر توطداً بالقارة الهندية، فلم يوجد فيها سوى نحو 500 من الرعايا الهنود تحت السيادة البريطانية حتى خمسينيات القرن الماضي، أغلبيتهم من التجار (رعايا بريطانيا) .
وارتفعت اعداد العمال المهاجرين الخاضعين للسيادة البريطانية على نحو مطرد مع بداية السبعينات من القرن الماضي، خصوصاً مع بروز القوى الوطنية التي تسببت بنشوب بعض الاضطرابات والمطالبات الوطنية.
وبعد رواج فكرة القومية العربية في تلك الفترة، تم تسييس إجراءات التوظيف وتصنيف العمال من قِبل بريطانيا لزيادة العمالة الوافدة غير العربية في دول الخليج، وتنامت لدى بريطانيا وحكومات دول الخليج الشكوك من الأفكار السياسية والثورية التي قد تأتي مع الوافدين العرب، وزعموا أن الوافدين العرب يشكلون خطراً أمنياً على نحوٍ متزايد.
وبناء على هذا، جرى السير على الخطى التي رسمها الإستعمار البريطاني سابقاً، وتبنى مبدأ جلب العمالة من عدة دول غير عربية متفرقة، بحيث أصبحت الجنسية والطبقة والحالة الاجتماعية للوافد جزءاً رئيسياً من وسائل الضبط المتبعة من جانب الدولة والكفيل معاً للتحكم في الوافدين.
وبلورت بريطانيا السمات الفريدة لنظام الكفالة في دول الخليج، التي لا تزال موجودة حتى اليوم: هجرة عمالية غير مقيدة، في مقابل حقوق الجنسية المقيدة، بحيث يتم التحكم في هذه الهجرة عبر نظام كفالة المواطنين للوافدين من العمال.
وبسبب غياب الوعي لدى شريحة من المنتفعين، تجذّر نظام الكفالة كجزء رئيسي من عملية تنظيم سوق العمل في الخليج منذ بدايات رسم شكله الحديث في فترة الحكم الإستعماري البريطاني.
ومع تضخم المزايا الاقتصادية والاجتماعية المتوفرة للمواطنين، في مقابل فتح سوق العمل عالمياً، أصبح استقطاب العامل الأجنبي أكثر جاذبية من ناحية التكلفة الاقتصادية والقيود القانونية مقارنة مع المواطن، لذلك توجه القطاع الخاص نحو توظيف الوافدين بشكل متزايد، حيث تركزت أغلبية العمال الوافدين فيه. أما المواطنين، فقد عزفوا عن القطاع الخاص نظراً لتدني الحقوق والرواتب في فترة من الفترات..
إضافة إلى ذلك، بدأ المواطنون انفسهم بالانتفاع بالمزايا التي توفرها عملية استقطاب العمال الوافدين، وانتشار التجارة المستترة، وهكذا سار المواطنون على الخطى التي رسمها المسؤولون، وبدأت اعداد العمالة الوافدة في الخليج تتزايد بشكل مطّرد.
وبعد فشل دول الخليج في تنويع مصادر الدخل، ظهرت مشاكل اقتصادية واجتماعية عديدة، على رأسها ارتفاع معدل نسب البطالة، التي من بين أسبابها توغل العمالة الوافدة في مفاصل الاقتصاد وتسيسه.
وبدأت حكومات المنطقة في التفكير مؤخراً في توطين الوظائف والإحلال في القطاعين العام والخاص،
وفي المقابل أخذت اللوبيات الراسمالية والشركات العائلية في المنطقة بمقاومة فكرة إحلال وتوطين موطني دول الخليج بحج مختلفة منها أن المواطن لا يملك الخبرة ولا المهارة.. الخ.
النتيجة..
إن كل الأطراف الفاعلة في الاقتصاد كان لها مصلحة شخصية وآنية من تواصل هذه العملية، بمن فيهم أصحاب القرار في السلطة، ومؤسسات الدولة، ورؤوس الأموال، والمواطنون، والوافدون، والدول التي يأتون منها، وتمكنوا جميعا من بسط مصالحهم الشخصية والآنية على مصلحة أبناء الوطن البسطاء، وبدأت منظمات العمل والاتفاقيات الدولية، تضغط على دول الخليج لإعطاء الوافدين حقوقاً سياسية واقتصادية واجتماعية، أسوة بالمواطنين، وأصبح المواطن البسيط غريباً في وطنه، وأصبحت هويته وهوية أبناءه على المحك، وتحول مواطنو الخليج إلى أقلية في بلدانهم.
ولا ننكر جهود العمالة الوافدة في بناء ونمو دول الخليج على كافة الأصعدة، وعلينا جميعا الوقوف إلى جانبهم في قضاياهم وحقوقهم الإنسانية والعمالية، ولكن في المقابل يجب على أصحاب القرار، أن تكون لديهم رؤية شاملة واضحة ، لتصحيح المسار على كافة الأصعدة لتحقيق المصلحة العليا للوطن وأبنائه، وهذه الرؤية لابد أن تأخذ في الاعتبار عامل المؤامة لإنصاف الجميع وفق القوانين والاعراف الدولية والإنسانية.
مصادر:
– الكفالة والتبعية في مجتمعات الخليج العربية – مجموعة من الباحثين.
– تصدير الثروة واغتراب الإنسان، تاريخ الخلل الإنتاجي في دول الخليج العربية – عمر هشام الشهابي.