كشف وباء كورونا عن واقعٍ مؤلم في بلادنا وبعض البلدان العربية، بأن الوعي والثقافة في تدنٍّ وبالأخص لدى مَن يدَّعي الثقافة أو يحسب نفسه على النخب المثقفة، والبعض منهم يعمل في الإعلام والصحافة وفي مناصب رسمية رفيعة، في تصريحاتهم وكتاباتهم المشحونة بالغث والسمين للإثارة الطائفية والفرقة، وإنْ كانت هذه بضاعة قديمة لدى البعض منهم في بلادنا، ظلّ من خلالها يشحن جيبه بالمال والعطايا، منذ أحداث فبراير / مارس 2011، تلك الجوقة لازالت تعزف نفس الألحان الطائفية لتشقّ المجتمع وتشوِّه سمعة بلادنا، ولكن السؤال هنا: لماذا يُسمح لهم بأن يستمرّوا في غيّهم وفعلهم المشين دون أي رداعٍ لهم أو مساءلتهم القانونية.
تقول المادة 23 من دستور مملكة البحرين (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية). إن الجزء الأخير من المادة واضح، مع ذلك رأينا كتابات صحفية وفيديوهات انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تمسّ بوحدة الشعب وتثير الفرقة والطائفية في البلاد، فهل قُدم من قام بالفعل المخالف للمادة الدستورية للمساءلة القانونية؟
نستطيع تعريف ثقافة الكراهية بأنها تقوم على إقصاء وإلغاء الآخر المخالف في الفكر والرأي، وتخلق حالة من التنافر والتصادم وتشقّ الوحدة الوطنية في المجمتع وتشجع على الغلو والتطرف والتعصب، كما يصل الأمر بالبعض حدّ تكفير بالآخر وتخويه.
تنصّ الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على (تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف).
والمنتظر من أي دولة تريد أن تتصدّى لدعوات الكراهية والتمييز بأن تصدر قانونًا يجرم الكراهية والتمييز، فمن جهة تلتزم الدولة بالمادة المذكورة أعلاه، ومن جهة أخرى تحافظ على اللحمة والوحدة الوطنية و تعزز من روح الوئام والتآخي الوطني والتسامح والتعايش بين أفراد الشعب، ولا تسمح لتلك الجماعات أو الأفراد العبث بالوحدة الوطنية تحت أي ذريعة ومبرر كان، وأن يكون القانون هو الفاصل في تلك القضايا المليئة بالكراهية والأحقاد .
تنشأ ثقافة الكراهية والسلوك غير السوي في المجتمع بسبب الشخصيات المأزومة ومن يعيشون على حساب الآخرين سواء لمصلحة نفعية أو ترزّق أو حقد دفين أو تعصب مذهبي في أنفسهم تجاه المكون أو العرق الآخر، وأهدافهم دنيئة هي شقّ الصف الوطني والعمل على إشاعة الأحقاد والكراهية في المجتمع مستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي لبث تلك السموم ونشر القاذورات الكريهة لتعكر أجواء المجتمع الواحد .
تواجه بلادنا والعالم كله اليوم وضعًا غير طبيعي بسبب “كورونا”، الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية في يوم الأربعاء 11 مارس 2020، بأنه وباء عالمي، يتطلب تكاتف الجهود الرسمية والشعبية للتقليل من خطورته وانتشاره في بلادنا، وفي هذا المقال نحيي الجهود الكبيرة التي تبذل من قبل الفريق الطبي (أطباء/ ممرضين/ مسعفين/ متطوعين وغيرهم)، حيث يقدر لهم ذلك العمل الوطني والإنساني الرائع الذي يقومون به في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به بلادنا والعالم.
وعلى النقيض من ذلك نجد موقف بعض أعضاء مجلس النواب غير الواضح منذ بداية التصدي لذلك الوباء – الكارثة، فتارة يقدمون اقتراحات ورغبات عديدة تدخلهم في مطبات يصعب على البعض أحياناً الخروج منها، أما الطامة الكبرى فكانت صدور بيان من 18 نائباً بتاريخ 11مارس 2020، يرفض عودة المواطنين العالقين في إيران من العودة إلى وطنهم، لأنهم سوف ينشرون وباء كورونا، فهل هؤلاء النواب لا يعرفون بأن الدولة مسؤولة عن مواطنيها في الداخل والخارج، وهل القادمون من الدول الأخرى وبعضها فيها الوباء لن ينشروه؟ فلماذا الكيل بمكيالين، وهناك العديد من الدول العربية والأجنبية تعاطت مع الموضوع بإيجابية وجلبت من كان عالقاً في الخارج من مواطنيها، سواء كانوا أصحاء أو مرضى مصابين بوباء كورونا في بادئ الأمر، فهل ننتظر أن يتفاقم وضعهم الصحي إلى الأسوأ؟
وبسبب تأخرّ الدولة في إجلاء المواطنين العالقين من العودة اضطرّ البعض منهم لدفع مبالغ كبيرة لشراء تذاكر جديدة والعودة من خلال رحلات سفر طويلة استغرقت أكثر من 24 ساعة في 20 مارس 2020 ، ونأمل بأن لا يتكرر الأمر مع آخرين من المواطنين العالقين في إيران منذ أكثر من شهر، بأن تسارع الحكومة بإجلائهم في أقرب وقت لكي لا يسوء وضعهم الصحي، فهناك كبار في السن وصغار، ويتعين تخصيص أماكن لهم (مستشفيات أو مراكز صحية)، (الحجر الصحي الاحترازي) وإجراء الفحوصات الطبية، وهذا نأمل أن يتحقق في القريب العاجل .
مثلما نجحت الصين قيادة وشعباً في التصدي لوباء كورونا، سوف تنجح البشرية في الانتصار على هذا الفيروس كورونا بإرادة الإنسان وبحثه العلمي المستمر لإيجاد الدواء المضاد له.