وضع العمالة الوطنية والحركة العمالية في أسوأ الحالات – المنبر التقدمي
آن أوان المراجعة وتعديل سياسات العمل ونرفض المساس بأموال وحقوق العمال
ننبذ حملة الكراهية والعنصرية ضد العمالة المهاجرة ومعالجة اختلالات سوق العمل ضرورة
أصدر المنبر التقدمي بياناً بمناسبة عيد العمال العالمي، الأول من مايو، وجه فيه التحية وعظيم التقدير لعمال البحرين والعالم، وقال أن هذا اليوم مناسبة أممية للتضامن مع الطبقة العاملة في كفاحها المشترك ضد صنوف الاستغلال وسعيها لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشار التقدمي إلى أن وضع العمالة الوطنية في أسوأ حالاته، وكذلك الحال بالنسبة للحركة العمالية، كما أبدى رفضه القاطع من أي مساس بأموال وحقوق العمال، مشيراً إلى ملف التأمينات الاجتماعية مشدداً على أهمية وخطورة هذا الملف ومن مغبة تراكم العجز الاكتواري.
وأشار المنبر التقدمي إلى أن هذه المناسبة تأتي هذا العام في ظل تداعيات كارثة وبائية كشفت عن أوضاع بالغة السوء تمس آدمية الإنسان تعيشها العمالة المهاجرة، رافضاً بشدة حملة الكراهية والعنصرية من قبل البعض تجاه هذه العمالة.
وفيما يلي نص البيان:
بيان المنبر التقدمي بمناسبة عيد العمال العالمي 2020
بمناسبة الأول من مايو – عيد العمال العالمي نحيي الطبقة العاملة البحرينية وحول العالم ونحتفي بها في ظروف صعبة واستثنائية تمر بها البشرية جمعاء في ظل انتشار جائحة كورونا كوفيد 19 المستجد.
وفي هذا الظرف الصعب نعبر عن بالغ تقديرنا للقوى العاملة التي تقف في الصفوف الأمامية للتعامل مع هذه الجائحة من كوادر طبية وتمريضية والمهن المساندة إلى جانب العمال في المهن الأخرى التي توفر لبقية البشر ضروريات الحياة والذين يعرضون أنفسهم وعوائلهم للخطر المباشر مقدمين جُلَّى التضحيات.
وبات واضحاً أن النظم الرأسمالية / النيوليبرالية تقف عاجزة عن تقديم الحلول والخدمات للبشرية. فأولوياتها كانت دائما خدمة وتعظيم رأس المال لا بناء الإنسان والبنية التحتية التي تخدم الأغلبية الشعبية من كادحي العمل والفكر والفئات الضعيفة من شيخوخة وطفولة وعجزة وفقراء من خلال تقديم الدولة الخدمات الأساسية من تعليم وتطبيب ورعاية اجتماعية. إن فشل هذا النظام يتجلى بشكل واضح أمام البشرية، ولابد من العمل على تغيير هذا الواقع من خلال تكاتف العمال والفقراء للتأسيس لنظام اقتصادي اجتماعي عالمي يضعهم ومصالحهم على رأس الأولويات.
محلياً، نرى أن التعامل الحكومي مع أزمة كورونا كوفيد 19 المستجد بدأ مبكراً وهذا ما نثني عليه. وقد اتخذت قرارات جريئة أثبتت وجاهتها وتميزت مقارنة بالعديد من دول العالم، إلا أننا نرى العديد من النواقص بالأخص في حماية العمال في مواقع العمل والتعامل مع وضع سيئ ومتراكم لسنين كانت الجهات الرسمية تغض الطرف عنه.
فالعديد من الشركات الصناعية الكبيرة منها والصغيرة وشركات المقاولات وغيرها من المهن التي تتطلب تركزاً عالياً للعمالة – المحلية والمهاجرة – تتراوح بين أنظمة صحة وسلامة شكلية إلى عدم وجود أي منها. وما يدل على ذلك عدد الوفيات والإصابات السنوية من خلال حوادث العمل. إلا أن هذه الجائحة عرَّت الظروف السيئة التي يعيشها العمال داخل المنشأة. والأدهى ظروف السكن غير الآدمي والبشع الذي يوفره صاحب العمل للعمالة المهاجرة من خلال تكدس وكثافة عالية في الغرف تفقد الإنسان آدميته ناهيك، عن قلة المرافق الصحية نسبة إلى عدد العمال في السكن ونؤكد أن هذه ظروف غير مقبولة وصلنا إليها بسبب جشع أرباب العمل وغض الطرف من الجهات الرسمية وبالأخص وزارة العمل.
والواقع يثبت عدم تطبيق القرار رقم (40) لسنة 2014 بشأن اشتراطات ومواصفات مساكن العمال والذي نص على أن ألا تقل المساحة المخصصة لكل عامل عن أربعة أمتار مربعة من المساحة الخالية في الغرف المخصصة لمساكن العمال. إلا أن الواقع يقول العكس، فالعمال مكدسون ولا يمكن تطبيق التباعد الاجتماعي ولم يكن هناك أي تطبيق لهذا القرار. والشاهد فتح المدارس مؤقتاً لإيواء العمالة وفق مبدأ التباعد الاجتماعي حماية لهم وللمجتمع. ونؤكد هنا على أهمية فتح هذا الملف على مصراعية ووضع أصحاب العمل أمام مسئولياتهم في توفير بيئة عمل صحية وسليمة وسكن لائق للعمال بالإضافة إلى وضع الجهات الرسمية أمام مسئولياتها وخصوصاً وزارة العمل في الحرص على تطبيق القرارات ذات العلاقة والرقابة على استمرارية تنفيذها.
وظهرت للعلن حملة كراهية وعنصرية ضد العمالة المهاجرة تتهمها بالمسئولية عن انتشار فايروس كورونا وتوالت الاتهامات المختلفة بشكل مشابه لحملات الكراهية العنصرية اليمينية الغربية – والتي تمارس ضد العرب أيضاً هناك. هنا نؤكد رفضنا لهذه الحملات وأن السبب الأساسي الذي لا يعيه من هم وراء هذه الحملات أن كل ما يرون من مظاهر هي نتاج لسياسيات العمل المنتهجة من الحكومة وأصحاب الأعمال من خلال تفضيل العمالة المهاجرة على العمالة الوطنية وهذا ناتج عن عدم وجود حد أدنى للأجر يؤمن للعامل المهاجر حدا أدنى من الحياة الآدمية المقبولة مما ينتج عبودية حديثة يقبل بها العمال المهاجرون بدلاً من الفقر المدقع. وهذا مثال من جملة القوانين والقرارات أو عدم النظم (عدم وجود قانون للحد الأدنى للأجور مثلاً) والتي تشكل سياسة العمل وهي التي انتجت اختلالاً في سوق العمل وليس العمالة المهاجرة ذاتها.
وفي ذات السياق نرى أن وضع العمالة الوطنية في أسوأ حالاته وذلك نتاجاً لإلغاء برامج البحرنة وتصريح العمل المرن وتبعاته وسلبياته وغياب الضوابط لتحصيل الأجور وعشرات العناوين الأخرى.
وهنا نؤكد أن سياسة العمل المنتهجة منذ مشروع مكنزي وحتى اليوم والمبنية على تحرير السوق والسياسات النيوليبرالية هي المسئول الأكبر عن اختلال سوق العمل والبطالة وتردي الوضع الإقتصادي للمواطنين والعوائل وهذا ما يجب مجابهته ومحاربته وإصلاحه. وهذه الجائحة وما أنتجته لأكبر دليل على ما نقوله ودائما ما رددناه، لا مناكفة للحكومة بل بناء على فكر اقتصادي اجتماعي نحمله يؤكد لنا أن هذه هي النتيجة الحتمية لمشروع بهذا التوجه. نؤكد مجدداً على أوان الوقت للوقوف ومراجعة هذا النهج وتعديل سياسات العمل بما يصحح الميزان المائل لصالح أصحاب العمل على حساب العمال.
وتعليقاً على التعديل على قانون التأمين ضد التعطل لتمويل رواتب المواطنين لمدة ثلاثة أشهر فإننا من حيث المبدأ نقف ضد المساس بأموال العمال، إلا أن هذ التعديل يعتبر خطوة وقائية لحماية العمال من الفصل من العمل جراء تضرر الأعمال بسبب جائحة كورونا. وبذلك يخدم الهدف الأساسي من القانون ذاته وهو توفير الحماية الاجتماعية للعمال المتضررين من الفصل. إلا أننا نتسائل عن عدم تضمن القانون مواد لحماية العمال من الفصل بعد انقضاء مدة الدعم والفائدة من دعم بعض القطاعات غير المتضررة، بل أن بعضها منتفع وازدادت أعمالة نتيجة الحاجة إلى المنتجات الصحية والمواد الغذائية وغيرها. وغفل القانون أيضاً عن فئات متضررة بشكل كبير مثل غير المنضوين تحت مظلة التأمينات كسواق سيارات الأجرة وباصات نقل الركاب وأصحاب المهن، وغفل أيضاً أصحاب المهن الحرة المؤمنين اختيارياً كالمحامين والأطباء وغيرهم، ولم يلتفت القانون إلى البحرينيين العاملين في الدول الشقيقة كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت من غير القادرين على الالتحاق بأعمالهم.
في ملف التأمينات الاجتماعية، نذكر بأن العجز الاكتواري يكبر ويتراكم يوماً بعد يوم دون أي جهود لإيقافه وتصحيح الوضع – وهذا ما طالبنا به منذ كشف الحكومة للعجز المتكون منذ أكثر من عقد – ولم نر أي تحرك باتجاه إصلاح العجز الاكتواري حتى بعد إرجاع عضوية العمال – ممثلين في الاتحادين العماليين وآخر تختاره الدولة – وكل ما يحصل أن كل عام تسرب الحكومة مقترحاً – وكل مقترح أسوأ من سابقه – فينتفض المجتمع في وجه هذه التعديلات حتى يتم التراجع عنها فبقي الملف معلقاً. نرى في المنبر التقدمي وجوب الإلتفات إلى هذا الملف المهم، فهو يشكل مستقبل العمال وهو أحد ضمانات السلم الأهلي والحافظ لكرامة المتقاعدين من العوز والحاجة وهو متكون من مدخراتهم وحقوقهم والمساس به له عواقب وخيمة.
نؤكد على عدم إغفال هذا الملف الحرج والحاجة إلى تشكيل لجنة مشتركة تشمل أطراف الإنتاج الثلاثة من عمال وأصحاب عمل والحكومة بالإضافة إلى المشرع ومتخصصين من أجل إيجاد صيغة إنقاذ للتأمينات الاجتماعية بما يحفظ للعمال حقوقهم.
وفي الجانب النقابي، نرى أن الحركة العمالية تعيش أسوأ أحوالها وفي تردي مستمر وتشظي أكبر وهذا أحد أهم أسباب تردي وضع العمل وسوء سياسات العمل دون مواجهة من طرف العمال ودون تقديم برامج حقيقية وانكفاء أشبه بمحاولة البقاء على وجه الحياة لا غير، والتخلي عن العديد من الملفات العمالية الأساسية مثل النقابات في القطاع الحكومي والنقابات القطاعية وغيرها من الملفات. إلا أن ما يبعث على التفائل ملاحظتنا لنشاط عدد من النقابات على مستوى منشآتها وقطاعاتها وأخذهم لدور على المستوى الوطني. وهذا هو المطلوب، خصوصاً في ظل انكفاء الاتحادين. ونؤكد هنا أيضاً أن الاتحادات العمالية وسيلة وليست غاية ويجب على المسئولين بها العمل على هذا الأساس.
ولا يفوتنا هنا الإشادة بدور كتلة تقدم النيابية التي تعمل بقامة اتحاد عمالي من خلال تقديم مصالح العمال في كل مناقشات القوانين المطروحة في البرلمان وتقديم عدد من المقترحات ومشاريع القوانين ولجان التحقيق والأسئلة البرلمانية التي تصب في مصلحة العمال والدفاع عن مكتسباتهم، كما أصبحت الكتلة ملاذاً للعمال المتضررين للدفاع عنهم والحفاظ على أرزاقهم وإرجاع حقوقهم، وهو دور نفتخر به وثقة من العمال والناخبين نعتز بها.
نؤكد مجدداً وبشكل واضح كما أكدنا دائماً؛ أننا ضد التوجه النيوليبرالي الذي تنتهجه الدولة المبني على الخصخصة وتحرير السوق وانكفاء الدولة إلى دور المراقب والمنظم لا غير، والذي أثبت ومستمر في إثبات فشله عالمياً ومحلياً. ولنا في القطاعات الحكومية التي تم خصخصتها خير مثال، فأغلبها انتقل من أغلبية مطلقة للعمالة البحرينية إلى عدم وجود للعمال البحرينين فيها. وفي ذات الوقت لم نجد الارتفاع في جودة الخدمات التي بشرنا بها المدافعون عن الخصخصة.
إن من المفيد الإلتفات إلى أن الدولة ذاتها – وأغلب دول العالم كذلك – عند مواجهة الجائحة إرتأت أن تأخذ بزمام الأمور والتحكم وأن لا تتركها للقطاع الخاص وتبقى في موقع المتفرج والمنظم والمراقب، فيما نعتبره درساً لدول العالم – ولا استثناء لنا – للتركيز مجدداً على أهمية قطاع الدولة وما يتمتع به من إمكانيات ضخمة في تعبئة الموارد المادية والبشرية في التنمية ومواجهة التحديات.
ختاماً؛ يؤسفنا أن نحتفي بعيد العمال العالمي عن بعد دون القدرة على التجمع بسبب هذا الظرف واستمرار منع المسيرات منذ 6 سنوات، كما نستذكر المناضيلن العماليين التاريخيين الباقيين والراحلين ونعدهم بمواصلة الدرب على مسارهم حتى تحقيق عالم أفضل للكادحين.
عاش الأول من مايو عيداً لعمال البحرين والطبقة العاملة في كل أرجاء العالم، ويوماً للتضامن مع العمال وكفاح الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد الاحتلال الصهيوني، وضد صفقة القرن من أجل تحرره وقيام دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
المنبر التقدمي
1 مايو 2020