عقدت اللجنة المركزية للمنبر التقدمي دورتها الإعتيادية الرابعة بتاريخ 24 ديسمبر 2019، حيث ناقشت القضايا المدرجة على جدول أعمالها، وبحثت التقارير المقدّمة من المكتب السياسي حول عمل لجان وهيئات “التقدمي”، وأقرّت ما يلزم من قرارات وتدابير ترمي لتطوير العمل التنظيمي وتفعيله، بما يتواءم والمهام الملقاة على عاتق التنظيم في مجالات الأداء السياسي والتنظيمي والنقابي والنشاط الجماهيري.
كما شدّد الاجتماع على دور قطاع الشباب والعمل على تعزيز نشاطه وفاعليته وتذليل المعوقات التي تحول دون ذلك، وقد خلص إلى قرار بعقد اجتماع خاص للجنة المركزية لمناقشة هذا الموضوع، لبحث هذه المعوقات وإقرار تدابير من شأنها تعزيز مشاركة الشباب في العمل الجماهيري لتحقيق طموحاتهم المستقبلية.
واطلعت اللجنة المركزية على خطط وبرامج “التقدمي” المقبلة، وعلاقاته التنسيقية مع بقية الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية في الملفات المعيشية وفي القضايا ذات الصلة بالشأن العام، وأشادت بما تحقق في هذا المجال بما يستجيب لحاجات الوطن للخروج من دائرة الركود السياسي وتنشيط المناخ العام في البلاد.
وتوقف الاجتماع أمام العقبات التي تعترض عمل الجمعيات السياسية، مؤكداً على موقف “التقدمي” الثابت بضرورة ضمان حق الجمعيات السياسية في التعبير عن مواقفها ورؤاها السياسية، وهو الحق الذي يضمنه الدستور وقانون الجمعيات السياسية، ورفضه لكافة صور التضييق على مساحة حرية الرأي الذي بات ملحوظاً، لا سيما تكرار منع فعاليات بعض الجمعيات السياسية.
واطلع الاجتماع أيضاً على الملفات التي ناقشها مجلس النواب في الفترة الأخيرة ذات الصلة بالقضايا التي تهمّ المواطن البحريني، وأثنى على أداء أعضاء كتلة “تقدّم” النيابية، وما يقومون به من جهود، رغم كل الصعوبات، لدفع المجلس لتبني مثل هذه الملفات، واستثمار ما لدى المجلس من أدوات رقابية في ذلك، داعياً للعمل في سبيل التكامل بين دور النواب ودور الاتحادات والجمعيات في القطاعين العمالي والمهني بما يخدم المصلحة الوطنية المشتركة.
وفي الجانب العمالي لاحظ الاجتماع التعديلات الإيجابية على قانون التأمين ضد التعطل، بما يوسع قاعدة المستفيدين ومدة الاستفادة، غير أن هذه التعديلات ربطت بالتعدي على أموال العمال واستخدامها لتمويل التقاعد الاختياري، ونوهت اللجنة المركزية إلى ما قامت به كتلة “تقدم” من تقديم مشروع بإلزام الحكومة بإعادة المبلغ المستخدم في ذلك، على أمل أن يتم إقراره لحفظ مستحقات العمال وأن لا تكون سابقة لحل عجز الحكومة من مستحقات العمال والمتقاعدين.
ووقف الاجتماع عند التعديلات التي قدمتها “كتلة تقدّم” على قانون العمل والفعاليات التي أقامها القطاع العمالي بالتقدمي في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها الجهد المشترك مع اللجنة القانونية بتنظيم ورشة للمراجعة الشاملة لقانون العمل وما صدر عنها من مخرجات، تضمّن بعضها مشروع التعديل المقدم للمجلس النيابي من الكتلة.
كما استعرضت اللجنة المركزية تفاقم تردي وضع سوق العمل ووضوح نتائج تصريح العمل المرن، وكذلك تبعات تطبيق برنامج التقاعد الاختياري وما نتج عنه من تردي الأداء الخدمي تجاه المواطنين بسبب نقص الموظفين في القطاع الحكومي، ولاسيما قطاعي التعليم والصحة، بالإضافة إلى استعراض مشروع التعديلات المقدمة لمجلس النواب على قانون النقابات العمالية، الذي يهدف إلى تقييد الحريات النقابية مما يخالف الأعراف النقابية والاتفاقيات الدولية التي صادقت ووقعت عليها مملكة البحرين وينتقص من استقلالية النقابات ويساهم في مزيد من التضييق على العمل النقابي.
وعلى الجانب النقابي، ترى اللجنة المركزية أن الوضع النقابي والتنظيمي في أسوأ حالاته، فالنقابات تتشظى وتنكمش ويتم التضييق عليها، وهناك غياب تام للحوار والتفاوض سواء على مستوى المؤسسات أو القطاعات أو المستوى الوطني، بالإضافة إلى تعمد تجاهل تنفيذ الأحكام الصادرة والتطبيق السليم للقانون.
وحذرت اللجنة من المساس بالحقوق العمالية المتمثلة في التأمينات الاجتماعية التي ترعى المتقاعدين وتضمن مستقبل العمال وترعى مدخراتهم، وتدعو الحكومة للالتزام بمسؤوليتها القانونية والدستورية في الحفاظ على التأمينات وأخذ الاجراءات المطلوبة لتأمين إستدامة الصناديق دون تحميل العمال هذا العبء، كما ينبغي التشديد على ضرورة التصدي للفساد وسوء الإدارة واسترجاع الديون المشطوبة والأموال المهدرة ومعالجة المخالفات التي يعجّ بها تقرير ديوان الرقابة المالية، إلى جانب تعديل أسس تشكيل مجلس إدارة التأمينات ليصبح التمثيل متكافئاً بين العمال وأصحاب العمل والحكومة.
ورأت اللجنة إن التعامل مع ملف التأمينات الاجتماعية بمنظور السياسيات النيولبرالية المتبعة في البلد، والاعتماد على نصائح البنك وصندوق النقد الدوليين والتوجه إلى الخصخصة سيؤدي إلى المزيد من لنيل من الحقوق والمكتسبات إلى ما ينجم عن ذلك من تداعيات سلبية، ولنا في النتائج الكارثية للدول الأخرى التي اختطت هذا الخط خير مثال.
ورأت اللجنة المركزية أن التأخر في تنفيذ مخططات البنية التحتية، لاسيما في المناطق السكنية المستحدثة، وفي نوعية العمل الذي تمّ إنجازه فيها، وبدل أن تسعى الدولة إلى دعم التنمية الاقتصادية بتشجيع الاستثمار وفي إنتاج السلع الصغيرة والمتوسطة وسنّ القوانين التي تعفي الشرائح الفقيرة والطبقات الكادحة من الضرائب، وتحمي المواطن من استغلال الشركات الأجنبية والمنافسة في سوق العمل، قامت بفرض الضرائب على المواطنين دون تمييز لوضعهم المعيشي ومستواهم الطبقي لتغطية فشلها في إدارة العجلة الاقتصادية وسد العجز في الميزانية.
كما قامت الدولة بتشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في الجانب الخدمي في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة، حيث ترتب على تراجع وتردي مستوى هذه الخدمات في القطاع العام توجّه المواطنين مضطرين إلى خدمات القطاع الخاص، ما أضاف أعباءً إضافية على المواطن، حيث يضطر الكثيرين إلى الاقتراض من أجل سداد الفواتير والضرائب أو من أجل توفير تعليم أفضل لأبناءهم، أمام انخفاض مستوى التعليم العام.
وعلى الصعيد الصحي تزداد الخدمات الطبية سوءاً، وهنا أيضاً يضطر كثير من المواطنين إلى الاقتراض من البنوك لإجراء عمليات جراحية ضرورية لا تحتمل التأخير، بعد أن أصبحوا غير قادرين على الحصول على مواعيد قريبة لإجرائها ، ناهيك عن عدم توفير الأدوية والأجهزة والأدوات الطبية بما يتناسب والعدد المضطرد في الزيادة السكانية، وقد لوحظ في السنوات الأخيرة نقص وحتى انعدام بعض الأدوية الطبية الضرورية في المستشفيات والمراكز الصحية، وما كل ذلك إلا أحد ثمار وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السييء الصيت في تحميل الطبقات الفقيرة والكادحين عبء الأزمات الاقتصادية.
على صعيد آخر أشاد الاجتماع بالقرارات الملكية التي تمّ بموجبها إطلاق سراح بعض المحكومين، واستبدال عقوبة آخرين، منوها إلى الحاجة الفعلية للتوسع في مثل هذه القرارات التي من شأنها إشاعة الاستقرار وتعزيز النهج الإصلاحي، حيث باتت جليةً الحاجة الماسة والضرورية للانفتاح على الداخل وإتاحة مساحات أرحب من الحرية والتعبير عن الرأي، وأن تكون تلك فاتحة لإجراءات شاملة تنهي تداعيات الوضع السلبي الذي نشأ في البلاد بعد أحداث عام 2011.
وقد أثبتت تجارب السنة المنقضية مدى تطلع الشعوب نحو مستقبل جديد خال من الفساد والذي هو ظاهرة طبيعية مصاحبة لقمع حرية الرأي والتعبير لما يسبغه على الفاسدين من حماية لا يطالها القانون، وتشهد التطورات في بلدان مثل السودان والجزائر والعراق ولبنان وإيران، على أن الشعوب لم تعد قادرة على الاستمرار في النهج السياسي المتفرد بالقرار والسلطة، آملين في سرعة استيعاب الحاجة إلى مشروع مصالحة وطنية يفتح أمام بلادنا آفاقاً أرحب، ويحمي وطننا من أية مخاطر جراء الوضع الإقليمي المتوتر.
إن أمن بلداننا وسلامة شعوبنا هما في إنهاء حال التصعيد الراهنة في المنطقة، التي يمكن أن تنزلق في أية لحظة إلى مواجهات مدمرة، تدفع بلداننا أثماناً باهظة لها، خاصة وأن أي مواجهة عسكرية في المنطقة ستفوق هذه المرة في مداها ومخاطرها ما عرفته من حروب في العقود القليلة الماضية، سواء كانت الحرب العراقية – الإيرانية أو مغامرة اجتياح أراضي دولة الكويت من قبل صدّام حسين وتداعياتها، أو غزو العراق من قبل الأمريكان.
وشددت اللجنة المركزية على ضرورة هو في تغليب منطق العقل والحكمة، والإبتعاد عن حال حافة الهاوية التي تعيشها المنطقة اليوم، وتجنيب بلداننا وشعوبنا شبح كوارث مدمرة، إن لم يجر تدارك الموقف. وهذا لن يكون ممكناً إلا بنزع فتيل التوتر وتسوية النزاعات سلمياً، وإطفاء كافة بؤر التوتر، والكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، في انتهاك واضح للسيادة الوطنية للدول وتمزيق لنسيجها الوطني، وإملاء خارجي على خياراتها وخيارات شعوبها، التي يهمها أن تكون سيّدة مصيرها.
اللجنة المركزية للمنبر التقدمي
4 يناير 2020