ها قد تخلصتُ من لحية النبي
(( – لحيتي تزداد شيباً يوماً بعد يوماً..
– لا تحدثني عن الشعر الأشيب! إنه ينمو بكثافة على لحيتي كذلك..))
– من مراسلات ماركس وانغلز (7-8 مايو 1870)
إن الجواب الذي يوفره دولوز لمعنى ممارسة الفلسفة هو ببساطة: أن تتصور ماركس حليقاً.
مع ذلك، تبقى لحية ماركس التعريف الحقيقي له؛ كشيء ملازم له لا ينفصل عنه تقريباً.
في العام الأخير من حياته، وجراء الحر الشديد في الجزائر في 1882، كتب ماركس إلى انغلز قائلاً:
(( تخلصتُ من لحية النبي- مصدر معزتي وفخري، ولكنني (احتراماً لبناتي) أخذتُ صورة لنفسي قبل مروري على الحلاق الجزائري..))
أهناك قناع ما شعر ماركس بأن عليه التخلي عنه في أيامه الأخيرة؟ وجه حقيقي يقف وراء ”لحية النبي“ هذه التي ظلت تخفيه لأكثر من نصف قرن؟ قد يكون ذلك جواباً، ففي النهاية هناك صورة أيديولوجية يكونها المرء لنفسه ويُسجن فيها لمدة طويلة جداً دون أن يتمكن من التحرر منها؛ وأين هو خير مكان لفعل ذلك لأوروبي غير الجزائر نفسها؟ إن يزيل القناع في مكان لا يدرك هذا القناع قناعاً حتى؟ هذا التفسير يعطي انطباعاً بأن ماركس قد سئم التنكر، وقد حان الوقت – بعد مدة طويلة جداً- أن ينهي حفلة التنكر هذه. ففي النهاية كان مدركاً بعبء ”أقنعة الشخصيات“ وكم هو صعب التحرر منها.
لكن ماذا لو كان الأمر ليس كذلك؟ بل العكس تماماً؟ كان ماركس، يوماً، هيغلياً؛ ولهذا يدرك جيداً أن كل ما هو موجود يظهر، أو ما يتمظهر هو الماهية نفسها- ليست هناك ماهية تقع وراء الظاهرة في انتظارها أن تُكشف. ماذا لو أختار ماركس أن يتنكر عبر التخلص من “لحية النبي”؟ وأن لا توجد هناك حقيقة كامنة وراء لحية ماركس فعلاً؟ هل فعلاً لا يوجد هناك وجه وراء لحيته؟
من الصعب أن نتخيل ماركس حليقاً؛ فيتشوه الخيال وتفقد الصورة ملامحها، كما لو كان التصور محال؛ أو قل: تظهر الصورة صورة شخص مختلف تماماً. أنت لا تتعرف إلا على القناع ولا توجد حقيقة إلا القناع نفسه؛ بما أن كل شيء هو عملية إضفاء القناع. هكذا عبر ويليام ييتس هذه المفارقة في قصيدته: “إن القناع اخترق خيالك/ وأحيا قلبك خفقاناً/ لا ما يتخفى وراءه”. بالمثل، نحن نعرفُ قناع ماركس؛ ولا يوجد، كما اعتقدنا، وكما اعتقدتُ أنا شخصياً يوماً، ماركس الآخر (سواء أكان هذا الآخر يتضمن سيرة النبي نفسه، أو السيرة النقيضة لصورته الرسمية)؛ فإن ماركس هو كما يظهر نفسه لنا: بسوء فهمه التاريخي، وبتناقضاته الفكرية والنظرية، وبمشاكله الجلدية، وهكذا إلى النقطة المايكروسكوبية في حياته. فإنهُ حدثٌ نظري؛ وأنه ككل الأحداث لا يأخذ شكلاً صاخباً: يأخذ وقتاً ليتشكل ويتقنع ويظهر بوحدة مزيفة.
هذا يحيلنا إلى الإستنتاج الأول: ماركس ليس قناعاً (ولا حقيقة تختبأ وراء قناع ما)، أنه، على العكس، أقنعة- ليست من صنعه ولا هو من وضعها لنفسه، بل عبر عملية تاريخية شكّلت حقيقته، أو “وهم” حقيقته، التي نعرفها اليوم. المرء قد يفكر بلحيته: إنه لم ينبتها، بل نحن من وضعناها عليه على طريقة فن الكولاج، استعرنا ومزقنا شعيرات من مختلف الأجناس من البشر (الفاشيون ضمنهم كذلك) أو حتى الحيوانات (على المرء أن يفكر بلبدة الأسد على سبيل المثال)؛ بمثل الطريقة التي أضاف دوشامب شارباً رفيعاً على وجه الموناليزا.
هذا يعني أن ماركس، أو ما يسمى بفكره، هو ليس واحداً؛ بل أنه، كأي فكر علمي، مبني على التخالف. لا أقول ليس واحداً بمعنى: الماركسيات المتشعبة والمتعددة – وأن هذا الأمر هو لظاهرة سياسية وحسب- بل بمعنى أن فكر ماركس نفسه هو قائم على مبدأ التخالف-الذاتي حيث لا يوجد فكراً يختزن وحدة إلا عبر الوهم. دوشامب لم يضف شارباً على وجه الموناليزا لأنه يمتلك فرشاة، بل وجه الموناليزا سمح، من حيث وجوده، لدوشامب أن يقوم بذلك؛ بمجرد أنه موجود. هكذا عندما يشير المرء بأصبعه ويسأل: ما معنى ذكرى مرور قرنين على ولادة ماركس؟ فإنه يشير إلى مجموعة كبرى من الأحداث النظرية، والسياسية، والأيديولوجية، التي وقعت تحت أسم “ماركس” والماركسية. إن ذكرى ولادته، التي تتضمن أيضاً ذكرى موته، بما إن حياته قد انتهت، تفتح المجال لإطلاق القوى التخالفية التعددية لما نعرفه بإسم هذا الفكر نفسه، التي عبرها يظهر من هذا الفكر امكانية ما يمكن إنتاج نفسه فكراً جديداً مادياً ثورياً.
ذلك يطرح حقيقة: إلى أي مدى كان ماركس، أو أي واحد منا، مدركاً بوجهه؟ المفارقة هي أنه عندما قام بحلق لحيته وشعره، فهو قام بذلك فعلاً ليتخفى لا أن تُكشف حقيقته. لا حاجة لنا أن نتعمق فلسفياً لنستنتج ذلك، علينا أن نسمعه حين يقول لابنته جيني: “لقد أدركت أن لا شيء أشد أذيً لي أكثر من انتظار الناس لي في المحطة. فأرجوكِ ألا تقولي لأي أحدٍ أنني قادم هذا الأسبوع. أنا لا أرغب سوى في الهدوء المطلق معكِ أنتِ وأسرتكِ لوحدنا… ملاحظة: بالـ “الهدوء المطلق” أعني “الحياة العائلية”، و”ضجيج الصغار”، هذا “العالم المايكروسكوبي” مثير للإهتمام أكثر بكثير من العالم ”الماكروسكوبي”.
إن الإصرار على التخفي لم يقابله إلا فعل الحلاقة الذي يعرف هذا التخفي. لكن ألا يمكننا أن نقول إن هناك ما يهرب من هذا الفعل نفسه؟ التحرر نفسه، بما إن التخفي هو التحرر، يُبطل من قِبل مثل الصورة الرسمية التي يكونها المرء لنفسه؛ كأنما نقول إن ماركس لا يوجد إلا بلحيته، وأن أي فعل يخالف اللحية يستحيل وجوده من قِبل صورته الرسمية المعروفة- لطالما يبقى حياً فهناك من سينتظره في المحطة. إن القناع الحقيقي كان الوجه الحليق في مقابل الوجه الملتحي؛ على الرغم من هذه المحاولة يبقى الوجه الأول أسير الثاني. أليست هذه الفكرة المركزية لقصة عبدالقادر عقيل (السلطان في المدينة)؟ السلطان هو ليس سوى صورته؛ في عزلته وتواريه عن الأنظار، أنه لا شيء سوى صورته الإيديولوجية التي كونها، أو تم تكونيها، لنفسه – مهما أراد الهروب تغدو الإرادة مستحيلة. اللحظة التي أعتقد فيها السلطان أنه تحرر من صورته، وانتحل صورة الفقير الذي يعيش بين الناس (بشكل مؤقت)، وجد نفسه خاضعاً لصورته خارج أسوار القصر نفسه: حين أراد العودة لم يصدقه أحد بأنه السلطان نفسه، الآن عليه أن يبقى خارج هذه الأسوار التي تحمي “السلطان”. لا توجد هنا حقيقة محايثة لوجوده، حقيقته هي هي لقبه- لا أكثر ولا أقل؛ خطأه يكمن في أنه اعتقد أنه متماثل مع صورته. يمكننا، إذن، أن نقول، تبعاً للاكان، إن السلطان لم يكن مجنوناً لأنه أراد أن ينتحل شخصية فقير ما، بل لأنه أساساً اعتقد أنه سلطاناً. بالمثل، ماركس لم يكن مجنوناً لأنه أعتقد أن يمكنه يتقنع بوجه حليق، بل لأنه فعلاً اعتقد أنه ماركس.
هكذا، في اللحظة التي يجد ماركس لنفسه وجهاً جديداً، يجد الناس يناشدونه بوجهه القديم؛ المسألة لا تنتهي أبداً. لكن تبقى الحقيقة هي أن يمكنه أن يكون حليقاً، حتى لو لم ينجح في ذلك تماماً. وجود اللحية بحد ذاتها هي نفسها احتمالية عدم وجودها. عدم وجودها لا يعني أنه يحتفظ بالشارب وحسب، بل الخيال متروك لنا: وجه بلا أي لحية وشارب، وجه عليه شارب وحسب، وجه ملتحي من دون شارب، إلخ.. إن هذه التعددية هي الشرط الوحيد لإستمرار وجود ماركس إلى يومنا هذا.
لهذا لا يمكن لرجلٌ مثل انغلز الإستمرار لوحده دون ماركس، ليس تبعاً لأي مفهوم رومانطيقي للصداقة أو ما شابه ذلك، بل لأنه اختار أن يكون مرتبطاً به – حرفياً. نحن نعلم أن انغلز تخلص من رسائله الشخصية، وبذلك طمس جزءاً كبيراً من حياته هو كفريدريك انغلز، بذلك قضى على وجوده المتعدد ولم يترك لنا سوى ما أرادنا أن نعتقده: رفيق كارل ماركس. إن لحيته – أعني انغلز- لا تشكل سوى التقليدية (ولا شك أن هذا انعكس على فكره)، حيث لم يكن أبداً مهتماً بأن تكون له لحية لو لا إصرار والده على ذلك (الذي طلب منه أن يخبىء شفرة الحلاقة إلى أن تنبت لحيته)، وبطريقة ما أصبح هذا الإصرار هووساً لم يتخل عنه طوال حياته؛ كما يتبين ذلك في توزيعه مناشير، حين كان شاباً، تناصر إطلاق الشارب على الجلسات التي يحضرها فقط من يطلق شاربه بكثافة، حيث هذه الطريقة الوحيدة، كما يقول، لـ “محاربة الإنحطاط”. بلا شك، بإمكانك أن تتخيل انغلز حليقاً، لكن ذلك لا يشكل شيئاً على الإطلاق، ولا يعني شيئاً إطلاقاً؛ فإنه ليس نبياً، بل أحد معاونيه – حتى لو كان أكفأ، وأقدر، وربما أذكى. يبقى هناك شيء عند ماركس تمكن من أسر الجميع؛ بلا شك المعرفة هي ضمنها، وبلا شك القدرة الذهنية هي ضمنها كذلك، لكن هناك شيءٌ أعظم بكثير. قد يكون (وأنا لا أستخدم “قد” بالتواضع الزائف للكتاب) أن لمحات العبقرية، التي فهمها انغلز جيداً، هي في الحقيقة لمحات نبوة. إن النبي هو نبي، لا شيء يبرر ذلك؛ أنه مؤمن ولا يتحدث إلا عن الإيمان – وهذا الإيمان قد يكون علمياً كذلك، فهذا لا يهم. ووصف ماركس بمختلف الأوصاف: من شبيه سقراط إلى الإله يوبتر، جميع من عاصره حاول أن يستخرج منطقاً ما، تشبيهاً ما، لكي يبرر حضوره البارز. لهذا حين يريد ماركس أن يتحرر من ذلك، فإنه يثبت بأنه ليس مدركاً بوجهه ولا بصورته على الإطلاق.
لو كان مدركاً بذلك لرأيناه يرى نفسه كأحد الذين، كما يقول نيتشه، يولودون بعد الممات. ولرأيناه عاش في أفكار- ما-بعد -الموت؛ ولسأل: ماذا سيحصل لوجهي بعد أن أموت؟ لكن هذه الأسئلة ليست مهمة بالنسبة إليه. دريدا لم يكن مخطئاً حين تحدث عن وجود ماركس كشبح، بل كأشباح. والأشباح لا يصبحون أشباحاً إلا لأن عندهم نداء لا بد أن يسمعه أحد. ماركس، لأنه قد مات، دائم التوجس، ودائم الإنتظار، مردداً (يوليوس قيصر) شيكسبير:
“بروتوس: لماذا أنت هنا؟
شبح قيصر: لأقول لك إن عليك أن تقابلني في فيلبي.”
إلى ذاك اليوم الذي سنقابل فيه شبح ماركس في فيلبي إذن! الشبح يمكنه أن يتمظهر بمختلف الأشكال؛ فليس شرطاً أن يتوازى بشكله الدنيوي، ولهذا السبب فإن موته هو الشرط الوحيد لتخيله حليقاً.
استمرار الوجود المؤثر للماركسية، إذن، فلسفياً ونظرياً على الأقل، اليوم قد يعود إلى حقيقة أن موضوعاتها لا تزال مرتبطة بواقعنا؛ مفاهيم مثل: الصراع الطبقي (والطبقات)، ونمط الإنتاج، والبنية الاجتماعية، والثورة، والدولة، والرأسمالية، إلخ.. لا تزال تشكل الأفق الكوني للعالم الذي نعيشه اليوم. بهذا المعنى، الماركسية لا تزال موجودة، أو يمكن رصد احتمالية وجودها الضعيف هذا، في الساحة النظرية؛ لأنها مرتبطة بما هو موجود، لأنها جزء من هذا الأفق الكوني. لكن هذا جانب واحد فقط من وجودها؛ صحيح، أنها توجد لأنها محددة بوجود الرأسمالية، لكنها موجودة أيضاً لأنها تُشكل غياب ما هو موجود فعلاً؛ لأنها تمثل غياب الرأسمالية نفسها، أو للدقة: توفر شروط غيابها. بهذا المعنى يمكننا أن نرى كيف يمكن للماركسية أن ترتبط بالرأسمالية؛ بمعنى اقراري ونفيي في آن. لأول مرة موت الماركسية قد يكون شرط اعادة بعثها من جديد.
هذا هو التفسير الوحيد الممكن لعبارة ماركس الشهيرة: “بالنسبة إلينا، الشيوعية ليست نظاماً سيتم تأسيسه، فكرة مثالية يجب على الواقع أن يتكيف معه. نحن نطلق على الشيوعية تلك الحركة الحقيقية التي تهدم الأوضاع القائمة. ظروف هذه الحركة تنتج عن الإطار الذي نعيش فيه الآن”. الشيوعية بذلك ليست شكلاً إيجابياً لنمط انتاجي، وبنية اجتماعية، محدداً سلفاً يتعين علينا تطبيقه في الوقت المناسب؛ بل هي الحركة المناهضة للرأسمالية، حيث أنها نزعة كامنة فيها. ماذا سينتج من هذه الحركة متروك للمستقبل التصادفي المفتوح. الشيوعية اليوم، في أكثر أوقاتها العصيبة، بل والمستحيلة، هي المستقبل الوحيد للبشرية؛ هذه الحتمية قد، وربما، تتحقق، إذا كان الشيوعيون مستعدون لأن يسمعوا نداء ملاك التاريخ. نحن في اللحظة الكاثوليكية التي عبرها يكون ما هو “ليس – بعد” حاضراً “بالفعل”؛ بعثُ المسيح الذي لم يأتِ “بعد” هو “فعلاً” كامن بيننا.
ماركس، كما تقول القصة الطريفة، كان مدركاً بذلك. حين كان مع ابنته إيلنور في كارلسباد، قالت له امرأة ما: “لا أستطيع أن أتخيلك تعيش في مجتمع خالٍ من الطبقات لأن عندك عادات أرستقراطية”، فأجابها: “لا يمكنني أن أتخيل ذلك أيضاً. هذا المجتمع سيأتي، لكنني وقتها لن أكون على قيد الحياة”. كان يدرك أنهُ، مع الحركة الشيوعية، مرهون بالرأسمالية؛ أنهُ لا يشكل سوى الجانب السلبي منها وحسب.
ولهذا لن نستغرب من الاستنتاج الذي قدمه السياسي الذي ارسلته الأميرة فيكتوريا ليتحقق من نوايا الدكتور ماركس: “سواء رغب بذلك أم لا، لن يكون هو من سيقلب العالم رأساً على عقب”.
السؤال: ماذا لو كان السير (مونتستوارت غرانت داف) على حق؟
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
كلمة اللجنة المركزية إلى العصبة الشيوعية [مقتطفات] كارل ماركس وفريدريك انغلز
ترجمة: هشام عقيل
أيها الأخوة،
أثبتت العصبة وجودها، في السنوات الثورية 1848-1849، بطريقتين. الأولى: انخرط أعضائها بكل فعالية، في كل مكان، في الحركة ووقفوا في الجبهات الأمامية للطبقة الثورية الوحيدة: البروليتاريا. قاموا بذلك في الصحف، والثكنات، وساحات المعارك. وأثبتت العصبة نفسها أيضاً بأن فهمها للحركة، كما تبين ذلك المنشورات التي أصدرها المؤتمر واللجنة المركزية لعام 1847 وفي (البيان الشيوعي)، هي الوحيدة التي أثبتت صحتها، وبأن التوقعات التي تمَّ التصريح بها في هذه الوثائق تحققت بالكامل. هذا كان معروفاً فقط بين أوساط العصبة بشكل سري، أما الآن فالكل مدرك بهذه المسألة.
في مثل الوقت، على أية حال، ضعف التنظيم القوي للعصبة. (…) بينما زاد الحزب الديموقراطي، حزب البورجوازية الصغيرة، قوة وأصبح أكثر منظماً في ألمانيا، فقد حزب العمال قوته واقتصر تنظيمه، في أفضل الأحوال، على المحافظات المحلية فقط ولغايات محلية؛ أما في الحركة العامة فإنه أصبح تحت سيطرة وقيادة البورجوازيين الديموقراطيين الصغار. لا يمكن لهذا الحال أن يستمر؛ لا بد من استرجاع استقلالية العمال.
(…) لا يطمح البورجوازيون الديموقراطيون الصغار تحويل المجتمع كله لصالح البروليتاريين الثوريين، فهم لا يطمحون سوى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية بطريقة تجعل المجتمع القائم مريحاً ومقبولاً بقدر الإمكان لأنفسهم. بذلك يطالبون فوق كل شيء آخر تخفيف الإنفاق الحكومي من خلال حظر البيروقراطية ونقل عبء الضريبة الأساسي إلى الملاك الكبار البورجوازيين. يذهبون إلى أبعد من ذلك من خلال مطالبة ازالة ضغط رأس المال الكبير على رأس المال الصغير عبر تأسيس مؤسسات ائتمانية عامة وإصدار قوانين ضد الربا، بينما سيكون من الممكن لهم وللفلاحين أن يحصلوا على قروض بشروط ملائمة من الدولة بدلاً من الرأسماليين، وكذلك تقديم علاقة الملكية البورجوازية في الأرض من خلال الأزالة الكاملة للإقطاعية.
من أجل تحقيق كل هذا يحتاجون إلى شكل حكومي ديموقراطي، سواء أكان دستورياً أم جمهورياً، الذي سيعطيهم وحلفائهم الفلاحين الأغلبية: إنهم ايضاً يحتاجون إلى نظام ديموقراطي للحكومة المحلية ليعطيهم السيطرة المباشرة على ملكية المحافظة وعلى سلسلة من المكاتب السياسية التي في الحاضر واقعة تحت أيدي البيروقراطيين. …
أما بالنسبة إلى العمال، فشيء واحد مؤكد: إنهم يبقون عمالاً مأجورين كما كانوا سابقاً. مع ذلك، يريد البورجوازيون الديموقراطيون الصغار أجوراً وتأميناً أفضل للعمال، ويأملون تحقيق ذلك من خلال توسعة الأشغال الحكومية من خلال معايير الرعاية. بإختصار، يريدون رشوة العمال بشكل أكثر أو أقل خفاءاً كصدقة، ومن أجل كسر قوتهم الثورية عبر تعديل اوضاعهم مؤقتاً لكي تكون مقبولة. (…) .
وبينما يريد البورجوازيون الديموقراطيون الصغار إنهاء الثورة بأسرع وقت ممكن، من خلال تحقيق الأهداف المذكورة آنفاً، من مصلحتنا ومن مهماتنا أن نجعل الثورة دائمة إلى أن يتم دفع كل الطبقات المالكة بعيداً عن مواقع السيطرة، وإلى أن تخترق البروليتاريا سلطة الدولة، وإلى أن يتطور اتحاد البروليتاريين إلى حد بعيد جداً – ليس في بلد واحد وحسب بل في كل البلدان المتقدمة في العالم – الذي سيقضي على المنافسة الموجودة ما بين البروليتاريين في تلك البلدان وتتركز على الأقل أهم القوى الإنتاجية في أيدي العمال. نحن لا نريد تحسين الملكية الخاصة بل تقويضها؛ لا نريد تخفيف الصراع الطبقي بل تصفيته؛ لا نريد تطوير المجتمع القائم بل إيجاد مجتمع جديد غيره.
… على الرغم من أنه لا يمكن للعمال الألمان أن يحوزوا على السلطة وتحقيق مصالحهم الطبقية من دون المرور بالتطور الثوري المطول، إلا أن هذه المرة يمكنهم أن يتيقنوا بأن الفعل الأول للدراما الثورية الآتية سيكون مطابقاً للإنتصار المباشر لطبقتهم في فرنسا وبذلك سيتم تسريعه. ولكن عليهم أن يساهموا على الأغلب، بأنفسهم، في انتصارهم النهائي، عبر أن يكونوا مدركين لمصالحهم الطبقية الخاصة، وعبر تبني موقع سياسي مستقل في أسرع وقت ممكن، وعبر عدم السماح لأنفسهم أن يظلوا وراء العبارات الكاذبة التي يطلقها البورجوازيون الديموقراطيون الصغار التي تشككهم للحظة في ضرورة تكوين حزب منظم مستقل للبروليتاريا. على شعارهم أن يكون: الثورة الدائمة!
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
تغييب المجتمع المدني
هناك شكوى تزداد وتتسع من سعي الدولة لتغييب مؤسسات المجتمع المدني، والتضييق على الدور الذي تؤديه، وإنهاء دور الشراكة الذي اضطلعت به في الفترات السابقة مع الأجهزة الحكومية، وكذلك مع السلطة التشريعية.
فالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، مثلاً، يشتكي من تغيّب الجهات الحكومية المعنية بالشأنين العمالي والمعيشي من الأنشطة التي يقوم بها لمناقشة القضايا المتصلة بهما، وبالتالي فإن وجهة نظر النقابات والحركة العمالية لا تجد من يسمعها ويناقشها من المعنيين، المطالبين أيضاً بالاجابة على الأسئلة المثارة، والاتحاد النسائي يشتكي من تجاهل السلطة التشريعية لوجهات نظره في القضايا ذات الصلة بمجال عمله، كما حدث عند مناقشة المادة 535 المتصلة باسقاط العقوبة عن المغتصب في حال وافق على الزواج من ضحيته.
ويمكن أن نستطرد في سوق الأمثلة على ذلك، ولكن أكثرها سطوعاً في الآونة الأخيرة التعديلات التي أدخلت على قانون الجمعيات المهنية، والتي تحضر على أعضاء الجمعيات السياسية الترشح لانتخابات مجالس الإدارة في الأندية الرياضية والثقافية والمؤسسات المهنية، مع أن هذه الجمعيات السياسية تعمل تحت مظلة القانون، وملتزمة ببنوده، وليس في طبيعة نشاطها الوطني ما يستدعي حرمان أعضائها من الترشح لعضوية مؤسسات أخرى، كالأندية مثلاً.
من سمات الشمولية العربية هيمنة الحكومات على مؤسسات المجتمع المدني، والتي فقدت بحكم هذه الهيمنة صفتها التمثيلية للقطاعات التي تنطق باسمها، ومن الأمور التي تحسب لمؤسسات المجتمع المدني في البحرين أنها نبعت من قلب الحراك المجتمعي المستقل عن الدولة، وليس القصد هنا أنها نشأت لمغالبة الدولة، وإنما لتتوفر على أهم شرطٍ من شروط المجتمع المدني وهو الإستقلالية.
وفي المحافل العربية والدولية ذات الصلة كان ينظر للجمعيات والاتحادات البحرينية الأهلية بهذه الصورة، سواء تعلق الأمر بالحركة النقابية العمالية، أو بالجمعيات المهنية، كجمعيات المحامين والأطباء والمهندسين، وكذلك بالمؤسسات الممثلة للمبدعين والفنانيين.
المجتمع كان سبّاقاً في تنظيم نفسه في هيئات معبرة عنه، ومجسدة لمصالح وتطلعات قطاعاته المختلفة، ويعود الفضل في ذلك للشرائح الحديثة من الكفاءات المهنية والثقافية التي تلقت خبراتها الأولى في العمل النقابي في صفوف الحركة الوطنية والتقدمية البحرينية، مُستوحية في ذلك تراث الحركة الوطنية المناهض للطائفية والمعبر عن كافة فئات المجتمع، والمتجاوزة لآثام التخندق الطائفي البغيض.
إن هذا التغييب لدور مؤسسات المجتمع المدني، والتضييق عليها، ينبع من فهم ضيق وخاطىء لبعض أجهزة الدولة لدور مؤسسات المجتمع المدني، أدى وسيؤدي أكثر، في حال استمراره، لمصادرة الفضاء الأهلي في البلاد، مما يفقد البحرين واحدة من أهم السمات التي كانت موضع فخر واعتزاز، لا من البحرينيين أنفسهم، وإنما على الصعيدين العربي والدولي.
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
حين حضر «المستقلون» غابت قضايا البلد الحقيقية.. النعيمي: قائمة «التقدمي» عابرة للطوائف.. وسندعم المرشحين الديمقراطيين ولن ننافسهم
قال رئيس اللجنة العليا للانتخابات في المنبر التقدمي الديمقراطي عبدالجليل النعيمي أن عيونهم تتركز على قائمة عابرة للطوائف والأجيال والأجناس، وعلى اختيار أناس بمواصفات علمية وسياسية وطنية وشخصية عالية، مؤكداً أنهم عقدوا لقاءات مع جمعيات سياسية وشخصيات رسمية ودينية ووطنية لبلورة تصور التقدمي.
وأكد النعيمي في حوار مع «الأيام» أن قائمة مرشحي التقدمي والدوائر الانتخابية التي سيتنافسون فيها « لم يتم حسمها»، مشيرا إلى توجه التقدمي في عدم الإكثار من عدد المرشحين في قائمته، معبراً في الوقت ذاته إلى أن جمعيته تمتلك حظوظا جيدة لثقتها العالية في صدق وصحة وواقعية برنامجها الانتخابي، وحاجة الناس لتقديم أداء وطني كالذي قامت به الكتلة في مجلس 2002، بل وأفضل.
وفيما يلي نص الحوار:
] إلى أين وصلت إستعداداتكم للانتخابات المقبلة؟ وهل انتهيتم من وضع تصوراتكم النهائية بشأنها؟!
– منذ وقت مبكر نسبيا أعلن التقدمي عزمه المشاركة في الانتخابات النيابية والبرلمانية ضمن قائمة وطنية ديمقراطية، انطلاقا من إيمانه بأفضلية المشاركة للتعامل مع واقع الحال الذي نعيشه. بُعيد الإعلان، شكل المكتب السياسي اللجنة العليا للانتخابات من أعضاء بارزين في المنبر التقدمي وفي المجتمع. من أولى مهام اللجنة كان عقد سلسلة من اللقاءات الموسعة والفردية مع ممثلي مختلف أوساط المجتمع من جمعيات سياسية وشخصيات رسمية ودينية وشخصيات وطنية، وتساعد هذه اللقاءات كثيرا في بلورة تصور التقدمي حول فكرة القائمة الوطنية الديمقراطية وآليات التنسيق الممكنة الأخرى.
وتم تشكيل لجان فرعية، كلجنة مشروع البرنامج التي أنجزت مؤخرا مسودته النهائية ليعرضه التقدمي على القائمة الانتخابية مقترحا. ويمر الفريق الإعلامي للحملة الانتخابية بدورات لرفع التأهيل والاستفادة من تطبيقات مختلف الحملات الانتخابية في مجال الإعلام والتواصل الاجتماعي، كما تقوم لجنة مختصة بدراسة الدوائر الانتخابية التي يعتزم أعضاء التقدمي أو أصدقاؤه النزول فيها أو الدوائر ذات الحظوظ التي تستدعي النزول. ذلك لا يعني أننا سنكثر من إنزال المرشحين، بقدر ما نرمي إلى صحة الاختيار.
ويقوم المهتمون بجانب التدريب بالإعداد لورش عمل حول إعداد المرشحين ورؤساء الحملات الانتخابية وأعضائها، تساعد أعضاء التقدمي وأصدقاءهم على امتلاك مهارات إضافية في إدارة الحملات الانتخابية، إضافة إلى تلك امتلكوها من تجارب الماضي.
] ما هي الأسماء التي ستحملها قائمتكم الانتخابية؟
– لا يزال الوقت مبكرا لإعلان أسماء القائمة. أستطيع الآن التحدث عن المبدأ أكثر من الأشخاص. لدينا دوائر محددة وأخرى قيد الدراسة ومرشحون نيابيون وبلديون من أعضاء وأصدقاء المنبر، لكن الدوائر وقائمتي المرشحين النيابيين أو البلديين لا تزال مفتوحة، غير نهائية بعد. تجري مراجعات وتعديلات وتصويبات مستمرة، وسوف يتم الإعلان عنها في مؤتمر صحفي. نركز على اختيار أناس بمواصفات علمية وسياسية وطنية وشخصية عالية يصب أداؤها في تفعيل الإصلاح بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصلحة الغالبية الشعبية ومصلحة استقرار وتطور مملكة البحرين. عيوننا على قائمة عابرة للطوائف والأجيال والأجناس، على قائمة متوزعة جغرافيا واجتماعيا بما يعكس طبيعة البحرين ووحدة شعبها الوطنية، وهنا لا غرابة -مثلا- في أن تجد ابن قرية مترشحا واثقا في مدينة، أو العكس.
] هل ثمة تباحث أو توجه لعقد تحالفات مع قوى أو تكتلات، أو حتى مستقلين؟
– يمكن أن أضيف إلى الجواب السابق أننا نعطي اعتبارات لما هو أبعد من القائمة الوطنية الديمقراطية ذاتها. لقاءاتنا متواصة ونعمل مع محيط من المرشحين ليس بالضرورة عبر آلية واحدة، فيمكن أن تتعدد الآليات مع التنسيق فيما بينها. وحيثما توافر مرشحون وطنيون ديمقراطيون، منحازون لمصالح الجماهير الشعبية، بعيدون عن أي نزعات طائفية، نقتنع بهم ونلتقي معهم في مساحة كافية من تصورات العمل البرلماني وأهدافه، فإننا لن نختار سوى دعم هؤلاء وليس منافستهم.
] سمعنا عن وجود توجّه لدى قياديين سابقين في المنبر لخوض الانتخابات، فهل سيكونون ممثلين عنكم؟
-أبلت كتلة الوطنيين الديمقراطيين التي تشكلت من النائب السابق والأمين العام السابق للمنبر التقدمي عبدالنبي سلمان، والنائب السابق المحامي يوسف زينل، والنائب الأول لرئيس مجلس النواب السابق عبدالهادي مرهون بلاء حسنا في الفصل التشريعي 2002-2006، وحققوا من الإنجازات ما عجزت عنه الفصول التشريعية الأخرى التي غابت عنها مثل هذه الكتلة، بينما حضر الاصطفاف الطائفي أو من سموا أنفسهم «المستقلين»، فغابت قضايا البلد الحقيقية. استطاعت كتلة الوطنيين الديمقراطيين أن تعيد إلى ميزانية الدولة مئات الملايين من الدنانير «الضائعة»، كما استطاعت أن تذود عن قضايا العمل والعمال والحريات السياسية والاجتماعية. وعملت عازلا ماصا للصدمات بين القوى الطائفية في المجلس مركزة على قضايا الوطن والشعب. لقد أحدث الأداء البرلماني الجيد لهذه الكتلة تحولا نوعيا في وعي الجماهير والقوى السياسية التي قاطعت انتخابات 2002، فصححت موقفها إلى المشاركة في انتخابات 2006.
] كيف تقرأون حظوظكم في الانتخابات المقبلة؟
– نسمع كثيرا من الآراء المشجعة وأخرى تهمس في آذاننا بنذر الإحباط. قد تكون الأولى في غاية التفاؤل والثانية مغرضة بإشاعاتها، ونحن ندين بالشكر للأصدقاء الكثيرين الذين يدعمون توجهات التقدمي بمختلف الأشكال ويبدون حرصا على ضرورة إيصال العناصر الوطنية الديمقراطية إلى البرلمان القادم، ونعدهم بألا نضيع ثقتهم. ومن الجهة الأخرى فنحن على أي حال نعدّ أنفسنا سياسيين جيدين وجديين. ندرس الإشاعات، نحللها ونبحث في مقاصدها، لكن لا نعيش عالم الإشاعات أبدا، نعيش أرض الواقع. نحلل أوضاع الدوائر دائرة دائرة، وتطور أوضاع المرشحين مرشحا مرشحا. نراجع، نصحح، نتراجع، نتقدم، على أن التقدم هو وجهتنا الأساس.
نعم، نؤمن بحظوظ جيدة؛ لأن ثقتنا عالية في صدق وصحة وواقعية برنامجنا الانتخابي، في حسن مواصفات مرشحينا النيابيين والبلديين وجاذبيتهم للجماهير، في تفاني رفاقنا وأنصارنا وأصدقائنا واستعدادهم لتسيير الحملات الانتخابية بكفاءة ونزاهة عاليتين، في احتضان الجماهير الذين اختبروا أداءنا في السابق، وينتظرون مثل الأداء وأكثر في المستقبل.
نحَّذر من مغبة إقرار التعديلات لمشروع لقانون التقاعد، ونطالب بموقفٍ وطني واسع رافض للمساس بمكتسبات المشتركين والمتقاعدين
بيان من جمعيتي التجمع القومي والمنبر التقدمي
عبرت جمعيتا المنبر التقدمي والتجمع القومي عن رفضهما الشديد للمشروع بقانون الذي رفعته الحكومة مؤخرا بصفة الاستعجال إلى السلطة التشريعية حول اصلاح وتعديل قانون التقاعد في البحرين، والذي يعطي، بحسب التعديلات المقترحة، صلاحيات واسعة لمجلس هيئة التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد العسكري، بما في ذلك صلاحية تحديد نسب اشتراكات التقاعد ومدة احتساب متوسط الراتب أو الأجر الذي يتم بناء عليه تسوية المعاش وتقرير منح زيادة سنوية على المعاش أو وقفها وتحديد المدة المؤهلة لاستحقاق المعاش وتقرير السماح بضم مدد افتراضية، وهي صلاحيات من شأنها أن تنتقص من سلطة البرلمان التشريعية والدستورية بحيث تصبح صلاحيات تعديل القانون مستقبلاً في يد الجهة التنفيذية المعنية ذاتها بتنفيذ تلك التعديلات، ممثلة في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وحيث أن التعديلات الواسعة المقترحة على أحد أهم القوانين التي يمكن أن يناقشها البرلمان، تمس مباشرة أموال وحقوق ومكتسبات عشرات الآلاف من المتقاعدين ومئات الآلاف من المشتركين ضمن نظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية في البحرين سواء كانوا من موظفي القطاع العام، أو القطاع الخاص أو حتى القطاع العسكري، فقد كان من الأجدر أن ينص القانون الجديد على ما يعزز شراكة ومساهمة هؤلاء عبر ممثليهم في الاتحادات النقابية والمهنية لضمان حسن سير إدارة هذه الأموال ويحافظ على الحقوق والمكتسبات ومراقبة التصرف فيها خاصة في ظل المطالبات الملحة بالشراكة المجتمعية في إدارة السياسات الاقتصادية والاجتماعية وقواعد الحوكمة الرشيدة التي تنادي بها الحكومة، وخاصة بعد إن أثبتت إدارات صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية فشلها وعجزها في إدارة أموال واستثمارات الهيئة والصندوق وأثبتت التحقيقات الهدر الكبير في هذه الأموال والاستثمارات، وهي أحد الأسباب الرئيسية في التهديد بإفلاس نظام التقاعد.
لذلك، فإن الضرورة تفرض على الجميع، وفي مقدمتهم أعضاء السلطة التشريعية عدم السماح، وتحت اي ظرف، بتمرير هذا المشروع بقانون الذي يحمل في طياته الكثير من الانعكاسات الخطيرة على مستقبل التأمينات الاجتماعية، ومظلة الأمان الاجتماعي برمتها، وكذلك على حقوق المشتركين ومستقبل الآلاف من الأسر في البحرين، الأمر الذي سيخلق، لا محالة، وضعاً اجتماعياً واقتصادياً ومعيشياً لا يمكن التنبؤ بعواقبه الوخيمة.
إن الجمعيتين تطالبان بضرورة التمعن في حجم التفاصيل الكامنة في التعديلات المقترحة وما ستلحقه من مخاطر على مجمل الوضعين الاجتماعي والمعيشي، والتي جاءت على عكس توقعات الجميع، حيث كان منتظرا اصلاح نظام التقاعد في البحرين بما يلبي حاجة البلد والناس في تحقيق المزيد من سبل الاستقرار الاجتماعي، في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وبعد رفع الدعم عن الكثير من السلع الاستهلاكية الأساسية، وفرض حزمة من الضرائب على كاهل المواطنين بمختلف شرائحهم، وتوقع فرض المزيد منها في القريب العاجل، حيث أن المطلوب وفي مواجهة هذه الأوضاع وتحمل المواطنين أعباء الضرائب والرسوم المتزايدة أن يعطون الحق للمشاركة المباشرة في صياغة القرارات المتعلقة بمستقبلهم ومستقبل أجيالهم.
لقد سبق أن حذّرت جمعيتا التجمع القومي والمنبر التقدمي، ومعهما طيف واسع من القوى والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني من مغبة السكوت على الكثير من الاجراءات والخطوات التي اتخذت خلال السنوات الأخيرة، وحتى وقت قريب ، حيث أقدمت الكثير من مؤسسات القطاعين العام والخاص والشركات على دفع الناس نحو التقاعد المبكر تحت ذرائع وحجج، ليس أقلها تطبيق نظام الخصخصة سيء الصيت، والذي يأتي، كما نعلم، تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد الدولي و”روشتاته” المدمرة، الأمر الذي أرهق الوضع المالي لصناديق التقاعد في هيئة التأمينات الاجتماعية، وحتّم بدوره على شرائح واسعة من المتقاعدين مبكراً البحث عن وظائف بديلة لتحسين أوضاعهم المعيشية الصعبة.
وتؤكد الجمعيتان أن الإصرار على استمرار تغييب التمثيل العمالي في مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي أصبح مثيراً للشبهات، والغاية منه تمرير ما لا يخدم مصالح المتقاعدين، وينتقص من حقوقهم التقاعدية، وبات ملحاً معالجة هذا التغييب القسري.
كما أن مجلس النواب ومنذ العام 2004 كان قد طالب بضرورة اصلاح أوضاع الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وإعادة الأموال والأصول والممتلكات، ووقف الفساد المستشري فيها، وفي إدارتها على أسس مهنية واحترافية ترتقي بحقوق ومكتسبات المشتركين والمتقاعدين، علاوة على ضرورة اصلاح نظام التقاعد ذاته بصورة تحقق الاستقرار الاجتماعي وتعيد ثقة المشتركين والمتقاعدين في نظام التقاعد في البحرين، وهذا ما اكدت عليه نتائج للجنة التحقيق البرلمانية حول صناديق التقاعد التي اعلن عنها في 5 مايو الماضي لتؤكد عجز الهيئة عن ادارة الصناديق التقاعدية والذي طالبت فيه بإعادة النظر في القيادات التي تدير الهيئة ومراعاة الكفاءات وما الى ذلك من نتائج سبق وان خلصت اليها لجنة التحقيق البرلمانية التي شكلت قبل أكثر من اربعة عشرة عاماً، والتي عرضت حينها في تقرير رفع للحكومة، دون أن تلقى مطالبات الجميع بما فيهم نواب مجلس 2002-2006 ، استجابة جدية من قبل مجلس ادارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، أو حتى متابعة السلطة التنفيذية التي التزمت، شفاهةً،أمام البرلمان حينها بالمضي في تنفيذ توصيات تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المشار اليها.
إننا في جمعيتي المنبر التقدمي والتجمع القومي نُحَذر أعضاء مجلسي النواب والشورى من استسهال تمرير هذا المشروع الخطير، والتحسب جيداً لتداعياته المحتملة، ونطالبهم باظهار موقفهم الوطني المسؤول والتاريخي برفضه وعدم ارتكاب خطيئة لا تغتفر بحق مصالح ومكتسبات المواطنين والأسر بمختلف شرائحهم وفئاتهم، والاستعاضة عن ذلك باعادة طرح ملف التأمينات الاجتماعية واصلاح نظام التقاعد في البحرين للنقاش والتحقيق مجدداً.
وتأسيساً على قاعدة احترام الإرادة الشعبية وحق الناس في الاعتراض على توجهات خطيرة ومثيرة للمخاوف مثل هذه، نطالب جميع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها النقابات والاتحادات العمالية، الوقوف بصلابة ومسؤولية بوجه هذا المشروع المدمر الذي في حال اقراره سيصبح عنواناًلأزمة اجتماعية ومعيشية قادمة.
المنبر التقدمي التجمع القومي
الأول من يونيو 2018
- 1
- 2