ثقافة عربية لا خليجية
كنا، وسنظل، من أشدّ دعاة مصطلح «الثقافة في الخليج العربي»، لا «الثقافة الخليجية»، لكن مفهوم «الثقافة في الخليج»، وإن قبلناه تجاوزاً، ربما من باب إيجاز القول، سيكون ناقصاً إن لم نضف عليه صفة العربية، فلا يمكن الحديث عن ثقافة في هذه المنطقة، ليست غير عربية، على الأقل في حدود القائم من معطيات تاريخياً وراهناً، وبالتالي فإن الأصحّ هو الحديث عن «الثقافة العربية في الخليج».
فيلتسيا لانغر.. وداعاً
في ألمانيا، وليس في «إسرائيل» رحلت عن الدنيا فيلتسيا لانغر، المحامية اليهودية التقدمية، والمدافعة الشهيرة عن الأسرى والمعتقلين في السجون «الإسرائيلية»، والمناضلة في إطار «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» التي تضم مناضلين عرباً ويهوداً.
لم تطق لانغر البقاء في «إسرائيل»، لما تعرضت له من مضايقات بسبب مواقفها المشرفة دفاعاً عن المعتقلين والسجناء الفلسطينيين، الذين أحبّوها، ومنحوها ثقتهم الكبيرة، للدرجة التي أطلقوا عليها «لقب الحاجة فيلا»، على نحو ما كتب الكاتب، والأسير الفلسطيني المحرر عصمت منصور، الذي قال إنه قرأ، وهو في السجن، مذكراتها التي تحدثت فيها عن تجربتها الحقوقية، وعما عانته من أوجه ضغط وتهديد من الأوساط الصهيونية المتطرفة.
على ما يذكر عصمت منصور أيضاً، فإن أبرز من دافعت عنهم أمام المحاكم «الإسرائيلية» كان رئيس بلدية نابلس بسّام الشكعة، في العام 1979، الذي دفع قدميه في محاولة اغتيال ثمناً لانتمائه إلى منظمة التحرير في زمن ما عرف ب«روابط القرى»، لكن عدد من ترافعت لانغر، دفاعاً عنهم، أمام المحاكم في دولة الاحتلال، وتبنت ملفاتهم أكبر من أن يحصى، حيث أنشأت مكتباً خاصاً، كانت القدس مقره، للدفاع عن معتقلي فلسطين، فضلاً عن معارضتها الحازمة لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.
حين وجدت أن استمرار بقائها في «إسرائيل» بات متعذراً، هاجرت في تسعينات القرن الماضي إلى ألمانيا قائلة: «قررت أنه لا يمكن أن أكون ورقة التين لهذا النظام بعد الآن. أريد المغادرة لأكون نوعاً من التظاهر والتعبير عن اليأس والاشمئزاز من النظام»، موضحة أنها لم تترك القضية التي أفنت حياتها من أجلها بعد المغادرة، وإنما غيّرت مكانها على الجبهة.
من ألمانيا واصلت نشاطها الحقوقي دفاعاً عن الفلسطينيين، حيث ساهمت في توثيق جرائم الاحتلال وفضحه في العالم، عن طريق عدة مقالات وكتب أصدرتها، وكان آخر إسهاماتها قيادة حملة تضامن مع الأسيرة النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني عن الجبهة الشعبية خالدة جرّار.
لم تنسق فيلتسيا لانغر للدعاية الصهيونية، التي تلقى رواجاً في الأوساط اليمينية في العالم، ولدى بعض قطاعات الرأي العام الغربي الرامية لتوظيف المحارق النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، كمبرر لاحتلال فلسطين وأراضٍ عربية أخرى، ناهيك عن التنكيل الكبير والمجازر المتعددة التي ارتكبها العصابات الصهيونية الإرهابية ضد الفلسطينيين منذ العام 1948، وبهذا الصدد قالت: «أنا مع العدالة، وضد كل من يعتقد أن ما يترتب على المحرقة هو الكراهية والقسوة وعدم الحساسية».
قوى فلسطينية عدة، نعت المحامية الراحلة عن 88 عاماً، حيث رأى فيها حزب الشعب الفلسطيني «صوتاً مناضلاً من أجل الحرية والعدالة والسلام الحقيقي والعادل، القائم على ضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة لاجئيه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس».
madanbahrain@gmail.com
صحيفة الخليج الاماراتية الأحد 10 شوال 1439 هـ ، 24 يونيو 2018 م
المنبر التقدمي: نثمن التوجيهات الملكية بإعادة بحث مشروعي التقاعد تجاوباً مع الإرادة الشعبية
أكدَّ المنبر التقدمي على أهمية التوجيهات الملكية التي أعلن عنها اليوم، بضرورة إعادة بحث مشروعي التقاعد وبالتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع الأخذ بالاعتبار كل ما أبدي بشأنيهما من ملاحظات ومقترحات اثناء مناقشة المشروع، وما أبداه الرأي العام والقوى السياسية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني والقوى والشخصيات الوطنية بمختلف شرائحها من موقف مسؤول وموحد تجاه المشروع.
إن المنبر التقدمي الذي كان، وما يزال، في طليعة القوى الوطنية الرافضة لتمرير مشروع نظام التقاعد المقترح من قبل السلطة التنفيذية بصورة الاستعجال وبما ورد في بنوده من مساس بمدخرات المواطنين، يؤكد، مجدداً، أهمية تعزيز التلاحم والوحدة الوطنية دفاعا عن المصالح الحيوية للشعب.
ويثمّن المنبر التقدمي التوجيهات الملكية السامية باستكمال المشاورات بشأن هذين القانونين بتأنٍ، ودون استعجال، وان تكون إعادة التقييم والبحث محققة للتوافق الوطني بين سلطات الدولة ومؤسساتها المعنية، في إدخال الإصلاحات اللازمة على القوانين المعمول بها،وضرورة بحث وتطوير النظام التقاعدي في مملكة البحرين بما يكفل الحفاظ على حقوق المواطنين ويؤمن الاستقرار المالي للصناديق التقاعدية.
لقد طالبنا في المنبر التقدمي، منذ البدء، بضرورة تحقيق التوافق الشعبي المطلوب حول تعديل نظام التقاعد، والإقلاع عن منهج الاستعجال والتسرع، وسلقٍ التشريعات والأنظمة، لما له من تداعيات وعواقب وخيمة على الوضعين الاجتماعي والمعيشي، كذلك أكدّنا على ضرورة توفر الشفافية في إدارة اموال الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، ما يتطلب وجود إدارة مهنية احترافية ومستقلة، بعيداً عن هيمنة أي من السلطات على أموال واستثمارات الهيئة، حفاظا على مدخرات المشتركين والمتقاعدين، والنظر بمسؤولية لأهمية استقرار مظلة الأمن الاجتماعي في البلاد، ومعالجة كافة الاختلالات المالية وأوجه الفساد التي كشف تقرير لجنة التحقيق البرلمانية منذ العام 2004، وكذلك التقارير السنوية لديوان الرقابة المالية الكثير من التجاوزات وأوجه الفساد، التي آن الأوان لوقفها ومحاسبة المتسببين فيها.
إن تحقيق الإرادة الملكية المتوافقة مع الارادة الشعبية حول ضرورة إدارة أموال ومدخرات المواطنين التقاعدية على اسس فاعلة مهنية وشفافة، يتطلب تحقيق إدارة فاعلة للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بحيث تمثل فيها الكفاءات من أطراف الإنتاج الثلاثة، دون السماح تحت اي ظرف بإقصاء أي منها، كما هو حاصل بإقصاء ممثلي العمال عن عضوية مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، الأمر الذي ينتقص من شرعية ما اتخذ خلال فترة غيابهم من قرارات، ويتطلب ضرورة عودتهم لمجلس الإدارة دون إبطاء او تسويف.
إن ما تحقق من انتصار للإرادة الشعبية الجامعة في هذه القضية الحيوية، يبرهن على أهمية التلاحم والوحدة بين كافة قطاعات الشعب، لتحقيق النجاحات المأمولة لكافة المطالب الشعبية العادلة بسلمية وحضارية.
المنبر التقدمي
21 يونيو 2018
القومي والتقدمي يجددان رفضهما لكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني
نقلت الصحافة المحلية عن مستشار التراث العالمي بهيئة البحرين للثقافة والآثار منير بوشناقي، قوله إن مملكة البحرين ستستضيف وفداً إسرائيلياً خلال اجتماع لجنة التراث العالمي في الفترة من 24 يونيو حتى 4 يوليو 2018 بذريعة أن الاجتماع هو فعالية عالمية تنظمها اليونسكو وتحضرها كافة دول العالم.
وهذه هي ليست المرة الأولى التي نشهد فيها خطوات رسمية، وغير رسمية، للتطبيع مع الكيان الصهيوني تحت ذرائع فنية ورياضية وثقافية، والتي كان آخرها مشاركة وفد من البحرين في سباق الدراجات في القدس المحتلة في شهر مايو الماضي، مما يؤكد التصميم على إضفاء الشرعية على العلاقات مع الكيان الغاصب بالرغم من الإدانة الشعبية الواسعة لمثل هذه الخطوات والتي عبر عنها شعب البحرين بكل فئاته ومكوناته.
ومما يزيد من خطورة خطوات التطبيع هذه، أنها تأتي في وقت يشتد التآمر لتصفية القضية الفلسطينية من قبل القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الداعم والحليف الإستراتيجي للكيان الصهيوني، من خلال الترويج لما يسمى ب”صفقة القرن”، ومن تجلياتها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، علاوة على المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في مسيراته السلمية خلال الأسابيع الماضية، مما يعني أن خطوات التطبيع تشكل تغطية ضمنية لكل تلك المؤامرات والمجازر، وتغاضياً عنها.
إن التجمع القومي والمنبر التقدمي اذ يحييان شعب البحرين بكل فئاته ومكوناته على مواقفه الوطنية والقومية الأصيلة الرافضة لهذه الخطوات، وإذ تتطابق مواقفهما مع مواقف هذا الشعب التاريخية والمبدئية الداعمة لقضية فلسطين ولحق الشعب الفلسطيني الشقيق في تحرير أرضه من دنس الاحتلال وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، فإنهما يستنكران كل المحاولات الرامية إلى إحداث أي اختراق في جدار وطننا الصلب الرافض لأي خطوة للتطبيع أو التعايش مع الصهاينة القتلة المجرمين.
وتدعو الجمعيتان كافة فئات الشعب ومكوناته وقواه السياسية والمجتمع المدني إلى إعلان مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة لكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك السماح بمشاركته في اجتماع لجنة التراث العالمي خلال الأيام المقبلة والضغط على الجهات الرسمية لاتخاذ الخطوات الفورية لإلغاء هذه المشاركة لكونها تتحمل مسئولية هذه المشاركة.
التجمع القومي
المنبر التقدمي
المنامة في 19 يونيو 2018
أوروبا والكأس المُرّة
إن استمرّ الرئيس دونالد ترامب في التصرف مع حلفائه الأوروبيين بالطريقة الحالية، والتي وجدت أكثر صورها فجاجة، في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي عقدت مؤخراً، فمن المنطقي أن تذهب الأمور إلى تصدع إضافي، جديد وخطير، في النظام الدولي الذي نشأ بعد انتهاء الحرب الباردة، والذي لم يعد جديداً على نحو ما بشّر به الرئيس الأسبق، جورج بوش الأب.
سرعان ما «شاخ» هذا النظام الدولي «الجديد» تحت ضغط مستجدات التوازنات الدولية، وخاصة بعد «نهضة» روسيا من كبوتها، التي حسب الغربيون أن بعدها لن تقوم لموسكو قائمة، وأيضاً بعد أن ابتدأت «البيروسترويكا» الصينية الهادئة، المتزنة، وبعيدة النظر، تعطي أُكلها، على صعيد مضاعفة دور وزن الصين في الساحة الدولية، وهي التي استفادت من نزق وتهور بيروسترويكا جورباتشوف، التي هدّت كل شيء قائم، دون أن يملك صاحبها تصوراً عن البديل، فشاعت الفوضى والخراب والتفكك.
قلنا قبل أيام إن أوروبا أظهرت ضعفها إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وجدت نفسها حائرة في الذي عليها أن تقوم به إزاء إجراءات ترامب التي لم تقم اعتباراً لمقتضيات واستحقاقات التحالف مع أوروبا، وهو تحالف مركب، متداخل العوامل، سياسياً واقتصاديا وأمنياً.
من الجهة الأخرى، فإن هذا «الضعف» إزاء الأمريكي المتحصن خلف المحيط، ليس قدراً على أوروبا أن تتجرع كأسه المرة حتى النهاية، دون أن تحرّك ساكناً، فكأن ترامب، من حيث لا يحتسب، وضع الأوروبيين أمام تحدي بلورة مفهوم جديد لأمنهم، وعلى الصعد كافة، لا يركن إلى الدعم الأمريكي، الذي اتضح أنه ليس صلباً وأبدياً، كما كانوا يظنون. وبالتالي فإن عليهم التفكير جدياً في أن يكونوا مستقلين ومعتمدين على قواهم الذاتية في المقام الأول، وأن يكون التعاون مع الولايات المتحدة، إن توفّر، مجرد عامل تقوية، لا أن يكون قاعدة للأمن الأوروبي، بدونه لا يستقيم.
هناك مستفيد كبير، وإن لم يكن الوحيد، مما يجري، هي روسيا. ولعلنا هنا نعثر على جواب لغز ظلّ محيراً، جوهره السؤال التالي: أين تكمن مصلحة بوتين في دعم ترامب في الوصول للبيت الأبيض، وهو دعم ما انفكت الأدلة عليه تتوالى؟
وسنجيب على هذا السؤال بسؤال، قد يسعف في الوصول للإجابة: أبلغ دهاء بوتين درجة أدرك فيها أن مجيء رجل مثل ترامب سيؤدي إلى الصدع الحاصل اليوم في العلاقات الأوروبية – الأمريكية، وبذلك يتحقق لموسكو ما عجزت عنه: أن تُوقع بين أطراف «الناتو»، فتصبح معركتها داخلية، فيما كانت الغاية مواجهة روسيا وتطويقها بالعقوبات وبالصواريخ، التي باتت تنصب على أراضي بلدان كانت قبل عقدين أو ثلاثة أعضاء في «حلف وارسو» المرحوم.
المؤشرات تفيد بشيء من هذا، حتى وإن صعب الجزم به، لكن إن استمرّ هذا الوضع، فالأمور سائرة في هذا الاتجاه، حتى وإن لم يكن بوتين خطّط لها.
madanbahrain@gmail.com
صحيفة الخليج الأماراتية
الثلاثاء 27 رمضان 1439 هـ ، 12 يونيو 2018 م
بلاغ صحفي عن الاجتماع الدوري للمكتب السياسي للمنبر التقدمي
في اجتماع لمكتبه السياسي
المنبر التقدمي يجدد رفضه المساس بحقوق المتقاعدين والعمال
ويطالب بالاستجابة للإرادة الشعبية
جدد المنبر التقدمي موقفه الرافض لمشروع التعديلات المقترحة والتي تمس مصالح ومستقبل العمال والمتقاعدين، جاء ذلك في اجتماع للمكتب السياسي الدوري للمنبر للتقدمي عقد مساء السبت الموافق 9 يونية 2018، حيث ناقش الموضوعات التنظيمية والسياسية المدرجة على جدول أعماله، والتقارير المرفوعة من لجان التقدمي المختلفة عن سير عملها طيلة الفترة المنصرمة.
كما توقفت أمام المشروع بقانون الذي رفعته الحكومة مؤخراً بصفة الاستعجال إلى السلطة التشريعية حول إصلاح وتعديل قانون التقاعد في البحرين، والذي يعطي، بحسب التعديلات المقترحة، صلاحيات واسعة لمجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد العسكري وهو الأمر الذي قوبل برفض شعبي واسع والتفاف وطني واسع شمل جميع شرائح وفئات المجتمع البحريني رفضاً لأي تعديلات تمس حقوق ومكتسبات العمال والمتقاعدين، مما حتم على أعضاء مجلس النواب التصويت بالإجماع رضوخاً للإرادة الشعبية.
وثمن المكتب السياسي في هذا السياق تلاحم الموقف الوطني الذي شاركت فيه كافة شرائح المجتمع البحريني والقوى والشخصيات الوطنية ومن جميع الانتماءات والتي توصلت إلى قناعة بأن سبب ما وصلت إليه التأمينات الاجتماعية هو النهج المتبع في إدارة الهيئة وأموال واشتراكات المتقاعدين والعمال المغيب تمثيلهم عن مجلس إدارة الهيئة وهو الأمر المثير للريبة.
وأشاد المكتب السياسي بالدور المميز الذي قام به أعضاء التقدمي في التعبير عن هذا الموقف الرافض عبر مبادرتهم بإطلاق حملة إعلامية تثقيفية واسعة شارك فيها كوادر التقدمي من مختلف التخصصات (القانونية والحقوقية والنقابية) وهو استمرار لنهج التقدمي وموقفه في الدفاع عن مصالح الكادحين في المجتمع، مشدداً على ضرورة استمرار الحملة التي بدأها التقدمي والمعبرة عن الرفض للتعديلات المقترحة التي تمس وتنتقص من حقوق المتقاعدين والعمال.
وجدد المنبر التقدمي عبر مكتبه السياسي موقفه الرافض للتعديلات والداعي لمواصلة العمل من أجل عدم إقرار هذا القانون عبر وسائل الاعتراض القانونية والسلمية ومن خلال تبيان الرفض للمعنين في مجلس الشورى وفي السلطة التنفيذية استجابة للموقف الجماعي لشعب البحرين الذي نبذ واستهجن التعديلات المقترحة لما لها من تداعيات غير مأمونة العواقب على الأمن الاجتماعي وبما ينبئ عن مستقبل يهدد مجمل المكاسب المجتمعية في القانون الحالي الذي لا يختلف أحد حول ضرورة تطويره بما يخدم تحقيق مكاسب وحقوق أكبر للمتقاعدين والمشتركين وبما يخلق إدارة فاعلة بمشاركة جميع الأطراف وبآلية مراقبة تمثل المجتمع والمشتركين تضمن لنظام التقاعد الاستمرارية والتطور والاستدامة.
وبهذا الاتجاه فإن المكتب السياسي يشدد على أهمية الانصياع للإرادة الشعبية، وأن يؤخذ هذا الموقف الشعبي الرافض للتعديلات المقترحة في الاعتبار، مؤكداً كذلك على أهمية إطلاق حرية الرأي والتعبير وعدم تقييدها بإجراءات وقوانين معيقة للحرية ولا تساهم في تأمين فضاء عام للحرية.
المنبر التقدمي
الأحد 10يونيو 2018
الصورة النمطية للمرأة في “ألف ليلة وليلة”
الصورة النمطية أو القالب النمطي، تعني الحكم الصادر لوجود فكرة مسبقة عن فئة معينة، فيقوم المدعي بإلباسها صفة العمومية، أو فكرة مسبقة تلقي صفات معينة على كل أفراد طبقة أو مجموعة. واشتق منهما فعل فقيل التنميط والقولبة.
يؤكد المفكر السوري الراحل، بو علي ياسين، في دراسته القيّمة لمجتمعات ألف ليلة وليلة، وجود صورة نمطية للمرأة قوامها الخصائص التالية: الشهوانية، ناقصة عقل ودين، انفعالية وتغضب لأتفه الأسباب، ثرثارة، لا تؤتمن على سر، الخداع والكيد.
الخاصية الأولى للمرأة في “ألف ليلة وليلة” هي الشهوانية. يتحدد ذلك من خلال المقارنة مع الرجل. “نقرأ في حكاية قمر الزمان ابن الملك شهرمان: لأن شهوة النساء أقوى من شهوة الرجل، لذلك فإن المرأة فتنة الرجل المؤمن. ونجد مصداق ذلك أيضا في حكاية مدينة النحاس”.
-
فصاحب الدين والعقل يبتعد عن المرأة، لأن الله يمتحن الرجال بها.
وهنا يتوصل بو علي ياسين إلى استنتاج هام، بأن “المرأة هي موضوع الجنس، ليست ذاتا في ممارسته. وهذا لا يتأتى بالضرورة عن الشهوانية، لأن الشهوانية قد تكون نظرياً فاعلة أو منفعلة. غير أن “ألف ليلة وليلة” ترى في المرأة خاصية السلبية، لا سيما السلبية الجنسية، مثلها في ذلك مثل النظرة السلفية أو الشعبية السائدة للآن، التي تتمثلها عموما المرأة الحالية وتمارسها فعلا”.
-
ومن خصائص المرأة أيضا، أنها ناقصة عقل ودين. وهذه النظرة ما زالت سائدة في الأوساط العامة، ومن ذلك قولهم (المرأة بربع عقل). يقول “الملك قمر الزمان: لعن الله النساء الخائنات الناقصات عقلا ودينا”.
-
وللمقارنة نذكر قول الإمام علي بن أبي طالب في إحدى خطبه: “معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول”.
يعلق السيد محمد حسين فضل الله في كتابه “دنيا المرأة” (ص42) – على هذا القول: “أما الحديث بأن النساء نواقص العقول والحظوظ والدين، لو فرضنا ثبوته، فلا بد من أن يكون المراد به غير ظاهره، منطلقاً من خلال طبيعة الجانب التعبيري، فبعض الأشياء في ذلك الوقت تمثل حالة نقصان مثلا، أو يعبر عنها على هذا النحو بشكل عام… “.
-
يترتب على (نقص عقل المرأة) – كما هو في مجتمعات “ألف ليلة وليلة”، وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية المعاصرة- عدم مشورتها أو العمل برأيها.
ومن خصائص المرأة التي نستشفها من حكايات شهرزاد، أنها انفعالية، تغضب لأتفه الأسباب، وتُعاقِب إن تسلطت على الهفوات عقاباً صارماً. لذلك يجب ألا تسود، وأن تبقى السيادة للرجل. مثلا في حكاية “الحمال مع البنات”، تأمر البنات بضرب أعناق الحمال والصعاليك الثلاثة والخليفة ومرافقيه، لأنهم لم يتقيدوا بشرط أن لا يتكلموا فيما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم”.
-
ومن خصائص المرأة أنها فضولية، ثرثارة، لا تؤتمن على سر. هذه الخاصية مرتبطة بنقص عقلها وشهوانيتها وغدرها. “ففي حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع”، يضحك صاحب الزرع عند سماعه حديث الحمار والثور، فتظن الزوجة أنه يضحك عليها، وتصر على معرفة سبب ضحكه، وإن كان ثمن هذه المعرفة موت زوجها”.
-
6. يستنتج بو علي ياسين، أنه “ليس للمرأة في حكايات شهرزاد علاقة مع غيرها من النساء، وعلاقتها بالرجال جنسية دائماً، ما لم تكن أماً أو أختاً أو ابنة. على أن الحكايات لا تتعدى بهذا التصوير على المرأة، بل تعرض الواقع الذي ما نزال نلمسه إلى الآن. وكل منا لو راقب النساء من حوله، لوجد شبه انعدام لعلاقات الصداقة بين النساء. ولو وجدت مثل هذه العلاقات أيام العزوبية، فهي سرعان ما تنقطع بعد الزواج، لتنشأ صداقات جديدة مع زوجات أصدقاء ومعارف الزوج”.
-
7. يتوصل بو علي ياسين إلى خلاصة هامة مما سبق كله، حيث يمكن القول، إن “التناقض في صورة المرأة في حكايات شهرزاد يعود بصورة عامة إلى كون النساء واحدات في طبيعتهن مختلفات في سلوكهن، وتبعا للسلوك تكون المرأة صالحة أو شريرة. وفي حالات قليلة قد يكون التناقض لوجود تأثيرات متريركية، أو لوجود استثناءات نادرة ضمن الطبقة العليا أو بين الجواري والمتعبدات. ويزداد صلاح المرأة مع تديَنها (وهذا المعيار الديني)، ومع خضوعها للرجل (وهذا هو المعيار البطريركي)، وضمن حدود مع اقترابها من صفات الرجل (وهذا هو المعيار الرجولي المحدود في صلاحيته)”.
-
8. إذن تبدو المرأة في حكايات شهرزاد على أنها: شهوانية، لاعقلانية، سلبية، استبدادية عند المقدرة، فضولية انفلاشية، خاضعة للرجل تابعة له، لا تعرف الصداقة. أليس هذه الصورة النمطية المتخلفة للمرأة في مجتمعات “ألف ليلة وليلة”، متقاربة، وأحيانا متطابقة، مع صورة المرآة في المجتمعات العربية الحديثة والمعاصرة؟!
1- بو علي ياسين، خير الزاد من حكايات شهرزاد ص77، دار حوران-الطبعة الثانية2003.
2- المصدر السابق ص78
3- المصدر السابق ص80
4- المصدر السابق ص85
5- المصدر السابق ص85
6- المصدر السابق ص85
7- المصدر السابق ص86
8- المصدر السابق ص88
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
أهمية التعاون بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني في تطوير التشريعات الخاصة بالمرأة البحرينية
يعد إقرار ميثاق العمل الوطني بالتصويت عليه من قبل شعب البحرين نساء ورجالا عام 2001 حجر الأساس لتكريس واقع جديد سعياً نحو إقامة النظام الدستوري الديمقراطي، وإقامة دولة القانون، بما يتضمنه ذلك من ترسيخ لمكانة وحقوق المرأة البحرينية في المجتمع فلم ينص فقط على أن (الدولة تعمل على دعم حقوق المرأة وسن التشريعات الخاصة بحماية الأسرة وحماية أفرادها)، بل نصَّ على حق المرأة في المشاركة السياسية: (يتمتع المواطنون رجالا ونساءً بحق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية في البلاد بدءًا بحق الانتخاب والترشيح طبقًا لأحكام القانون) .
وبناء على مبادئ ميثاق العمل الوطني صدر دستور 2002، مهما اختلفت المواقف بشأن طريقة إصداره أو مدى توافقه مع أحكام الميثاق، فإن أحكامه جاءت واضحة في ما يتعلق بالحقوق والحريات بما فيها حقوق المرأة، حيث لم ينص فقط في المادة (5 / ب) على أن الدولة (تكفل التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية)، بل رسَّخ وجسَّد ما نص عليه الميثاق بما نص عليه في المادة (هـ) للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون). وفي المادة 18- (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة) .
وفي ظل الميثاق وفي إطار الدستور انضمت البحرين لعدد من الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة البحرينية التي ساهمت في نهوضها في المجتمع، ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2002، وتمَّ التصديق على الانضمام وصدر في شأنه المرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2002، وتعد أحكام الاتفاقية جزءاً من القواعد الواجبة التطبيق.
وفي ظل المشروع الاصلاحي نشأ المجلس الأعلى للمرأة، في الثاني والعشرين من أغسطس2001، بموجب الأمر الأميري رقم (44) لسنة 2001، الذي ساهم ومازال في نهضة المرأة البحرينية، ومن ابرز اختصاصاته والذي يتعلق بحديثنا هذا ما جاء في رسالته (تقديم الاقتراحات بتعديل التشريعات الحالية المتعلقة بالمرأة، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بها قبل عرضها على السلطة المختصة، والتوصية باقتراح مشروعات القوانين والقرارات اللازمة للنهوض بأوضاع المرأة) .
ولا بد من التوقف هنا عند توسع وازدياد تأسيس مؤسسات المجتمع التي تعنى بشئون المرأة، لعل من ابرزها تأسيس الاتحاد النسائي البحريني بموجب حكم قضائي، ولأول مرة في تاريخ القضاء البحريني يستند في هذا الحكم على نصوص اتفاقية السيداو .
وفي هذا السياق يهمنا أن نؤكد على أهمية المسؤولية المشتركة بين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تعزيز ما حققته المرأة البحرينية من إنجازات وما لم يتحقق بعد بتعديل ما يشوب بعض التشريعات من نواقص وعيوب وبوضع تشريعات وقوانين جديدة تساعد على النهوض بحقوق المرأة.
كما صدرت عدد من التشريعات التي سعت لها وكافحت من أجلها نساء البحرين منذ أمد طويل وساهم وسعى من اجل إصدارها المجلس الاعلى للمرأة، لعل من أهمها قانون الأسرة، وقانون الحماية من العنف الأسري، وقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل رقم ( 18 ) لسنة 2014، إضافة إلى القوانين وتعديلاتها أو المراسيم والأوامر الملكية والقرارات الوزارية الأخرى.
نريد إصلاحاً مدروساً ليس للتشريعات المتعلقة بشؤون المجتمع المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية فحسب، بل للتشريعات المتعلقة بشؤون المرأة، وتطوير متدرج بالبناء على ما تحقق من إنجاز في التشريعات الصادرة .ومن أجل التطوير والبناء على ما تمَّ اصداره من تشريعات تخص المرأة نؤكد على أهمية كل التشريعات التي صدرت ونتمسك بها، وإن اعترتها عيوب ونواقص، ولا يكفي هنا أن نعدد ما تمَّ انجازه من تشريعات بل نناقشها و نبين أوجه القصور فيها ليس من أجل النيل مما تحقق من إنجاز، بل نهدف إلى مصلحة عليا هي رقي وتعزيز دور ومكانة مملكة البحرين على الصعيدين الداخلي والدولي، وتعزيز دور المرأة في المجتمع.
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
فرانسوا مورياك … على خطى دستويفسكي
اعتادت معظم المدن الفرنسية، ومنذ القرن المنصرم على تنظيم معرض سنوي لبيع جميع الممتلكات المستعملة، ويخص ذلك كل ما يريد الفرد التخلي عنه من أوان، وكتب، وتحف! دعونا لا ننسى الكتب بالذات لأن الشعب الفرنسي شعب قارئ بالدرجة الأولى، إذ لهم في عالم الورق مهارات تواصل خارقة أكثر مما هي في التواصل بين البشر.
شاءت الصدفة أن أحضر أحد هذه المعارض في مدينة أميان الواقعة في الشمال الفرنسي، وأن تقع قدماي على بائع لا يبيع غير الكتب النادرة التي يتعذر الحصول عليها في المكتبات. يصعب عليّ إعطاء تعريف وجيز للكتب القابلة للاندثار في فرنسا، ولكنها تشمل بشكل عام أعمال كل الأدباء والناقدين الأخلاقيين، حيث يرجح هؤلاء أصل الحرف دائماً للخالق ويسعون إلى الدفاع عن القيم الروحية والدينية الضائعة من المجتمع الذي ودّع الكنائس منذ زمن طويل في سبيل الدولة اللادينية.
وأنا في خضم البحث عن ما بإمكانه إثارة فضولي، وقعت يداي على سلسلة مقالات وجيزة لفرانسوا مورياك تحت عنوان “الرواية”. سألت نفسي حينها: لماذا لا نذكر اسم مورياك في الجامعات؟ هل لأنه كاتب أخلاقي نستشعر الله في كلماته؟ هل لأن الدين في فرنسا أصبح فعلاً تابو محرماً الرجوع اليه؟
أخذت أتصفح الكتاب وعيناي تبرقان من شدة الإعجاب، إذ لم أحظ بفرصة قراءة أعماله من قبل. شعرت بروحي عطشى وبنهم للكتاب الذي لم أرَ له مثيلاً في إدراك اضطراب النفس البشرية، وفي دعوته للحب والإيمان. أصدر مورياك هذه التحفة النقدية عام 1928، أي قبل مأساة الحرب العالمية، ووضع في قلب المقالات خلاصة أفكاره عن العمل الروائي، داعياً لما أسماه “التصدي لكتابة الرواية” بالطريقة المتعارف عليها، أي التخلي عن الرواية البلزاكية واكتشاف أفق جديد.
فكَّر مورياك بصورة معمقة في مشاكل الإبداع الروائي داعياً للمقارنة بين ديستويفسكي وبلزاك، أحد أهم أعمدة التاريخ الروائي في العالم، حيث وجد في الكاتب الروسي تجسيداً واقعياً لتعدد أوجه النفس الانسانية التي لا نستطيع اختصارها تحت مسمى واحد على عكس ما فعل بلزاك في معظم رواياته. يرى مورياك على سبيل المثال، أن ديستويفسكي صور في معظم أعماله صراع الانسان مع الله والشيطان والمجتمع، على عكس بلزاك الذي اختصر شخصياته في نطاق محدود لم تستطع الخروج منه والتعبير عن هذا الصراع للعلن.
يحلل مورياك بشكل معلن ظاهرة إخفاء هذا الصراع الإنساني في فرنسا بلوم الرواية الفرنسية التي لزمت وقتاً طويلاً تقتدي ببلزاك حتى أصبحت جميعها بلزاكية، وهذا ما ظهر جلياً لدى المجتمع الفرنسي اليوم، الذي أضحى يتجمَّل بلون واحد لا يغيره، فلك واحد فقط، إذن، هو أن تكون علمانياً وغير معادٍ للسامية أو لا تكون. ليست هنالك مبالغة بهذا الشأن، إذ نشطت قنوات الرئيس ماكرون على وسائل التواصل الاجتماعي لمراقبة كل من يخرج عن المتآلف عليه فيما يكتبه، أو يستعرض آداب الراحلين أمثال مورياك.
يثني مورياك بشكل كبير على دور ديستويفسكي في إعلاء الشعب الروسي، وايقاظ مبادئ الصدق والحب والنقاء ورابطة الأسرة، ليتمنى في نهاية مقالاته أن يتمكن الشعب الفرنسي من عقد معاهدة سلام مع الله ومناجاته، ليس من منطلق ديني لكن من منظور حياتي وكوني. لا يدعو مورياك مجمع الفرنسيين إلى الإيمان بوجود الله ولكن للتعايش مع المؤمنين منهم، وتقدير أهمية المبادئ الإلهية في إدارة المجتمع.
يجدر بالذكر أن مورياك حاز على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٥٢ قبل أن يتفرغ للنقد، ووسام شكر من الجنرال شارل ديغول على دعوته للسلام، تاركاً في حوزة قرائه ما يقارب الثلاثين مؤلف في عالم الرواية والمسرح.
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
الضرائب في البحرين.. أسئلة تستحق الاصغاء! من الرعاية إلى الجباية
طرحت الأوراق الأربع المشاركة في مؤتمر الآثار الاقتصادية والاجتماعية للضرائب والذي نظّمه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في نهاية شهر مارس الماضي الكثير من التساؤلات والرؤى والأفكار، علاوة على حزمة من الشكوك التي تبحث لها عن اجابات لدى اصحاب القرار الاقتصاي في البحرين على وجه التحديد.
لكن قبل أن نستعرض بعض ما تمَّ طرحه خلال المؤتمر، الذي استمر يومين، وحضره مختصون وعمال وخبراء اقتصاديون، وغاب عنه كما تعوّدنا دائما أي تمثيل رسمي في مؤشر واضح على انقطاع عرى التواصل والتشاور على مستوى صياغة القرار، الأمر الذي يفصح عن اهمال وعدم اكتراث الطرف الرسمي كما تدلل على ذلك الكثير من المؤشرات خلال السنوات الأخيرة، وهي مهمة لابد من الالتفات إليها سريعا، خاصة مع استمرار تخبط وعجز صناع القرار لدينا هنا في البحرين عن رسم السياسات الاقتصادية والمالية الناجحة، والتي تؤكد كل المؤشرات اننا نسير من خلالها بخطى مرتبكة وسياسات غير مدروسة، لا نجني منها في المحصلة النهائية سوى المزيد من التراجعات والفشل، وتترجم بشكل تلقائي عبر فوضى عارمة في سوق العمل وعجوزات في الموازنة العامة ومديونية متضخمة وهيكلة اقتصادية تائهة، لا يمكن ان تفهم مراميها واهدافها على الرغم من وجود رؤية 2030 التي يبدو انها لا تحظى باهتمام المعنيين بالشأن الاقتصاي في البلاد.
يهمنا هنا أن نؤكد على أهمية تنظيم وعقد مؤتمر الآثار الاقتصادية للضرائب من قبل الاتحاد العام لعمال البحرين، حيث أن مثل تلك القضايا الهامة والحساسة لن يتصدى لها بصدق ومسؤلية أكثر ممن يعنيهم الأمر بشكل مباشر، وهم هنا ممثلو العمال والنقابات والذين تقتضي الضرورة والتجربة اهمية يقظتهم خلال الفترة القادمة نظرا لما تقدمه لنا المؤشرات والتوجهات الاقتصادية التي باتت تتوعدنا بمزيد من الضرائب والرسوم وسياسات التقشف لتبرير الأخطاء الكثيرة والمعالجات الفاشلة المتبعة منذ عقود، والتي اضحى علينا من الآن فصاعداً تحمل اوزارها اكثر مما تحملنا سابقاً.
مقترحو وفارضو هذه الرسوم، والضرائب لم يراعو حقيقة وواقع الفوارق الطبقية الصارخة وما افرزته من مظاهر وسياسات إفقار وحرمان وضياع للعدالة الاجتماعية المنشودة، وما تسببت فيه سياسات صندوق النقد والبنك الدولي من تخريب متعمد وممنهج لاقتصادات ومجتمعات اضحت جميعها تعيش تحت رحمة ما يملى عليها من سياسات ظالمة لا سبيل لإيقافها، بكل أسف، في ظل قلة حيلة دولنا الريعية وعجزها عن القيام بمسؤولياتها تجاه شعوبها، رغم كثرة الحديث الذي لا يتوقف عن التنمية والتنمية الشاملة.
خلاصة ما طرحته أوراق المؤتمر المذكور تقول لنا بوضوح إن تخبط السياسات وغياب الشراكة على مستوى القرار الاقتصادي، وغياب المعالجات الصائبة للربط بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والاكتفاء فقط بالخضوع لاملاءات الجهات الدائنة تحت يافطات الاصلاح الاقتصادي هي مؤشرات ودلائل فشل نعيشها وسط مقاربات لا تخضع لمعايير علمية واضحة بقدر ما تخضع لأهواء ورغبات بعض المتنفذين في سدة القرار الاقتصادي.
ها نحن نحاول ان نتعايش بمرارات لا تتوقف مع اختلالات سوق العمل بعد أن وُعدنا منذ العام 2004 باصلاحات تجعل من البحريني الخيار المفضل، لنجد ابناءنا وبناتنا راهناً يتسولون الوظيفة الكريمة على أبواب شركات ومؤسسات لا يلزمها قانون العمل المعدل بأي نسبة من نسب البحرنة!، بل ويعتبر بعض المسؤولين أن البحرنة امر معيب!.
كما وعدنا صندوق العمل بالحد من العمالة الوافدة والخارجة عن القانون لنجد مؤخراً، فقط، اعترافا رسميا من صندوق العمل ووزارة العمل بأن لدينا اكثر من 60 الفا من العمالة غير القانونية، هؤلاء يطيب لهم البقاء على أرض البحرين تحت شعار( ادفع لتعمل واعمل لتدفع) وطبيعي مع اوضاع مقلوبة كهذه أن ترتفع تحويلات العمالة الأجنبية لتلامس أكثر من مليار دينار بحريني وبزيادة 10.4% منذ العام 2003، فيما ترتفع في المقابل مديونية المواطنين الأفراد لأكثر من 4 مليار دينار كمؤشر لا يمكن تجاهله على اتساع رقعة الفقر وتراجع مريع في شريحة متوسطي الدخل، خاصة حين تقول لنا المؤشرات الرسمية ان 80% من أفراد العمالة في البحرين يتقاضون اقل من 500 دينار بحريني، ولا يمكن معها تحديد مستويات الفقر الحقيقية لأنه ببساطة لا يوجد مستوى معتمد لخط الفقر في البحرين يمكن لنا مقاربته!
وفي ظل ما أوصلتنا إليه المعالجات والسياسات الاقتصادية الفاشلة، علاوة على ما أفرزته ممارسات قوى الفساد من تآكل مفرط لثروات البلاد دون أدنى مساءلة، لا يمكن لنا، والحال كذلك، أن نعترض على التوجهات الضريبية كواقع وخيار اقتصادي، بعد أن صمّت الآذان طيلة عقود مضت عن سماع مناشدات قوى المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمختصين بضرورة الاصلاح الاقتصادي الحقيقي، وتنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد، بدلا من الاعتماد على النفط كسلعة طالما أثبتت التجارب أنها رهناً لسياسات إقليمية ودولية لا قدرة لنا على التأثير فيها بشكل يحفظ لنا استقراراً اقتصاديا أو اجتماعيا، لنترك لوحدنا واهمين ومتنعمين في نظمنا الريعية التي كم اعتقدنا خطأ انها قدر لن يبارحنا ابدا!
وفي ظل ما نعايشه من تحول سريع من دولة الرعاية وما أفزته من سلوكيات وممارسات والتزامات يصعب التخلي عنها بجرة قلم او بقرارات فوقية غير مدروسة، إلى دولة الجباية التي لها مقومات لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمتها الشراكة والشفافية والتمثيل العادل على مستوى القرار. نتساءل هنا؛ كما تساءلت محقة بعض الأوراق المقدمة للمؤتمر: لماذا تستهدف السياسات الضريبية المتبعة لدينا حاليا الفئات الأكثر فقراً والمتوسطة الدخل، فيما يسود صمت قاتل لا يعير وزنا للشرائح الأوسع من المجتمع ويتم التغاضي عن مجرد سماع وجاهة الرأي القائل بضرورة البدء بتطبيق ضريبة الدخل والضريبة على أرباح الشركات والبنوك.
ونحن لا نخضع هذه المسألة، كما سيذهب البعض، للعواطف او حتى للخطاب الشعبوي، بقدر ما نخضعها لمقاربة التجارب الدولية الأخرى التي مرّت بها دول عاشت ما نمر به، وكذلك للمخاوف التي لا يمكن أن تغيب عن أصحاب القرار من مخاطر تلك الخضات المجتمعية التي يجب التحسب لها جيداً في ظل ما يتوافر لدى الدولة من مؤشرات وأرقام تتعلق بالواقع الاقتصادي والاجتماعي ومعدلات البطالة والأجور وغياب العدالة الاجتماعية، خاصة وأن تواتر الحديث عن عدم استكمال استعدادات البحرين حاليا بما يكفي لقيام منظومة نظام ضريبي عادل، وهي التي لا زالت رسميا على الأقل متمسكة برؤيتها 2030 القائمة على الاستدامة والتنافسية والعدالة.
نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127
- 1
- 2