استعرضنا في الحلقة السابقة الأجواء التي صاحبت الفترة المتبقية لانعقاد المؤتمر التأسيسي والتي لا تتعدى الأسبوعين، وكيف أصدرت اللجنة التحضيرية في هذه الفترة القصيرة العديد من القرارات بعضها كانت متناقضة في بعض الأحيان وفي بعضها الآخر كانت خارج نطاق ما تم الاتفاق عليه بين اللجنة التحضيرية ورؤساء النقابات الشيئ الذي عمق الخلافات ووسع الهوة بين القيادات النقابية وهو ما يعد خارج الاتفاق العام بين القيادات النقابية في أن نذهب جميعا إلى المؤتمر التأسيسي موحدين متضامنين يجمعنا هدف واحد هو إنجاح المؤتمر، خاصة وأنه لا توجد خلافات بين النقابيين على أهداف النقابات العمالية وأن مجالات الالتقاء واسعة النطاق.
فالكل متفق حول القضايا الهامة والأهداف العمالية التي لا تختلف حولها أية نقابة عمالية خاصة أن جميع هذه الأهداف تصب في مصلحة الطبقة العاملة البحرينية كالدفاع عن مصالح العمال وصيانة حقوقهم، والمساواة في المعاملة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة العاملة، وتطوير وتأهيل العمال (رجالا ونساء) مهنيا،وتحقيق الأمان والاستقرار الوظيفي، والضمان الاجتماعي وزيادة الحوافز المادية والمعنوية والعلاوات والمكافآت وغيرها مما يحسن ظروف العمل والمعيشة للعمال، والبحث عن إجراءات للحد من البطالة وخلق فرص العمل للجميع وتحسين ظروفهم المعاشية، والعمل من أجل سن تشريعات عمالية عصرية تتوافق والمعايير العربية والدولية. كل هذه الأهداف لا تختلف عليها أية نقابة بل أنهم جميعا يتفقون عليها وجاءت ضمن أنظمتهم الأساسية.
إذا أين المشكلة؟ بالطبع هناك اختلاف في وجهات النظر بين النقابيين حول بعض المفاهيم والمبادئ النقابية، وحول النظرة للعمل النقابي ومساره وحول نوع البناء في الحركة النقابية وتوجهاتها. ومن الأمور المفهومة أن تكون لنا آراء مختلفة حول هذا المفهوم أو ذاك أو حول معالجة هذه القضية أو تلك ولكن يتعين علينا القبول ببعضنا البعض رغم كل الاختلافات إذا ما أردنا أن نقوم بدورنا التاريخي لإنجاز مهمات المرحلة الراهنة.
بدء تبلور كتلة نقابية ضمن الحراك العمالي
كان هذا موقف الكتلة التي تشكلت في مواجهة اندفاع اللجنة التحضيرية والاتجاه الذي كانت تدفع إليه، إيمانا منها بأن مهمة المرحلة الراهنة هي إنجاز وحدة الحركة النقابية التي لم تعد مطلوبة بل ملحة، واستمرار الوضع على ما هو عليه بات خطيرا، ورغم أن كل النقابيين على اختلاف أطيافهم يتفقون على ذلك، وآليات التغيير ووسائله معروفة لديهم، إلا أن أحدا لا يتحرك في هذا الاتجاه.
وهو ما ألقى على عاتق هذه الكتلة مسؤولية التحرك من أجل ضمان وحدة الحركة العمالية والنقابية والسير قدما موحدين من أجل إنجاح المؤتمر التأسيسي مهما كلف الأمر. هذا ما أكدت عليه القيادات النقابية في الكتلة أثناء اجتماعاتهم الجانبية الكثيفة وفي اللقاءات والندوات التي كانت تعقدها تمهيدا للمؤتمر التأسيسي وما كانوا يصرحون به للصحافة المحلية، وكان هذا الموقف بالرغم من الخلافات الحادة التي أثارتها قرارات اللجنة التحضيرية المتسارعة، محل تقدير معظم النقابين والعديد من السياسيين والقانونيين والمهتمين بالشأن العمالي.
تحت عنوان “إجماع نقابي على المشاركة في مؤتمر النقابات” أوردت صحيفة “الوسط” في عددها 424 بتاريخ 4 نوفمبر 2003 الخبر التالي:
“يتوجه عمال البحرين لعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في الفترة ما بين 12 إلى 14 يناير/كانون الثاني المقبل، لتخطو الحركة العمالية بذلك خطوة نوعية في تنظيم صفوفها وتشكيل نقاباتها الحرة المستقلة، ويبدو أن ظاهر الحركة النقابية يبشر بوحدة الصف النقابي وتماسكه من خلال تأكيد جميع النقابات الـ 36 على دخول المؤتمر والمشاركة في رسم صورة الاتحاد وكذلك تأكيد رئيس الاتحاد العام لعمال البحرين ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.”
وكان قرار الكتلة النقابية هو المشاركة في كل الفعاليات النقابية التي تعقدها اللجنة التحضيرية والفعاليات التي تقيمها هي: محاضرات وندوات وورش عمل نقابية، وانتهاج مبدأ المصارحة والمكاشفة وطرح آرائها بكل صراحة وشفافية والدفاع عن مواقفها المبدئية في كل ما يتعلق بالمؤتمر التأسيسي دون مواربة أو مجاملة، وهو ما أكسبها المصداقية والاحترام من الجميع بما فيهم أعضاء في اللجنة التحضيرية وحتى قيادات في المنظمات العمالية الدولية والعربية والأجنبية.
وتأكيد لذلك فقد كتب المحامي والمناضل الوطني محمد السيد عن انطباعاته بعد حضور إحدى ندوات التجمع: “خرجت من الندوة وقد خامرني شعور جميل طيب لدا سماعي ما قاله هذا النقابي، وكذلك لما قاله النقابيون الذين سبقوه في الحديث، فقلت في نفسي: أن حركتنا النقابية بألف خير وسوف تشق طريقها إلى الأمام وإلى مستقبل مشرق وزاهر، وسوف تنهض من كبوتها ما دام مثل هؤلاء النقابيين وغيرهم الكثير متواجدين في أوساط الحركة العمالية، وأن نضالات وتضحيات النقابيين السابقين لم تذهب سدا …”
مساعي لتهدئة الأمور وتأكيد الوحدة العمالية
وفي هذا الخصوص بدأت المساعي لحل الخلافات الحاصلة في الساحة النقابية حول آليات انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وآلية تشكيل بنائه التنظيمي وتمت عدة لقاءات بين الكوادر النقابية في الكتلة وأعضاء في اللجنة التحضيرية وذلك لغرض تقريب وجهات النظر والوصول إلى اتفاق حول أهم القضايا التي برزت فيها اختلاف في الرأي. ومن ضمن هذه المساعي تم اللقاء مع أحد ممثلي منظمة العمل الدولية الذي سبق وأن إلتقى مع أعضاء اللجنة التحضيرية وتوصل معهم إلى حلول وسط تقبل به جميع الأطراف. وقد كان هذا اللقاء واللقاءات الأخرى مثمرة وتم فيها التعهد بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وتنفيذا لهذا الاتفاق عقدت اللجنة التحضيرية ثلاث لقاءات مع أعضاء مجالس إدارات النقابات في نادي العروبة لمناقشة اللائحة الخاصة بالمؤتمر التأسيسي حيث كان الإجماع من الكوادر النقابية على إجراء تعديلات جوهرية على اللائحة الخاصة بالمؤتمر التأسيسي وهو ما لم تستطع اللجنة التحضيرية تجاهله وأخذت بمعظم التعديلات.
نقض الاتفاقات وتصاعد الخلافات مجددا
إلا أن الأمور ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر التأسيسي، سارت في اتجاه مخالف لما تمَّ الاتفاق عليه كحلول وسط مقبولة من جميع الأطراف، ونقصد بها التعديلات المقترحة على مشروع النظام الأساسي حيث أصرت اللجنة التحضيرية على كل ما جاء في اللائحة الخاصة بالمؤتمر التأسيسي ومشروع النظام الأساسي للاتحاد متجاهلة مقترحات الكوادر النقابية والتي تم الاتفاق عليها، فارضة الأمر الواقع خاصة وأنه لم يتبق على انعقاد المؤتمر التأسيسي سوى أسبوعين.
وفي هذا الإطار وأثناء انعقاد المؤتمر التأسيسي يقول الأستاذ محمد المرباطي المستشار النقابي في الاتحاد العام في المنتدى الذي عقدته صحيفة الوسط للكوادر النقابية “ربما هي المرة الأولى التي تصادفني في تجربتي النقابية العربية والعالمية أن أرى الاختلاف بشأن آلية العمل، فالخلافات في العالم تتعلق بالحقوق، كما تحدث مزايدات بشأن من يدافع عن العمال أكثر، أما هنا فالخلافات تجري بشأن من يسيطر ويهيمن على اتحاد النقابات أكثر، فهذا هو جوهر الاختلاف.” (منتدى «الوسط» قبيل المؤتمر التأسيسي للنقابات (2 – 2) خليل عبدالرسول14 يناير 2004)
عودة إلى الظروف التي سبقت انعقاد المؤتمر التأسيسي خاصة بعد تراجع اللجنة التحضيرية عما تم التوصل إليه من اتفاقات بينها وبين الكوادر النقابية وبوساطة من ممثل المنظمة الدولية، بدأت لقاءات الكوادر النقابية (المعارضة لتوجهات اللجنة التحضيرية) تتكثف وتتسع في إطار كتلة نقابية متماسكة لتدارس الوضع وما يمكن القيام به لتجنب اتساع الخلافات بين النقابيين وانعكاسها سلبا على مجريات المؤتمر التأسيسي وعلى الحركة النقابية.
وفي هذه اللقاءات كان باديا التذمر بين القيادات النقابية أعضاء مجالس إدارات النقابات، ورغبة جامحة لديهم في القيام بأي عمل يحد من تمادي اللجنة التحضيرية في الذهاب إلى المؤتمر بأجندتها لتمرير النظام الأساسي والهيمنة على الأمانة العامة، وفي هذه الأجواء المتوترة طرحت الكثير من الآراء منها أن يتم مقاطعة أعمال المؤتمر التأسيسي، أو أن يتم الانشقاق والانفراد بتأسيس إتحاد آخر، إلا أن النقاشات الموضوعية والعقلانية التي حكمت تلك اللقاءات أسفرت عن القرار النهائي وهو أن نشارك في المؤتمر التأسيسي وبفعالية ونعمل جاهدين ومن خلال النقاشات والاقناع تعديل النظام الأساسي بما يتوافق مع تجرتنا الخاصة في تأسيس النقابات العمالية استنادا إلى قانون النقابات العمالية رقم (33) ووفق المعايير النقابية العالمية.
وهذا ما حصل حيث شاركنا ككتلة واحدة في كل أعمال المؤتمر التأسيسي بفعالية وبنشاط منقطع النظير، وبالرغم من عدم قدرتنا على التأثير في المؤتمر في اتجاه إجراء التعديلات التي كنا نطمح لإجرائها في النظام الأساسي بحكم هيمنة الأغلبية على مجريات الأمور فيه، إلا أن النقاشات التي دارت حول كل النقاط المثارة كانت بمثابة ورشة عمل في أصول العمل النقابي وآلياته واستعراض تاريخ نضال الطبقة العاملة البحرينية عبر العقود السبعة الماضية من أجل تشكبل حركتها النقابية، وأن كل ما طرح لم يكن نصوص جامدة من المعايير النقابية الدولية وإنما ما يتناسب وتجربتنا القصيرة في تأسيس النقابات العمالية على المستوى المحلي مستلهمين من تجارب الحركة النقابية في الدول العربية والعالمية.
حول المؤتمر التأسيسي أوردت صحيفة الوسط العدد 495 الصادرة في 14 يناير 2004م “ومع كل ذلك فلا يختلف اثنان على أن هذه المرحلة من اخطر المراحل الانتقالية التي تشهدها الحركة النقابية في البحرين، إذ تشهد قيام إتحاد عام يشمل جميع النقابات العمالية بقطاعيها (الحكومي والخاص).
إن وجود تكتلات وقوائم غير علنية لا تعتمد على مبدأ النقابات والحاجة العمالية وإنما على مبدأ التوجهات السياسية والتكتلات الحزبية لصالح جمعية سياسية معينة هو الغالب على الأمر النقابي في هذه المرحلة الحرجة من العمل النقابي، والذي قد يؤدي إلى حدوث تغيرات كبيرة في الساحة القيادية إلى الإتحاد العمالي الجديد، ما ينعكس على الحركة العمالية في الفترة القادمة وكيفية تعاطيها مع القضايا الحساسة من البطالة وقانون العمل الجديد والحد الأدنى للأجور، والعمالة الوافدة (والقائمة تطول).”
وكتب هاني الفردان في صحيفة الوسط:
“أعلن في الفترة ما بين 13 – 15 من يناير/ كانون الثاني قيام الاتحاد العام لعمال البحرين بشكل رسمي بعد ان انتهت عملية انتخاب الهيئة القيادية للاتحاد المتمثلة في الأمانة المكونة من 13 عضوا. وأسفرت النتائج عن اكتساح الكتلة المحسوبة على جمعيتي “الوفاق الإسلامية” و”العمل الديمقراطي” التي دخلت الانتخابات بقائمة مكونة من 13 عضوا فاز جميعهم ولم تدع لمنافسيها من الكتلة النقابية المستقلة المحسوبة على جمعية “المنبر التقدمي” والمستقلين أي مقعد.” (الوسط العدد 861 – الجمعة 14 يناير 2005م الموافق 03 ذي الحجة 1425هـ)
ومع احتدام المناقشات والمواجهات داخل المؤتمر التأسيسي على مدى ثلاثة أيام من 12 إلى 14 يناير 2004م وتفاعل المهتمين بالعمل النقابي من خارج المؤتمر أصدرت مجموعة من العناصر الوطنية بيانا أعلنت فيه موقفها لما يجري على الساحة النقابية جاء فيه وفق جريدة الأيام:
في بيان رسمي أصدروه أمس
أعضاء اللجنة الدستورية يرفضون الوصاية السياسية على النقابات
أصدر اعضاء اللجنة الدستورية بيانا حول انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات العمال اعلنوا فيه استنكارهم لفرض الوصاية السياسية على مؤسسات المجتمع المدني، ورفضهم لفرض نظام »الكوتا« في العمل النقابي وتكريس مبدأ التعيين.
وقال السبعة الموقعون على البيان الذي اصدروه امس وهم محمد جابر وعلي قاسم ربيعة وهشام الشهابي ومحسن مرهون وسعيد عسبول وعيسى الجودر وأحمد الشملان ما يلي:
“إننا في الوقت الذي نحيي فيه انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي يأتي على خلفية تاريخية لنضال وتضحيات عمال وشعب البحرين، والتي شكلت محطات هامة في التاريخ السياسي لنضالات شعبنا، في ذات الوقت نعبر عن قلقنا عن تلك التدخلات المباشرة لبعض الأطراف السياسية وفرض قوائم انتخابية على الحركة النقابية واعتماد مبدأ التعيين لآليات العمل النقابي مما يشكل تدخلا مباشرا في الشئون الداخلية للحركة النقابية، وحرف مساراتها الديمقراطية واسقاط قرارها المستقل، وتحويل هيئاتها القيادية الى مجرد واجهات منفذة للإرادات السياسية لبعض الجمعيات السياسية، مما يشكل ضررا بالغا باستقلالية العمل النقابي في بلادنا، وهي بادرة خطيرة تشكل سابقة في حرف النضالات العمالية وتحويل مؤسساتها النقابية الى ادوات تخضع للقرار السياسي، وتعطي المبرر القوي لتشجيع الفئوية السياسية في الاطر النقابية، وتشكل المبرر القوي للميل نحو الفئوية العرقية والمذهبية في الحياة العامة.
واضافوا: اننا نكرر رفضنا لمبدأ التقاسم السياسي للقيادة النقابية، كما نرفض مبدأ فرض الوصاية السياسية على مؤسسات المجتمع المدني وعلى وجه الخصوص التنظيم العمالي، كما نرفض ايضاً مبدأ التعيين في جميع مستوى وهياكل وآليات الحركة النقابية، ونعرب عن اسفنا لما يجري في تأسيسية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.
اننا نحيي جميع النقابيين الذين عبروا عن احتجاجهم على تلك التدخلات والتجاوزات في العمل النقابي، ونناشد عمال ونقابيي بلادنا الشرفاء ان يعربوا عن رفضهم لهذه الممارسات والتدخلات ويعملوا على استقلالية قرارهم النقابي المستقل.