المنامة، 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016
المنامة، 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016
طالب المنبر التقدمي بضرورة وقف الدعوى المرفوعة ضد الصحفية البحرينية المتميزة نزيهة سعيد، والذي حددت هيئة المحكمة اليوم الاثنين موعد جلسة محاكمتها رسميا بتاريخ 16/1/2017،بحجة عدم حصولها على ترخيص عمل كصحفية معتمدة لدى الجهات الرسمية، علما انها سبق أن تقدمت للجهات المعنية بطلب تجديد رخصة عملها منذ فترة، وجرت المماطلة في ذلك، الأمر الذي يعرض حرية الصحافة ودور الصحفيين ووسائل الاعلام للكثير من المضايقات غير المبررة، وذلك ما يتناقض مع ما أرساه قانون الصحافة البحريني بالنسبة لحرية العمل الصحفي وممارسة الصحفيين لدورهم ورسالتهم النبيلة، كما يتناقض مع ما صادقت عليه مملكة البحرين من تعهدات أمام العالم ومنظماته في هذا المجال. وحيث أن الصحفية نزيهة سعيد قد عملت لأكثر من اثنتا عشر عاما في مجال الصحافة والإعلام واكتسبت احتراما وسمعة، نظرا لما اظهرته من مهنية متميزة أهلتها لتتبوأ موقعا متميزا في مجال عملها، حيث اختيرت للعمل كمراسلة صحفية لإذاعات ومحطات عالمية من بينها العمل كمراسلة لإذاعة مونت كارلو الدولية وقناة فرانس 24، علما انها سبق أن تعرضت للاعتقال والمحاكمة خلال فترة الأحداث التي عصفت بالبحرين في عام 2011.
إننا في المنبر التقدمي نستنكر التضييق على حرية العمل الصحفي في البلاد، ونطالب الجهات المعنية بوقف الدعوى المرفوعة ضدها، باعتبارها صحفية تستحق الدعم والتشجيع والمساندة والتضامن المعلن من قبل الجميع محليا ودوليا، بدلا من جرجرتها أمام المحاكم، مع ضرورة تجديد رخصة عملها دون إبطاء كصحفية معتمدة، احتراما لحرية التعبير والكلمة الصادقة وعدم وضع عراقيل لا طائل من ورائها، مما يعرض سمعة الصحافة في البحرين وحرية الكلمة لمزيد من التراجعات، التي حتما ستنعكس سلبا على أكثر من صعيد، في عالم أضحى اكثر انفتاحا وشفافية، تعمل فيه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل الميديا والتواصل الاجتماعي دورا متفردا لإيصال الحقيقة للناس والعالم من حولنا.
المنبر التقدمي
البحرين
27 ديسمبر 2016
جمعيات التيار الوطني الديمقراطي في بيانهم بذكرى محاكمة قادة هيئة الاتحاد الوطني
العودة للأساليب القديمة في محاكمة النشطاء السياسين .. سيزيد من تعقيد الأزمة السياسية
تمر خلال هذه الأيام الذكرى الستون لمحاكمة قادة هيئة الاتحاد الوطني، التي قادت النضال الوطني الديمقراطي في منتصف القرن العشرين، حيث أصدرت السلطات الاستعمارية البريطانية، بعد محاكمة صورية، أحكاماً قاسية نصت على سجن كل من عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات 14 عاماً لكل منهم، وسجن كل من ابراهيم الموسى وابراهيم فخرو 10 سنوات لكل منهما، ابتداءً من تاريخ اعتقالهم، وحينما طلب عبدالرحمن الباكر من رئيس المحكمة السماح للمتهمين باستئناف الحكم المذكور، رفض إعطاءهم ذلك.
جاءت هذه المحاكمة الجائرة بعد الإجهاز على حركة الهيئة من قبل سلطات الحماية البريطانية وعملائها، مستفيدة من أجواء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، رداً على النهوض الوطني الذي قادته الهيئة من أجل تحقيق مطالب الشعب البحريني التي صاغتها الهيئة في نقاط رئيسية في مقدمتها: تأسيس مجلس تشريعي يمثل أهالي البلاد تمثيلاً صحيحاً عن طريق الانتخابات الحرة، ووضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني على يد لجنة من رجال القانون يتمشى مع حاجتها وتقاليدها على أن يعرض هذا القانون على المجلس التشريعي لإقراره وكذلك إصلاح المحاكم وتنظيمها وتعيين قضاة لها ذوي كفاءة يحملون شهادات جامعية في الحقوق، ويكونون قد مارسوا القضاء في ظل القوانين المعترف بها.
كما نصت المطالب على السماح بتأليف نقابات للعمال ونقابات لأصحاب المهن الحرة تعرض قوانينها ولوائحها على المجلس التشريعي لإقرارها، وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام مهمتها ان تفصل في الخلافات التي تطرأ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أو أي خلاف يحدث بين الحكومة وأي فرد من أفراد الشعب.
ولا تكمن القيمة التاريخية لحركة الهيئة في هذه المطالب الجوهرية فقط، والتي عكست توق شعب البحرين في التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وتحقيق الديمقراطية والشراكة السياسية، وإطلاق الحريات العامة، بما فيها الحريات النقابية، وإنما أيضاً في كونها حركة وطنية شاملة، جامعة، غطت البحرين كلها، وفيها تمثلت كافة فئات الشعب ومكوناته، عندما وحدت الشعب، بسنته وشيعته خلف قيادتها، واستطاعت أن تقضي على الفتن الطائفية التي أراد المستعمر إشعالها.
إن إحياء ذكرى هذه المحاكمة الجائرة، وتجربة هيئة الاتحاد الوطني بشكل عام ينسجم مع حاجتنا للاستفادة من الدروس الثمينة لهذه التجربة، إن على صعيد تأكيد الوحدة الوطنية للشعب تحت قيادة واحدة تمثل النسيج المجتمعي كاملاً والذي كان في أساس الزخم الكبير الذي اكتسبته حركة الهيئة والتي استمرت لمدة عامين متواصلين، أو على صعيد ألتأكيد على أن نهج المحاكمات الجائرة ونفي القادة والنشطاء الوطنيين عن البلاد، لا يفلح في قمع المطالب المشروعة للشعب في المشاركة السياسية ونيل الحقوق السياسية واطلاق الحريات العامة.
إن الفكرة الوطنية المُوحدة ليست ماضياً فحسب، إنها حاجة راهنة شديدة الإلحاح، بعد التصدع الطائفي الذي بلغه مجتمعنا البحريني، والذي يجري الإمعان في تكريسه وتعميقه، وإعاقة أي جهد يساعد في التغلب عليه، عبر إبراز ما يفرق، لا ما يوحد.
كما أن العودة للأساليب القديمة في محاكمة النشطاء السياسيين واصدار الأحكام القاسية بحقهم وتجريدهم من الجنسية ونفيهم خارج وطنهم سيزيد من تعقيد الأزمة السياسية في البلد، ويطيل أمدها، فيما المطلوب مغادرة هذا النهج، وفتح الطريق أمام حل سياسي وطني شامل ينهي هذه الأزمة، ويأخذ بالبحرين نحو الاستقرار والتنمية.
جمعيات التيار الوطني الديمقراطي
جمعية المنبر التقدمي
جمعية العمل الوطني (وعد)
جمعية التجمع القومي
In the occasion of the holy Christmas and New Year’s Eve
Progressive Tribune greets you and all progressive parties in the world, and congratulates you with sincere wishes for more success in your journey of struggle to achieve the goals you seek for democracy and freedom
Looking forward a new year that is free from all kinds of oppression, wars, and terrorism
And to be a year of love, peace, and coexistence between nations
Finally .. Please accept our sincere comradeship greetings
بمناسبة حلول أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية وحلول العام الجديد
يتقدم لكم المنبر التقدمي ولكل القوى والأحزاب التقدمية فى العالم
بالتهنئة مع أصدق الأمنيات بمزيد من النجاح والتوفيق فى مسيرتكم النضالية لتحقيق الأهداف التي تنشدونها من أجل الديمقراطية والحرية
متطلعين أن يكون العام الجديد خال من كل أنواع قهر الشعوب ومن الحروب والإرهاب
وأن يكون عام محبة وتعايش بين الشعوب
ختاماً .. تقبلوا مِنّا خالص التحيّات الرفاقية
بمناسبة حلول العام الجديد
يتقدم المنبر التقدمي لكم ولجميع شعوب العالم
بالتهنئة والأمنيات الصادقة بأن نمضي معاً قدماً بعزيمة متجددة على درب النظال الوطني
متمنين لكم عاماً يرفل بالطمأنينة والسلام ومزيد من العمل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية وإرساء الوحدة الوطنية
وكل عام وشعوب العالم بمحبة وسلام
«للأشياء أوانها… ما تيسَّر من الأهواء والحواس» لمدن…
الوسط – جعفر الجمري
21 ديسمبر 2016
ينكبُّ الباحث والكاتب البحريني حسن مدن على واحد من المشاريع المُغفلة، على الأقل في منطقتنا، من بين ملامح تلك المشاريع، عدم الخضوع لآليات الكتابة باعتبارها كليشيهات لابد من اعتناقها، وفي الوقت نفسه محاولة فهم مؤدَّيات تلك الكتابة باعتبارها تعبيراً، في جانب من جوانبها عن الآخر، وليست تعبيراً عن صاحبها، وإن أخذت القسط الأكبر من ذلك، إلا أنها تعبير عن الآخر، وليس الآخر بالضرورة هنا المختلف عنك، قد يكون الذي يشبهك طالما أنك تكتب لمتلقين وليس إلى أشباح. وهنالك أيضاً اشتغال على مؤديات القراءة، باعتبارها أحد منابع الوعي وركائزه.
في كتابه الجديد «للأشياء أوانها… ما تيسَّر من الأهواء والحواس»، الصادر عن دار مسعى، و «العنوان للنشر والتوزيع»، يؤسس لوعي بالكتابة من دون تغميض، بما يمتلكه من جمال في الأسلوب وأناقة في العبارة، وتقديم آسر يتخذه مدخلاً للفكرة التي يريد الاشتغال عليها. هو هنا في كتابه الجديد لا ينأى كثيراً عن إصداره السابق «حبر أسْوَد»، وإن كان في الإصدار الذي بين أيدينا يُفرد مساحات أكبر للفكرة، من حيث إشباعها بتناولات، الغالب منها حسي، وقريب من اهتمامات القرَّاء، والبشر عموماً.
ما يُحاول أن يقدمه مدن في كتاب « للأشياء أوانها… ما تيسَّر من الأهواء والحواس»، نظر آخر لما قرأناه ربما. وهو لا يقدم هنا اقتراحاً لكيفية القراءة، بقدر ما يقدم صيغة أخرى لمراجعة ما قرأناه. اقتراح صيَغ لتلك القراءة والنظر إلى الكتابة بعين أخرى، وبمدارك أخرى، ربما فاتتنا، وخصوصاً في القراءات التي لا تنجو من السأم، وإن كانت ممتعة في محتواها. الكتاب أيضاً مليء بالتأملات التي تتعدَّد ضمن فضاءات هي الأخرى متعددة، تبدأ بالقريب منا… الإنساني… الاجتماعي والفلسفي، ولا تنتهي في ثنايا الكتاب بتساؤلات بعضها يمس صلب الوجود ولحظتنا الراهنة.
ألَّا نكتفي بالمباشر مما يقدَّم لنا من أعمال، وبالمناسبة ليس المؤثر والبارز فحسب؛ إلا أن الكاتب في النهاية يقدم مقترحاً، ونظراً آخر يضاف على ما أرادته تلك الأعمال وأصحابها.
ما يجب الالتفات إليه أيضاً أن مدن – مرة أخرى – لا ينأى كثيراً عمَّا قدَّمه في «حبر أسود»، وكأنه هنا يعمد إلى استدراك ما لم يختْره أساساً هناك، وكان حاضراً، بحكم محدودية صفحات أي مطبوع، لكنه هنا يقدِّم لنا بعض المراجعات والمفاهيم بعمق أكبر، وبتأصيل أوضح، من دون أن يمارس أي نوع من الاستعراض المجاني أو الفذلكة، أو التعالي على القارئ. يقدِّمه ما أمسك به من أعمال، ما تمكَّن من نظره إلى بعض المفاهيم والظواهر بأسلوب سهل لا تملك إلا أن تكون في حال انشداد معه.
السيرة الموازية
في «الأشياء التي لم نفعلها»، يكتب مدن: «برواية الأشياء التي لم نحققها يمكن أن نكتب لأنفسنا سيرة موازية لسيرتنا المتحققة. سيرة مفترضة؛ لأن الحياة كان يمكن لها أن تأخذنا نحو هذه السيرة المفترضة، وتجعل منها حقيقة لا افتراضاً أو وهماً أو مجرد رغبة؛ لأن بعض التفاصيل والملابسات الصغيرة أو الكبيرة، كان يمكن أن تغيِّر مسار الحياة برمَّته، أو على الأقل في مفاصل رئيسية من هذا المسار».
الأشياء التي لم نفعلها بتجربة السيرة، لا تبدو تلك الأشياء وكأنها أفلتت منا. السيرة تعمل عملها في تحققها؛ ليس بالضرورة من الشخص نفسه. تتيح السيرة الموازية لبشر آخرين تلمُّس طرق لتحقيق ما أجَّلوه ربما، أو وجدوا فيه عنتاً وطاقة لا يقدرون عليها، وليست متوافرة لديهم.
السيرة ليست سرد حياة؛ إذ تظل في جانب منها سرد حياة هي برسم التأجيل أحياناً، ربما من خلال تخيُّلها، لكن أوانها لم يفت، على الأقل للذين سيجدون في تلك السيرة منافذ وحيلاً لبلوغ ما استعصى عليهم، أو كما بدا أنه عصي على البلوغ.
يقدم لنا مدن قراءة تذهب إلى أبعد من مفهوم تعالجه وتتناوله، أو قضية يفرد لها صفحات عديدة. يقدِّم ما هو أقرب إلى القرَّاء على مختلف مستوياتهم وإدراكاتهم ووعيهم. يدخل الوعي الفردي في تجربة التوحد مع الوعي الجمعي. الاشتغال على المشتركات واليوميات وكل ما هو موضوع درس وتجربة لأي منا، وحتى لأولئك الذين لم يخوضوا الدرس، إلا أنهم يجدون في كثير من صفحات الكتاب فرصة كي يخوضوا تجاربهم الخاصة، إن على مستوى تدارك ما فات من مدِّ وعيهم بكثير من أسباب نضجه واستوائه. ألَّا يكتفوا بظاهر الأشياء وسطحها. أن يتوغلَّوا وبعفوية في الوقت نفسه في تناولهم ونظرهم للظواهر والمفاهيم والأشياء. الأشياء التي لم نفعلها، وتلك التي فعلناها، ولكن ربما بدرجات أقل مما يمكن لنا أن نفعلها.
شبابيك الرجاء
في تأمل أحوالنا ومصائرنا، قبل تأمل أحوال ومصائر الآخرين، حصانة لنا كي نقترح أساليب واشكالاً من تلك الحياة، تجعلنا في منجاة من الضياع، ومنجاة من الفراغ، ذلك الذي يفتك بالأرواح. والذين يفتقدون لحظات التأمل هم في عنَت وضيق، ذلك أنهم نهب لتلك الحياة التي تحولهم إلى أدوات لتحقيق ما يجعلهم على قيد الحياة فحسب. هل ثمة حياة في تلك النوعية من الحياة أساساً؟ ضمن تلك الفضاءات يضعنا حسن مدن بمراس ودربة ودراية في كتابته «شبابيك الرجاء»؛ حيث يكتب: «من النادر أن تسعفنا الحياة بلحظات للتأمُّل والتبصُّر في أنفسنا، في ما نريد وما لا نريد، في الذي أنجز من طموحاتنا والذي لم ينجز، بل ربما تعيَّن علينا أحياناً أن نصدم أنفسنا بالسؤال القاسي الصعب: من نحن وماذا نريد»؟!
كأن لا شبابيك يمكن لنا أن نطل عليها للنظر إلى تلك الحياة بواقعية وعمق في الوقت نفسها، إلا من خلال التأمل وفحص ما الذي حققناه، وما الذي لم نحققه بعد. مثل تلك المواجهة مع النفس، هي ضرب من ضروب التأمل الضائع والمفقود في زمننا هذا خصوصاً. كأن طبيعة هذا الزمن بوفرة منصات الإشغال والانشغال، تأخذ الإنسان بعيداً عمَّا يمكن أن يحصِّنه، ويفتح له آفاق وأبواب إعادة النظر في تلك الحياة التي اطمأن إلى استوائها، بينما هي ترمي بنا على حدود المكر والوهم. الوهم بأننا استوينا على وجودنا، دون فحص حقيقي لطبيعة ذلك الوجود.
غاليانو وتأملاته
وعن كرة القدم وكتاب إدواردو غاليانو «كرة القدم… بين الشمس والظل»، ذلك الذي تعرفت عليه في أواخر ثمانينات القرن الماضي، ثمة وقوف على الكثير من المتعة والتأملات التي ربما فاتني الوقوف عليها، كما فاتت غيري، ممن فتح أمامه ذلك الكتاب رغبة لا حدود لها في تتبُّع ما تمت ترجمته إلى العربية، ومن بعد ذلك قراءته مترجماً إلى الإنجليزية. يشير مدن في ثنايا وقوفه على إضاءات من الكتاب إلى «قدرة غاليانو على جعل موضوع اللعبة الأكثر شعبية في العالم موضوعاً أدبياً مكتنزاً بالتأملات الذكية والإيحاءات التي لن تنجو من سحرها»، بحيث تذهب إلى اللعبة الشعبية الأولى في العالم بوصفها تجسيراً للعلاقات بين البشر، وبقدرتها على وضع البشر في مساحات من الحياد، وإن كان حياداً مؤقتاً، لكن الزمن كفيل بتعميقه. تلك «الكروية» التي تأخذنا في جانب من التأملات إلى مساحة من التذكير بحقنا الضروري في اللهو، على هذه الأرض التي كثيراً ما تنتزعنا الظروف المحيطة بنا من تلك الحصة، انشغالاً بالدفاع عن الحياة وحقنا في الوجود. اللهو جزء لا يتجرأ من الوجود نفسه، ومن دون ذلك اللهو تعاني الحياة من عطب وإشكال وجودي في الوقت نفسه.
ومن هذا الباب نقف على تأمُّلات مدن، بقدرة عولمتها على إدخالنا في المساحات الفطرية التي كثيراً ما ننسلخ منها، ولأكثر من سبب، من بينها أن البشر حين يكونون مشدودين ومترقبين، ومحاصرين بقلق لانهائي، لا يمكنهم أن يحظوا بمساحة التأمل التي تعمل على ترتيب حياتهم، بمزيد من التأني في مواقفهم ومراجعة أفكارهم.
من الإضاءات والتأملات التي يضعنا أمامها مدن قوله إن «عولمة الكرة توحِّد العالم على أساس فطري – إن جاز القول – وتبرهن أن العالم قادر على أن يتوحَّد من دون إملاء للشروط من طرف على طرف، وأن يدخل في منافسات خاضعة لقواعد متفق عليها تسري على الدول الكبرى، كما تسري على الدول الأصغر».
تلك اللعبة قادرة على أن تمارس تأثيرها بما يتجاوز خريجي كليات العلوم السياسية، وباتوا يترأسون الدبلوماسية في بلدانهم، بمزيد من الشطط، ومزيد من الحماقات، ومزيد من الدفع بالتوتر في العلاقات ليكون هو الثرمومتر الذي يتحكم في القادم من قرارات، وسياسات تأخذ هذا العالم إلى مزيد من العنف، ومزيد من الدفع به نحو محارق لا نهايات لها.
مديح الظل
تحت عنوان «مديح الظل غير العالي»، فيه استدعاء ليس فقط لكتاب «مديح الظل» للروائي الياباني جونشيرو تانيزاكي، هو يبرز لي مع فارق التلاعب في العنوان، نص «مديح الظل العالي» للشاعر الفلسطيني محمود درويش، على رغم الفارق في المناخات، والفارق في منطلق العملين وطبيعتهما. يقدم مدن مراجعة عميقة، ليس وقوفاً على الكتاب نفسه، بقدر ما هو وقوف على تجليات العمل بالنسبة إليه، والتأملات العميقة التي يقدمها لنا؛ إذ يشير إلى أن تانيزاكي يبرز في كتابه «ما للظل من لذة ومتعة»، مستدركاً «لكن الكتاب ليس عن الظل وحده، إنه عن اليابان، اليابان الأخرى التي لا نعرفها، غير يابان السيارات وأجهزة الفيديو والتلفزيون والكاميرات» في تساؤله «أي منحى سيسلكه الفكر الياباني، لو كان مخترع قلم الحبر يابانياً أو صينياً، أي شكل سيتخذه المجتمع الياباني لو لم يتبنَّ أدوات الغرب»؟
بالوقوف على الأشياء الأليفة، على الزمن نفسه، بقدرته على تصييرنا، وذلك النزوع الذي يكاد لا يفارق الكثيرين، إما حنيناً له، أو تجنُّباً له.
وفيما يتعلق بتانيزاكي فإنه، بحسب مدن «يحاول إحياء عالم الظل الذي نبدِّده حالياً، إحياء تلك الأشياء الأليفة التي تبدَّد، هنا لا يعني إعادتها نمطاً لحياة شقت لنفسها مجرى آخر، وإنما إقامة تلك الجزر الصغيرة من الأشياء الآفلة، ذكرى لعالم يذهب في الماضي؛ حيث ليس بوسعه أن يعود.
«كتاب يضعك أمام مجاميع من الأفكار والرؤى والمفاهيم، يقدمها بأسلوب ممتع وسلس، هو بمثابة نزهة بعضها مُرهق، وبعضها الآخر مليء بالمتعة والتوْق إلى تتبُّع تلك الأعمال لمن لم يقف عليها، وقليلة هي الكتب التي تتيح لك مثل تلك الفرص، اختزالاً للبحث عنها في جهات الله.