الاستعباد الاجتماعي او “التهميش” كما يعرفه الدكتور سنان علي ديب في جريدة “النور” عدد729 الصادر في 20 يوليو 2016، بأنه اقصاء اشخاص او مجموعات سياسية او عرفية او طبقية عن الحاجات الأساسية، او عن الانخراط الاجتماعي بمختلف مؤسساته رغم وجود رغبة لدى هؤلاء المستعبدين في الانخراط في مجتمعهم كأطراف في عقد اجتماعي، يؤمن لهم المشاركة والحصول على الحقوق المتمثلة بالحق في الحياة، والحق في العيش الآمن.
وبذلك فإن الحكم الرشيد يعني الاعتماد على القوانين التي تساوي بين جميع المواطنين مهمم اختلفت طوائفهم او مذاهبهم أو أفكارهم الإيدلوجية او منابتهم الطبقية، ويضمن كذلك حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ضمن إطار دستور متفق عليه يحافظ على تماسك البلد من أجل الوصول إلى العدالة الاجتماعية وفق إطار التنمية المستقلة المتوازنة المستمرة.
وفي إطار ما ذكره ديب تأتي أهمية دراسة ظاهرة الاستعباد الاجتماعي من كونها سبباً مباشراً في تقسيم المجتمعات وظهور بؤر التوتر والانقسام فيها، وظهور الأجواء المستقبلية لكثير من الأمراض الفاتكة بالمجتمع، وكذلك نقص المناعة لدى الكثير من الكفاءات مما يجعلها تهاجر إلى خارج البلد!
فالاستعباد الاجتماعي هو عكس عملية الاندماج التي تقوم عليها المجتمعات حتى ان مفهوم المواطنة ذاته يعدٌ ناقصاً مع وجود بوادر الاستعباد الاجتماعي فيها.
من الطبيعي وجود اثنيات وطوائف في جميع المجتمعات ولا يمكن – كما يوضح ديب – ان يشكل خطراً عليها إلا إذا اقترن بفكرة النقاء والاصطفاء او امتلاك الحقيقة لفئة أو طائفة دون غيرها. لذلك وعلى حد رأيه يمكن التعامل مع نتائجه مع التسليم بوجوده. وهذا الاختلاف مهما كان نوعه يخف حتى يتلاشى في ظل عدم اللجوء إلى استعباد أي جزء منه وفي ظل حكم القانون.
وهنا يتطرق إلى نوعين من الاستعباد الاجتماعي: أحدهما متعلق بالنخبة المصنعة تصنيعاً بعيداً عن العضوية أو الإيداع الحقيقي، او بالطبقة العليا في المجتمع، والآخر بطبقة المهمشين فيه. الأولى لأنها مكتفية والثانية لأنها مقصاه. الأولى لها مبرراتها بنفي نفسها اختيارياً، والثانية لا تستطيع ان تبرر شعورها بالاستعباد. الأولى عادة ضيقة، والثانية غالباً لها مفتوحة وتزداد مساحتها مع الوقت. الأولى لها اخلاقياتها، والثانية كذلك. الأولى تمجد الوضع الراهن والثانية تطلب التغيير. وتكثر ظاهرة الاستعباد الاجتماعي في المجتمعات الريعية، وأثبتت الدراسات ان عملية توزيع الريع عامل هام في وجود مثل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة!
عندما تتناول سلبيات هذه الظاهرة، فان اهم سلبياتها وفق ما جاء في رأي ديب هو انزياح المجتمع ضد نفسه ومكوناته، بل انه حتى في المجتمعات المتقدمة شكلت جيوب المهمشين مشكلة للأنظمة والحكومات، والخطورة في المجتمعات العربية لها شقان لا يتعلقان فقط بأطراف، المجتمع نفسه (الطبقة العليا والطبقة الدنيا) بل في ظل غياب الطبقة الوسطى كذلك واضمحلالها.
ويؤكد انه كلما كانت السياسة الاقتصادية خاطئة او متعثرة تقود على نتائج سلبية وتؤدي إلى أمراض اجتماعية خطيرة من بينها البطالة، والفقر والفساد، والعنوسة بين الجنسين، والانحرافات الأخلاقية والجريمة…….الخ.
ولضمان تجاوز المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لابد من معرفة الخلل والاعتراف به، من أجل وضع الخطط الانقاذية الكفيلة بإعادة الاعتبار للطبقة الوسطى بما يؤدي إلى قوة المجتمع وصلابته في جميع النواحي، وإلى الانطلاقة الصحيحة نحو تطوير القوانين والتشريعات وتحديثها بما يتماشى مع متطلبات الواقع.
يقول ديب كان الهدف الرئيسي من فرض الوصفات الجاهزة للمصرف الدولي ولصندوق النقد الدولي على البلدان هو: تهديم البناء التنموي ومنع استمرارية التنمية على قواعد صلبة، وارجاع عجلة التنمية مسافات كثيرة منعاً من استغلاليتها في ظل التبعية!!
في حين ان إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى ومنع زوالها هو الركيزة الأساسية التي يجب توجيه جميع السياسيات نحوها، ومن هذه السياسات: تحسين المستوى المعاشي للمواطنين ومراقبة الأسعار، تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير السكن اللائق، مكافحة الفساد بجميع اشكاله وخاصة الفساد الإداري بحيث تكون من حيث عدالة تفعيل الاستثمار، إضافة إلى تصديه لدور اجتماعي يساند القطاع الحكومي في خدمة المجتمع.
ويرى إن الوصول إلى الديمقراطية عبر مراحل وبرامج وسياسات يشكل جسراً يمكن العبور فوقه لتجاوز الأخطاء، فليس بالضرورة ان يكون المجتمع منتجاً للديمقراطية، ولكن الضروري هو الاقتناع بها واستيعابها مع العلم ان الديمقراطية ليست عطاء يمنح انما هي ثقافة لها أسس وبنى اقتصادية واجتماعية وثقافية، وبالتالي يمكن أن نصل إلى ما نتمناه من ممارساتها عبر مراحل مختلفة متوافق عليها بما لا تجعل هناك تهميشاً أو استعباداً لأي طيف أو شخص في مراحلها الأولى، وصولاً الى المعنى الحقيقي الذي يستغرق زمناً لتكريسه ثقافة فاعلة وبناءة.