عندما تتأثر جماهير الطبقة العاملة جراء حدوث تغيرات اجتماعية وسياسية جديدة
في علم الاجتماع ومنها العلوم الماركسية ذات المصداقية في تحليل المجتمعات البشرية, يؤكد المنظرون في هذا الامر على ان ظواهر التغيير في حياة المجتمعات البشرية حتمية, وقد حدثت كثيرا ذلك عبر قرون قد مضت وقد غيرت في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و السياسية, وهذه شروط لتطور المجتمعات البشرية و لابد من حدوثها وهي سمة من سمات التغيير المستمر في حياة الشعوب المرتبطة بعجلة التاريخ الغير قابلة للرجوع للخلف, ثم ان موجات التغييرات لا تأتي على شكل واحد بل هي قابلة احيانا ان تبدأ بطرق الاحتجاجات العفوية, او الاضرابات البسيطة ثم الانتفاضات العارمة, ومنها الانقلابات و الثورات التي تصاحب موجة التغيير الحتمي في سبيل احداث التغيير من الوضع الاسواء المفروض على الشعوب الى وجوب قيام النظم الاقتصادية والسياسية التي تعبر عن طموحات الغالبية العظمي من شرائح المجتمعات البشرية, وطبقاتة الثورية التي تسعي للتغيير هذا.
ان في هذا التغيير ضرورة لابد من وجود طبقة مؤثرة لتكون هي صاحبة الامتياز في الصراع في سيرورة الصراع الطبقي, ثم ان التاريخ اكد على ذلك في الثورة البرجوازية ضد الاقطاع و الثورة للطبقة العاملة ضد البرجوازية الراسمالية من اجل بناء الاشتراكية, وفي ظل هذا الصراع بين من هم الذين يناضلون من اجل التغيير الاجتماعي والسياسي, ومن هم الذين يحاولون البقاء على النمط القديم, حتما ان في ساحات الصراع هناك يقع الظلم و الدمار على القوى التي ليس لها تاثير و التي لم تشارك في التحركات ان كانت الثورية او المضادة للتغيير.
في الواقع ان التطورات على مستوى العالم قد شهدت صراعات سياسية دامية, ومنها الحرب العالمية الاولى و الثانية وحروب المستعمرات, و منها الحرب الامريكية في فيتنام, و ايضا هناك صراعات قومية ودينية, عرقية, طائفية, وقبلية وتحررية, وكل هذه حدثت في مراحل مختلفة ودول مختلفة وبين شعوب وقوميات مختلفة حتى في قلب اوروبا و امريكا.
كما ان كل هذه التغييرات التي حدثت ولاتزال تحدث هي لن تاتي من تلقاء نفسها بل هناك ضرورة ملحة اجتماعية واقتصادية وسياسية تحتم بوجود لحظة التغيير الحتمي و الاستجابه لارادة الشعوب المضطهدة.
حقيقةً ان مثل هذه المفاهيم من الممكن ان نطلع عليها جيدا من خلال تعمقنا في فهم الفكر الماركسي, ومحاولة قراءة المادية التاريخية لنتعرف على اهم التحليلات العلمية في هذا الشأن.
حول الوضع العربي المتأزم
في وضعنا العربي الراهن, بدون شك ان جماهير الطبقة العاملة وسائر الشغيلة في الوطن العربي وكل الفقراء و المحرومين و العاطلين عن العمل, هم الاغلبية و هم من تقع عليهم الاعباء و هم في المقام الاول المتضررين من الاوضاع العربية الحالية المأساوية التي يشعر فيها الانسان العربي بالمهانة, و الخوف من مستقبل مظلم, وعليه فأن طابع الياس و التذمر قاب قوسين او ادنى ليطال معظم الشعوب العربية من المحيط حتى الخليج, جراء الهزائم ابتداء من سنة 1948 واحتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية بالتعاون مع الاحتلال البريطاني, وخسارة الجيوش العربية في اول حروبها مع اسرائيل و سميت بالنكبة, مروراً بهزيمة العرب في عام 1967 و فشل المشروع القومي العربي, وهذه الهزيمه سميت بالنكسة, مرورا بمسرحية حرب اكتوبر عام 1973 والتي احكمت اسرائيل قبضتها على كل فلسطين و على اراضي عربية ومهدة للسلام في كامديفد مع مصر, و اتفاقية اوسلو التي فرقت الشعب الفلسطيني بين الضفة الغربية وغزة و الشتات او المهجر, مروراً بدخول صدام حسين في حرب كانت من بدايتها خاسرة مع ايران, و بعدها غزو الكويت من قبل صدام و تحرير الكويت من قبل الامريكان, و الحرب لاسقاط نظام صدام حسين الدموي وما نحن فيه الان من وضع متردى اقتصاديا, و اجتماعيا, وسياسيا في سوريا والعراق واليمن وليبيا و لبنان و دول الخليج ومصر, و يزيد ذلك عمق الازمات الانهيار الحاد في اسعار النفط, كل هذه عوامل دعمت وشجعت القوى الدينية المتطرفة التي تحضى بدعم وتاييد وتمويل من قبل بعض الدول العربية و الاقليمية و الاوروبية الامريكية ان تتمكن من الهيمنة في سبيل خلق الفوضى العارمة في ربوع الوطن العربي, وتحطيم لمعنويات الجماهير العربية التي سعت للتغيير الديمقراطي في مقارعة الانظمة الدكتاتورية مع مطلع عام 2011 ابتداء من تونس.
ان هذه الظروف الحالية في الوطن العربي, و المعقدة للغاية لابد ولها التاثير على مزاج جماهير الطبقة العاملة وقد تنجر غالبيتها مع الصراع الدائر, و التكوينات الفئوية و الطائفية و الارهابية المتطرفة, وتكون جماهير العمال عرضة للاستغلال من قبل القوى المضادة للمصالح العمالية, و النقابية, و السبب هو قتل الامل في نفوس غالبية الجماهير العاملة, حتى الوصول لمرحلة الياأس و التذمر الناتج لاوضاع غاية في التازيم السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي.
دور اليسار العربي في اعادة الامل للشعوب العربية و في مقدمتهم العمال
نحن نقر ان دور اليسار العربي في صفوف الجماهير قد انحسر لعوامل عديدة وقد ذكرنا بعض الاسباب في مواضيع سابقة, فمنها دور الانظمة العربية الدكتاتورية المتلاحقه التي حاربت القوى اليساري ونصبت لها العداء, خصوصا تلك الانظمة التي هيمنت ولا تزال تهيمن على مناسم الشعوب العربية بالنار والحديد, هذه الانظمة قد عملت على تقليص الدور الريادى للكوادر السياسية, و العمالية, والنقابية اليسارية, ذلك من خلال القمع للتحركات الجماهيرية المطالبه بالتغيير, و ايضا قمع التحركات العمالية السلمية في المطالب بحقوقها المشروعة, و منع التظاهر ضد الفساد و المفسدين, وضد سراقي المال العام, هؤلاء هم الانظمة والقوى الذين يحرمون الشعوب العربية وكل الكادحين من ابسط العيش, و محاولة التهميش و التجويع او شراء الدمم المهزومه التي تعمل ضد المصالح العمالية والنقابية و الوطنية, وعليه قد انحسرت الانشطه لليسار في صفوف الحركة النقابية, و العمالية, و الجماهيرية, ايضا ناتجه لسياسات الانظمة العربية في تدمير الاقتصاد الوطني, وبيع القطاع العام للشركات الراسمالية الاجنبية, و مشاريع الخصخصة لصالح الشركات الراسمالية, و عدم الاعتماد في قيام صناعات عربية ثقيلة لاستيعاب البطالة و التي هي بالملايين في الوطن العربي’ ثم ناتي للتشريعات و القوانين الضاغطة على حرية الانشطة العمالية و النقابية, نعم هذه العوامل لها الاثر السلبي في تشتيت نضال الطبقة العاملة و التقليل من دور الوعي الحقيقي في صفوف جماهير العمال خصوصا مع بث الثقافة الهمجية في صفوف جماهير العمال وسائر الكادحين من اجل تغييب الحقائق وتدني المستوى للوعي الحقيقي في صفوف الكادحين.
لكن هذا لايعني رفع الراية البيضاء لليسار العربي, و المبرر هذه الظروف الصعبه ان فرص التغيير تاتي وان الاوضاع لايمكن ان تستمر في ظل وجود الفوضى الاقتصادية, و السياسية الحالية, ولايمكن لقوة في العالم ان تمنع التغيير الحتمي اذا وصلت الشعوب للقناعة بضرورة التغيير جراء تنامي الوعي الحقيقى في صفوفها, و اليسار هم المعنيين بذلك وعليه وجب نزول اليسار في الساحات من اجل دفع عجلة التغيير حسب الظروف الذاتية, و الموضوعية لكل بلد عربي ونحن بحاجه لتجديد وتحديث مواقعنا وتقوية قواعدنا في صفوف جماهير الكادحين, من خلال اخذ الدور الريادي في ساحات النضال في صفوف الكادحين من اجل اعادة امجاد اليسار المؤهل لعمل انعطاف للتغيير في وسط الجماهير, من خلال تحرير عقول الجماهير الكادحة من الكذب و النفاق و الوعود الخيالية من قبل القوى الرجعية المضادة للحرية و التقدم و التطور.
ثم ان اليسار العربي ليس هو اليوم الوحيد في ساحات النضال ضد الامبريالية و الصهيونية و الرجعية, فأن موجة التغيير قادمة في العالم وسوف تسقط هيمنة الاحتكارات الراسمالية وتسلط البرجوازية والنظم الشمولية, والرجعية المهيمنة على رقاب الشعوب في كل القارات بما في ذلك الوطن العربي.
جواد المرخي