أوضحنا في مقالات سابقة ذات صلة، أن هذا الأمر قادم لا محالة، وبأسرع مما تتصوره حكومات الدول النامية وشركات الطاقة والشركات الصناعية العاملة فيها. وها هو هذا الأمر المتمثل في وضعها أمام مجموعة من الاستحقاقات الدولية المطلوب تنفيذها في إطار الجهد الدولي لمكافحة تغير المناخ، يحدث على أرض الواقع، وإن كان حتى الآن في صورة مطالبات لتنفيذ اجراءات بصورة طوعية. فها هي الأمم المتحدة، ومن خلال الميثاق العالمي للأمم المتحدة (UN Global Compact)، وهو مبادرة مكرسة لاستقطاب الشركات في مختلف أنحاء العالم لتحمل مسؤولياتها تجاه مجموعة مؤشرات التنمية المستدامة، كان قد أعلن عنها في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في يناير/كانون الثاني عام 1999 ودُشنت رسمياً في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في يوليو 2000 – هاهي تُعلن باسم مجموعة الشركات المتطوعة عن خطة عمل جديدة بمعايير مسؤولية تتصل بمدونة سلوك تجاه الجهد الدولي لمواجهة مخاطر تغير المناخ باسم «مبادرة الاهتمام بالمناخ» (Caring for Climate Initiative)، بما يجعل من هذه الشركات المتطوعة رائدة في السوق منخفض الكربون المستقبلي. وهي مبادرة تندرج في إطار استراتيجية المنظمة الدولية لإلزام الشركات بالمواءمة بين عملياتها واستراتيجياتها والمبادىء العالمية العشرة المتوافق عليها في مجالات حقوق الانسان، والعمل، والبيئة، ومكافحة الفساد، وذلك بهدف جذب قطاعات الأعمال، باعتبارها المحرك الأساسي للعولمة، للمساهمة في جعل الأسواق والتجارة والتكنولوجيا والتمويل تتقدم في اتجاه يعود بالفائدة على جميع الاقتصادات والمجتمعات العالمية. وقد تطوع حتى اليوم أكثر من 12000 شركة ومؤسسة من أكثر من 145 بلداً للمشاركة في هذه المبادرة والعمل على تطبيق مبادئها العشرة.
ذلك فيما يتعلق بمبادرة «الميثاق العالمي للأمم المتحدة». ومؤخراً خرجت الجهة المعنية في الأمم المتحدة بإنفاذ مبادىء هذا الميثاق، بمبادرة جديدة تتعلق خصيصا بالترتيبات الدولية الجارية على قدم وساق من أجل مكافحة الآثار الضارة المترتبة على تغير المناخ من خلال اتفاق بروتوكولي جديد كإطار تنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ يحل محل بروتوكول كيوتو المنتهية صلاحيته في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. المبادرة الجديدة التي أُطلق عليها كما أسلفنا «مبادرة الاهتمام بالمناخ»، تتضمن 5 استراتيجيات هي على النحو التالي:
1- تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقاربة اقتصادية فعالة تحاكي تحدي تغير المناخ: وقد تطوعت بالفعل 35 جهة للقيام بوضع معايير أساسية لهذه المقاربة والعمل على: (أ) وضع سعر وطني مرتفع بما يكفي للكربون بحيث يكون فعالاً في توجهات وقرارات المستثمرين وخفض الانبعاثات، (ب) دعم وترويج السياسات والإجراءات المؤدية لظهور سعر طن الكربون على شاشات التداول في الأسواق، (ج) التقرير العلني حول التقدم المحرز على أساس سنوي في هذا المجال.
2-
2- إحلال الطاقة المتجددة: فمع مواصلة أسعار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح انخفاضهما، فإن أسباب التمسك بمصادر الطاقة غير المتجددة، ويقصد بها النفط والفحم والغاز تحديداً، سوف تختفي بسرعة. والآن وقد أصبحت أسعار المصدرين، الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، متقاربة، بحسب زعم الأمم المتحدة صاحبة المبادرة، فإن بعض الشركات أخذت عهداً على نفسها بتوليد 100٪ من طاقتها باستخدام الطاقة المتجددة.
3-
3- الاستثمار في التقنيات النظيفة: فقد ارتفع هذا الاستثمار بأكثر من 300 مليار دولار خلال العقد الأخير، حيث اكتشفت الشركات هذه الفرصة الاستثمارية الواعدة فراحت تستثمر في التكنولوجيات، وفي المنتجات والخدمات ذات الطبيعة المستدامة، وفي المباني الذكية مناخياًَ، وفي اجراءات تخزين الطاقة وكفاءتها.
4-
4- اظهار التأييد عملياً لسياسات مكافحة تغير المناخ: وهنا يتعين على الشركات أن تنسق وتتعاون مع الحكومات لتحديد سبل خفض الانبعاثات والمحافظة على الموارد الطبيعية. فمن شأن مثل هذه الجهود المشتركة أن تشجع على النمو (الاقتصادي) منخفض الكربون. الأمر الذي سيرسل رسالة إلى صانعي القرار مضمونها بأن قطاعات الأعمال مستعدة لمقابلة تحديات تغير المناخ ومتطلبات مجابهتها.
5- وضع أهداف مؤسسة علمياً وقابلة للتبني: بغض النظر عن الحجم أو القطاع أو الموقع، فإن كل أنشطة قطاعات الأعمال يمكن أن تبدأ وتشارك لتكون جزءً من حل مشاكل تغير المناخ. ولقد بادر عدد صغير من الشركات باتخاذ خطوات لوضع أهداف بعيدة المدى لخفض غازات الاحتباس الحراري (GHGs) وذلك وفقاً لما اقتضته المشورة العلمية التي تسديها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
(Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC) لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ (UNFCCC). حيث تقوم هذه الشركات بأعمال رصد وقياس وتقرير الانبعاثات سنوياً.
جدير بالملاحظة هنا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هو الذي أطلق بنفسه «مبادرة الاهتمام بالمناخ» (Caring for Climate Initiative) بهدف توجيه الشركات لاكتشاف الحلول العملية المتقدمة وتشكيل السياسات العامة، باعتبار ذلك إحدى أنجع الوسائل لاشراك قطاعات الأعمال في قضايا البيئة وتغير المناخ. كانت البداية في مؤتمر الأطراف الخامس عشر (COP-15) الذي عقد في كوبنهاجن في عام 2009. حيث تداعى حينها ممثلون لشركات القطاع الخاص بصورة تطوعية للبحث عن حلول ذكية لمشكلة الانبعاثات وإيصال تلك الحلول لأصحاب القرار المسؤولين في بلدانهم عن قضايا البيئة وتغير المناخ. وبعد 6 سنوات من ذلك تكللت جهود متراكمة بإنشاء السوق منخفض الكربون، وصار المحركون الأساسيون لهذا الجهد هم أصحاب الريادة في هذا الحقل. كما دخل المستثمرون على هذا الخط، حيث أعلن ائتلاف يضم مؤسسات استثمارية، التزامه باستثمار 100 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 في خفض انبعاثات الكربون، وكذلك قياس وكشف فرص استثمار في مشاريع خفض انبعاثات الكربون يصل اجمالي قيمتها إلى حوالي 500 مليار دولار. في نفس الوقت فإن من المتوقع أن يصل اجمالي تداولات سوق السندات الخضراء المصممة لتمويل مشاريع صديقة للبيئة، إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
حرر في 22 أغسطس 2015
استحقاقات عالمية أمام شركاتنا الصناعية والنفطية
بالحكمة والموعظة الحسنة
صدر للدكتور صادق جلال العظم في مطالع سبعينات القرن الماضي كتاب نُظر إليه على أن به مساساً بما هو مستقر من معتقدات دينية، فأثار يومها ضجة كبيرة ضده، بلغت حد إحالة الكاتب والناشر، الذي هو صاحب دار الطليعة المرحوم الدكتور بشير الداعوق، إلى القضاء، ما يذكرنا، مع الفارق في الموضوع والتوقيت، بالضجة التي تلت صدور كتاب الدكتور طه حسين: «في الشعر الجاهلي»، خاصة أن العظم كتب فيما بعد دراسات ومقالات شكلت نوعاً من إعادة النظر فيما قاله في مؤلفه الإشكالي ذاك، تماماً كما كان طه حسين قد حذف الأجزاء التي أثارت الزوبعة في كتابه، وأعاد إصداره بعنوان جديد هو: «في الأدب الجاهلي». وعلى ما ترويه الأديبة غادة السمان، أرملة الدكتور الداعوق، فإن السيدة سارة غندور، والدة زوجها، وهي من سيدات المجتمع البيروتي المعروفة بنشاطها الخيري والاجتماعي التقت مفتي الجمهورية اللبنانية في حينه الشيخ حسن خالد، فاكتفى بأن قال لها: «قولي لابنك الله يسامحه». لم يرسل المفتي شخصاً ليقتل المؤلف والناشر أو يهددهما، وللمفارقة فإن يداً آثمة دبرت بعد ذلك بعقدين وأكثر تفجيراً ضد سماحة المفتي راح إثره الرجل شهيداً محتسباً عند ربه.
نستحضر هذه الواقعة للتذكير بنمط من رجال الدين الذين يأخذون من الآية الكريمة: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ»، مرشداً ومنهجاً في الدعوة، ما يؤكد رسالة الإسلام في التسامح، خاصة في مجتمعات قائمة على تعدديات دينية ومذهبية وتنوع في المرجعيات الفكرية، المعنية بالتعايش فيما بينها، بما يحصن المجتمعات من الاحتراب والفتن والكراهية، وهي الآفات التي تنخر في مجتمعاتنا العربية اليوم، وتدفع بها نحو التمزق ودولها نحو التقويض.
ولو أن التيارات الإسلامية الناشطة اليوم أظهرت ما يفيد وفاءها للأفكار التنويرية – الإصلاحية في التراث الإسلامي، قديمه وحديثه، ونأت بنفسها عن الأدبيات التكفيرية التي يجري تثقيف الأجيال الجديدة من أعضاء هذه التيارات بها، والتي تنتسب في غالبها لما يمكن وصفه بالتفكير الانقلابي لا الفكر الإصلاحي – التدرجي، لأسدت أكبر خدمة لنفسها ولمجتمعاتها، لأنها تكون بذلك قد خطت خطوات كبرى في «تأهيل» نفسها لتصبح قوى سياسية عقلانية، منفتحة على الأوساط الاجتماعية والسياسية الأخرى، ومطمئنة لها.
حرر في 3 أغسطس 2015
ليبيا.. ترتيب خاص
في مقالنا السابق «شفرة تعليق تعنون أزمات منطقتنا»، توقفنا أمام استمرار عقدة أزماتنا وامتدادها إلى آماد طويلة لحين تقرر خاتمتها مشيئة القوى الدولية التي لم تكن بعيدة عن إعطاء إشارة بدئها، والتي تملك، بلا ريب، مفاتيح حلها متى ما ضعفت، أو زالت عوامل الاستفادة من استمرارها، وفقا لحسابات العائد والتكاليف، حيث تظل حروبنا الأهلية مركونة ومصفوفة ضمن الملفات المصنفة لدى وزارات خارجية تلك القوى العظمى النافذة، تحت عنوان «ملفات أزمات معلقة» Pending Crises folders، التي حتى لو أرادت قوى إقليمية أو دولية المجازفة بمحاولة فك عقد استمرارها وحلحلتها بغية وضع نهاية للأضرار الجسيمة التي تتكبدها قطاعات المال والأعمال في البلدان المرتبطة، خصوصاً بعلاقات أسواق معها، فإن محاولاتها ستبوء بالفشل لا محالة إذا لم تنل موافقة القوى الدولية الممسكة كما قلنا ب«آليات عمل وتشغيل» هذه الحروب.
ليبيا قد تشكل استثناءً في هذه القاعدة «الذهبية» المعمول بها منذ أمد طويل، في ما خص السياسة المتبعة تجاه تعليق الأزمات Pending لحين «استوائها» وتقرير مصيرها. هذا ما توفره، حتى الآن على الأقل، المعلومات المتوافرة والمتصلة بالحرب الأهلية الدائرة في ليبيا منذ صيف العام الماضي حين انقسمت البلاد إلى شطرين بحكومتين متنازعتي السلطات، إحداهما يعترف بها المجتمع الدولي، وهي متواجدة في مدينة طبرق الواقعة في الشرق الليبي وتحظى بدعم «الجيش الوطني» الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، وحكومة مناوئة لها في الغرب مدعومة من ميليشيات «فجر ليبيا» المحسوبة على الإخوان المسلمين وتتخذ من العاصمة طرابلس منذ أغسطس/آب 2014، مقراً لها، وتحظى بدعم تنظيمات الإخوان في المنطقة ومنها على سبيل المثال لا الحصر رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي الذي أعلن صراحةً دعمه للحكومة الموازية التي شكلتها الميليشيات المتمردة في طرابلس. فكان أن انقسمت ليبيا عملياً إلى دولتين واحدة في الشرق والثانية في الغرب تتنازعان حيازة ثروات البلاد وأحقية استغلالها جهوياً، فصارت هناك شركتان للنفط وقوتان عسكريتان ترفدان هذ الصراع على ثروات البلاد.
ومنذ شهر مارس/آذار الماضي دُفع الطرفان المتحاربان دفعاً للجلوس على طاولة مفاوضات تم الترتيب لعقدها وإدارتها في منتجع الصخيرات السياحي في المغرب، وأُوكلت رعايتها لمنظمة الأمم المتحدة التي كلّف أمينها العام بدوره بيرناردينو ليون كممثل خاص له لدى طرفي الصراع، بهدف التوصل لاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبموازاة هذه المفاوضات، ترعى الأمم المتحدة أيضاً حوارات بين الأحزاب، وأخرى بين عمداء البلديات وثالثة بين القبائل.
ولأن الظروف الموضوعية والذاتية المحركة للحرب بين الطرفين ما زالت تحتفظ بكامل ديناميكيتها (بعيد منتصف ليل يوم الأحد 12 يوليو/تموز الماضي انفجرت حقيبة متفجرات أمام مقر السفارة المغربية)، فقد كان من الصعب على الأطراف الدولية التي أجبرتهما على الجلوس معاً على طاولة الحوار، إقناعهما «ودياً» بالتوصل إلى حل يرضيهما معاً ويضع حداً للحرب الأهلية المندلعة بينهما منذ إغراق البلاد في الفوضى بعد إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 بإسناد من الحرب الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي ضد ليبيا. لذا فقد تمت الاستعانة بالعصا الغليظة لمجلس الأمن الدولي لتهديد الأطراف الليبية التي تقف عثرة أمام حل الأزمة، حيث أصدر المجلس بياناً بالإجماع جاء فيه انه «مستعد لفرض عقوبات على الذين يهددون السلام والاستقرار والأمن في ليبيا أو الذين يقفون عقبة أمام المرحلة الانتقالية» في البلاد. وقد أثمر هذا الضغط بعد شهرين من المفاوضات المتعثرة، عن موافقة الطرفين على مسودة ما سُمِّي باتفاق السلم والمصالحة الذي قضى بتشكيل حكومة وفاق وطني على أساس الكفاءة، وأن يكون مقرها الرئيسي العاصمة طرابلس، والالتزام بأن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد خلال الفترة الانتقالية، وتشكيل مجلس للدولة ذي صفة استشارية يتألف من 120 عضواً من أعضاء برلمان طرابلس، ونزع سلاح الجماعات المسلحة، وتشكيل قوات مسلحة موحدة، وانسحاب الجماعات المسلحة من المنشآت النفطية والمطارات والمنشآت الأخرى بعد توقيع الاتفاق.
السؤال الآن: لماذا استُثنيت ليبيا فجأة من «سياسة تعليق أزمات المنطقة» رغم أنها أزمة «فتية»، إذ لا يتعدى عمرها السنوات الأربع ونيّف، قياساً بأزمات أطول عمراً منها؟. نزعم بأن متغيرين اثنين هما اللذان أمليا على عواصم صناعة وإنفاذ القرار الدولي استثناء ليبيا من هذه السياسة. هذان المتغيران هما:
1- حادثة غرق إحدى سفن صيد تهريب المهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا يوم الأحد 19 إبريل/نيسان الماضي والتي نجم عنها مصرع 800 مهاجر غير شرعي. فقد اعتبرت بلدان أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما إيطاليا التي تعتبر الهدف الأول للمهاجرين غير الشرعيين، إضافة إلى مالطا واليونان غير البعيدتين عن الشوطىء الليبية – اعتبرت هذه «الحملة» الجديدة التي نظمها مهربو البشر في ليبيا، تصعيداً نوعياً في عملية إغراق أوروبا بالمهاجرين. فكان أن حزمت إيطاليا أمرها للتدخل في ليبيا لإنهاء هذا الكابوس لولا أن أقنعها شركاؤها الأوروبيون بالعمل المشترك والمنسق بآليات أكثر فاعلية لمطاردة المهربين وسفن صيدهم قبل إبحارها.
2- استشراء الفوضى الأمنية في ليبيا التي توجت ببروز جماعات متطرفة بينها تنظيم «داعش» الذي سيطر على الجزء الأكبر من مدينة سرت (نحو 450 كلم شرق طرابلس)، ويتواجد في عدد من مناطق ليبيا، وكان قد سيطر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي على مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي على ساحل البحر المتوسط، قرب الحدود المصرية. والأخطر أنها لا تبعد سوى نحو مائتي ميل عن الشواطىء الجنوبية لأوروبا، حيث حولها «داعش» إلى معقل لتدريب الوافدين من شمال إفريقيا للانضمام إليها، قبل استعادتها من قبل الجيش الليبي المدعوم بانتفاضة أهالي المدينة ضد مقاتلي «داعش».
بعد حادثة غرق السفينة سالفة الذكر، لكأنما حالة طوارىء أعلنت في صفوف المستوى السياسي الأوروبي، فعلى مدى أكثر من أسبوع، كان هذا الموضوع الشغل الشاغل للقادة الأوروبيين الذين تداعوا على مدى اسبوع لوضع خطة طوارىء لمواجهة تحدي السيل الجارف للمهاجرين غير الشرعيين من صوب ليبيا. ولا غرو أن يلقي هؤلاء بكل ثقلهم في مفاوضات المغرب لإجبار أطراف الصراع الليبية على إنهاء حروبها واستعادة النظام فيها، حيث داوم على حضور جلسات الحوار سفراء كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، كمراقبين وضاغطين باتجاه تحقيق هدفهم المحدد سلفاً. ومع ذلك، فإن من المشكوك فيه أن تنجح هذه الجهود لإحلال السلام في ليبيا في ظل سيطرة الغوغاء وحجم الدفق الإرهابي وأكوام الأسلحة المنتشرة على نطاقات غير قابلة للاحتواء بهذا المستوى من التدخل.
7 اغسطس 2015