لا مجال للتعجب هنا، فقد ألفنا المفارقات، والاستعصاءات، والشعارات، كلها تكاد تبدو وكأنها منتمية الى تراثنا، لم يكن غريباً بالمرة إذن ان تمر علينا الكثير من الوقائع إما مرور الكرام، او مصحوبة بلامبالاة او بما يجعلها تسمى بغير اسمائها، او مقرونة بكثير من صور اللامعنى، وإللا معنى هنا في اصلها ومنتهاها جرح بل جروح شاخصة امام الأعين تستنزفنا،،!!
نتوقف عند أمثلة لهذا النوع من الوقائع، أمثلة ليس إلا، احسب انه يصعب على المرء ان يهضمها، او يتقبلها.
ومن لديه القدرة على الغربلة والفرز والتحليل والربط بين الأشياء يستطيع التسرع وتحمل مسؤولية التأكيد بان ليس ثمة رؤية، او خطة، او أفق لمعالجات صائبة لكثير من هذا الذى يجري أمامنا، وبان الحاجة تفرض يقظة للضمائر والمسؤوليات، والحقوق والواجبات، وتفرض التوقف فوراً عن ممارسة ما يحقر المنطق ويشجع على الإبداع فى الرداءة..!!, الرداءة في كل مجال وميدان، في التفسير والتبرير والمعنى والمراوحة والتنكيد والخلاصة.. وحتى في ارتياد ثوب الفظيلة..!!
نعود الى الأمثلة، فى هذا السياق يمكن ان نتذكر ونذكر بتلك الضجة والكلام المشوش الذى أثير على خلفية موضوع العشرة ملايين دينار التى قيل بانها خصصت فى الموازنة العامة لإنشاء ملاعب كريكت فى هذه الأجواء التقشفية التي ما انفك مسؤولون كثر يذكروننا بها، لسنا في حاجة للاستفاضة وعرض كل مظاهر الضجة التي رافقت تداول هذا الموضوع، من نواب، وكتاب، ومؤسسات أهلية، ونشطاء من خلال كل وسائل التعبير والتواصل والمجالس، وكيف تحول هذا الموضوع الى قضية رأي عام، اكتشفنا بعدها “ ان هناك من تلاعب بالناس وضللهم، لانه لم يكن هناك من الأصل مشروع لإنشاء مثل هذه الملاعب ..! “، وكل ما هنالك ان هناك مخصص مالي فى الميزانية بقيمة 50 الف دينار لإعداد دراسة جدوى سيتحدد فى ضوئها ما اذا كنا بحاجة الى هذا المشروع ام لا ..!! هذا ما أكده للرأي العام أخيرا وفي مؤتمر صحفي وزيرا الإعلام والشباب.
علينا ان نلاحظ ان اللغط حول المشروع استمر أسابيع، وان الصمت حيال توضيح حقيقة المشروع ان كانت هي الحقيقة فعلا استمر طيلة هذه الأسابيع، لم يخرج مسؤول واحد ليوضح، ليقولنا ماهي الحقيقة، لم يصدر حتى بيان من عشر او عشرين كلمة ليقول للرأي العام بان مايتداول غير صحيح.. صمت المسؤولين المعنيين طيلة هذه الفترة كان حقاً صمتاً مريباً، بقدر ما كان التوضيح والنفي المتأخر مريباً وباعثاً على اكثر من سؤال؛ لماذا كل هذا الانتظار لكي تخرجوا للناس وتعلنوا ما ترونه بانه الحقيقة؟ وأين هى الشفافية التى يدعي الكل وصلاً بها؟ وهل تهدر أموال مهما كانت بسيطة في نظر المسؤولين من الموازنة العامة للدولة على دراسات جدوى لمشاريع لا تشكل يوماً أولوية للمواطن البحريني فما بالكم في هذا الوضع المالي والاقتصادي المقلق؟ الا يعد ذلك هدراً للمال العام وسوء ادارة وعدم إدراك للأولويات ..؟!
مثال آخر، هؤلاء النواب الذين أثاروا الكثير من الكلام حول وضعنا الاقتصادي الذي أنهكه العجز غير المسبوق في الموازنة العامة ، وتفاقم الدين العام، فقد وجدناهم مشغولين بموضوع رواتبهم التقاعدية وامتيازاتهم المالية ومنحوا انفسهم مع الشوريين والبلديين معاشاً تقاعدياً يضيف ضغوطاً مالية، من دون اي اعتبار لحقيقة الوضع المالي والاقتصادي ولحيثيات الرفض الحكومي لهذه الخطوة كونها تشكل مخالفة دستورية من جهة، وتتطلب كلفة مالية باهظة تستلزم ادخال تعديلات جوهرية على الميزانية العامة للدولة، وهنا نعود الى طرح الاسئلة: الا تشكل خطوة النواب هذه فى أبسط تحليل قصوراً لدى هؤلاء في فهم ثقافة الأولويات..؟
مثال ثالث، يتصل هذه المرة بشركة ممتلكات، وهي الشركة الحكومية القابضة التي لديها اكثر من 30 شركة تابعة تدير أملاك الدولة، اليس غريباً في ظل كل الزخم من الحديث عن الشفافية في ادارة وحماية المالية العامة، ان تمتنع والكلام هنا لرئيس لجنة التحقيق البرلمانية بشأن تدهور الأوضاع المالية والادارية بالشركة احمد قراطة وهو كلام موثق ومنشور لم يعقب عليه حد من الشركة بالرد والتوضيح، نقول اليس غريباً ان تمتنع الشركة بالاستجابة لتوصيات اللجنة بالكشف عن المساهم الذي ورد ذكره في المادة “ 1 “ من النظام الأساسي للشركة، والتوصية الداعية الى الوقوف على سبب استمرار صرف مكافآت اعضاء مجلس ادارة الشركة دون تسمية هذا المساهم، والتوصية التى اريد منها معرفة سبب عدم تزويد ديوان الرقابة المالية والادارية بما يفيد عرض قرارات مجلس الادارة السابق واللجان المنبثقة عنه والتي يفترض إضفاء الصفة الشرعية عليها من جانب مجلس الادارة الحالي..!! ، والسؤال الذي يفرض نفس هل ممتلكات محصنة من الرقابة والمساءلة..!
تلك أمثلة او عينة ليس إلا، فهناك الكثير مما نطالعه على صحائف الواقع، وهو أمر لا يدع مجالا للشك بان ثمة غلطاً او خللاً فى مجريات أمور واقعنا واجب الرصد والتشخيص والمعالجة، وتفعيل قيمة المساءلة، اكثر من حاجتنا الى نيات وكلمات وتصريحات إنشائية..!!
23 يونيو 2015