هل اصبح المواطن «الطوفة الهبيطة».. هذا المواطن المنشغل والمشغول والمنهك فى البحث عن فرصة يحسن فيها وضعه ودخله، هل بات عليه ان يتهيأ من الآن فصاعداً لتقبل ان تسلب منه حقوقه فى اي وقت، وقبول ما يردد الآن من أولئك الذين لا يكفون عن الإلحاح لما أسموه ب «التضحيات الجدية»..؟، وهل هذه «التضحيات» او الحسابات الجديدة او الجدية يفترض ان يكون المواطن ضحيتها، او تأتي على حسابه، وكأن ثمة من يتلاعب بشعوره، أو يقف له بالمرصاد كي يفقد كل منجز او مكسب معناه..؟
خيبة أمل إذاً.
حتى الآن على الأقل يبقى الأمل فى معالجات حصيفة لا ترهق المواطن ولا تضيق الخناق عليه، ولا تجعله أسيراً لهواجس مقلقة، نحن لاننسى العناوين العريضة وتلك التصريحات البراقة التى ما انفكت تبشرنا بان المواطن أولوية، وبأنه خط احمر، وكل ما فى القائمة من احلام مضخمة وشعارات، ولكننا – وهنا بيت القصيد – لا ننسى تلك التلويحات والتهديدات التى جاءت على خلفية رفض مجلس النواب بأغلبية ساحقة لمرسوم برفع الدين العام الى 7 مليارات دينار، والتى حملت فى ثناياها ما ينبئ بان ثمة استحقاق قد يحط أخيرا فى الأفق القريب، استحقاق يوقف مشاريع، ويمس بدل السكن وعلاوة الغلاء، وعلاوة تحسين معيشة المتقاعدين، وربما غيرها من مكتسبات باتت من الثوابت الأساسية لحقوق المواطنين.
المكتوب يقرأ من عنوانه، والعنوان الذي نقرأه الى الآن، ان تلك المكتسبات قد تتبخر فى اي لحظة، يكفي ان نتوقف عند تصريح وزير المالية، فمعاليه حذر بانه لا حل ولا خيار سوى تمرير الرسوم، والسماح بالاقتراض ورفع الدين العام، هذا اذا أراد النواب المحافظة على مكاسب المواطنين.. ، ذلك كلام منشور وموثق، لانظن ان احداً من البحرينيين استقبله بارتياح، بل بكثير من القلق المقرون بكثير من الدهشة والاستغراب، خاصة حين نتابع تحذير مصرف البحرين المركزي من «انعكاسات خطيرة لرفع سقف الاقتراض على الاستقرار المالي والاقتصادي»، والبنك فى رده على اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب يرى بان «زيادة الاقتراض سيوصل الدين العام الى مستوى عال يفوق الحدود الآمنة، مما سيؤدي لا محالة الى تخفيض التصنيف الإئتماني للبحرين، وان ارتفاع كلفة الاقتراض الى مستويات عالية سيؤدي الى تأثيرات على العملة البحرينية، والأجيال القادمة، والاقتصاد الوطني».، وهذا ايضا كلام منشور وموثق ويمكن الرجوع اليه فى اي وقت، والذين أذهلهم هذا وذاك الكلام لا احسب انهم فى حاجة الى ان يقررون بوضوح وضمير مستريح كم نحن فى معضلة، وكم نحن أيضاً بحاجة الى إخضاع السياسات والتصرفات المالية الى مراجعه جديه، والى نقاش عام، وما يفترض ان يقترن بذلك من مراقبة ومساءلة وحصافة.
لايكفي ان يذكرنا النواب بصلاحياتهم الدستورية وهم يرفضون مرسوم سقف الدين العام، ولا تكفي تصريحاتهم المعبرة عن مواقف تدافع عن مكتسبات المواطنين وتعتبرالمساس بها خطا احمر، وفى مقدمتها بدل السكن وعلاوة الغلاء وعلاوة تحسين المعيشة للمتقاعدين، وعلاوه ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يكفي ما ذهب اليه بعض النواب من رفض اخضاع القضايا التى تخص التشريعات لمساومات يكون ضحيتها المواطن، وكأنها نوع من العقاب للنواب لعدم تمريرهم رفع سقف الدين العام، بل الأهم من ذلك الآن هو التركيز على الدور الحقيقي للنواب، وهو الدور التشريعي والرقابي، وبذل الجهد المطلوب من اجل تحصين القرارات الخاصة بتلك المكتسبات بتحويلها الى قوانين، قوانين ثابتة لا يغيرها او يعدلها او يلغيها وزير، او سياسات طارئة غير مدروسة، هذا هو الجهد المطلوب من النواب بدلاً من التركيز على الرغبات غير الملزمة، ويعلم الجميع ان هناك من النواب من أسرفوا فى تبني وتقديم عشرات الاقتراحات برغبة التى تدغدغ مشاعر المواطنين، ولا يكترث لها المسؤولون المعنيون أياً تكون مراتبهم فى المسؤوليات والصفات، رغبات مخرجاتها بالنهاية صفر..
هل يمكن ان يتحرك النواب فى الاتجاه المأمول..؟، هل بمقدورهم حقاً ان يدافعوا عن تلك المكتسبات ويجعلوا الدفاع عنها خطا احمر..؟ وان يجعلوا البحرين بمنأى ان تكون «يونان الخليج»، ام تكون وقفتهم او صرختهم مجرد صرخة فى واد، ثم هل الحكومة بالرفض النيابي قد أخلت مسؤوليتها لحلحلة الأزمة المالية الناتجة عن تدني اسعار النفط..؟ ام هي بحاجة الى مراجعه تضبط الانفاق وتحّسن صرف الاموال، وتقف مغارات الهدر بشكل جاد وجريئ، وأين هى المصداقية فى تصريحات بعض الوزراء الذين لازالوا يؤكدون بانه لن يكون هناك تأثير لهذا التدني فى اسعار النفط على المواطن وعلى خطط ومشاريع التنمية..؟، وهل الميزانية العامة بامكانياتها غيرالمعلومة حتى الآن ستفرض تغييراً جذرياً يؤدي الى تحقيق أسلوب تنموي فعال خال من أوجه الهدر والتبذير والتجني على الموارد والمكتسبات..؟، تلك وغيرها اسئلة تفرض نفسها، ومعها بطبيعة الحال سؤال نائب رئيس مجلس الشورى جمال فخرو: لماذا نقترض اكثر من حاجتنا..؟
لننتظر، ننتظر التطورات والمواقف، والشيء الذي نعرفه جيداً الآن اننا جميعاً أمام هواجس البدائل والأثمان التى نأمل الا تجعل المواطن «الطوفة الهبيطة» وتجعله على موعد غير مضروب لمساومات ومفاجات و«مفاجعات» لم تكن في الحسبان . ، وهذا كلام موجه للجميع من دون استثناء.