أوضحنا في
مقال سابق كيف أن تنظيم القاعدة، كمنظمة حربية تسعى للوصول إلى السلطة
بالقوة المسلحة، أضحت موضوعاً عالمياً شائكاً لا ينقصه الغموض، خصوصاً بعد
الهجمة “العنترية” التي شنها التنظيم تحت أسماء مختلفة في العراق وسوريا
ومصر .
الآن ومع ظهور بوادر عودة “الطيور المهاجرة”، أي عودة
“الجهاديين” الأجانب إلى البلدان التي قدِموا منها، وبضمنها الولايات
المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، تُرى كيف سيبدو المشهد العام “للحالة
القاعدية” إقليمياً ودولياً؟ . . هل سيزداد غموضاً أم أن بعض طلاسمه سيتم
تفكيكها؟
من مصر مثلاً التي تعاني اليوم ذيول ما سُمي ب”مؤتمر نصرة
سوريا” الذي عُقد باستاد القاهرة في 15 يونيو/ حزيران 2013 برعاية المعزول
محمد مرسي والذي ألقى فيه خطاباً طائفياً تحريضياً أعلن فيه أمام قادة
الجماعات السلفية في مصر وخارجها، قطع العلاقات مع النظام السوري على
الهواء، وأن القتال إلى جانب الشعب السوري واجب، وأن مصر ستدعمهم بالمال
والمؤن، فيما كان قد سبقه القيادي في الجماعة صفوت حجازي بالاعتراف الصريح
في مقابلة تلفزيونية بأنه أرسل للمقاومة السورية السلاح والرجال، نقول من
مصر لا أحد يعرف أعداد مَن تم الدفع بهم في ذلك الجحيم، ولا أين انتهى
وسينتهي بهم المصير داخل مصر . علماً بأن مصر كانت قد عانت الأمرين قبل ذلك
من تجربة “الجهاد الأفغاني”!
يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/ كانون أول 2013
نسبت صحيفة “التلغراف” البريطانية إلى مصادر استخبارية بريطانية بأن
المقاتلين البريطانيين الذين توجهوا إلى سوريا للقتال في صفوف فروع تنظيم
القاعدة هناك يشكلون العدد الأكبر من المقاتلين الذين توجهوا من كافة
البلدان الغربية للقتال إلى جانب هذه التنظيمات الإرهابية، إذ يصل عددهم،
بحسب تلك المصادر، إلى 400 مقاتل من اجمالي عدد المقاتلين الغربيين البالغ
1700 مقاتل، معربة عن خشيتها من عودة هؤلاء إلى بريطانيا وتنفيذ أعمال
إرهابية فيها بعد أن تدربوا هناك على تكتيكات وتقنيات تنفيذ الأعمال
الإرهابية .
وفي السابع عشر من فبراير/ شباط 2014 نسبت نفس الصحيفة
البريطانية إلى أحد المنشقين عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام
(داعش) عبر لقاء أجرته الصحيفة معه على الحدود التركية السورية، إلى أن
القاعدة تقوم بتدريب المقاتلين القادمين من أوروبا ومن بريطانيا الذين قدّر
عددهم بخمسمئة مقاتل بريطاني، على كيفية تجهيز السيارات المفخخة والأحزمة
الناسفة، وغسل أدمغتهم ودفعهم للعودة إلى بلادهم لتنفيذ عمليات إرهابية
فيها .
وفي السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2013 نشر “معهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى” دراسة أشار فيها إلى تقديرات أعدها المركز الدولي
لدراسات الراديكالية حول أعداد المقاتلين الأوروبيين في سوريا، مقدراً
إياهم ب 1937 مقاتلاً قدِموا من فرنسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا وفنلندا
والسويد والدنمارك وإيرلندا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا وسويسرا ولوكسمبورغ
وبريطانيا وأستراليا، بخلاف الكنديين والأمريكيين . وهنالك تقديرات لمصادر
أخرى تضع الأرقام الرسمية للأوروبيين والأمريكيين في خانة الأرقام
المتحفظة جداً!
ومع ذلك فلابد للمتابعين أن يكونوا قد لاحظوا إطلاق
الغرب فجأة رسائل تعطي الانطباع قصداً باستشعاره القلق من عودة مقاتليه
المحاربين في صفوف الجماعات التكفيرية في سوريا . فيما وجّه أجهزته
المحسوبة على الدولة العميقة، لأن تبدأ في إرسال رسائل “لمن يهمه الأمر” عن
جهود يبذلها الغرب إظهاراً لاستمرار التزامه بمكافحة الإرهاب، من قبيل
تعمد إعلان وزارة الداخلية البريطانية عن توقيف إمرأتين بريطانيتين تعملان
على تسهيل إرسال المقاتلين إلى سوريا، وذلك تزامناً مع انطلاق مؤتمر “جنيف
2″، وتوخياً لإبعاد شبهة دعم بريطانيا للمجاميع التكفيرية في سوريا . مع أن
الكل يعلم، على سبيل المثال لا الحصر، أنها ظلت تحتضن ياسر السري الذي قيل
أنه رجل أسامة بن لادن في بريطانيا، في ذات الوقت الذي كانت السلطات
المصرية تطالب بتسليمه لصدور حكم بالإعدام عليه في مصر .
عديدة هي
المصادر الأمريكية والأوروبية التي تربط بين الولايات المتحدة وحلفائها في
أوروبا الغربية وبين تنظيم القاعدة، ليس فقط اعتباراً بواقعة قيام ال”سي
.آي .إيه” بتشكيل التنظيم إبان الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وإنما إلى
ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول . من ذلك على سبيل المثال لا
الحصر، الدكتور كيفن باريت المحاضر الأمريكي المتخصص في اللغات والآداب
الإفريقية الذي اتهمته هيئة مناهضة التشهير الأمريكية بأنه يروج نظريات
المؤامرة المعادية للسامية في تناوله لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، يقول إن
منظمة القاعدة هي أهم وأضخم عملية مخابراتية تؤسسها أجهزة المخابرات
الغربية لتحقيق هدفين اثنين، الأول هو تحويل التطرف الإسلامي الذي ستقوده
القاعدة إلى بعبع عالمي، والثاني هو حماية مصالح “إسرائيل” . أما روبن كوك
الذي تقلد منصب وزير الخارجية البريطاني خلال الفترة من 1997 إلى ،2001
فيجزم بأن “بن لادن هو منتَج (بفتح التاء) أجهزة المخابرات الغربية، وإن
بحسابات خاطئة . وأما وزير الدفاع البريطاني السابق مايكل بورتيللو فينسب
إلى رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بنازير بوتو قولها إن بن لادن محسوب
على الأمريكان . والآن ظهرت في الغرب اتهامات جديدة للولايات المتحدة
ولحلف الناتو بأنهما تعاونا مع القاعدة في كل من ليبيا وسوريا” .
ومع
أنه لم تظهر حتى الآن أدلة دامغة على إعادة إحياء هذه العلاقة، إلا أن بعض
الشواهد الظاهرة والمعطيات المتفرقة تذهب إلى الترجيح بأن من المستحيل أن
يتم تنظيم إرسال هذه الأعداد الضخمة من مقاتلي القاعدة عبر المنافذ الرسمية
التركية إلى سوريا من دون رعاية وتسهيل الأجهزة الأمنية لدول حلف الناتو!
السذج وحدهم يمكن أن تنطلي عليهم كذبة مرور آلاف المقاتلين القاعديين عبر
المطارات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية للدول الغربية من دون أن تضبطهم
أعين أجهزتها الاستخبارية والأمنية .
ولأن أجهزة الحكومات الغربية
تعرفهم وتعرف محلات إقاماتهم والأماكن التي يترددون عليها، فإنها، وبعد أن
قارب “المولد على الانفضاض” في سوريا، تعمل حثيثاً، خلف الأضواء أساساً،
لترتيب عودة “سلسة” ومنظمة لهؤلاء، عبر تكثيف الاجتماعات واللقاءات الأمنية
التنسيقية، ومنها الاجتماع الذي عقدته لهذا الغرض تنسيقيات الأجهزة
الأمنية الأوروبية مع دول عربية وتركيا، وذلك من أجل تفادي عودة مشوبة
بالفوضى يمكن أن تفضي إلى أوضاع أمنية خارج سيطرة وتحكم الأجهزة في إدارة
هذه العملية الأمنية الكبيرة، ومن ثم التحسب لمقابلة عواقبها الخطرة على
الأمن الوطني لكلٍ من تلك البلدان التي غضت الطرف عمداً عن توجه مواطنيها
لجبهة القتال . إنما السؤال: هل يطابق حساب الحقل حساب البيدر؟