■ شهدت المنطقة منذ 2011 ما يعرف بظاهرة «الربيع العربي» وما رافقها من
أحداث جسام، ما تقويمكم لهذه المرحلة، وماذا عن انعكاساتها على سوريا،
بوصفها قلب المشرق العربي؟
– أنا لا أستعمل وصف «ربيع عربي»، الذي صنعته الإدارة الأميركية من أجل
تغطية حقيقة الثورات التي اندلعت في بعض الأقطار العربية بقصد التغطية على
هذه الأحداث الكبيرة. لذلك هم أرادوا تصويره على غرار «ربيع براغ» عام 1968
في مواجهة الاتحاد السوفياتي. أنا أفضل استخدام تعبير ثورة التقليدي، فما
شهدناه هو نوع من الثورات. وأعتقد، في هذا السياق، أنه حصلت ثورات حقيقية
وأخرى مفبركة. الحقيقية اندلعت في تونس ومصر واليمن والبحرين. إنها ثورات
حقيقية وإن كانت ثورات منقوصة. لقد خرجت فيها الجماهير بالملايين ووحدت
فعلها لتحقيق أهداف سياسية معينة، وحركتها تناقضات داخلية وخارجية، إذ لا
يمكن أن نصدق أن الولايات المتحدة تملك القدرة على تحريك هذه الجماهير.
أهم أسباب هذه الثورات هو الأزمة الاقتصادية العالمية، التي تضرب الأطراف
أكثر من المراكز الامبريالية، وطبيعة الأنظمة المافيوية القائمة التي تؤدي
خدمات للإمبريالية والتي قادها حكامها إلى التراجع المريع على الصعد كافة.
افتقرت هذه الثورات إلى التنظيم الكافي، ولجأت الإمبريالية الأميركية
والرجعية النفطية، التي ارتعدت فرائصها من حركة الجماهير، إلى محاولة
استيعاب تحديات المرحلة المتمثلة في حركة الجماهير الثورية وتنامي محور
الاستقلال (سوريا، إيران، روسيا، الصين ودول البريكس). فشنت عدواناً ناعماً
على الجماهير المنتفضة وتحركت لضرب الدول العربية الخارجة عن سيطرتها.
وبدأت بغزو ونهب ليبيا وتفكيك مجتمعها، وانخدع الكثير من المثقفين بهذا
المخطط الإمبريالي الذي بادر الرئيس الكوبي فيدل كاسترو إلى كشف حقيقته عبر
مقالات عدة نشرها في الصحافة في وقت مبكر. ضرب ليبيا كان «بروفا» لضرب
سوريا، قلب محور الاستقلال، لكن الامبريالية اصطدمت بحقائق أن سوريا مجتمع
معقد حضاري مدني يملك اتصالات واسعة وحلفاء أقوياء، وحقيقة أن سوريا محورية
في الإقليم ولها دور قومي تحرري يتمثل في الممانعة ودعم المقاومة، إلى
جانب امتلاكها جيشاً قوياً على الأرض. وقد وفرت له روسيا والصين الغطاء
الدولي عبر الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن، الذي فاجأ الغرب.
هذه الحقائق دفعت الإمبريالية إلى تبني سيناريو قوات الكونترا لبث الخراب
في سوريا عبر تجنيد ما يفوق 100 ألف إرهابي سهلت دول الجوار حركتهم متسلحين
بخطاب طائفي مقيت، أملاً بانضمام قطاعات واسعة من الجيش إلى صفوفهم،
ورافقت هذا الإرهاب المنظم من قبل عقل كوني واحد، هو الاستخبارات المركزية
الأميركية، حرب اقتصادية غير مسبوقة وهجمة إعلامية شرسة، إلى جانب الهجمة
العسكرية الهائلة. واستطاع النظام السوري، رغم إشكالاته، أن يصمد ويحوّل
المعركة لمصلحته، ويعود الفضل في هذا الصمود إلى الجيش العربي السوري،
وبرأيي، أن الرئيسين، حافظ وبشار الأسد، استطاعا بناء جيش حقيقي، تمكن من
مجابهة هذه المؤامرة الكبرى.
وبعدما أدركت الولايات المتحدة عدم قدرتها على إعادة إنتاج هيمنتها، فتحت
خطوط اتصال مع سوريا وإيران وروسيا، لتحقيق تفاهم صراعي، ينقذ ما يمكن
إنقاذه.
■ انتقلت العلاقة السورية من التناغم مع السعودية، وهو ما تجسد في فترة
من خلال معادلة س – س، التي حكمت الشأن اللبناني، إلى صراع مفتوح بين سوريا
والمنظومة الخليجية، كيف ترون مسار تطور هذه العلاقة وممكناتها؟
– أعتقد أنه كان لدى السعودية فرصة ذهبية منذ عام ونصف عام للتفاهم مع
سوريا بما يرضي الطرفين، عندما تبيّن أن المعارضة لم تكن قادرة على اسقاط
النظام، وبرزت في الوقت عينه فكرة عدم قدرة النظام على إلغاء المعارضة،
لكنها أصرت، إلى جانب قطر وتركيا، على المضي في حربها على سوريا.
السعودية تتصرف اليوم بيأس قاتل، وهي تدرك أنها لن تستطيع اسقاط نظام دمشق،
لكنها تواصل صراعاً عبثياً، وهي ماضية صوب الانتحار الذاتي. وستكون نتيجة
هذه السياسة الإرهابية الإجرامية اللاعقلانية وخيمة جداً على السعودية
نفسها. السعودية الآن، لا سوريا، في مأزق. وإذا كانت قطر قد استطاعت، عبر
إطاحة الحمدين، أن تنجو بنفسها من أتون النار السورية، فإن المسؤولين
السعوديين لم يدفعوا الثمن بعد، وبتقديري أن الأمين العام لمجلس الأمن
الوطني بندر بن سلطان، ووزير الخارجية سعود الفيصل انتهى دورهما، وخروجهما
من السلطة مسألة وقت.
■ تركيا أردوغان تحولت من التحالف مع سوريا وعلاقات جوار طيبة بموجب
سياسة «صفر مشاكل» إلى دولة تمثل عبئاً على حلفائها بعد تراجع مد الإسلام
السياسي على مستوى المنطقة، وانطلاق احتجاجات اجتماعية واسعة ضد الحكومة
يعتقد الكثيرون أنها تؤذن بانتهاء الحقبة الأردوغانية، ما رأيكم؟
– تركيا دولة كبيرة وأمة أساسية في المنطقة، نسيجها الاجتماعي أكثر إشكالية
من النسيج المصري على سبيل المثال، ورغم كونها فسيفساء إثنية وثقافية،
استطاعت الدولة التي بناها أتاتورك الحفاظ على تماسك المجتمع نسبياً. إلا
أن هذا لا يجعلنا نغفل عن وجود صراع طبقي وثقافي محتدم بين الطبقة العاملة
والرأسمال من جهة، والقوى العلمانية والإسلاميين من جهة أخرى، يرافقها
مديونية متزايدة، واستغلال مقرون بالاضطهاد القومي.
أعتقد أن الأمور في تركيا مرشحة للتفاقم، وربما ينشأ وضع ثوري، يشعل شرارته السياسية التركية العدوانية تجاه سوريا.
وباعتقادي أن صمود سوريا ويقظة الشعب المصري أفشلا المشروع الأردوغاني
الإخونجي الأحمق، الأمر الذي سينعكس كارثياً على أردوغان. ونأمل أن تتولى
قيادة جديدة حكيمة دفة الأمور وتنسج علاقات طيبة مع الجوار.
■ ما رؤيتكم إلى الأوضاع في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وإلى أين تتجه؟
– العراق ما زال محتلاً، والنظام الذي أنتجه المحتل الأميركي ما زال
قائماً، وهو نظام طائفي استبدادي يغلف نفسه بالانتخابات، والدستور الحالي
يكرس الطائفية، ورغم تقديرنا لمساندة إيران للدولة السورية في أزمتها،
ودورها في دعم حزب الله في لبنان، إلا أننا ينبغي ألّا نغفل عن وجود نفوذ
إيراني مكروه من قطاعات واسعة من الشعب العراقي.
هذا النفوذ، من الجانب الآخر، هو الذي يدفع العراق إلى تبني موقف مقبول من المسألة السورية.
العراق فاقد استقلاله، إلا أنه ينبغي أن نلحظ أن ما يسمى المعارضة العراقية
هي أسوأ من نظام الاحتلال، وهي عبارة عن أدوات تحركها السعودية، وتمارس
الإرهاب التكفيري، من خلال استهداف المواطنين العزل، مؤججة صراعاً طائفياً
بغيضاً. فمثلاً ألحق عزت الدوري نفسه بالخطاب الوهابي السعودي، وتدهورت
المقاومة إلى ميليشيات قاعدية، هدفها القضاء على ما بقي من الدولة
العراقية.
بتقديري أن الآفاق في العراق مسدودة، في ظل دولة طائفية، تعارضها جماعات تكفيرية فاشية معادية للشعب العراقي.
■ طرح «اللقاء المشرقي» الذي عقد أخيراً في بيروت مشروع وحدة المشرق
العربي (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق) في كيان اقليمي واحد له
ثقله وقدرته على إدارة علاقاته الدولية من موقع الندية بوصفه هدفاً نضالياً
للجماهير العربية في المرحلة المقبلة في ظل «فراغ القوة» الذي تعيشه
المنطقة، ما رؤيتكم إلى ممكنات وآفاق تطوير هذا المشروع؟
– يرمي «اللقاء المشرقي» في جانب منه إلى مجابهة التكفيريين والمخطط الصهيو
– وهابي إلى جانب الحفاظ على التنوع الثقافي والديني في المشرق، بمعنى
الحفاظ على مدنية المشرق، وهو بهذا المعنى، مشروع تقدمي.
هذا المشروع مدعوم من قوى تريد مجابهة التحديات المشرقية الراهنة، لكن
إمكانية تحقيقه مرتبطة بهزيمة الكيان الصهيوني والوهابية والإمبريالية،
ونتمنى أن يتحقق في سياق الوحدة العربية، مع ملاحظة أنه لا يمكن إغفال دور
مصر، قلب الأمة النابض، وتأثيرها في المنطقة، وفي الأحداث في سوريا على وجه
الخصوص.
■ أعرب «إعلان بيروت» عن تضامنه مع الدولة والمجتمع السوريين في مواجهة
العدوان الذي تشنه الامبريالية الاميركية وحلفائها الصهاينة والرجعيين
العرب والعثمانيين الجدد والتيار التكفيري الارهابي، إلى أي حد تعتقدون أن
شكل الحل في سوريا سيؤثر على سائر المنطقة؟
– سوريا قلب المنطقة وهي المؤثر الأساسي في المستقبل المنظور لكل المشرق
العربي، وشكل الحل في سوريا سيكون اثره على الأردن ولبنان والجزيرة العربية
ومصر وتركيا وايران، والصراع فيها عالمي الطابع، إذ أراد الأميركان تجديد
هيمنتهم على العالم، والمعركة في سوريا هي في هذا السياق، لكنهم اندحروا
عند أسوار دمشق.
هذا الانحدار، أنتج واقعاً برزت فيه قوى جديدة لا تنصاع للولايات المتحدة
وتجابهها، وهو واقع لا يمكن اغفاله، دفع الغرب الامبريالي للاعتراف بهذه
القوى وأخذ مصالحها بعين الاعتبار.
أعتقد أن الحل في سوريا يحتاج إلى تفاهم روسي – أميركي، ومفاوضات مباشرة
بين الدولة السورية والعربية السعودية وإيران، وينبغي أن يقتصر الحضور في
«جنيف 2» على هذه الأطراف.
وبتقديري أنه في غياب التفاهم مع السعودية، رغم دورها التدميري في سوريا،
فإن المرتزقة الذين يغذيهم مال النفط السعودي، سيستمرون في مسعاهم لتحطيم
الدولة السورية.
وأخشى، على صعيد آخر، أن توازن الرعب الناتج عن صمود محور المقاومة، يمكن
أن يؤدي إلى إعادة تقسيم النفوذ في المنطقة، على غرار ما حدث بين الاتحاد
السوفياتي والولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تطلق
بموجبه يد «إسرائيل» في الأردن وتكريسه بوصفه مستعمرة إسرائيلية، بالنظر
إلى أن محور المقاومة، الذي انهكته الأزمة السورية، من المستبعد أن يدخل في
مواجهة ضد العدو الصهيوني دفاعاً عن الأردن الذي سلّم القائمون على سياسته
الخارجية أوراق قوته لحلفائهم الخليجيين في ظل هيمنة الحليف الأميركي.
وفي ظل هذا المناخ الإقليمي، من غير المستبعد، أن تقوم «إسرائيل»، التي
تواجه مشكلة ديموغرافية مع الفلسطينيين، بتكريس احتلالها لكامل فلسطين،
وتهجير موجات جديدة من اللاجئين إلى الأردن، تحقيقاً لفكرة يهودية الدولة
العبرية.
في المقابل، يتعيّن على الدولة السورية إطلاق حوارات وطنية معمقة مع القوى
الوطنية المنتجة، والسير بجدية في البرنامج الإصلاحي الذي أعلنه الرئيس
بشار الأسد، للنهوض بمهمة إعادة الإعمار وتمتين الجبهة الداخلية وإحياء
سوريا التنموية، بمعنى إعادة تحالفات الدولة مع البرجوازية الوطنية والطبقة
العاملة وطبقة الفلاحين وسائر القوى الاجتماعية المنتجة.
■ إثر التطورات التي شهدتها المسألة السورية، ودور موسكو الفاعل في
أحداثها، قدمت مقاربات مختلفة، من خلفية ماركسية وقومية، لدور روسيا الصاعد
في المنطقة وعلى المسرح الدولي، منها من ذهب إلى كون روسيا امبريالية في
طور الصعود أو دولة قومية تسعى للحفاظ على مصالحها، ما تحليلكم للوضع
الحالي في روسيا، ودورها الدولي؟
– تبنت روسيا منذ ثورة أكتوبر سياسة دفاعية وهذا ما كرسه الزعيم البلشفي
لينين وأيضا ستالين واستمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذه السياسة
الدفاعية، كانت في مواجهة الغرب الإمبريالي الذي لطالما استهدف روسيا وحاول
تفكيكها، وأذكر هنا مقولة بريجنسكي «لقد استطعنا تفكيك الاتحاد السوفياتي
وجاء دور روسيا». أصيبت روسيا بخلل كبير في عهد الرئيس يلتسن، إلا أن
بوتين، القادم من قلب المؤسسة الأمنية، اتخذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على
وحدة وتماسك الدولة الروسية، ونلحظ هنا، التحرك البارع الذي قام به حيال
النزاع مع جورجيا حفاظاً على المصالح القومية الروسية. هذه الحالة الدفاعية
التي تتبناها الدولة الروسية، لم تشعر بالتهديد في الحالة الليبيبة، إلا
أن اتساع رقعة التهديد الإمبريالي ليطاول سوريا، وهي آخر معاقل تحالفات
روسيا في المنطقة، ولّد قناعة عند القيادة الروسية، بأن سوريا خط دفاع
أساسي لموسكو في مواجهة تنامي المجموعات التكفيرية في روسيا ومحيطها.
بتقديري أن الحديث عن طبيعة التطورات المستقبلية في روسيا ما زال مبكراً،
وأعتقد أن أزمة الرأسمالية العالمية لن تساعد على تحول روسيا إلى قوة
إمبريالية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. من ثم فإن التحالف الروسي الإيراني
السوري هو تحالف دفاعي في المقام الأول. وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن
تخوفات مستقبلية من ممكنات تطور روسيا، ضربا من الهراء النظري.
■ الصين أيضاً تخلت عن حيادها السياسي ومثّلت ثنائياً متناغما مع روسيا
في مجلس الأمن في صد التهديدات الإمبريالية ضد دمشق، ما تحليلكم للوضع في
الصين، ودورها في المشهد الدولي؟
– الصين عالم قائم بحد ذاته، ولا تملك تاريخاً استعمارياً، ولا تمثل
تهديداً لأحد، وهي لطالما استهدفها الغرب الإمبريالي، في محاولة منه
لتفكيكها. وفي سياق مجابهة العدوانية الغربية، أدركت بكين أن سوريا هي خط
الدفاع عن كل الدول الصاعدة، وهذا ما دفعها للتحالف مع روسيا، الأقوى
عسكرياً.
تحتاج الحالة الصينية إلى التأمل قبل إصدار الأحكام، فالقطاع العام يؤدي
دوراً أساسيا في تشغيل القوى العاملة الصينية في سياق تنموي يثير الإعجاب،
وما زال هو الموجه للقطاع الخاص. الصين، إذا، ليست حالة رأسمالية نمطية ولا
اشتراكية بالمعنى الكلاسيكي.
هناك إشكالات صينية تتمثل في وجود صراع طبقي محتدم ينعكس أثره على نشوء
تيارات متباينة داخل الحزب الشيوعي الحاكم، وتخفف المخلفات الماوية من
أثره، ومن المعروف أن الصين دخلت السوق الرأسمالي بزخم كبير، وتشابكت مع
الاقتصاد الأميركي بالذات، وأسهمت أحياناً في تخفيف وطأة الأزمة
الرأسمالية، وهي اليوم، جزء من المنظومة الرأسمالية.
■ الحديث عن إيران ودورها في المشرق محور استقطاب حاد بين الماركسين، ما رؤيتكم إلى الدور الإيراني في سوريا والإقليم؟
– إيران مجتمع حي نابض، وليست ألعوبة في يد الغرب والصهيونية، يحكمها نظام
طبقي يشهد صراعات متعددة بين العمال ورأس المال وبين العلماني والكهنوتي،
إلا أن هذا النظام، باتجاهاته التنموية وذكائه السياسي، استطاع أن يحافظ
على استقراره. ويكفيها أنها دولة مستقلة، وليست مجرد تابع للصهيو
إمبريالية. ولم تكن علاقتها مع سوريا دوما بالقوة التي نشهدها اليوم.
إيران في عهد الشاه لم يكن لها علاقة جيدة مع سوريا. وقد احتضنت سوريا
معارضة الشاه ودربتها ودعمتها. واستمرت هذه العلاقة الاستراتيجية معها بعد
سقوط الشاه. وينبغي ألا ننسى أن لإيران وسوريا عدواً مشتركاً هو الصهيو
وهابية. وفي ظل الهجمة التي تتعرض لها سوريا اليوم، تدرك إيران أن الحفاظ
على علاقات متينة مع دمشق، هو دفاع عن النفس في مواجهة العدوانية
الإمبريالية التي تستهدفها.
■ تلقى تنظيم «الإخوان المسلمون» ضربة قاصمة في مصر، انعكست على مجرى
التطورات السورية، ما تقويمكم لمستقبل مشروع الإسلام السياسي في المنطقة؟
– قوى الإسلام السياسي كانت دوماً أداة في يد الإمبريالية والقوى الرجعية
في المنطقة، التي استخدمتها في عدة مراحل في مواجهة حركة التحرر العربي،
وللتصدي للحركة الوطنية الأردنية الصاعدة في الخمسينيات. وكان لها دور فاعل
في انهاك الاتحاد السوفياتي عسكرياً في أفغانستان، تحت قيادة الاستخبارات
المركزية الأميركية التي دربت «المجاهدين» بتمويل من السعودية.
وأعتقد أن انتعاش مشروع «الإسلام السياسي» أخيراً في المنطقة بعد 2011
مرتبط بتفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا وقطر في مواجهة حركة الجماهير
الثورية التي اخترقت أميركا قياداتها المحافظة في مسعى للتعمية على مطالبها
الاجتماعية والاقتصادية، ونجحت مؤقتاً في ذلك. هذا النجاح تمثل في فوز
«الإخوان» في الانتخابات المصرية، ومن موقعهم الجديد في السلطة، كرسوا حالة
من الاستبداد الداخلي وعلاقات متينة مع الولايات المتحدة و«إسرائيل»،
محافظين في الأثناء على علاقات الإنتاج القائمة على التبعية للمركز
الإمبريالي. مؤامرة الاخوان ضد سوريا بدأت في مطلع الثمانينات، في محاولة
لتركيع الدولة السورية وإلحاقها في المعسكر الإمبريالي، وتصدت لها الدولة
بحزم آنذاك، وشهدنا كيف وجهت الحركة، غير مرة، في الأحداث الأخيرة دعوات
متكرررة لحلف الأطلسي لاحتلال سوريا. وقد تواطأوا أيضا مع الإمبريالية في
تحطيم ليبيا والعراق. وأرى أن الضربة التي تلقاها مشروع «الإخوان» في مصر،
وتنحية حلفائهم في قطر، وانكفاء تركيا بعد انهيار مشروعها السياسي في
المنطقة سيفتح المجال لإطاحة أوهام الخلاص الديني. ومن الواضح أن هناك
تنسيقاً كبيراً بين الامبريالية الأميركية والبريطانية والاخوان منذ نشأة
الحركة. وكان هناك تواطؤ جلي بين الاخوان والحاكم العسكري الأميركي بريمر
في العراق، وتواطؤ «الإخوان» والقاعدة مع الإمبريالية لتدمير ليبيا.
وأعتقد أن انكشاف مشروع الاسلام السياسي على حقيقته، بوصفه امتداداً لمشروع
تجديد الهيمنة الأميركية على المنطقة، وزوال سحره الخادع عن عقول الجماهير
هما خطوة كبيرة إلى الأمام، وفي ظني أن الحركة لن تستطيع تجديد نفسها، وإن
بقي تأثيرها موجوداً.