معادلة العدالة والمساواة والمواطنة، هي الرافعة التي تُعطِي وجوباً، وليس على أساس الوهب والتعطف من أي كان، كل ذي حق حقه، وميزانها الحاجة المُلبّاة في حدها الأدنى وبالتساوي، كون الفرد يتمتع بالمواطنة، فلا يجوع مواطن ولا يُمنع من العمل، ولا يُشرّد المواطن في غير سكن لائق، وتحفظ له الصحة وتقيه المرض، وتحفظ له كرامته الإنسانية، وتذود له عن حقوقه المدنية والسياسية، وحريته، وتراعي تطور حاجاته، بالسماع لمطالبه سواء الفردية أو الجماعية، وتحفظ له الحق في التظاهر والتجمعات، لتبيان أخطاء الحكومة وتصحيحها، كلما مالت إلى أي ٍمنها، وتحفظ للوطن هويته الوطنية الخالصة.
كل هذه الخدمات، الواجب على الحكومات تلبيتها للمواطن، هي ليست حروف نصٍ في دستور أو قانون، وإنّما هي بناء وجداني في نفس المسئولين، بانتمائهم للوطن وانسجامهم مع المواطنين، لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين على حد سواء، بما فيهم ذواتهم دون أدنى تمييز. وهي بناء وجداني في نفس المواطنين، ليستحصلوها حقاً من حكومتهم دون منة، وليس حسب هوى المسئول أو أحقاده، يمنحها لهذا ويمنعها على ذاك، فالمواطن، والمواطن فقط، هو الحكم في كل ذلك.
لقد عاينت الأجيال البحرينية المتعاقبة، جميع أنواع الحكومات إلا المنتخبة شعبياً منها، فالحكومة المعينة لا تحرص على خدمة المجتمع والمواطنين بالضرورة، بقدر ما تحرص على البقاء والاستئثار بالقرار والثروة والحصانة، من الوزراء والوكلاء ومساعديهم والمدراء إلى أصغر موظف في الدوائر الحكومية، من مثل شرطي يقتل مواطناً تحت التعذيب في السجون ويفلت من العقاب.
وقس على ذلك كل ما يعاني منه المواطن من سوء الخدمات، بدءًا من ضعف الرواتب ومشكلة السكن وضآلة المعونات الاجتماعية، وغيرها الكثير، إلى أن يصل الأمر إلى أمنه وسلامته، وهويته الوطنية، في مقابل إثقال كاهله برسوم غير معقولة مقابل الخدمات، بل تحتسب كما الضرائب، كل ذلك نتيجة النفوذ الفردي للمسئولين، وسموهم عن المحاسبة، عبر أمرين، الأول أن المسئول لا يحسب حساباً للمواطن، إلا وجوب الشكر على خدمات الدولة مهما ضؤلت، والثاني، أن المواطن ليس أمامه وسيلة للمحاسبة، ولا جهة يشتكي لديها عند تقصير المسئولين، ويجد آذاناً صاغية لشكواه، ومؤداها في أقل تقدير التحقيق مع المسئول، ومحاسبته حين تقصيره أو تعديه على المواطنين، بدل أن يُشَجّع على الإكثار من فائض ميزانية وزارته، لتُرفـَد بعض الجهات، ولنا في فائض فروقات أسعار النفط دليل على ذلك.
ومن حيث الرقابة والمحاسبة الشعبية لمسئولي الحكومة، يتوجب أن يكون للمواطن أداته الشعبية لذلك، وهي سلطته في انتخاب الحكومة، التي من خلالها يحجب عنها وعن أفرادها، ثقته عبر صناديق الاقتراع، فلا يعود أمام المسئول الحكومي إلا تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وإلا خرج من التشكيلة الحكومية، عبر طرح الثقة فيه بسحبها، وفي هذا عبرة له ولغيره، بما يصفي التشكيلة الحكومية، زمناً بعد زمن، كل ذلك تماشياً مع وجوب الشفافية في عرض أرقام الميزانية وتصرفات الحكومة فيها، استباقاً لكشف السرقات وممارسات الفساد التي ما عادت تخفى اليوم على أحد، فوسائل التواصل الاجتماعي، المتاحة على رغم التعتيم الإعلامي الرسمي، كشفت وستكشف، ما يجعل المعلومة معروفةً للعامة من المواطنين، وبما يجعلهم صائنين لحقوقهم.
فما دامت الحكومة معينة في حدود دائرة ضيقة، بما يجعل المواطنين موظفين لديها لقاء خدمات محدودة للعامة، ولمن والاهم، بالمكافآت بالتوزير والتوظيف في الإدارات، فأليس للشعب باتساع عدده وشموليته، الحق في اختيار حكومته، والولاية بهذه العملية الانتخابية؟
ولأولئك الطائفيين الذين يخشون غلبة الطائفة الأخرى، بدعوى عدم نضوج شعب البحرين السياسي، مقابل التبعية للطائفة، لتجربة مثل هذه، نرى حلاً لوساوسهم، وهي في الحقيقة امتناع عن التطوير الحكومي، بما يُبقي الوضع على حاله في تمييزهم، نرى الحل التطميني، في اعتماد فوز رئيس الحكومة وأعضائها، إذا ما حصلوا على أصوات تتجاوز تلك الغالبية الطائفية، ونفترض لها نسبة لا تقل عن 70-75 بالمئة من أصوات الناخبين، مع إلغاء مبدأ الفوز بالتزكية عبر الاستفراد بالترشح، فحتى المرشح الوحيد، لابد له من خوض غمار الانتخاب الشعبي، ليتحصل نفس النسبة، وإلا فيعاد الانتخاب، وبهذا لا يفوز أي منهم، ما لم يحز ثقة هذه النسبة من الشعب، حينها يسقط أي تبرير لرفض الحكومة المنتخبة، ولا خوف من الحكومة حينها، فهي محاسبة من الشعب بناءً على ما وعدت به في برنامجها الانتخابي، وإلا حَقّ للشعب سحب الثقة منها في أي وقت قبل الانتخابات اللاحقة، بطلب 30 بالمئة من الكتلة الانتخابية، ليستفتى الشعب على سحب الثقة منها باعتماد نفس نسبة انتخابها عاليه.
وموضوعة إلغاء الفوز بالتزكية، ووجوب حيازة المرشح على نسبة معينة من أصوات الناخبين، حتى لو كان مرشحاً وحيداً، تنسحب أيضاً على أية عملية انتخابية، سواء لنواب البرلمان أو المجالس المحلية، من البلديات والمحافظات. فالبحرين من بعد هذه التجربة الطويلة مع الحكومات المعينة والأزمات السياسية المتواصلة منذ عقود… لم يعد أمامها إلا الحكومة المنتخبة شعبياً.
الكاتب: يعقوب سيادي
صحيفة الوسط البحرينية - 30 أكتوبر 2013م