المنشور

ثلاث دعوات : لا تفرق بين الدولة والنظام



ثلاث دعوات أطلقت في يوم واحد، واحدة على لسان يوسف القرضاوي، الذي بات يوصف بأنه مفتي حلف الناتو، والثانية على لسان أيمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن في زعامة تنظيم القاعدة، والثالثة على لسان عصام العريان أحد زعامات الإخوان المسلمين في مصر .
دعا الأول الجنود المصريين إلى رفض تنفيذ أوامر ضباطهم في الجيش والتمرد على قادتهم، فيما اعتبر الظواهري ما يجري في مصر اليوم حرباً على الإسلام، داعياً المصريين إلى خوضها دفاعاً عن دينهم، أما العريان فقد دعا الغرب للتدخل في مصر لإسقاط النظام القائم وإعادة حكم الإخوان .
تبدو الدعوات الثلاث متلازمة ومترابطة، فحتى لو لم يكن الظواهري عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين اليوم، إلا أنه معني بالدفاع عن حكمهم المنهار، والدعوات الثلاث بمثابة إعلان حرب على الدولة المصرية، ففي حين يُحرض القرضاوي على الجيش المصري الذي هو في الظروف التي تمر بها مصر اليوم دعامة استقرارها وأمنها وحماية وحدتها، من خلال حثه الجنود على التمرد ضد قادتهم، ويحرض الظواهري على الدولة والمجتمع في مصر برمته، حين يجعل من إقصاء الإخوان عن السلطة بدعم شعبي واسع حرباً على الإسلام، فإن العريان يكمل الدائرة بالاستنجاد بالغرب لينقض على مصر .
جرى حديث كثير عن مدى بعد تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والإسلام السياسي عامة عن الروح الوطنية المصرية، ففلسفة التنظيم الدولي للإخوان العابرة للحدود لا تولي الكيانات الوطنية للدول عناية أو اهتماماً، وتبدو هذه التصريحات الثلاثة متناغمة في إظهار هذا التوجه، الذي لا يفرق أصحابه بين خصومتهم السياسية للنظام القائم حالياً في مصر وبين الولاء لمصر: دولة وكياناً وتاريخاً ومؤسسات، وبالتالي فإن أصحابها لا يجدون غضاضة في إعلان الحرب، لا على النظام وحده، وإنما على الدولة ذاتها .
فلا يضير القرضاوي أن يتفكك الجيش المصري حين يحرض جنوده على عدم الطاعة، والظواهري لا يضيره أن تنزلق مصر إلى اقتتال داخلي حين يصور الأمر حرباً على الاسلام، أما العريان فيذهب إلى ما هو أبعد، حين يدعو لانتهاك السيادة الوطنية لمصر واستقلالها بالدعوة الصريحة لتدخل الغرب في تقرير مصير التطورات السياسية فيها، مع ما تمثله مصر من ثقل وازن في الخريطة الإقليمية والدولية، ومع ما تعنيه سيادة مصر واستقلال قرارها الوطني من مكانة في ضمائر المصريين وأفئدتهم .

اقرأ المزيد

نص ورقة د.حسن مدن في الحلقة النقاشية حول افكار ومواقف المناضل عبدالرحمن النعيمي



1


نشكر الأخوة في جمعية “وعد” على تنظيمهم لهذه الندوة الاحيائية لذكرى
الفقيد عبدالرحمن النعيمي، القائد الوطني والتقدمي البارز، وفي هذه الندوة،
وأي نشاط نظير لها، تكريم لجهود قادة ورموز العمل الوطني في بلادنا،
وتسليط للضوء على دور هؤلاء، والتنظيمات التي كانوا في قيادتها، والتيارات
السياسية والفكرية التي يمثلونها، في صنع التاريخ الوطني، والسياسي عامة،
للبحرين منذ منتصف القرن العشرين على الأقل.
هذا التاريخ المعرض
للنسيان والمحو، مع غياب جهد جماعي أو مؤسسي جدي من داخل القوى الوطنية
ذاتها، ومع رحيل العديد من قادة هذه الحركة ومؤسسيها دون أن يتركوا مذكرات
مكتوبة يمكن العودة إليها، وعزوف ممن لايزالون أحياء، أمدّ الله في
أعمارهم، عن القيام بهذه المهمة إلا فيما ندر من حالات، وحين نعود لذكرى
عبدالرحمن النعيمي وسواه من قادة ومناضلي وكوادر الحركة الوطنية البحرينية،
فلا نرمي فقط لتسليط الضوء على سيرتهم ومواقفهم ومآثرهم، وإنما أيضاً،
وربما اساساً، لغرض استخلاص الخبرة والدرس من هذا كله، للاستفادة منهما في
الظرف الذي نعيش.


2


تتعدد أوجه نشاط وفكر القائد الوطني
الراحل عبدالرحمن النعيمي طوال مسيرته الكفاحية التي امتدت عقوداً، وقد
آثرت أن أعرض في هذه الورقة جانباً من تناول النعيمي لواحدة، او إثنتين، من
القضايا وثيقة الصلة بالراهن في وضعنا البحريني، أعني بها قضية الإصلاح
وارتباطها بالوحدة الوطنية، وربما جاز لي أن أعكس الأمر فأقول قضية الوحدة
الوطنية وعلاقتها بالإصلاح السياسي، فلا مستقبل لأي من هاتين القضيتين في
هذا الوطن معزولة عن الثانية. والقضيتان شكلتا محوراً من اهتمامات الراحل
من موقعه كقائد لتنظيم وطني، يضمُ في صفوفه مناضلين من مختلف مكونات الشعب
البحريني، وكانت فكرة الوحدة الوطنية للشعب أحد مرتكزات نشاطه، كما هو
الحال في التنظيمات الوطنية الأخرى التي تشكلت منذ خمسينيات القرن الماضي،
واستمرَّ مناضلوها في رفع راية النضال الوطني حتى اليوم.
لو أن
عبدالرحمن النعيمي ما زال بيننا اليوم، وشهد ما آلت اليه التطورات الخطرة
التي بلغتها البلاد جراء الأزمة السياسية المتفاقمة، لربما كان قد قال: هذا
ما حذَّرنا منه، أو هذا ما نبهنا إليه من البداية، ولو أن الجميع أخذ في
الحسبان التعقيدات المحيطة بتطور العملية السياسية في البحرين، خاصة لجهة
حاجة البحرين إلى إصلاحات دائمة ومستمرة وفق منظور استراتيجي، وليس مجرد
عمليات تجميلية محدودة، لأمكن للبحرين أن تخطو خطوات مهمة نحو المستقبل،
وأن تتجاوز الوقوع في الأزمة التي نحن فيها اليوم، أو على الأقل تفادي
الكثير من أعراضها الحادة.


سأستند في هذه المطالعة على بعض
المقالات الواردة في كتاب عبدالرحمن النعيمي: “الديمقراطية المجوفة”، والذي
يحتوي على كتابات الراحل بعد عودته من المنفى عام 2001، مرحلة ما بعد
الميثاق الوطني وما شهدته من ديناميات وسجالات سياسية، ساهم فيها النعيمي
بنشاط، من خلال دوره الميداني في قيادة جمعية العمل الوطني الديمقراطي، ومن
خلال كتاباته في الصحافة المحلية، أو في الصحافة الحزبية.


3


فتحت عنوان: “تعزيز الثقة والوحدة الوطنية المتينة هما أساس المشروع
الإصلاحي الكبير”، كتب عبدالرحمن النعيمي يقول: “ميزة الأنظمة الديمقراطية
أنها تنظم الصراع السياسي والطبقي – الاجتماعي في المجتمع: تجعله علنياً،
يمارس من خلال مؤسسات حسب قواعد متفق عليها بين كافة قوى المجتمع، عبر
الأحزاب السياسية أو النقابات والاتحادات المهنية أو النسائية أو الطلابية
أو الشبابية أو سواها من المنظمات غير الحكومية التي برزت بقوة في العقد
الأخير في العديد من بلدان العالم ضد العولمة وضد تدمير البيئة وضد الفساد
الإداري. ولا ترى القوى المعارضة السياسية أو المجتمعية حاجة إلى العمل
السري التآمري للتعبير عن مطالبها، فقد توفرت لديها الإمكانيات العلنية
للتعبير عن الرأي، وهي تريد التأثير ليس فقط على قطاعات واسعة من الناس،
وإنما أيضاً على صانعي القرار في ذلك البلد”. 
ويضيف النعيمي: “كما أن
النظام السياسي لديه الآلية للمراقبة المستمرة والدقيقة للتوترات السياسية
والاجتماعية، ويتيح لها مجال التعبير، ويترك الحرية للجميع أن يتبارون بحيث
تعيد القوى المتصارعة ترتيب أوضاع المجتمع حسب قدرة وإمكانية ومتانة
الموقف السياسي أو الاقتصادي لهذه القوى، وبالتالي إعادة التوازن في
المجتمع على ضوء التوافق الجديد، مما يدفع المجتمع إلى الأمام، ويحقق
المزيد من التلاحم والأمن والاستقرار بين فئاته الاجتماعية”.
ومن هذا
يخلص النعيمي إلى القول: “نحن نطمح، كقوى سياسية في البحرين، أن نحقق مثل
هذه الآلية التي تتعدل فيها وضعية المجتمع مع كل إشكالية يواجهها، وبالتالي
نكون مطمئنين على سلامة مستقبل أوضاعنا السياسية، بحيث لا نصادر حقوقنا
بالتخويف من إمكانية عودة القمع والإرهاب وقانون أمن الدولة وما شابهه من
إرهاب معنوي للقوى السياسية أو المجتمعية المتصارعة”.
“ولذلك، يواصل
النعيمي استنتاجه، كانت القوى السياسية منذ بداية الانفتاح السياسي مصرة
على العلنية والشفافية في عملها، لأنها حريصة على إقامة أوثق العلاقات مع
الناس من جهة، وعلى طمأنة السلطة وأجهزة أمنها من جهة ثانية، وحريصة على
فتح صفحة جديدة في العلاقات بينها وبين الحكم. ومن جانبنا فإننا نرى بأن
المستقبل برمته للعملية الإصلاحية، وأن الاستمرار في الأساليب القديمة من
قبل السلطة أو من قبل قوى المجتمع مضر وضار، للسلطة والمجتمع، وسيعطل
ويعرقل مسيرة التوافق المطلوب بين السلطة وقواها والمجتمع وقواه”.
القضية المركزية التي أستند عليها المشروع الإصلاحي هي إعادة الثقة بين
الشعب والحكم، عبر التأكيد على مساواة المواطنين ـ بغض النظر عن اصولهم
وطوائفهم وأعراقهم أمام القانون. وتستمد هذه الثقة قوتها من الإيمان بضرورة
وأهمية الوحدة الوطنية وتعزيز الولاء للوطن لدى جميع المواطنين بحيث
يشعرون بأن ولاءهم للوطن يعني أمنهم واستقرارهم والطمأنينة والتقدم وتحقيق
المزيد من المكاسب لهم ولمجموع الشعب وللوطن والحكم على حد سواء…
فالنجاحات والانجازات الكبيرة في أي مجتمع من المجتمعات لاتتحقق فقط لمن
قام بها، أو تسبب في القيام بها، سواء كان حزباً سياسياً أو طائفة أو طبقة
اجتماعية معينة، وإنما تتحقق لمجموع السكان، ولمجموع العملية السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، وتخلق إزدهاراً يعم جميع المواطنين”.


كان النعيمي لحظتها يقف في نقطة تتراوح بين القلق والأمل: فهو يقول
مُحذراً: “إذا اهتزت الوحدة الوطنية.. اهتز المشروع الاصلاحي برمته. واذا
اهتزت الثقة بين الشعب والحكم اهتز المشروع الاصلاحي برمته.. ودبت الشكوك
في مصداقيته.. ووجد من يشكك بأن المشروع الإصلاحي تكتيك للخروج من الأزمة
السابقة، وليس استراتيجية للحكم يرسي قواعد الإستقرار والأمن الحقيقي بحيث
لا يمكن العودة إلى الوراء، بل لا يمكن التفكير بالأجواء الإرهابية
والمضطربة السابقة.. ولا يمكن لأحد أن يتباهى على الآخرين بأن الحكم قد
أخرج السجناء وسمح للمبعدين بالعودة وأطلق راية الحرية… فقد كانت
السياسات خاطئة… وتم تعديل هذه السياسات بالاتجاه الصحيح وليس بالاتجاه
المعاكس”.
وهو يجنح إلى الأمل والتفاؤل، تارة، حين يقول: “المكاسب التي
تحققت ليست مكاسب لطائفة معينة.. وليست موجهة ضد طائفة معينة، وأن اللعبة
الطائفية التي سقاها الاستعمار البريطاني قد إنتهت مع إحالة أبرز رموز تلك
المرحلة إلى التقاعد… وبالتالي .. كانت دعوة كل المصلحين إلى رص الصفوف
والتلاحم ونبذ الطائفية وإقامة اوثق العلاقات بين رموز الطائفتين
الإسلاميتين من شخصيات وجمعيات سياسية ومجتمعية… ويجب التصدي لكل دعاة
الطائفية وأصحاب الفرقة الناجية .. والتأكيد بأن الوطن للجميع وعلينا أن
نعزز الثقة بين بعضنا البعض، وبين قوى المجتمع والحكم”.
ولكن هذا
الأمل، أو التفاؤل، مربوط بشروطه: “لذلك، يقول النعيمي، كانت ملاحظاتنا
الأساسية الأولى على قضية التمييز الطائفي… وضرورة التمسك بمبدأ المساواة
بين جميع المواطنين… عبر فتح كل أبواب التوظيف في كافة الوزارات لجميع
المواطنين على اساس الانتماء للوطن.. وعلى أساس الكفاءة.. وليس على أساس
الطائفة أو القبيلة أو العلاقات الأسرية والصداقات الشخصية.. وطالبنا
بإصدار قانون يجرم التمييز الطائفي.. ويقدم للمحاكمة كل من يثير الفرقة
والفتنة الطائفية …


4


وفي مقال آخر للنعيمي بعنوان
“الانتخابات النيابية والذكرى الثامنة والأربعون لهيئة الاتحاد الوطني وهو
مقال يرتدي أهميته كونه كتب من وحي الاحتفال الذي أقامته الجمعيات
السياسية، يومها، لإحياء ذكرى الاتحاد الوطني، ساعياً لأن يستخلص من هذه
التجربة الوطنية المهمة في تاريخنا مايراه ضرورياً من دروس للراهن، لذا
يبدأ بملاحظة أنه “في عهد الحماية البريطانية، وحيث كانت الإدارة الحقيقية
بيد المستشار البريطاني تشارلز بلكريف، والمعتمد السياسي والمقيم السياسي،
وحيث أن طبيعة المستعمر معادية للشعب من جهة، فقد كانت الرؤية لأية حركة
وطنية اصلاحية، محددة، لا يرى المستعمر فيها إلا واجهة للقوى التي تريد
إخراجه من البلاد، وهو محق في ذاك، خاصة بعد ازدياد الوعي التحرري، وانتشار
الافكار المعادية للاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، وتصاعدها في
الوطن العربي بعد الجريمة التي ارتكبتها بريطانيا في فلسطين بإنشاء كيان
استيطاني للصهاينة في الارض المقدسة، وما تلاها من ثورات عربية تحررية
تصدرها ثورة 23 يوليو”.
“وفي العهد الأول للاستقلال، يواصل النعيمي،
وحيث بقيت رموز كثيرة من العهد السابق، في أجهزة الأمن والكثير من
الوزارات، فقد استمرت النظرة إلى الحركة السياسية على أنها معادية للحكم،
ولذلك لم يتم التوافق معها، سواء بالاعتراف بوجود هذه الأحزاب أو القوى
السياسية، أو اتباع سياسة حكيمة ترتكز على الإيمان بالديمقراطية وتعدد
الآراء وتصادمها وتضاربها، كمكونات لابد منها للعملية الديمقراطية، إلا أن
الحكمة والايمان بالديمقراطية تتطلب ادارة الصراع بشكل صحيح، بحيث تثري
العمل الوطني والتجربة الديمقراطية .. وحيث حمل الحكم تركة المرحلة
السابقة، فقد استمر على النهج القديم، ولذلك استنزف الصراع الكثير من
الإمكانيات والقدرات في هذه المواجهة .. ويمكننا أن نشير فقط إلى الأعباء
التي تحملتها البلاد في الشأن الامني فقط، دون الاشارة إلى تعمق عدم الثقة
بين قطاعات واسعة من الشعب والحكم وصلت في التسعينات من القرن المنصرم إلى
صدامات واضطرابات واسعة ذهب ضحيتها الكثير من الشهداء والمعتقلين
والمبعدين.. والخسائر المادية والمعنوية الكثيرة.. إضافة إلى تدهور سمعة
البلاد على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة”.
من هنا بدا
ضروريا للنعيمي، يومها، أن يدعو الدولة للتقدم تقدم “بالمبادرات لحل مسألة
عدم الثقة وإقامة جسور بينها وبين القوى السياسية.. وهنا تكمن قيمة
الإصلاحات السياسية التي قام بها الملك.. وهناك تكمن قيمة المواقف
الإيجابية للقوى السياسية التي تجاوبت بسرعة مع هذه المبادرات، وعبرت عن
استعدادها لمغادرة مواقعها وبرامجها القديمة واتباع أساليب جديدة وبرامج
جديدة وتشكيلات جديدة للتأكيد بأنها ستتقدم خطوتين إلى الأمام كلما تقدم
الحكم خطوة إلى الأمام.. ولم تكن العملية سهلة على الطرفين.. وخاصة الجهاز
التنفيذي الذي تعود سنوات وعقود على سياسة فرض الأوامر، ورضع من حليب
السياسة البريطانية وواصل الاعتماد على العناصر الأجنبية، سواء في أجهزة
الأمن أو في العديد من الوزارات أو في الذهنية السائدة بأن الأجنبي
باستمرار أفضل من المحلي، بالرغم من المديح الذي نسمعه في المناسبات من قبل
كبار المسؤولين بأن الإنسان البحريني ثروة لا تقدر بثمن”.
بالنسبة
للنعيمي لم تكن ذكرى هيئة الاتحاد الوطني “حكراً على جمعية معينة أو تجمع
سياسي معين وإنما هي ملك لشعب البحرين برمته.. بطائفتيه .. بكل طبقاته
الاجتماعية.. بكل أطيافه السياسية .. فقد عبرت الهيئة عن احتياجات شعب
البحرين وتطلعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. وقدمت الخطوط العامة
للبرنامج الوطني الاصلاحي المتوافق عليه .. وبات من واجبنا أن نسير على
ذات الطريق.. طريق الوحدة الوطنية ومحاربة النزعة الطائفية التمييزية بين
ابناء الشعب الواحد”.
ومن هنا رأيه بأن أهم درس لهيئة الاتحاد الوطني
كان “قضية الوحدة الوطنية، وضرورتها للوطن، في تلك الفترة وفي الوقت
الحاضر. في تلك الفترة، كانت الوحدة الوطنية ضرورية لمواجهة السياسة
البريطانية والافساد والدكتاتورية التي تمير بها المستشار البريطاني تشارلز
بلجريف. فبدون الوحدة لم يكن ممكناً خوض أية معارك، سواء عنيفة أو سلمية
ضد العدو الاجنبي، وشكلت هذه الوحدة منارة لكل العاملين في الحقل السياسي
طيلة الفترة التي أعقبت حل الهيئة من القوى الديمقراطية والقومية…
“وضرورية في الوقت الحاضر.. لأن سياسة الحكومة المعادية للحريات، وخاصة بعد
حل المجلس الوطني وتعليق أبرز مواد دستور 1973، سارت الأمور على قاعدة
الفعل ورد الفعل.. حتى وصلنا الى انقسام مجتمعي كبير.. خفف من خطورته الدور
الذي لعبه التيار الديمقراطي الذي وقف إلى جانب الانتفاضة الشعبية وتمثل
في لجنة العريضة الشعبية ولجنة التنسيق بين الجبهتين (يقصد الجبهة الشعبية
وجبهة التحرير)… ثم جاءت الخطوات الكبيرة لعاهل البلاد لتصب في مجرى
تعزيز الثقة والتلاحم الوطني الشامل وراء المشروع الاصلاحي الذي رسم ملامحه
ميثاق العمل الوطني… إلا أن لجنة تعديل الدستور والمستشارين قد دفعوا
الأمور إلى درجة خطيرة.. حيث فسروا المسائل بالاتجاه الذي هز الثقة الجديدة
بين الحكم والقوى السياسية.. حيث فصلوا دستوراً على مقاس الحكومة، لتجنيب
الحكم اللجوء إلى أبغض الحلال وهو الحل.. عبر إنقاص المجلس المنتخب
صلاحياته التشريعية والرقابية وإشراك مجلس الشورى معه.. بحيث يشكل صمام ضبط
لحركة النواب، ولم تنعكس هذه التعديلات على الحركة السياسية فقط، وإنما
على وضع المجتمع برمته، حيث يرى البعض بأنها فرصة للحصول على مكاسب طائفية
على حساب الطائفة الاخرى”. 


5
أخلص من هذا العرض السريع إلى
أن عبدالرحمن النعيمي الذي غيبه المرض ثم الموت عنا في ظرف تاريخي دقيق مرت
وتمر به البلاد، كان واعياً لاستحقاقات الاصلاح السياسي الحقيقي الذي
تحتاجه البلاد، والذي نذر هو نفسه حياته من أجله، شأنه في ذلك شأن رفاقه من
مناضلي حركتنا الوطنية والشعبية، وبرأيه أن الاصلاح السياسي أمر مستحق،
لا لطائفة بعينها ولا لفئة دون غيرها، فهو شأن وطني عام يعني المجتمع كله،
وهو سبيل التقدم والتنمية الجادة المستدامة وصون المال العام وحسن ادارة
ثروات البلد والتصرف فيها بأمانة ونزاهة كونها ملكية عامة للمجتمع وللأجيال
الحاضرة والقادمة، وبالتالي فان الوحدة الوطنية لكافة فئات الشعب شرط
ضروري لفرض هذا الاصلاح وحمايته، لأن القوى التي استمرأت الفساد لا يمكن أن
تقدم هذ الاصلاح على طبقٍ من ذهب، وهذه الوحدة الوطنية كانت سر حيوية
وديناميكية الحركة الوطنية في البحرين في مراحل مختلفة، من بينها مرحلة
هيئة الاتحاد الوطني والعقود اللاحقة لها بين الخمسينات حتى السبعينات على
الأقل، وحين انزلق المجتمع نحو الاحتقان الطائفي بفعل فاعل من القوى
المتربصة بالنضال المطلبي والديمقراطي، ومن الأخطاء التي شابت بعض
التحركات، فان هذا الهدف بات أبعد، وباتت كلفة تحقيقه أكثر فداحة، وباتت
مهمة استعادة وحدة النسيج الوطني مهمة تتطلب عملاً دؤوباً ومسؤولاً، لا
نشكُ، لحظةً في أن النعيمي، ومن هم على معدنه، من مناضلين رحلوا عنا، كانوا
سيكونون في مقدمة الصفوف من أجل بلوغ أهدافه.
حسن مدن
اقرأ المزيد

المناضل علي دويغر… جسدٌ يفنى وروحٌ لا تموت

إلى صديقي في الزنزانة رقم (5) بسجن القلعة، مارس 1965: طريقنا أنت
تدري… شوكٌ وعرٌ عسير. شوك على جانبيه، لكننا سنسير. إلى الأمام نسير.

بعد
الانتهاء من حفلات الضرب والتعذيب الذي يعد بدائياً يومها، ولا يفضي إلى
الموت كما يحصل هذه الأيام، وكنت مشاركاً ضمن آلاف من أبناء شعب البحرين في
انتفاضة مارس (آذار) المجيدة 1965، نقلوني من زنزانة خارج مبنى السجن
القديم، وكانت عبارة عن أحد صفوف المدرسة داخل القلعة، وكان معي المرحوم
العروبي القومي حمد يعقوب لمخضب من المحرّق، وتهمتي أني هتفت في المظاهرات،
وأخفيت المناضل أحمد الشملان في أحد بيوت المحرق والذي اصطلح على تسميته
بـ «المخبأ».

لم يحصلوا مني يومها على أية معلومة، ويبدو أنهم يئسوا،
أو ظنوا أن هذا الولد ذا السبعة عشر عاماً، لا يمكن أن تكون له صلة بأحد
قيادات حركة القوميين العرب البارز في جميع نشاطات ومظاهرات المحرق. ذات
صباح فُتح باب الزنزانة ووضعوا القيد في يدي، واقتادوني إلى السجن الرئيسي
بالقلعة. كانت أبواب الزنازنة جميعها موصدة، وعبرنا الزنازنة من اليسار حتى
وصلنا الزنزانة (5). وكان بابها من قضبان الحديد، وإذا برجل ذي لحية كثيفة
ونظارة طبية بيضاء كالتي يلبسها الأطباء أو كبار الكتّاب، يحملق من خلال
القضبان ويمسح بيده على لحيته الكثة.

فتح عريف الشرطة الباب، وفكّ
القيد الحديدي عن يدي، وخاطب الرجل بعربية مكسّرة: «هذي ولد صغير يسوّى
شوشرة في محرق خلي بالك عليه». ويبدو أن هذا العريف بعرف هذا الرجل ذو هيبة
واضحة في وقفته ونظراته. أغلق الباب وانصرف العريف، وفي طريقه إلى الخارج
توقّف عند الزنزانة رقم 1 ونادى بأعلى صوته: «علي شيراوي يبي أكل». وانصرف
وهو يقهقه.

يبدو أنه يعرف المترددين على السجن، استقبلني الرجل بحنو
الأب، وربت على كتفي وقال: «لا يهمك. أأنت عبدالله مطيويع؟» اندهشت لمعرفته
إياي، وقلت: نعم. فقال: «سمعنا عنك. خلك على موقفك وصمودك». يبدو أن
الأخبار كانت تصلهم عن جميع من هم خارج السجن الرئيسي، عن طريق السجناء
الآخرين الذين لعبوا دوراً مهماً في توصيل المعلومات والرسائل من وإلى داخل
السجن، وكان أبرزهم المرحوم جاسم تراب، وأحمد القحطاني من المحرق، والذي
اقترب من الزنزانة، وبيده مجرفة لكنس الأرضية وقال موجِّهاً كلامه للمناضل
علي دويغر: «هذا ولدنا اتحمل فيه»، وانصرف. تيقنت أن هناك شبكة من التواصل
والتضامن من المحكومين والمعتقلين السياسيين، وأمطرني بالأسئلة التفصيلية
عن تطور الأحداث وخصوصاً في المحرق، وسردتها عليه كاملة، وكان بقية الإخوة
في الزنزانات الأخرى وخصوصاً القريبة من الزنزانة (5) متشوقين لسماع
الأخبار، محمد سيف عجلان المناعي، محمد بونفور، أحمد بوجيري، أحمد حارب،
سبت سالم سبت، وعلي عيش، موزعين بين الزنزانات من 1 إلى 7.

وصار علي
دويغر الذي أنست به كثيراً، يبث لهم الأخبار بصوت خافت لكي لا يتنبه الحراس
إليه، فالكلام ممنوع، ولم ننتبه إلا على صوت جلبة القيود اليدوية حين جلب
عاملان الغداء، وساد الصمت. في المقدمة كان جاسم تراب، الذي بدأ يوزع صحون
الرز المرشوش بمرق البوبر، وعينه على صحن دون الصحون ينقله من مكان إلى آخر
وسط الصينية التي كانت تحمل الصحون، فتح باب الزنزانة (5)، ومد (جاسمي)
يده إلى ذلك الصحن، ووضعه داخل الزنزانة، وقام بحك رأسه إلى على دويغر،
وابتسم دويغر ووضع الصحن وانصرف (جاسمي)، بدأنا في تناول الرز حتى آخر حبة،
كان صل الماء هو ما نشرب منه، وكانت لدينا علبة طلاء صدئة للتبول.

أدار
الأخ علي دويغر ظهره وفتح لفافة مطوية بعناية بالنايلون، واستغرق في
قراءتها واستغرفت أنا في النوم لأنني لم أنم منذ ثلاثة أيام.

صحوت
على يد تربت علي لأصحو، ففزعت، وحسبت أنهم سيأخدونني للتحقيق، كانت يد
حانية توقظني لكي نذهب الحمام. خلال فترة الانتظار، قال لي الأخ دويغر:
اسمع يا مطيويع، ما سأقوله لك واحفظه جيداً. ربما يأخذونك للتحقيق أوربما
يأتون ببعض من نعرف أو من كنتم معه في نشاط خلال الانتفاضة، وقد يكون
نهاراً، فقد سمعنا أن بعض الأشخاص قد اعترفوا على رفاقهم، وخلك ريّال، كما
سمعنا عنك، فهذا الطريق طريق طويل وعر. ومادام تم اختيارك تحمّل تبعاته،
وشعبنا هذا يستحق التضحية.

في الليل صدق تنبؤ علي دويغر، جاءوا
وأخذوني إلى قسم المخابرات وأوسعوني ضرباً، وجاءوا بأحدهم ليقول (هو) وأظنه
يعرف أين يختبئ أحمد الشملان وراشد القطان وشاكر عقاب. ولم ينالوا مني.
قرب الصباح أعادوني إلى الزنزانة واستقبلني دويغر وراح يدلك أجسامهم ويضع
المشموم على بعض الجراح، ويردّد: (كفو عليك يا مطيويع والله كفو عليك).
كانت كلمات هذه قد نفذت إلى روحي وزادت من شدة عزمي. وكانت الدرس الأول في
الصمود ومواجهة الجلادين.

كان ودوداً وذا قدرة فائقة على تحبيب
الأشياء لمحدثه، فلكي يخفف عني صار يسرد لي بطريقة يخرجني بالخيال إلى خارج
الزنزانة والسجن، فيقول لي: سوف يأخذونك إلى جزيرة جدّا، وهناك في الجزيرة
ستشفى جراحك لأن هواءها طيّب، وسوف تأكل بدل هذا (الكرص) الرغيف البائس
(جباتي) لم تأكل مثله قط. وتشرب ماءً عذباً ليس كماء القلعة، وفعلاً جعلني
أسرح وأحلم بالذهاب إلى سجن جزيرة جدا وليس إلى البيت!

في سجون
البحرين التقيت الكثيرين، ومررت بالكثير، وفي هذه الرحلة يأتي كثيرون، ويمر
كثيرون، ولا يتركون ما يتركه في الروح والوجدان إلا القلائل، ومن هؤلاء
القلائل، المناضل علي دويغر، كما أحمد الشملان.

علي عبدالله دويغر…
في ذكراك استحضر أبيات الشاعر: نحن حبات البذار.نحن لا ننجو جميعاً عندما
يأتي الربيع. بعضنا يهلك في هول الصقيع. وتدوس البعض منا الاحذية. غير انا
كلنا لسنا نموت. إننا نعلم أطلال القبور. ستُغطّى ذات يوم بالسنابل. وسينسى
الناس أحزان القرون. وسينسون المنافي والمقاصل والسجون. نحن إذ نحيا فمن
أجل الربيع. وإذا متنا فمن أجل الربيع.

اقرأ المزيد

علي دويغر باحثاً


منذ سنوات استعرضتُ هنا بعض أفكار دراسة الفقيد علي دويغر عن: «تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين»،التي تنبه فيها إلى أن صناعة النفط أوجدت طبقة عاملة صناعية، إلا أن الكثرة الكاثرة من العمال غير الماهرين بسبب ضعف مستويات التعليم، وغير المنفصلين عن البيئة المحافظة التي أتوا منها، يجعل منهم بروليتاريا رثة تعيق تبلور وتماسك الطبقة العاملة الحديثة، ويلاحظ، في الآن ذاته، وجود قطاع لا بأس به من العمال يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وهذا التشظي يحمل تأثيراً سلبياً على تشكيل الوعي الطبقي.





وفي تلك الدراسة رأى علي دويغر أن البرجوازية الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع، وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال الأجنبي والشريحة المتنفذة من البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف.


أما في في دراسته المهمة الأخرى عن: «الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني» التي وضعها عام 1972، فقد انطلق دويغر من حقيقة أن صناعة النفط في البحرين لم تأتِ جراء النمو الطبيعي للصناعة المحلية، وإنما جراء التوسع الدولي للرأسمالية والرغبة في الحصول على مصادر طاقة رخيصة، ليناقش الآثار المختلفة لنشوء صناعة النفط على النمو السكاني، وليحلل أوجه التركيبة السكانية في مجتمع البحرين.


ينقل الباحث عن أحد الدارسين ان صناعة النفط تعد من أكثر الصناعات كثافة، وهذا ليس نابعاً من استخدام الحرفيين وبالطبع ليس من جراء استخدام ميكانيكيين مهرة، بل من جراء استخدام التكنولوجيا والإداريين ومجموعات المبيعات وما شابه ذلك.


وتُعد هذه الدراسة، فيما أرى، مصدراً جيداً للباحثين الراغبين في تتبع تطور التركيبة السكانية في المجتمع البحريني منذ العقود الأولى للقرن العشرين، لأنها دراسة كتبت بمنهجية، واستعان فيها الباحث لا بنظريات النمو السكاني وتحليل آليات التخلف في المجتمعات النامية فحسب، وإنما أيضاً بمادة امبريقية ثرية من الإحصائيات والبيانات ذات الصلة بتطور النمو السكاني في البحرين آنذاك.


من أكثر فصول الدراسة تشويقاً الفصل الذي نظر فيه علي دويغر في ما أسماه «المسألة المدينية – الريفية»، التي يذهب فيه إلى انه ليس من الضروري رسم خطوط بين ما هو مديني وما هو ريفي في حال البحرين، فالمدن هي مراكز تجمعات سكنية في بلدٍ لا تتجاوز مساحته (آنذاك) عشرين ميلاً، خاصة وأن الإحصائيات الرسمية، كما تشير الدراسة، لا تقدم تصنيفات مختلفة للسكان من وجهة النظر هذه، في غياب مفهوم المدينة الصناعية على النحو الدارج في الغرب، وهذا عائد إلى التضارب في توزع الثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تُلاحظ في أغلب الاقتصاديات العربية.


يعقد علي دويغر، وهو يبحث التركيبة السكانية، مقارنة بين قانوني الجنسية في البحرين، القديم الصادر عام 1937، والذي صدر بعده في عام 1963، وهي مقارنة مفيدة ، ليلاحظ أن التوزع العمري يتأثر، مباشرة، بثلاثة عوامل متغيرة هي الهجرة والولادات والوفيات، مشدداً على أن عامل الهجرة هو المتغير الذي يلعب الدور الأكبر.


وهو استنتاج يظل صحيحاً اليوم أيضاً في صورته العامة، ولو قدر لعلي دويغر أن يواصل تحليله هذا على ضوء التطورات الراهنة لأعاننا على فهم مظاهر التحولات الاجتماعية السياسية الراهنة.


اقرأ المزيد

وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في حوار التوافق الوطني

 

 

 



ثانيا : وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال



الحكومة في حوار التوافق الوطني 





 


تقديم

الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة هي جوهر الرقابة السياسية، فالبرلمان كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، ومهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين أي التشريع – هي مراقبة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان التحقيق وإجبارها على تبرير تصرفاتها وقراراتها أمام الناس، وحيث أن هذه الرقابة تتطلب النشر، فإنها تشكل ضمانة لحقوق الأفراد وتكفل حرياتهم ضد تصرفات الحكومة ومؤسساتها .

وإذا كانت الرقابة البرلمانية بهذا المعنى، فما هو مداها في التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في ضوء مخرجات حوار التوافق الوطني الأول ؟؟

أن القراءة الواقعية لهذه التعديلات الدستورية لوسائل الرقابة البرلمانية تقتضي القول بأنها تعديلات إيجابية أي أفضل مما كانت عليه عند صدور الدستور 2002. فقد أعطت هذه التعديلات مدة زمنية لرد الحكومة على الاقتراح برغبة هي ستة أشهر، وأعادت الاعتبار لوسيلة كان دستور 1973 قد نص عليها وتجاهلها دستور 2002 وهي، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، حسب المادة (68/ أ و ب) من الدستور. وقصرت توجيه الأسئلة للوزراء على أعضاء مجلس النواب بعد أن كانت مشتركة بين أعضاء المجلسين حسب المادة (91) الفقرة الأولى. وجعلت مناقشة الاستجواب في المجلس إلا إذا قرر المجلس بأغلبية أعضاءه مناقشته في اللجنة المختصة، وأبقت على إجراءات سحب الثقة في الوزراء، وتأليف لجان التحقيق دون تعديل، وعدلت في وسيلة عدم أمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره بأغلبية الثلثين لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني ، وأضافت التعديلات الدستورية وسيلة جديدة هي إقرار مجلس النواب لبرنامج الحكومة غير أن عيوبا ونواقص قد شابت بعض هذه الوسائل يتعين معالجتها في حوار التوافق الوطني القائم ونبين ذلك على التفصيل الأتي :

أولا : في الاستجواب :

يعد الاستجواب من أهم وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، إذ يحقق رقابة فعليه لمجلس النواب في مواجهة السلطة التنفيذية، وهو يعني محاسبة الوزير واتهامه في الوقت ذاته ، وقد يؤدي إلى تحريك مسئوليته السياسية بطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة ، والاستجواب على عكس السؤال يفتح مناقشة حقيقية لا يشارك فيه مقدمو الاستجواب وحدهم بل سائر الأعضاء .

التعديل الدستوري للاستجواب مازال يتعارض مع الفقه الدستوري: انتقدنا في دراسات سابقة ما نص عليه دستور 2002 حين جعل من مناقشة الاستجواب داخل اللجان إذ لم نجد في القانون الدستوري المقارن مثالا لما سار عليه دستور البحرين ، غير أن التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في 3 مايو 2012 بشأن الاستجواب رغم إيجابيتها النسبية أبت أن تجعل من هذه الوسيلة الهامة وسيلة فاعلة ، ذلك أن التعديل الدستوري بشأن الاستجواب الذي نصت عليه المادة (65) المعدلة من الدستور وان نصت على أن مناقشة الاستجواب تتم في المجلس ، إلا أنه إذا قرر أغلبية أعضائه عدم مناقشته في المجلس ، فأن مناقشته تتم في اللجنة المختصة .

وإذا كنا نرى أن هذا التعديل الدستوري يعد خطوة متقدمة عما كان معمول به فأن هذا التعديل يظل متعارضا مع ما هو مقرر في الفقه الدستوري وفي القوانين المقارنة التي نصت على أن مناقشة الاستجواب لا يكون في اللجان بل في المجلس النيابي ، كما هو الحال على سبيل المثال في الكويت ، الأردن ، مصر ، البحرين في مجلس 1973 .

تعديلات اللائحة الداخلية الجديدة لمجلس النواب قيدت الاستجواب وقللت من ايجابية التعديل الدستوري وذلك فيما يلي


1- وضعت إجراءات طويلة للاستجواب حتى يصل لمرحلة المناقشة في المجلس أو اللجنة المختصة حسب الأحوال : 
* إذ يقدم طلب الاستجواب حسب المادة (145) من اللائحة إلى رئيس المجلس ، مشتملا بصفة عامة على موضوعه ، مع توافر الشروط التي نصت عليها المادة المذكورة . 
* ثم يحيل رئيس المجلس الاستجواب فور تقديمه إلى مكتب المجلس لإبداء الرأي في مدى توافر الشروط الشكلية حسب نص المادة (145 مكررا) 
* ويعد التحقق من توافر الشروط الشكلية في الاستجواب يعرض رئيس المجلس الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية حسب نص المادة (145مكرراً (1) ) للتحقق من جدية الاستجواب وللتأكد من توافر الوقائع والمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظر مقدمي الاستجواب.

وإذا كنا نرى انه من المقبول أن يقدم الاستجواب لرئيس المجلس ثم إلى مكتب المجلس فأن ما استحدثته المادة الجديدة ( 145مكرر 1) من اللائحة الداخلية بضرورة عرض الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة للتحقق من جديته ، فيه مضيعة لوقت المجلس وتكرار لما سيقوم به مكتب المجلس ، خاصة وان تعديلات اللائحة الجديدة قد نصت في المادة (15)على توسعة أعضاء مكتب المجلس إذ أصبح يتكون من الرئيس ونائبيه، ويضم إليهم رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في البنود أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة بمجرد انتخابهم .

2- نصت اللائحة الداخلية على حالات سقوط للاستجواب تتعارض مع القانون الدستوري المقارن :

* فالاستجواب كما هو مقرر في الفقه الدستوري لا يسقط إذا سحب أو أسترد العضو مقدم الاستجواب استجوابه إذا كان قد انضم إليه عضو آخر وأصر هذا العضو على مناقشة الاستجواب ( انظر في ذلك د.إبراهيم عبد العزيز شيحا – تحليل النظام الدستوري ص 303 ) وهو ما نصت عليه اللوائح الداخلية للمجالس التشريعية منها مثلا اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي في المادة المادة 141 التي نصت على انه ( إذا تنازل المستجوب عن استجوابه أو غاب عن الجلسة المحددة لنظره فلا ينظره المجلس إلا إذا تبناه في الجلسة أو قبله أحد الأعضاء.) 

* فإذا كان ذلك هو المقرر في الفقه والقانون المقارن ، فأن ما نصت عليه المادة (150) من اللائحة الداخلية إذا ترتب على استرداد الاستجواب من أي مقدميه نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، يستبعد الاستجواب من جدول الأعمال ولا ينظر فيه. أو ما نصت عليه الفقرة الثانية من ذات المادة والتي استحدثها التعديل الجديد ويعتبر عدم حضور احد مقدمي الاستجواب الجلسة المحددة لمناقشته في المجلس أو اللجنة استردادا منه للاستجواب ، لا يعد انتقاصا من حق بقية أعضاء مجلس النواب في مناقشة الاستجواب والانضمام إلى مقدميه فحسب بل اعتداء عليه . وكان الأجدر أن تنص التعديلات الجديدة للائحة الداخلية لمجلس النواب على عدم سقوط الاستجواب في حالة استرداده من أحد مقدميه أو عدم حضوره جلسة مناقشة الاستجواب إذا أنضم إليه عضوا بديلا عنه . 

* وإذا كان من المقبول أن يسقط الاستجواب حسبما نصت عليه المادة (151) من اللائحة الداخلية بزوال صفة من وجه إليه ، أو انتهاء عضوية أحد مقدميه لأي سبب من الأسباب إذا ترتب على ذلك أن نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، غير أنه من غير المنطقي أن يظل النص في المادة المذكورة على سقوط الاستجواب بانتهاء الدور الذي قدم خلاله ، وذلك بالنظر لقصر مدة دور الانعقاد ، وبالنظر للمهام والأعمال التي يقوم بها مجلس النواب وازدحام جدول إعماله خلال دور الانعقاد ، فضلا عن سقوط الاستجواب خلال دور الانعقاد الذي قدم فيه ضياع لجهود مقدمي الاستجواب واللجان التي تبحث سلامته القانونية والدستورية ، وكان الأجدر النص على سقوطه بانتهاء الفصل التشريعي بدلا من سقوطه في دور الانعقاد الذي قدم خلاله فإذا انتهى دور الانعقاد دون البت في الاستجواب يستأنف المجلس نظره بحالته عند بدء الدور التالي .

ثانيا : في سحب الثقة بالوزراء :

قد يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزير على مجلس النواب وذلك حسب الاوضاع التي نصت عليها المادة 66 من الدستور وذلك بطلب موقع من عشرة أعضاء من مجلس النواب إثر مناقشة استجواب موجه إليه فإذا قرر مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ، ويقدم استقالته فورا.

لكن المادة (153) من اللائحة الداخلية أعتبرت عدم وجود أحد الإعضاء العشرة مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزيرتنازلا عن الطلب وفي ذلك مصادرة ليس لحق باقي النواب مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزير فحسب ، بل لكل أعضاء مجلس النواب الحاضرين ، ذلك ليس هناك ما يمنع في التشريع أن ينظم أحد الأعضاء الحاضرين إلى طلب سحب الثقة بدلا من العضو غير المتواجد ، كما أن هذا القيد يفسح مجالا للتلاعب في الطلب بحيث يمكن التأثير على أحد الأعضاء العشرة بعدم حضور الجلسة المحدد لعرض الطلب .

ثالثا:في عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء :

إذا كان هناك من إيجابية في التعديلات الدستورية بما نصت عليه المادة (67) البنود (ب، جـ، د) من الدستور والمتعلقة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء من مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني بأغلبية الثلثين ويرفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب ، فإن هذه الإيجابية لن تتحقق في الواقع ، فإذا كانت الأغلبية العادية لمجلس النواب هي محصنه بالنظام الانتخابي غير العادل يصعب تحقيقها فكيف يمكن أن تتحقق في ظل هذا النظام أغلبية الثلثين لصدور قرار بعدم أمكان التعاون مع رئيس الوزراء ؟ ، وهذه الإيجابية لا تقارن بما نصت عليه المادة 69 الفقرة الأخيرة من دستور 1973 التي نصت على أنه إذا حل المجلس وتجددت تولية رئيس مجلس الوزراء المذكور ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة..

وحكم سقوط طلبات وسائل الرقابة في اللائحة الداخلية لا يقتصر فقط على طلب الاستجواب وسحب الثقة بالوزير ، بل تمتد إلى وسيلة عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء إذ تنص المادة (157) من اللائحة الداخلية على انه “يعرض الرئيس على المجلس طلب عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء فور انتهاء مكتب المجلس من إعداد التقرير بشأنه ، وذلك بعد أن يتحقق من وجود مقدمي الطلب بالجلسة ويعتبر عدم وجود أحدهم بالجلسة تنازلاً عن الطلب، ويترتب عليه إسقاطه”.

رابعاً: في إقرار برنامج الحكومة :

كانت المادة ( 46 ) من الدستور تقتصر على النص بأن ( يؤدي رئيس مجلس الوزراء والوزراء ، أمام الملك ، وقبل ممارســـــة صلاحياتهم اليمين المنصــــــوص عليها في المادة (78) من هذا الدستور ) ، غير أن التعديلات الدستورية أضافت فقرة جديدة إلى المادة المذكورة ، وهي إضافة إيجابية ، فحواها أن يقدم رئيس الوزراء برنامج الحكومة لمجلس النواب لإقراره ، فإذا لم يقره أغلبية أعضاءه تقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إجراء ما تراه من تعديلات ، فإذا أصر المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه على رفض البرنامج للمرة الثانية قبل الملك استقالة الوزارة وتشكل وزارة جديدة ، فإذا لم يقر المجلس برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات السابقة فأن للملك خياران إما حل المجلس أو يقبل استقالة الحكومة ويعين وزارة جديدة .

غير أن اشتراط هذه الفقرة توافر أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب إذا أصر المجلس على رفض البرنامج للمرة الثانية، ينال من هذه الايجابية، إذ يتعذر في الواقع توافر مثل هذه الأغلبية في ظل تركيبة المجلس الراهنة بسبب يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي جرى تفصيله بمقاس لا تحقق فيه أغلبية معارضة.


وضع عيوب ونواقص وسائل الرقابة البرلمانية على جدول أعمال الحوار :

فإذا كانت تلك هي إيجابيات وعيوب ونواقص بعض وسائل الرقابة البرلمانية التي يتمتع بها مجلس النواب وحده دون مجلس الشورى والتي جاءت بها التعديلات الدستورية على ضوء مرئيات الحوار الوطني الأول ، فهل يمكن للحوار الوطني الحالي أن يضع هذا المحور على جدول أعماله ويتصدى لمعالجة ما شاب هذه الوسائل من عيوب ونواقص ؟.
بالتأكيد يمكنه ذلك طالما أن وسائل هذه الرقابة تدخل ضمن المحور السياسي وطالما أن هذه الوسائل تعد من أهم اختصاصات مجلس النواب ، ومعالجتها معالجة صحيحة على النحو الذي أشرنا إليه سلفا يسهم إلى جانب معالجة الاختصاص التشريعي في الخروج من الأزمة السياسية والدستورية.

يتبع ثالثاً : النظام الانتخابي في حوار التوافق الوطني

 

للاطلاع على الحلقة الاولى من هذا الموضوع

إضغط على الرابط:
 



هل من برنامج للمصالحة في حوار التوافق الوطني ؟!






اقرأ المزيد

إيران والتحديات الاقتصادية والاجتماعية!

في ظل الازمات المتتالية الصعبة التي يعاني منها الشعب الايراني جراء السياسة الداخلية غير الصحيحة القائمة على تردي الاوضاع السياسية التي تعود الى غياب الحريات والمساواة والتعددية في اجواء تتسم بمصادرة الحقوق الديمقراطية وتسلط المؤسسة الدينية المتشددة الداعمة لمصالح «البازار» التجارية والاقتصادية فانه من الطبيعي ان تتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتتدهور الحياة المعيشية والمادية لأغلب الناس ويسود الفقر والمرض والفساد ويزداد معدل التضخم ونسبة البطالة!.


وحول هذه المشكلات تستعرض نشرة «الموجز» الصادرة عن مركز الدراسات الايرانية العربية في عدد يوليو 2013 الى تلك التحديات التي تطلق عليها «الارث المشؤوم» وهي تعني بذلك التدهور الاقتصادي الذي تراكم طيلة ثماني سنوات اثناء فترة احمدي نجاد!.


وهنا تذكر بعض البيانات حول الاقتصاد الكلي في ايران. وتذكر ايضاً ان الرئيس روحاني عليه الاستجابة لحاجات الشعب الاقتصادية ويكبح جماح التضخم ويوفر له فرص العمل.


ومن تلك البيانات اولاً: لقد جاء في تقرير البنك الدولي لشهر مايو من هذا العام حول الأنفاق الاقتصادي للشرق الاوسط وآسيا الوسطي الذي يغطي 23 بلداً في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالاضافة الى باكستان وافغانستان نرى ان ايران بين كل هذه البلدان حظيت في عام 2012 بأقل معدل للنمو بعد السودان واعلى معدل للتضخم، ثانياً: لقد جاء في تقرير البنك الدولي لشهر يونيو ان ايران تحظى بمعدل تضخم اكثر من 40 في المئة شأنها شأن السودان! وثالثاً نشاهد في تقرير البنك المذكور ان نمو الناتج المحلي الإجمالي في ايران في عام 2011 بلغ 1.7 في المئة وفي عام 2012 تراجع الى ان يصل 1.9% ويتوقع البنك الدولي ان يصل معدل النمو لهذا العام الى 1.1 في المئة وفي عام 2014 وفقاً للمصدر ذاته لايتجاوز هذا المؤشر الـ 7 في المئة ان بلداً نامياً مثل ايران والذي هو بحاجه الى معدل نمو بنسبة 8% على اقل تقدير للقضاء على البطالة فإن مثل هذه المؤشرات ولسنوات عديده تُعد كارثه حقيقية له. ورابعاً يعاني سوق العمل في ايران من التوتر بسبب انخفاض معدل النمو وينتظره المزيد من التوتر وفقاً لتقيم المحلل الاقتصادي الدكتور مسعود نيلي فان اقتصاد ايران لم يخلق ايّ فرصة عمل على مدى السنوات الخمس الماضية! لقد دخل جزء كبير من الشباب الباحثين عن العمل وفي مراكز التعليم العالي ارتفع عدد طلبه الجامعات طيلة 20 سنة الماضية من 333 ألف طالب الى اربعة ملايين و300 ألف طالب اي 13 ضعفاً ويضيف ان هذه الموجه الكبيرة وفي ظل عدم خلق فرص العمل سوف يطالبون روحاني عما قريب بفرص عمل تتوافق ومؤهلاتهم الدراسية.


وحول بناء المستقبل تتحدث «الموجز» مخاطبة الرئيس الايراني الجديد: لقد تراجع صادرات النفط الايرانية بسبب العقوبات وعلي روحاني ان يثبت للشعب الايراني انه يمتلك الارادة اللازمة لمواجهة الصعوبات وخاصة الانخفاض الحاد في الايرادات الاجنبية والاثار السلبية المترتبة عليه ولاسيما تقلبات اسعار الصرف كل ذلك انهك الاقتصاد الايراني والى جانب هذه التوترات فان علاقات ايران التجارية والمالية والمصرفية مع الخارج تقع تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الساحقة ورداً على سؤال عما اذا كان هذا الدمار ناتج عن سوء الادارة ام عن العقوبات الاقتصادية يمكن القول انه نائج عن اوهام اولئك الذين لم يراعوا في قراراتهم المصالح الوطنية. والمهم الأن هو بناء المستقبل.


ولا يمكن بناء المستقبل دون التعرف على حقائق البلاد.


فعجله العقوبات التي انطلقت منذ سنوات واخذت تتسارع في السنتين الماضيتين لا يمكن ايقافها بسهولة وبالاضافه الى ذلك فمن الواضح ان الرئيس الجديد اذا كان يريد ان يحقق الثقة في علاقات ايران مع المجتمع الدولي سوف يواجه معارضة من قبل الاعداء في الداخل. ومن جانب آخر فان القيام باصلاحات من اجل الخروج بالاقتصاد الايراني من دوامته سوف يواجه بلاشك معارضة من قبل مؤسسات وشخصيات تستفيد من الوضع الحالي الى جانب كل هذه العقبات ينبغي ان نأخذ بعين الاعتبار الصعوبات في ادارة بلد يفتقر عملياً الى ميزانية جديرة وقد تم حل منظمة اعداد الميزانية بالاضافه الى الأرباك الحاصل في الايرادات والنفقات حيث اصبحت الامبراطوريات الاقتصادية الكبرى التي تتألف من العشرات من الوحدات الانتاجية والتجارية والمالية كل يضرب علي وتره ولا يخضع لأي رقابه او مساءلة ــ وبالتالي على روحاني ان يثبت للشعب انه يمتلك الارادة اللازمة لمواجهة هذه التحديات وعلى الشعب ان يمنحه الفرصة الكافيه اذا ما وثق بهذه الارادة.
اقرأ المزيد

علي عبدالله دويغر… عاش أبيّاً ومات حُرّاً أبيّاً

غيّب الموت صباح أمس الأول الجمعة (6 سبتمبر/ أيلول 2013) المناضل
البحريني علي عبدالله دويغر في السويد بعد أن عاش حياة جمعت بين اليتم
والألم والحرية والنضال والمنافي وبين صراع طويل مع الأمراض المختلفة التي
عصفت بجسده مرة بسبب التعذيب الذي تعرض له في غياهب سجون البحرين منذ
ستينات القرن الماضي ومرة مع مرض عضال ليطوي بذلك صفحة مناضل بحريني قلّما
تكرر أناس مثله.

ودويغر يعرفه معظم السياسيين في البحرين وخارجها فهو
مؤسس جبهة التحرير الوطني البحرانية. وهو أول تنظيم حزبي ويساري طليعي في
البحرين قاد الجماهير وهو يعد التنظيم الحزبي الأول من نوعه في الخليج
انطلق في 15 فبراير/ شباط العام 1955. وكان أول اجتماع نظمه للجبهة بدأ في
أحد أحياء المنامة القديمة بينما كان أول من صاغ ميثاق الجبهة بخط يده في
العام 1959.

ومن لا يعرف دويغر وعائلته فهو سليل عائلة منامية، فكلمة
دويغر، تعني الفيض والعطاء ومن ثم انسحبت الكلمة كلقب للعائلة، ويذكر أن
هناك أسراً عراقية ولبنانية وسعودية تحمل اللقب نفسه.

إن أسرة دويغر
من الأسر البحرينية العربية الأصلية في المنامة ذات جذور تاريخية وكان
منزلها يقع على المدخل المؤدي إلى رأس الرمان بالعاصمة وكانت تتاجر في مجال
المواد الغذائية، إضافة إلى التبغ المجلوب من عُمان، وهذا العمل تطلب
التنقل بين البحرين وعُمان.

والمناضل علي هو ابن أخ المرحوم محمد علي
دويغر مؤسس نادي العروبة وصاحب ثقافة تخطت الشأن المحلي إلى الشأنين
العربي والعالمي، فكان إنساناً وطنياً وقومياً صاحب رسالة مجتمعية.

لقد
كان علي دويغر الفتى الوحيد في وسط أخواته (أنيسة وغالية) وبنات عمّه في
العائلة إذ كان عمّه من أوائل من شجع فتيات العائلة على التعليم في وقت
مبكر كما كان منزل العائلة صالوناً أدبياً اعتاد المفكرون والمثقفون على
ارتياده في فترة كانت جهود المثقفين والنخب تنصبُّ على تنوير المجتمع.

أمّا
علي وأخواته فقد توفي والدهما عبدالله دويغر في سن صغيرة وقد كرست والدتهم
حياتها من أجل تربيتهم وتعليمهم إذ عانت الكثير من ملاحقة وسجن وتعذيب
ابنها الذي ناضل من أجل الحرية ثم ناضل في مرحلة أخرى من حياته ضد المرض
لعقود.

برز اسم علي دويغر منذ منتصف الخمسينات في القرن الماضي،
عندما بدأ نشاطه السياسي على مقاعد الدراسة بالمرحلة الثانوية إذ كان ضمن
الحلقة الريادية الصغيرة التي تبنّت الأفكار اليسارية والتقدمية في وقت
مبكر نسبياً بالقياس للطبيعة الخاصة لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي في
البحرين ومنطقة الخليج حتى أسّس جبهة التحرير الوطني البحرانية.

درس
دويغر في كلية التجارة في جامعة بغداد في العام 1956 وانخرط في الحياة
الطلابية النشطة التي نشطت في إطار النهوض الوطني في العراق عشية وبعد ثورة
الرابع عشر من يوليو/ تموز 1958، وبسبب تسارع التطورات السياسية هناك حيل
بينه وبين البقاء في العراق التي بقي فيها حتى 1959 ثم أبعد من العراق
مجبراً على ظهر سفينة من ميناء البصرة إلى قطر حيث عمل في شركة النفط لمدة
عام ثم غادر قطر إلى الكويت وعمل هناك مديراً لتحرير جريدة «الهدف»، التي
مكث فيها ستة أشهر إلا أن السلطات الكويتية قد أمرته بمغادرة الكويت بسبب
سلسلة مقالات جريئة حول احتكار شركات النفط الغربية لنفط الخليج ومطالباته
بتنويع مصادر الإنتاج. وبسبب آرائه وأفكاره فقد اعتقل لمدة ثمانية شهور في
العام 1964، ليودَع المعتقل ثانية إثر اندلاع انتفاضة مارس 1965، حيث مكث
في سجن جزيرة (جدا) عامين وثمانية شهور، ليكون بذلك آخر من غادر المعتقل
آنذاك.

كتب عنه رفيقه حسن جاسم الحجري عندما كان محتجزاً لمدة خمس
سنوات في جزيرة (جدا) قائلاً: «عرفتُ الرفيق علي دويغر في العام 1968 عندما
كنا في المعتقل بجزيرة جدا وأتذكر جيداً أنه كان في زنزانة مع إبراهيم
ديتو وكان معنا في الجزيرة كثير من الكوادر وأعضاء الجبهة وآخرين، وكان من
المحكوم عليهم مجيد مرهون مدى الحياة وحسن علي محمد كان محكوماً بستّ سنوات
بينما أنا كنتُ أصغرهم سنّاً وقد حُكم عليَّ بخمس سنوات». مضيفاً «عشنا
في تلك الجزيرة مع ضابط مدير السجن البريطاني فرانك سميث الذي كان يجيد
العربية وفي كل صباح ومساء يقوم هذا الضابط بتفقد المعتقلين والمحكومين
وعندما يصل إلى علي دويغر يقف نحو ربع ساعة يتبادل معه الأحاديث المختلفة
وما مضت إلا فترة وجيزة حتى فارقنا علي إذ تم نفيه إلى خارج البلاد…
التقيته في أواخر التسعينات فتذكرني في الحال وأهداني ألبوم صور رسمها بيده
كانت مُعبِّرة عن أيام زمان وعن حياتنا في السجن… مهما أتحدث عنه فهو
قليل بحقه… لقد كان نبراس طريقي وطريق كل الكادحين في البحرين».

أسهَمَ
دويغر بدور قيادي حاسم في تاريخ تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية وفي
نضال البحرين الطويل الذي مازالت موروثاته مستمرة حتى الوقت الحالي والفرْق
أن الزمن تغير لكن الممارسات مازالت مستمرة مع بعض التطور. وكابد الكثير
من أوجه المعاناة جراء ذلك، لكن القليلين الذين يعرفون علي دويغر الباحث
الذي قدم دراسات مهمة عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، بينها
تلك الأطروحات التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد.

من
أبحاثه المهمة: «تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين»، «تأثيرات اللؤلؤ
والنفط على العمل في البحرين، و «الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني»،
فضلاًً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي. في دراساته اتبع دويغر
منهج التحليل العلمي، المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية
والطبقية في مجتمع البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل
المثال قدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في
المجتمع البحريني مبيناً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات
الإنتاج الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، وهو بهذا
كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية محافظة. كما
رأى دويغر أن البرجوازية الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع،
وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال الأجنبي والشريحة المتنفذة من
البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف.

مثل
دويغر الذي كان يتمتع بفكر ثاقب هم قلة، فقد كان مؤمناً بخيار المقاومة
المدنية التي هي الطريق الأمثل لتحقيق الدولة المدنية لجميع البحرينيين دون
فرق أو استثناء ولم يتحرك إلا من منطلق قناعاته ولكنه دفع ثمن ذلك لأن ما
كان يحلم به لم يحقق حلم الدولة التي يبحث عنها حتى وقتنا الحالي.

وتعيش
المرحلة الراهنة مقاومة التغيير الذي يحقق الديمقراطية والعدل والتي مازال
يطالب بها الشارع البحريني عبر نضال طويل سقط فيه مئات الشهداء وآلاف
المعتقلين والمهجرين والمتضررين من سياسة القبضة الأمنية بسبب غياب الشروع
في التنمية الإنسانية التي تتطلب التوزيع العادل للثروة وتشييد البنى
التحتية التي تساهم في بناء مجتمع العدل والمساواة.

مهما كُتب ومهما قيل يبقى علي دويغر قامة وطنية كبرى في تاريخ الذاكرة والنضال البحريني… فقد عاش أبيّاً ومات حُرّاً أبيّاً!

اقرأ المزيد

علي دويغر


على
درب القادة الوطنيين الكبار الذين شكلوا بوعيهم المتقد وعملهم الدؤوب،
سيما مرحلة كاملة من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية
والتقدم الاجتماعي، رحل عنا القائد الوطني الفذ الدكتور علي دويغر، أحد
مؤسسي جبهة التحرير الوطني في البحرين؛ وأحد قادتها الكبار الذين اضطلعوا
بدور مهم في بناء تنظيمها وفي صوغ وثائقها البرنامجية ورؤاها السياسية وفي
نشر الوعي التقدمي في البلاد، كما اضطلع بدور مهم في تأسيس علاقتها
الكفاحية بقوى ومنظمات التقدم والسلم والتضامن في العالم، وفي سبيل ذلك دفع
ضريبة مواقفه الوطنية بالسجن والنفي، ولم يفت ذلك من عضده أو يضعف إرادته.






بصمات
علي دويغر واضحة في صوغ أول برنامج سياسي للحركة الوطنية والتقدمية التي
تشكلت وناضلت بشكل سري بعد قمع هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، ونعني به
أول وثيقة برنامجية لجبهة التحرير الوطني التي عرفت ب»برنامج الحرية
والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم» الذي صدر في عام
1962، بعد مناقشته في منظمات وخلايا الجبهة يومذاك، كما أن علي دويغر
بالذات كان من وضع مسودة برنامج كتلة الشعب لانتخابات المجلس الوطني في
مطالع السبعينات، حيث كان مقرراً ان يكون أحد مرشحي الكتلة، لولا أن إيان
هندرسون أمر بنفيه من البلاد إلى دولة الكويت، نظراً لدوره المحوري في جهود
تأسيس الكتلة وفي مجمل العمل الوطني في البلاد.


وكان علي دويغر أحد
أبرز قادة جبهة التحرير الوطني في إنتفاضة مارس 1965، حيث تم إعتقاله بعد
قمع الانتفاضة، وكان آخر من خرجوا من المعتقل بين المناضلين والوطنيين
الذين طالتهم الاعتقالات والسجن في تلك المرحلة، وبعد خروجه من السجن استمر
في نضاله الوطني، قبل أن يسافر لمواصلة دراساته العليا في السويد التي نال
منها شهادة الدكتواره، وهناك كانت له مساهماته في العمل الطلابي والوطني،
وكان هذا دأبه بعد عودته للبحرين مجدداً، حيث بقي فيها إلى حين اشتداد
المرض عليه في السنوات القليلة الماضية مما أضطره للالتحاق بعائلته في
السويد مجددا، حيث وافاه القدر المحتوم هناك.


إلى جانب دوره الوطني كان
علي دويغر باحثاً نابهاً قدَّم دراسات مُهمة عن خصائص التطور الاجتماعي
السياسي في البحرين، بينها تلك الأطروحة التي نال عنها درجاته العلمية في
جامعة لوند بالسويد، ومن أبحاثه المهمة بهذا الصدد: «تحليل مقارن للإدارة
العامة في البحرين»، «تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين»،
و«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني»، فضلاً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا
الإصلاح الزراعي.


في دراساته اتبع علي دويغر منهج التحليل العلمي،
المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية والطبقية في مجتمع
البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل المثال يقدم في بحثه
عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في المجتمع البحريني،
ملاحظاً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات الانتاج
الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، أو حالة خاصة، وهو
بهذا كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية
محافظة.


للحديث تتمة.


اقرأ المزيد

علي دويغر… مناضل كبير ورمز تاريخي لشعب البحرين

من قلوب يعصرها الحزن والألم ومآسي الأحداث المؤلمة التي تشهدها الساحة
البحرينية في هذه المرحلة الحساسة بالذات، نعزي عائلة المناضل الشهيد علي
عبدالله دويغر، وكل رفاقه الأوفياء وشعب البحرين برمته للمصاب الجلل
والخسارة الفادحة لرمز كبير من رموز القيادات النضالية الشجاعة في تاريخ
البحرين الحديث والمعاصر.

فهذا المناضل البحريني الأصيل والمتحمس
دائماً لنصرة قضايا شعبه الغارق منذ عدة عقود مضت ولايزال، في ويلات العسف
والاستبداد، يحمل في رصيده تاريخ نضال وطني ثابت وأصيل كزعيم مؤسس لفصيل
وطني عريق ومشهود له في التصدي بشراسة في وجه سلطة القمع والاستبداد وقهر
الإرادة الشعبية، وطرح مطلب الاستقلال والسيادة والكرامة والحكم الديمقراطي
والحريات، طيلة سنوات حقبة القمع المعتمة التي عصفت بالبلاد، وأزهقت
خلالها أرواح المناضلين الشجعان تحت وطأة التعذيب في السجون وفي التظاهرات
المطلبية السلمية المطالبة بالحريات العامة والاستقلال والسيادة الوطنية،
وهو ما جعل السلطات البحرينية، أن تعرضه للاعتقال والسجن، وثم الإبعاد من
أراضيها بشكل تعسفي، إلى تراب دولة الكويت في العام 1968 ليشارك هناك في
الحياة السياسية والنضالية متعاوناً مخلصاً مع أبناء شعبه المبعدين فيها،
وكان واثقاً من ضرورة الاستمرار في معركة النضال من أجل الحريات في البحرين
هو حق أصيل، يجب أن ينطلق من كل ساحات التواجدات، حتى تحقيق كل المطالب
الشعبية التي ترفع في الساحة البحرينية، والتي ناضلت واستشهدت من أجلها
أجيال من شعب البحرين، ومن بعد إقامته في الكويت غادر إلى مملكة السويد،
التي لم تبخل عن احتضانه في إحدى جامعاتها لتلقي علومه، وبعد انتهاء دراسته
الجامعية ظل يواصل مهمته في النضال الوطني بجانب رفاقه في جبهة التحرير
الوطني البحرينية وكذلك مختلف قوى التغيير في البلاد، التي ناضلت من أجل
الحكم البرلماني الدستوري والسعادة الدائمة لشعب البحرين، على رغم كل
المضايقات والمشقات الصعبة، والتي أبرزت من دون أدنى شك صلابة هذا المناضل
الشجاع وضاعفت من عزيمته في الدفاع عن قضايا شعبه ووطنه.

تعرفت عليه
في البحرين في العام 2001 بعد عودتي من المنفى القسري في الدنمارك، خلال
فترة الانفتاح السياسي، التي أعقبت حقبة القمع الوحشي التي فرضها قانون أمن
الدولة السيئ الصيت في النصف الأخير من القرن الماضي، والتي سمحت بفتح
صفحة جديدة مع المعارضة في الداخل والخارج، ورؤية غير واضحة تماماً لمستقبل
البلاد السياسي والحقوقي المأزوم، وذلك من خلال الصديق العزيز المناضل علي
قاسم ربيعة، عضو البرلمان البحريني المنحل في العام 1975، الذي قدم لي
دعوة كريمة للاتصال به والتعرف عليه والاستفادة من خبراته وتجاربه النضالية
الأصيلة، فوجدت فيه خير مثال على قول الحق والتواضع والاحترام والفكر
السديد والنير، والإصرار على مواصلة دروب النضال على رغم كبر سنه واعتلال
صحته، من خلال كل ما تعرض له من عسف طوال مسيرته النضالية الطويلة والمشهود
لها بالصلابة.

وأتذكر يوم التقيته لأول مرة في حياتي، وجمعتني به
ثلاث ساعات كاملة من النقاش السياسي، في إحدى صالات فندق الشيراتون
بالعاصمة المنامة وبمعيته الأخ علي قاسم ربيعة، أنه كان رجلاً خجولاً ولم
يسهب كثيراً في الكلام ولم يجادل في غير الأمور الوطنية الصعبة، فكان
دائماً يطرح عليّ الأسئلة المحرجة عن رؤيتي بالتطورات الجديدة في البحرين
والمشاريع الإصلاحية الراهنة واللاحقة، والأدوار التي ستلعبها المعارضة
الداخلية والعائدة من المنافي القسرية، وكنت أرد على كل سؤال من هذه
الأسئلة بدقة متناهية خوفاً من الوقوع في بعض الأخطاء السياسية الفاضحة،
وأكرر له القول إن الوسائل الوحيدة لتصحيح الأوضاع ومعالجة دوامة الأزمات
التي عصفت بالبلاد طوال تلك العقود البعيدة، والتي عانت منها فئات اجتماعية
وعقائدية وتيارات سياسية وبعض الطوائف البحرينية، هو القيام بعمل مفيد
لشعب البحرين، ويجنبه من عودة الماضي القمعي، الذي ساد البلاد، قبل فترة
الانفتاح السياسي، والكف عن كل أساليب الانقسام بين مختلف قوى المعارضة
البحرينية، والتفكير في مصالحة وطنية جادة، والسعي للتركيز على المستقبل،
وتناسي الجميع للماضي، وكان الرجل يستمع إلى كل تلك الطروحات من دون أن
يقاطع، ويبدي رأيه فيها بكل صراحة، ويكرر القول إنه لا يمكن لأي شعب في
العالم، أن ينهض وينتصر لقضاياه المحقة والعادلة، ويواكب عصر التقدم
والديمقراطية الواقعية من دون تحقيق تلك الأسباب الحقيقية التي قد طرحتها.

رحم الله المناضل الشهيد علي عبدالله دويغر وأسكن روحه الطيبة جنان الخلد مع الصالحين وكل الشهداء الأبرار.

هاني الريس
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4018 – السبت 07 سبتمبر 2013م الموافق 02 ذي القعدة 1434هـ   
اقرأ المزيد

عجباً… عضو بمجلس بلدي العاصمة يقف مع حل المجلس

حالة العداء المستحكم الذي يتخذه البعض ضد القوى الوطنية المعارضة،
تجعله في أغلب الأحيان يتخذ مواقف سلبية ليس تجاه المعارضة فحسب وإنما تجاه
الوطن ككل وأحياناً تجاه نفسه، وكل ذلك لهدف وحيد وهو إضعاف هذه القوى
ومحاربتها بجميع الوسائل المتاحة.

لا يمكن تفسير موقف أحد أعضاء مجلس
بلدي العاصمة من قرار حل المجلس وتعيين عشرة أعضاء بدلاً من الأعضاء
المنتخبين الحاليين إلا من هذا المنظار، فكيف يمكن لعضو بلدي انتخبه الناس
لقضاء مصالحهم وتحسين أوضاع منطقتهم أن يقف مع قرار حل المجلس بحجة أن
«العضو البلدي لا يمكن له أن يوقف المخالفات والتجاوزات التي تحدث في
دائرته بسبب علاقته الشخصية مع الناخبين». إن كان الأمر كذلك فإنه ليس هناك
خصوصية لمجلس بلدي العاصمة، وذلك يعني أنه يجب حل جميع المجالس البلدية في
جميع المحافظات وتعيين الممثلين البلديين بدلا من المنتخبين، وذلك ما يمثل
تراجعا عن التجربة الديمقراطية والعودة للوراء.

ممثل الدائرة الأولى
في مجلس بلدي العاصمة غازي الدوسري هو الوحيد من بين جميع الأعضاء الذي
اتخذ هذا الموقف الشاذ وغير المفهوم تماماً، وبعكس بقية الأعضاء الذين يرون
أن هذا القرار «لا علاقة له بنية صافية لتطوير العاصمة بقدر ما هو توجّه
سياسي لأهداف محددة»، فإن الدوسري يرى أن «تشكيل الأمانة العامة للعاصمة
وتعيين أعضائها العشرة سيفتح باب الاستثمارات وسيدخل البلاد منعطفاً
استثمارياً متطوراً لا توجد أسباب تعوقه»، وكأن المجالس البلدية هي العائق
الوحيد أمام الاستثمارات الأجنبية، وكأن المهمة الوحيدة للمجالس البلدية هي
جذب الاستثمارات للمنطقة التي تمثلها.

أعضاء مجلس بلدي العاصمة
يؤكدون أن هذا المقترح هو لحجب المخالفات التي يقوم بها مكتب الوزير من
خلال منح التراخيص لمحلات تجارية في أماكن غير مسموح بها وبصفة مخالفة
للاشتراطات، والتستر على ملفات الفساد والتجاوزات الحاصلة في الوزارة طوال
الأعوام الماضية ولتحميل المجالس البلدية عامة مسئولية إخفاقات الوزارة
وتعطيلها للمشروعات والخدمات، ويشيرون إلى أن 80 في المئة من التوصيات
والقرارات التي أحيلت للوزارة لم يتم الرد عليها حتى الآن.

لو كان
هناك موقف وطني موحد لما اقترح النواب وبتوجيه من الوزير إلغاء مجلس بلدي
العاصمة، ولأسباب غير مقنعة تماماً وتتنافى مع الدستور في حق المواطنين في
انتخاب ممثليهم البلديين، ولما كان لأحد أعضاء المجلس أن يتخذ هذا الموقف.

اقرأ المزيد