إلى صديقي في الزنزانة رقم (5) بسجن القلعة، مارس 1965: طريقنا أنت
تدري… شوكٌ وعرٌ عسير. شوك على جانبيه، لكننا سنسير. إلى الأمام نسير.
بعد
الانتهاء من حفلات الضرب والتعذيب الذي يعد بدائياً يومها، ولا يفضي إلى
الموت كما يحصل هذه الأيام، وكنت مشاركاً ضمن آلاف من أبناء شعب البحرين في
انتفاضة مارس (آذار) المجيدة 1965، نقلوني من زنزانة خارج مبنى السجن
القديم، وكانت عبارة عن أحد صفوف المدرسة داخل القلعة، وكان معي المرحوم
العروبي القومي حمد يعقوب لمخضب من المحرّق، وتهمتي أني هتفت في المظاهرات،
وأخفيت المناضل أحمد الشملان في أحد بيوت المحرق والذي اصطلح على تسميته
بـ «المخبأ».
لم يحصلوا مني يومها على أية معلومة، ويبدو أنهم يئسوا،
أو ظنوا أن هذا الولد ذا السبعة عشر عاماً، لا يمكن أن تكون له صلة بأحد
قيادات حركة القوميين العرب البارز في جميع نشاطات ومظاهرات المحرق. ذات
صباح فُتح باب الزنزانة ووضعوا القيد في يدي، واقتادوني إلى السجن الرئيسي
بالقلعة. كانت أبواب الزنازنة جميعها موصدة، وعبرنا الزنازنة من اليسار حتى
وصلنا الزنزانة (5). وكان بابها من قضبان الحديد، وإذا برجل ذي لحية كثيفة
ونظارة طبية بيضاء كالتي يلبسها الأطباء أو كبار الكتّاب، يحملق من خلال
القضبان ويمسح بيده على لحيته الكثة.
فتح عريف الشرطة الباب، وفكّ
القيد الحديدي عن يدي، وخاطب الرجل بعربية مكسّرة: «هذي ولد صغير يسوّى
شوشرة في محرق خلي بالك عليه». ويبدو أن هذا العريف بعرف هذا الرجل ذو هيبة
واضحة في وقفته ونظراته. أغلق الباب وانصرف العريف، وفي طريقه إلى الخارج
توقّف عند الزنزانة رقم 1 ونادى بأعلى صوته: «علي شيراوي يبي أكل». وانصرف
وهو يقهقه.
يبدو أنه يعرف المترددين على السجن، استقبلني الرجل بحنو
الأب، وربت على كتفي وقال: «لا يهمك. أأنت عبدالله مطيويع؟» اندهشت لمعرفته
إياي، وقلت: نعم. فقال: «سمعنا عنك. خلك على موقفك وصمودك». يبدو أن
الأخبار كانت تصلهم عن جميع من هم خارج السجن الرئيسي، عن طريق السجناء
الآخرين الذين لعبوا دوراً مهماً في توصيل المعلومات والرسائل من وإلى داخل
السجن، وكان أبرزهم المرحوم جاسم تراب، وأحمد القحطاني من المحرق، والذي
اقترب من الزنزانة، وبيده مجرفة لكنس الأرضية وقال موجِّهاً كلامه للمناضل
علي دويغر: «هذا ولدنا اتحمل فيه»، وانصرف. تيقنت أن هناك شبكة من التواصل
والتضامن من المحكومين والمعتقلين السياسيين، وأمطرني بالأسئلة التفصيلية
عن تطور الأحداث وخصوصاً في المحرق، وسردتها عليه كاملة، وكان بقية الإخوة
في الزنزانات الأخرى وخصوصاً القريبة من الزنزانة (5) متشوقين لسماع
الأخبار، محمد سيف عجلان المناعي، محمد بونفور، أحمد بوجيري، أحمد حارب،
سبت سالم سبت، وعلي عيش، موزعين بين الزنزانات من 1 إلى 7.
وصار علي
دويغر الذي أنست به كثيراً، يبث لهم الأخبار بصوت خافت لكي لا يتنبه الحراس
إليه، فالكلام ممنوع، ولم ننتبه إلا على صوت جلبة القيود اليدوية حين جلب
عاملان الغداء، وساد الصمت. في المقدمة كان جاسم تراب، الذي بدأ يوزع صحون
الرز المرشوش بمرق البوبر، وعينه على صحن دون الصحون ينقله من مكان إلى آخر
وسط الصينية التي كانت تحمل الصحون، فتح باب الزنزانة (5)، ومد (جاسمي)
يده إلى ذلك الصحن، ووضعه داخل الزنزانة، وقام بحك رأسه إلى على دويغر،
وابتسم دويغر ووضع الصحن وانصرف (جاسمي)، بدأنا في تناول الرز حتى آخر حبة،
كان صل الماء هو ما نشرب منه، وكانت لدينا علبة طلاء صدئة للتبول.
أدار
الأخ علي دويغر ظهره وفتح لفافة مطوية بعناية بالنايلون، واستغرق في
قراءتها واستغرفت أنا في النوم لأنني لم أنم منذ ثلاثة أيام.
صحوت
على يد تربت علي لأصحو، ففزعت، وحسبت أنهم سيأخدونني للتحقيق، كانت يد
حانية توقظني لكي نذهب الحمام. خلال فترة الانتظار، قال لي الأخ دويغر:
اسمع يا مطيويع، ما سأقوله لك واحفظه جيداً. ربما يأخذونك للتحقيق أوربما
يأتون ببعض من نعرف أو من كنتم معه في نشاط خلال الانتفاضة، وقد يكون
نهاراً، فقد سمعنا أن بعض الأشخاص قد اعترفوا على رفاقهم، وخلك ريّال، كما
سمعنا عنك، فهذا الطريق طريق طويل وعر. ومادام تم اختيارك تحمّل تبعاته،
وشعبنا هذا يستحق التضحية.
في الليل صدق تنبؤ علي دويغر، جاءوا
وأخذوني إلى قسم المخابرات وأوسعوني ضرباً، وجاءوا بأحدهم ليقول (هو) وأظنه
يعرف أين يختبئ أحمد الشملان وراشد القطان وشاكر عقاب. ولم ينالوا مني.
قرب الصباح أعادوني إلى الزنزانة واستقبلني دويغر وراح يدلك أجسامهم ويضع
المشموم على بعض الجراح، ويردّد: (كفو عليك يا مطيويع والله كفو عليك).
كانت كلمات هذه قد نفذت إلى روحي وزادت من شدة عزمي. وكانت الدرس الأول في
الصمود ومواجهة الجلادين.
كان ودوداً وذا قدرة فائقة على تحبيب
الأشياء لمحدثه، فلكي يخفف عني صار يسرد لي بطريقة يخرجني بالخيال إلى خارج
الزنزانة والسجن، فيقول لي: سوف يأخذونك إلى جزيرة جدّا، وهناك في الجزيرة
ستشفى جراحك لأن هواءها طيّب، وسوف تأكل بدل هذا (الكرص) الرغيف البائس
(جباتي) لم تأكل مثله قط. وتشرب ماءً عذباً ليس كماء القلعة، وفعلاً جعلني
أسرح وأحلم بالذهاب إلى سجن جزيرة جدا وليس إلى البيت!
في سجون
البحرين التقيت الكثيرين، ومررت بالكثير، وفي هذه الرحلة يأتي كثيرون، ويمر
كثيرون، ولا يتركون ما يتركه في الروح والوجدان إلا القلائل، ومن هؤلاء
القلائل، المناضل علي دويغر، كما أحمد الشملان.
علي عبدالله دويغر…
في ذكراك استحضر أبيات الشاعر: نحن حبات البذار.نحن لا ننجو جميعاً عندما
يأتي الربيع. بعضنا يهلك في هول الصقيع. وتدوس البعض منا الاحذية. غير انا
كلنا لسنا نموت. إننا نعلم أطلال القبور. ستُغطّى ذات يوم بالسنابل. وسينسى
الناس أحزان القرون. وسينسون المنافي والمقاصل والسجون. نحن إذ نحيا فمن
أجل الربيع. وإذا متنا فمن أجل الربيع.
ثانيا : وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال
الحكومة في حوار التوافق الوطني
تقديم
الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة هي جوهر الرقابة السياسية، فالبرلمان كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، ومهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين أي التشريع – هي مراقبة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان التحقيق وإجبارها على تبرير تصرفاتها وقراراتها أمام الناس، وحيث أن هذه الرقابة تتطلب النشر، فإنها تشكل ضمانة لحقوق الأفراد وتكفل حرياتهم ضد تصرفات الحكومة ومؤسساتها .
وإذا كانت الرقابة البرلمانية بهذا المعنى، فما هو مداها في التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في ضوء مخرجات حوار التوافق الوطني الأول ؟؟
أن القراءة الواقعية لهذه التعديلات الدستورية لوسائل الرقابة البرلمانية تقتضي القول بأنها تعديلات إيجابية أي أفضل مما كانت عليه عند صدور الدستور 2002. فقد أعطت هذه التعديلات مدة زمنية لرد الحكومة على الاقتراح برغبة هي ستة أشهر، وأعادت الاعتبار لوسيلة كان دستور 1973 قد نص عليها وتجاهلها دستور 2002 وهي، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، حسب المادة (68/ أ و ب) من الدستور. وقصرت توجيه الأسئلة للوزراء على أعضاء مجلس النواب بعد أن كانت مشتركة بين أعضاء المجلسين حسب المادة (91) الفقرة الأولى. وجعلت مناقشة الاستجواب في المجلس إلا إذا قرر المجلس بأغلبية أعضاءه مناقشته في اللجنة المختصة، وأبقت على إجراءات سحب الثقة في الوزراء، وتأليف لجان التحقيق دون تعديل، وعدلت في وسيلة عدم أمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره بأغلبية الثلثين لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني ، وأضافت التعديلات الدستورية وسيلة جديدة هي إقرار مجلس النواب لبرنامج الحكومة غير أن عيوبا ونواقص قد شابت بعض هذه الوسائل يتعين معالجتها في حوار التوافق الوطني القائم ونبين ذلك على التفصيل الأتي :
أولا : في الاستجواب :
يعد الاستجواب من أهم وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، إذ يحقق رقابة فعليه لمجلس النواب في مواجهة السلطة التنفيذية، وهو يعني محاسبة الوزير واتهامه في الوقت ذاته ، وقد يؤدي إلى تحريك مسئوليته السياسية بطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة ، والاستجواب على عكس السؤال يفتح مناقشة حقيقية لا يشارك فيه مقدمو الاستجواب وحدهم بل سائر الأعضاء .
التعديل الدستوري للاستجواب مازال يتعارض مع الفقه الدستوري: انتقدنا في دراسات سابقة ما نص عليه دستور 2002 حين جعل من مناقشة الاستجواب داخل اللجان إذ لم نجد في القانون الدستوري المقارن مثالا لما سار عليه دستور البحرين ، غير أن التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في 3 مايو 2012 بشأن الاستجواب رغم إيجابيتها النسبية أبت أن تجعل من هذه الوسيلة الهامة وسيلة فاعلة ، ذلك أن التعديل الدستوري بشأن الاستجواب الذي نصت عليه المادة (65) المعدلة من الدستور وان نصت على أن مناقشة الاستجواب تتم في المجلس ، إلا أنه إذا قرر أغلبية أعضائه عدم مناقشته في المجلس ، فأن مناقشته تتم في اللجنة المختصة .
وإذا كنا نرى أن هذا التعديل الدستوري يعد خطوة متقدمة عما كان معمول به فأن هذا التعديل يظل متعارضا مع ما هو مقرر في الفقه الدستوري وفي القوانين المقارنة التي نصت على أن مناقشة الاستجواب لا يكون في اللجان بل في المجلس النيابي ، كما هو الحال على سبيل المثال في الكويت ، الأردن ، مصر ، البحرين في مجلس 1973 .
تعديلات اللائحة الداخلية الجديدة لمجلس النواب قيدت الاستجواب وقللت من ايجابية التعديل الدستوري وذلك فيما يلي
1- وضعت إجراءات طويلة للاستجواب حتى يصل لمرحلة المناقشة في المجلس أو اللجنة المختصة حسب الأحوال :
* إذ يقدم طلب الاستجواب حسب المادة (145) من اللائحة إلى رئيس المجلس ، مشتملا بصفة عامة على موضوعه ، مع توافر الشروط التي نصت عليها المادة المذكورة .
* ثم يحيل رئيس المجلس الاستجواب فور تقديمه إلى مكتب المجلس لإبداء الرأي في مدى توافر الشروط الشكلية حسب نص المادة (145 مكررا)
* ويعد التحقق من توافر الشروط الشكلية في الاستجواب يعرض رئيس المجلس الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية حسب نص المادة (145مكرراً (1) ) للتحقق من جدية الاستجواب وللتأكد من توافر الوقائع والمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظر مقدمي الاستجواب.
وإذا كنا نرى انه من المقبول أن يقدم الاستجواب لرئيس المجلس ثم إلى مكتب المجلس فأن ما استحدثته المادة الجديدة ( 145مكرر 1) من اللائحة الداخلية بضرورة عرض الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة للتحقق من جديته ، فيه مضيعة لوقت المجلس وتكرار لما سيقوم به مكتب المجلس ، خاصة وان تعديلات اللائحة الجديدة قد نصت في المادة (15)على توسعة أعضاء مكتب المجلس إذ أصبح يتكون من الرئيس ونائبيه، ويضم إليهم رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في البنود أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة بمجرد انتخابهم .
2- نصت اللائحة الداخلية على حالات سقوط للاستجواب تتعارض مع القانون الدستوري المقارن :
* فالاستجواب كما هو مقرر في الفقه الدستوري لا يسقط إذا سحب أو أسترد العضو مقدم الاستجواب استجوابه إذا كان قد انضم إليه عضو آخر وأصر هذا العضو على مناقشة الاستجواب ( انظر في ذلك د.إبراهيم عبد العزيز شيحا – تحليل النظام الدستوري ص 303 ) وهو ما نصت عليه اللوائح الداخلية للمجالس التشريعية منها مثلا اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي في المادة المادة 141 التي نصت على انه ( إذا تنازل المستجوب عن استجوابه أو غاب عن الجلسة المحددة لنظره فلا ينظره المجلس إلا إذا تبناه في الجلسة أو قبله أحد الأعضاء.)
* فإذا كان ذلك هو المقرر في الفقه والقانون المقارن ، فأن ما نصت عليه المادة (150) من اللائحة الداخلية إذا ترتب على استرداد الاستجواب من أي مقدميه نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، يستبعد الاستجواب من جدول الأعمال ولا ينظر فيه. أو ما نصت عليه الفقرة الثانية من ذات المادة والتي استحدثها التعديل الجديد ويعتبر عدم حضور احد مقدمي الاستجواب الجلسة المحددة لمناقشته في المجلس أو اللجنة استردادا منه للاستجواب ، لا يعد انتقاصا من حق بقية أعضاء مجلس النواب في مناقشة الاستجواب والانضمام إلى مقدميه فحسب بل اعتداء عليه . وكان الأجدر أن تنص التعديلات الجديدة للائحة الداخلية لمجلس النواب على عدم سقوط الاستجواب في حالة استرداده من أحد مقدميه أو عدم حضوره جلسة مناقشة الاستجواب إذا أنضم إليه عضوا بديلا عنه .
* وإذا كان من المقبول أن يسقط الاستجواب حسبما نصت عليه المادة (151) من اللائحة الداخلية بزوال صفة من وجه إليه ، أو انتهاء عضوية أحد مقدميه لأي سبب من الأسباب إذا ترتب على ذلك أن نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، غير أنه من غير المنطقي أن يظل النص في المادة المذكورة على سقوط الاستجواب بانتهاء الدور الذي قدم خلاله ، وذلك بالنظر لقصر مدة دور الانعقاد ، وبالنظر للمهام والأعمال التي يقوم بها مجلس النواب وازدحام جدول إعماله خلال دور الانعقاد ، فضلا عن سقوط الاستجواب خلال دور الانعقاد الذي قدم فيه ضياع لجهود مقدمي الاستجواب واللجان التي تبحث سلامته القانونية والدستورية ، وكان الأجدر النص على سقوطه بانتهاء الفصل التشريعي بدلا من سقوطه في دور الانعقاد الذي قدم خلاله فإذا انتهى دور الانعقاد دون البت في الاستجواب يستأنف المجلس نظره بحالته عند بدء الدور التالي .
ثانيا : في سحب الثقة بالوزراء :
قد يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزير على مجلس النواب وذلك حسب الاوضاع التي نصت عليها المادة 66 من الدستور وذلك بطلب موقع من عشرة أعضاء من مجلس النواب إثر مناقشة استجواب موجه إليه فإذا قرر مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ، ويقدم استقالته فورا.
لكن المادة (153) من اللائحة الداخلية أعتبرت عدم وجود أحد الإعضاء العشرة مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزيرتنازلا عن الطلب وفي ذلك مصادرة ليس لحق باقي النواب مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزير فحسب ، بل لكل أعضاء مجلس النواب الحاضرين ، ذلك ليس هناك ما يمنع في التشريع أن ينظم أحد الأعضاء الحاضرين إلى طلب سحب الثقة بدلا من العضو غير المتواجد ، كما أن هذا القيد يفسح مجالا للتلاعب في الطلب بحيث يمكن التأثير على أحد الأعضاء العشرة بعدم حضور الجلسة المحدد لعرض الطلب .
ثالثا:في عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء :
إذا كان هناك من إيجابية في التعديلات الدستورية بما نصت عليه المادة (67) البنود (ب، جـ، د) من الدستور والمتعلقة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء من مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني بأغلبية الثلثين ويرفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب ، فإن هذه الإيجابية لن تتحقق في الواقع ، فإذا كانت الأغلبية العادية لمجلس النواب هي محصنه بالنظام الانتخابي غير العادل يصعب تحقيقها فكيف يمكن أن تتحقق في ظل هذا النظام أغلبية الثلثين لصدور قرار بعدم أمكان التعاون مع رئيس الوزراء ؟ ، وهذه الإيجابية لا تقارن بما نصت عليه المادة 69 الفقرة الأخيرة من دستور 1973 التي نصت على أنه إذا حل المجلس وتجددت تولية رئيس مجلس الوزراء المذكور ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة..
وحكم سقوط طلبات وسائل الرقابة في اللائحة الداخلية لا يقتصر فقط على طلب الاستجواب وسحب الثقة بالوزير ، بل تمتد إلى وسيلة عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء إذ تنص المادة (157) من اللائحة الداخلية على انه “يعرض الرئيس على المجلس طلب عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء فور انتهاء مكتب المجلس من إعداد التقرير بشأنه ، وذلك بعد أن يتحقق من وجود مقدمي الطلب بالجلسة ويعتبر عدم وجود أحدهم بالجلسة تنازلاً عن الطلب، ويترتب عليه إسقاطه”.
رابعاً: في إقرار برنامج الحكومة :
كانت المادة ( 46 ) من الدستور تقتصر على النص بأن ( يؤدي رئيس مجلس الوزراء والوزراء ، أمام الملك ، وقبل ممارســـــة صلاحياتهم اليمين المنصــــــوص عليها في المادة (78) من هذا الدستور ) ، غير أن التعديلات الدستورية أضافت فقرة جديدة إلى المادة المذكورة ، وهي إضافة إيجابية ، فحواها أن يقدم رئيس الوزراء برنامج الحكومة لمجلس النواب لإقراره ، فإذا لم يقره أغلبية أعضاءه تقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إجراء ما تراه من تعديلات ، فإذا أصر المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه على رفض البرنامج للمرة الثانية قبل الملك استقالة الوزارة وتشكل وزارة جديدة ، فإذا لم يقر المجلس برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات السابقة فأن للملك خياران إما حل المجلس أو يقبل استقالة الحكومة ويعين وزارة جديدة .
غير أن اشتراط هذه الفقرة توافر أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب إذا أصر المجلس على رفض البرنامج للمرة الثانية، ينال من هذه الايجابية، إذ يتعذر في الواقع توافر مثل هذه الأغلبية في ظل تركيبة المجلس الراهنة بسبب يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي جرى تفصيله بمقاس لا تحقق فيه أغلبية معارضة.
وضع عيوب ونواقص وسائل الرقابة البرلمانية على جدول أعمال الحوار :
فإذا كانت تلك هي إيجابيات وعيوب ونواقص بعض وسائل الرقابة البرلمانية التي يتمتع بها مجلس النواب وحده دون مجلس الشورى والتي جاءت بها التعديلات الدستورية على ضوء مرئيات الحوار الوطني الأول ، فهل يمكن للحوار الوطني الحالي أن يضع هذا المحور على جدول أعماله ويتصدى لمعالجة ما شاب هذه الوسائل من عيوب ونواقص ؟.
بالتأكيد يمكنه ذلك طالما أن وسائل هذه الرقابة تدخل ضمن المحور السياسي وطالما أن هذه الوسائل تعد من أهم اختصاصات مجلس النواب ، ومعالجتها معالجة صحيحة على النحو الذي أشرنا إليه سلفا يسهم إلى جانب معالجة الاختصاص التشريعي في الخروج من الأزمة السياسية والدستورية.
يتبع ثالثاً : النظام الانتخابي في حوار التوافق الوطني
للاطلاع على الحلقة الاولى من هذا الموضوع
إضغط على الرابط:
هل من برنامج للمصالحة في حوار التوافق الوطني ؟!
غيّب الموت صباح أمس الأول الجمعة (6 سبتمبر/ أيلول 2013) المناضل
البحريني علي عبدالله دويغر في السويد بعد أن عاش حياة جمعت بين اليتم
والألم والحرية والنضال والمنافي وبين صراع طويل مع الأمراض المختلفة التي
عصفت بجسده مرة بسبب التعذيب الذي تعرض له في غياهب سجون البحرين منذ
ستينات القرن الماضي ومرة مع مرض عضال ليطوي بذلك صفحة مناضل بحريني قلّما
تكرر أناس مثله.
ودويغر يعرفه معظم السياسيين في البحرين وخارجها فهو
مؤسس جبهة التحرير الوطني البحرانية. وهو أول تنظيم حزبي ويساري طليعي في
البحرين قاد الجماهير وهو يعد التنظيم الحزبي الأول من نوعه في الخليج
انطلق في 15 فبراير/ شباط العام 1955. وكان أول اجتماع نظمه للجبهة بدأ في
أحد أحياء المنامة القديمة بينما كان أول من صاغ ميثاق الجبهة بخط يده في
العام 1959.
ومن لا يعرف دويغر وعائلته فهو سليل عائلة منامية، فكلمة
دويغر، تعني الفيض والعطاء ومن ثم انسحبت الكلمة كلقب للعائلة، ويذكر أن
هناك أسراً عراقية ولبنانية وسعودية تحمل اللقب نفسه.
إن أسرة دويغر
من الأسر البحرينية العربية الأصلية في المنامة ذات جذور تاريخية وكان
منزلها يقع على المدخل المؤدي إلى رأس الرمان بالعاصمة وكانت تتاجر في مجال
المواد الغذائية، إضافة إلى التبغ المجلوب من عُمان، وهذا العمل تطلب
التنقل بين البحرين وعُمان.
والمناضل علي هو ابن أخ المرحوم محمد علي
دويغر مؤسس نادي العروبة وصاحب ثقافة تخطت الشأن المحلي إلى الشأنين
العربي والعالمي، فكان إنساناً وطنياً وقومياً صاحب رسالة مجتمعية.
لقد
كان علي دويغر الفتى الوحيد في وسط أخواته (أنيسة وغالية) وبنات عمّه في
العائلة إذ كان عمّه من أوائل من شجع فتيات العائلة على التعليم في وقت
مبكر كما كان منزل العائلة صالوناً أدبياً اعتاد المفكرون والمثقفون على
ارتياده في فترة كانت جهود المثقفين والنخب تنصبُّ على تنوير المجتمع.
أمّا
علي وأخواته فقد توفي والدهما عبدالله دويغر في سن صغيرة وقد كرست والدتهم
حياتها من أجل تربيتهم وتعليمهم إذ عانت الكثير من ملاحقة وسجن وتعذيب
ابنها الذي ناضل من أجل الحرية ثم ناضل في مرحلة أخرى من حياته ضد المرض
لعقود.
برز اسم علي دويغر منذ منتصف الخمسينات في القرن الماضي،
عندما بدأ نشاطه السياسي على مقاعد الدراسة بالمرحلة الثانوية إذ كان ضمن
الحلقة الريادية الصغيرة التي تبنّت الأفكار اليسارية والتقدمية في وقت
مبكر نسبياً بالقياس للطبيعة الخاصة لمستوى التطور الاجتماعي والسياسي في
البحرين ومنطقة الخليج حتى أسّس جبهة التحرير الوطني البحرانية.
درس
دويغر في كلية التجارة في جامعة بغداد في العام 1956 وانخرط في الحياة
الطلابية النشطة التي نشطت في إطار النهوض الوطني في العراق عشية وبعد ثورة
الرابع عشر من يوليو/ تموز 1958، وبسبب تسارع التطورات السياسية هناك حيل
بينه وبين البقاء في العراق التي بقي فيها حتى 1959 ثم أبعد من العراق
مجبراً على ظهر سفينة من ميناء البصرة إلى قطر حيث عمل في شركة النفط لمدة
عام ثم غادر قطر إلى الكويت وعمل هناك مديراً لتحرير جريدة «الهدف»، التي
مكث فيها ستة أشهر إلا أن السلطات الكويتية قد أمرته بمغادرة الكويت بسبب
سلسلة مقالات جريئة حول احتكار شركات النفط الغربية لنفط الخليج ومطالباته
بتنويع مصادر الإنتاج. وبسبب آرائه وأفكاره فقد اعتقل لمدة ثمانية شهور في
العام 1964، ليودَع المعتقل ثانية إثر اندلاع انتفاضة مارس 1965، حيث مكث
في سجن جزيرة (جدا) عامين وثمانية شهور، ليكون بذلك آخر من غادر المعتقل
آنذاك.
كتب عنه رفيقه حسن جاسم الحجري عندما كان محتجزاً لمدة خمس
سنوات في جزيرة (جدا) قائلاً: «عرفتُ الرفيق علي دويغر في العام 1968 عندما
كنا في المعتقل بجزيرة جدا وأتذكر جيداً أنه كان في زنزانة مع إبراهيم
ديتو وكان معنا في الجزيرة كثير من الكوادر وأعضاء الجبهة وآخرين، وكان من
المحكوم عليهم مجيد مرهون مدى الحياة وحسن علي محمد كان محكوماً بستّ سنوات
بينما أنا كنتُ أصغرهم سنّاً وقد حُكم عليَّ بخمس سنوات». مضيفاً «عشنا
في تلك الجزيرة مع ضابط مدير السجن البريطاني فرانك سميث الذي كان يجيد
العربية وفي كل صباح ومساء يقوم هذا الضابط بتفقد المعتقلين والمحكومين
وعندما يصل إلى علي دويغر يقف نحو ربع ساعة يتبادل معه الأحاديث المختلفة
وما مضت إلا فترة وجيزة حتى فارقنا علي إذ تم نفيه إلى خارج البلاد…
التقيته في أواخر التسعينات فتذكرني في الحال وأهداني ألبوم صور رسمها بيده
كانت مُعبِّرة عن أيام زمان وعن حياتنا في السجن… مهما أتحدث عنه فهو
قليل بحقه… لقد كان نبراس طريقي وطريق كل الكادحين في البحرين».
أسهَمَ
دويغر بدور قيادي حاسم في تاريخ تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية وفي
نضال البحرين الطويل الذي مازالت موروثاته مستمرة حتى الوقت الحالي والفرْق
أن الزمن تغير لكن الممارسات مازالت مستمرة مع بعض التطور. وكابد الكثير
من أوجه المعاناة جراء ذلك، لكن القليلين الذين يعرفون علي دويغر الباحث
الذي قدم دراسات مهمة عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، بينها
تلك الأطروحات التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد.
من
أبحاثه المهمة: «تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين»، «تأثيرات اللؤلؤ
والنفط على العمل في البحرين، و «الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني»،
فضلاًً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي. في دراساته اتبع دويغر
منهج التحليل العلمي، المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية
والطبقية في مجتمع البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل
المثال قدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في
المجتمع البحريني مبيناً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات
الإنتاج الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، وهو بهذا
كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية محافظة. كما
رأى دويغر أن البرجوازية الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع،
وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال الأجنبي والشريحة المتنفذة من
البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف.
مثل
دويغر الذي كان يتمتع بفكر ثاقب هم قلة، فقد كان مؤمناً بخيار المقاومة
المدنية التي هي الطريق الأمثل لتحقيق الدولة المدنية لجميع البحرينيين دون
فرق أو استثناء ولم يتحرك إلا من منطلق قناعاته ولكنه دفع ثمن ذلك لأن ما
كان يحلم به لم يحقق حلم الدولة التي يبحث عنها حتى وقتنا الحالي.
وتعيش
المرحلة الراهنة مقاومة التغيير الذي يحقق الديمقراطية والعدل والتي مازال
يطالب بها الشارع البحريني عبر نضال طويل سقط فيه مئات الشهداء وآلاف
المعتقلين والمهجرين والمتضررين من سياسة القبضة الأمنية بسبب غياب الشروع
في التنمية الإنسانية التي تتطلب التوزيع العادل للثروة وتشييد البنى
التحتية التي تساهم في بناء مجتمع العدل والمساواة.
مهما كُتب ومهما قيل يبقى علي دويغر قامة وطنية كبرى في تاريخ الذاكرة والنضال البحريني… فقد عاش أبيّاً ومات حُرّاً أبيّاً!
من قلوب يعصرها الحزن والألم ومآسي الأحداث المؤلمة التي تشهدها الساحة
البحرينية في هذه المرحلة الحساسة بالذات، نعزي عائلة المناضل الشهيد علي
عبدالله دويغر، وكل رفاقه الأوفياء وشعب البحرين برمته للمصاب الجلل
والخسارة الفادحة لرمز كبير من رموز القيادات النضالية الشجاعة في تاريخ
البحرين الحديث والمعاصر.
فهذا المناضل البحريني الأصيل والمتحمس
دائماً لنصرة قضايا شعبه الغارق منذ عدة عقود مضت ولايزال، في ويلات العسف
والاستبداد، يحمل في رصيده تاريخ نضال وطني ثابت وأصيل كزعيم مؤسس لفصيل
وطني عريق ومشهود له في التصدي بشراسة في وجه سلطة القمع والاستبداد وقهر
الإرادة الشعبية، وطرح مطلب الاستقلال والسيادة والكرامة والحكم الديمقراطي
والحريات، طيلة سنوات حقبة القمع المعتمة التي عصفت بالبلاد، وأزهقت
خلالها أرواح المناضلين الشجعان تحت وطأة التعذيب في السجون وفي التظاهرات
المطلبية السلمية المطالبة بالحريات العامة والاستقلال والسيادة الوطنية،
وهو ما جعل السلطات البحرينية، أن تعرضه للاعتقال والسجن، وثم الإبعاد من
أراضيها بشكل تعسفي، إلى تراب دولة الكويت في العام 1968 ليشارك هناك في
الحياة السياسية والنضالية متعاوناً مخلصاً مع أبناء شعبه المبعدين فيها،
وكان واثقاً من ضرورة الاستمرار في معركة النضال من أجل الحريات في البحرين
هو حق أصيل، يجب أن ينطلق من كل ساحات التواجدات، حتى تحقيق كل المطالب
الشعبية التي ترفع في الساحة البحرينية، والتي ناضلت واستشهدت من أجلها
أجيال من شعب البحرين، ومن بعد إقامته في الكويت غادر إلى مملكة السويد،
التي لم تبخل عن احتضانه في إحدى جامعاتها لتلقي علومه، وبعد انتهاء دراسته
الجامعية ظل يواصل مهمته في النضال الوطني بجانب رفاقه في جبهة التحرير
الوطني البحرينية وكذلك مختلف قوى التغيير في البلاد، التي ناضلت من أجل
الحكم البرلماني الدستوري والسعادة الدائمة لشعب البحرين، على رغم كل
المضايقات والمشقات الصعبة، والتي أبرزت من دون أدنى شك صلابة هذا المناضل
الشجاع وضاعفت من عزيمته في الدفاع عن قضايا شعبه ووطنه.
تعرفت عليه
في البحرين في العام 2001 بعد عودتي من المنفى القسري في الدنمارك، خلال
فترة الانفتاح السياسي، التي أعقبت حقبة القمع الوحشي التي فرضها قانون أمن
الدولة السيئ الصيت في النصف الأخير من القرن الماضي، والتي سمحت بفتح
صفحة جديدة مع المعارضة في الداخل والخارج، ورؤية غير واضحة تماماً لمستقبل
البلاد السياسي والحقوقي المأزوم، وذلك من خلال الصديق العزيز المناضل علي
قاسم ربيعة، عضو البرلمان البحريني المنحل في العام 1975، الذي قدم لي
دعوة كريمة للاتصال به والتعرف عليه والاستفادة من خبراته وتجاربه النضالية
الأصيلة، فوجدت فيه خير مثال على قول الحق والتواضع والاحترام والفكر
السديد والنير، والإصرار على مواصلة دروب النضال على رغم كبر سنه واعتلال
صحته، من خلال كل ما تعرض له من عسف طوال مسيرته النضالية الطويلة والمشهود
لها بالصلابة.
وأتذكر يوم التقيته لأول مرة في حياتي، وجمعتني به
ثلاث ساعات كاملة من النقاش السياسي، في إحدى صالات فندق الشيراتون
بالعاصمة المنامة وبمعيته الأخ علي قاسم ربيعة، أنه كان رجلاً خجولاً ولم
يسهب كثيراً في الكلام ولم يجادل في غير الأمور الوطنية الصعبة، فكان
دائماً يطرح عليّ الأسئلة المحرجة عن رؤيتي بالتطورات الجديدة في البحرين
والمشاريع الإصلاحية الراهنة واللاحقة، والأدوار التي ستلعبها المعارضة
الداخلية والعائدة من المنافي القسرية، وكنت أرد على كل سؤال من هذه
الأسئلة بدقة متناهية خوفاً من الوقوع في بعض الأخطاء السياسية الفاضحة،
وأكرر له القول إن الوسائل الوحيدة لتصحيح الأوضاع ومعالجة دوامة الأزمات
التي عصفت بالبلاد طوال تلك العقود البعيدة، والتي عانت منها فئات اجتماعية
وعقائدية وتيارات سياسية وبعض الطوائف البحرينية، هو القيام بعمل مفيد
لشعب البحرين، ويجنبه من عودة الماضي القمعي، الذي ساد البلاد، قبل فترة
الانفتاح السياسي، والكف عن كل أساليب الانقسام بين مختلف قوى المعارضة
البحرينية، والتفكير في مصالحة وطنية جادة، والسعي للتركيز على المستقبل،
وتناسي الجميع للماضي، وكان الرجل يستمع إلى كل تلك الطروحات من دون أن
يقاطع، ويبدي رأيه فيها بكل صراحة، ويكرر القول إنه لا يمكن لأي شعب في
العالم، أن ينهض وينتصر لقضاياه المحقة والعادلة، ويواكب عصر التقدم
والديمقراطية الواقعية من دون تحقيق تلك الأسباب الحقيقية التي قد طرحتها.
رحم الله المناضل الشهيد علي عبدالله دويغر وأسكن روحه الطيبة جنان الخلد مع الصالحين وكل الشهداء الأبرار.
حالة العداء المستحكم الذي يتخذه البعض ضد القوى الوطنية المعارضة،
تجعله في أغلب الأحيان يتخذ مواقف سلبية ليس تجاه المعارضة فحسب وإنما تجاه
الوطن ككل وأحياناً تجاه نفسه، وكل ذلك لهدف وحيد وهو إضعاف هذه القوى
ومحاربتها بجميع الوسائل المتاحة.
لا يمكن تفسير موقف أحد أعضاء مجلس
بلدي العاصمة من قرار حل المجلس وتعيين عشرة أعضاء بدلاً من الأعضاء
المنتخبين الحاليين إلا من هذا المنظار، فكيف يمكن لعضو بلدي انتخبه الناس
لقضاء مصالحهم وتحسين أوضاع منطقتهم أن يقف مع قرار حل المجلس بحجة أن
«العضو البلدي لا يمكن له أن يوقف المخالفات والتجاوزات التي تحدث في
دائرته بسبب علاقته الشخصية مع الناخبين». إن كان الأمر كذلك فإنه ليس هناك
خصوصية لمجلس بلدي العاصمة، وذلك يعني أنه يجب حل جميع المجالس البلدية في
جميع المحافظات وتعيين الممثلين البلديين بدلا من المنتخبين، وذلك ما يمثل
تراجعا عن التجربة الديمقراطية والعودة للوراء.
ممثل الدائرة الأولى
في مجلس بلدي العاصمة غازي الدوسري هو الوحيد من بين جميع الأعضاء الذي
اتخذ هذا الموقف الشاذ وغير المفهوم تماماً، وبعكس بقية الأعضاء الذين يرون
أن هذا القرار «لا علاقة له بنية صافية لتطوير العاصمة بقدر ما هو توجّه
سياسي لأهداف محددة»، فإن الدوسري يرى أن «تشكيل الأمانة العامة للعاصمة
وتعيين أعضائها العشرة سيفتح باب الاستثمارات وسيدخل البلاد منعطفاً
استثمارياً متطوراً لا توجد أسباب تعوقه»، وكأن المجالس البلدية هي العائق
الوحيد أمام الاستثمارات الأجنبية، وكأن المهمة الوحيدة للمجالس البلدية هي
جذب الاستثمارات للمنطقة التي تمثلها.
أعضاء مجلس بلدي العاصمة
يؤكدون أن هذا المقترح هو لحجب المخالفات التي يقوم بها مكتب الوزير من
خلال منح التراخيص لمحلات تجارية في أماكن غير مسموح بها وبصفة مخالفة
للاشتراطات، والتستر على ملفات الفساد والتجاوزات الحاصلة في الوزارة طوال
الأعوام الماضية ولتحميل المجالس البلدية عامة مسئولية إخفاقات الوزارة
وتعطيلها للمشروعات والخدمات، ويشيرون إلى أن 80 في المئة من التوصيات
والقرارات التي أحيلت للوزارة لم يتم الرد عليها حتى الآن.
لو كان
هناك موقف وطني موحد لما اقترح النواب وبتوجيه من الوزير إلغاء مجلس بلدي
العاصمة، ولأسباب غير مقنعة تماماً وتتنافى مع الدستور في حق المواطنين في
انتخاب ممثليهم البلديين، ولما كان لأحد أعضاء المجلس أن يتخذ هذا الموقف.