ما الذي نريده من الحوار المرتقب؟ أو لنقل ما الذي تريده البحرين بكل مكوناتها من هذا الحوار أو أي حوار مقبل؟ من الواضح تماماً أن البحرين لم تعد، كما كانت في السابق، شعباً متوحداً أمام السلطة والقوى المتحكمة في مصير البلاد والعباد.
لقد تعقدت المسألة تماماً، بحيث أصبح هناك أكثر من قوى تتحكم في مجريات الأمور، كما أن الأحداث الإقليمية أصبحت تلعب دوراً أساسيّاً في تحديد موقف كل طرف على حدة، وأفرزت واقعاً طائفيّاً لا يمكن تجاهله أبداً، ولم تعد للمبادئ الإسلامية الحقة التي يتشدق بها البعض، من تسامح ومحبة أو إحقاق الحق أو العدالة الاجتماعية أو حتى مبادئ حقوق الإنسان والمشاركة في صنع القرار أو أي من المبادئ التي توصلت إليها الإنسانية خلال تطورها منذ بدء الخليقة حتى القرن الواحد والعشرين… لم تعد حكماً في توجه أو مبادئ القوى المتصارعة، وإنما أصبحت المصلحة والتعصب للمذهب هو الأساس في تحديد المواقف السياسية.
وعلى رغم ما شهده العالم على مدى التاريخ من حروب طائفية بين أبناء الديانة الواحدة، تم خلالها تقديم أضعاف ما تم تقديمه من قتلى بين الدول المتحاربة، فإن ذلك لم يصبح حتى الآن عبرةً للبعض.
ولذلك نقول إن الحوار المقبل يجب ألا يكون أو أن يحسب على أنه خلاف طائفي، كما انه لا يمكن أن يغفر الوطن والأجيال المقبلة لمن يحوّل مطالب إنسانية وسياسية وحقوقية إلى صراع طائفي، هذا إن كانت هناك نيةٌ صادقةٌ وحقيقيةٌ لإجراء حوار وطني يعيد إلى الشعب البحريني حقوقه على أساس المواطنة وليس الطائفة.
لنعد إلى السؤال الأول، ما الذي نريده من الحوار المرتقب إن صدقت النوايا في الخروج من المأزق الحالي؟ إن أول ما يجب الاتفاق عليه، لكي يرجع المجتمع البحريني كسابق عهده، هو إحقاق الحق، من خلال تنفيذ جميع الاستحقاقات التي ألزمت الحكومة نفسها بتنفيذها ليس أمام العالم أجمع فحسب، وإنما أمام شعبها، وأهمها تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بشكل فعلي وملموس، وتنفيذ ما تقدمت به الدول من خلال مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بمن فيهم القيادات، الذين لم يثبت عليهم القيام بأي عمل جنائي؛ وإنما عبّروا عن آرائهم، والبدء في تحقيق عدالة انتقالية… وكل ذلك ما هو إلا إجراءات تعيد البحرين إلى ما قبل 14 فبراير/ شباط 2011.
بعد ما تم تقديمه من تضحيات؛ لا يمكن للناس أن ترضى بمجرد عودة الأوضاع كالسابق، كما لا يمكن إقناع الناس بنتائج أي حوار ما لم تحقق هذه النتائج مطالب أساسية لا يمكن التراجع عنها أو التفاوض بشأنها. فلا يمكن أن يقنع الناس بنتائج الحوار إلا إذا تساوت المكاسب مع ما قدم من تضحيات.
جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية