والنقابي البارزة في تاريخ البحرين على مدى عقود، منذ انخراطه في النضال الوطني في
صفوف جبهة التحرير الوطني في خمسينيات القرن العشرين، مروراً بدوره القيادي البارز
في انتفاضة مارس 1965، وفي التنسيق بين القوى الوطنية المشاركة، خاصة في مسقط رأسه
مدينة المحرق، كما كان لزوجته ورفيقة دربه أمينة حافظ وقفات شجاعة في النضال الوطني.
فيه، ومن موسكو إلى الكويت حيث عمل محاضراً في معهد الثقافة العمالية التابع للاتحاد
العام لعمال الكويت، ويشهد رفاقه النقابيون الكويتيون بالدور البارز الذي لعبه في تطوير
الوعي النقابي لدى نشطاء النقابات الكويتية.
فترة الحياة النيابية القصيرة في السبعينات، حتى عاد للوطن مشاركاً من موقعه القيادي
في جبهة التحرير الوطني في بناء الحركة النقابية في البلاد يومها، وفي العمل من أجل
إرساء قواعد التحول الديمقراطي، الذي عوجل بإنهاء الحياة النيابية وفرض قانون أمن الدولة،
الذي كان محمد السيد احد ضحاياه حيث مكث في السجن عدة سنوات امتدت من 1975 حتى
1979، وحين خرج من المعتقل واصل محمد السيد مسيرته الوطنية والحقوقية، حتى أصبح نقيباً
للمحامين في البحرين.
في البحرين، وهو التاريخ المعرض للنسيان والمحو، مع غياب جهد جماعي أو مؤسسي جدي من
داخل القوى الوطنية ذاتها، ومع رحيل العديد من قادة هذه الحركة ومؤسسيها دون أن يتركوا
مذكرات مكتوبة يمكن العودة إليها، وعزوف ممن لايزالون أحياء، أمدّ الله في أعمارهم،
عن القيام بهذه المهمة إلا فيما ندر من حالات، كما فعل محمد السيد نفسه الذي دوّن يوميات انتفاضة مارس 1965 في كتاب أصدره منذ
سنوات قليلة، سنعود للوقوف عليه في حديث لاحق، كما سنقف على جوانب أخرى من سيرته الكفاحية
والعملية، أو كما فعلت الأستاذة فوزية مطر في سجلها الكبير عن حياة زوجها المناضل أحمد
الشملان، وهي حياة شديدة الارتباط بتاريخ الحركة الوطنية والتقدمية في البحرين بميولها
المختلفة.
عامة في انتفاضة مارس 1965، كما هو دور الكثير من مجايليه من القادة والنشطاء الوطنيين
التقدميين وتنظيماتهم، لأنه دور يمتد على مراحل مختلفة من تاريخنا الوطني خلال العقود
الخمسين الماضية على أقل تقدير، ليست انتفاضة مارس على أهميتها التاريخية الفاصلة سوى
إحداها، وما أحوجنا جميعاً لمعرفة هذا التاريخ، ومعرفة أنفسنا ووطننا من خلاله، وما
أحوج الأجيال الجديدة خاصة للإطلاع على هذا التاريخ، حتى تدرك أن مسيرة العمل الوطني
طويلة، وان الأجيال الأقدم قدمت من التضحيات الشيء الكثير، التي لولاها، لظل ممكن اليوم
مستحيلاً.
***
بعد حوالي خمسين قدماً، وينعطف في شارع الشيخ خليفة إلى الجنوب، ومن الخلف كان يتبعني
الشهيد عبدالله بونودة، وقبل ان أنعطف إلى شارع الشيخ خليفة سمعتُ إطلاق نار من الخلف،
وبعدها مباشرة سمعتُ عبدالله بو نودة يصرخ بصوت عالٍ من الألم في رجله. التفتُ على
عجل فرأيته يزحف على الأرض ويصرخ متألما، فيما جندي من أفراد الجيش البريطاني الذي
أطلق النار يجري خلفنا وبندقيته في يده”.
من انتفاضة مارس 1965- معايشة شخصية”، وفيه يروي بالتفصيل وقائع الانتفاضة في
مدينة المحرق التي كان أحد قادتها ونشطاؤها هناك، مسجلاً انطباعاته ومشاهداته بعدسة
الذاكرة التي احتفظت بالكثير من التفاصيل، ففعل محمد ما يجب أن يفعل، حين أطلق العنان
لهذه الذاكرة لكي تحكي ما في مخزونها على الورق، الذي منه تشكل هذا الكتاب المهم، والفريد
من نوعه في تدوين وقائع تلك المرحلة.
والقرى لا في مدينة المحرق وحدها، لكن هذه لم تكن غاية المؤلف من كتابه، فهو ليس باحثاً
فيها، وإنما هومشارك في جزء مهم من أحداثها، وبالتالي فانه يقدم شهادة مهمة للتاريخ،
لا تتوفر في الكتب والدوريات والسجلات، وتشكل مصدراً مهماً يمكن الركون اليه عند بحث
تلك الحقبة المهمة من تاريخنا الوطني، خاصة إذا علمنا، على نحو ما أشرنا أمس، إلى أننا
نفتقد مثل هذه الشهادات.
يقع في أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط وبالبونط الصغير، حين قال أن يومياته
عن الانتفاضة ليست تاريخا لها ولا تحليلا سياسيا لأسبابها ونتائجها، وإنما هي معايشة
شخصية ومعاناة ذاتية صعبة من خلال تمثيل إحدى القوى الوطنية الفاعلة في تلك الانتفاضة،
ونقلاً موضوعياً صادقاً من قلب الأحداث.
لشهود تلك المرحلة والفاعلين فيها، لذا نجده يشير الى محاولته مع بعض الأشخاص ليكتبوا
شهاداتهم لتضم على شكل ملاحق في كتابه لتكتمل الصورة النضالية لهذا الشعب، لكنه لم
يتمكن من تدوين شيء من أحد أو عن أحد، لذا كان تعويله أن يكون صدور يومياته محفزاً
أو دعوة لكل الذين عايشوا أحداث انتفاضة مارس 1965، أو سمعوا عنها ليبادروا إلى تدوينها
تخليداً للسجل الكفاحي لشعبنا من أجل الاستقلال الوطني والبناء الديمقراطي.
العمل الوطني وحول دور القوى الوطنية والتقدمية فيها، وبخاصة جبهة التحرير الوطني التي
كان أحد وجوهها البارزة، ومن ضمنها هذا الكتاب الذي يستحق العودة إليه مراراً، ولا
غنى عنه لأي باحث في تاريخنا الوطني في القرن
الماضي.
***
من البحرين بعد قمع الانتفاضة إلى قطر ومنها إلى الكويت، يشير محمد السيد إلى أصداء
الخلاف، يومها، بين حركة القوميين العرب وبين اليساريين ممثلين في جبهة التحرير الوطني
البحرانية، وبشيء من المرارة ينقل عن صديقه علي إبراهيم الصباح البنعلي ما جاء على
لسان احد قادة حركة القوميين عندما علم بأمر وجود محمد السيد في الكويت، الذي قال للصباح
أن وجود السيد في الكويت غير مرغوب فيه، ، لأنه يريد أن يخلق للشيوعيين وجوداً في الانتفاضة.
الوطنية في الانتفاضة، وهو دور تعرضت له بإسهاب السيدة فوزية مطر في كتابها عن أحمد
الشملان، كما تحدث عنه أيضاً المناضل عبدالله البنعلي في أكثر من مناسبة، بينها الشهادة
التي قدمها في إحدى ندوات المنبر التقدمي.
تحدث الراحل أحمد الذوادي في أحد مقالاته التي تضمنها كتابه حول “قضايا التحرر
والديمقراطية في البحرين والخليج العربي” الذي صدر عن دار الفارابي ببيروت عام
1980، في إطار احتفالات جبهة التحرير الوطني يومها بيوبيلها الفضي، وهو الكتاب الذي
كان لي شرف تنسيق مواده وتبويبها بعد جمع محاضرات الذوادي ومقالاته المتفرقة، فترة
منفانا ببيروت، وقد كتب المفكر اليساري اللبناني كريم مروة مقدمة هذا الكتاب.
جراء نهج معاداة الفكر اليساري، وحرف بوصلة العمل الوطني عن اتجاهها الصحيح.
بعد توجه الجزء الرئيسي من حركة القوميين العرب صوب الفكر الماركسي بعد هزيمة يونيو
1967، لكن تبعات ذلك الخلاف جرى توارثها بصورة أو بأخرى، مما يتطلب بذل الجهود لوضعه
في إطار الظرف التاريخي الملموس الذي نشأ فيه، وتحرير الأجيال الجديدة من الوطنيين
من عبئه.
بسيرة فقيدنا الكبير محمد السيد، ورغم انه لم يتعرض لهذا الأمر في كتابه، لكنه أفصح
عن بعض العتب على رفاقه تجاه بعض الأمور السابقة
للمآخذ التي رافقت دخوله مجلس الشورى في عام 1998، وفي هذا السياق فان المسيرة
المثقلة بالآلام والتضحيات بحاجة إلى أن تُقيم بعيداً عن ردود الفعل الآنية والمتشنجة
التي تلغي تاريخاً من التضحيات والعذابات لمناضلين كبار جراء الاختلاف معهم في موقف
أو أكثر.
ولكن من منطلق الوفاء لهذا التاريخ ومناضليه، ومحمد السيد وجه بارز بينهم، وهو جدير
بأن تبرز محطات مسيرته النضالية المضيئة، وتضحياته الكبيرة هو وزوجته المناضلة أمينة
حافظ التي وقفت إلى جانبه، ونالها الكثير من أوجه العسف كالاعتقال والنفي، فتضحيات
كهذه يجب أن تبقى محط تقدير وفخر واعتزاز.