تعود ظروف معيشة العمال الوافدين وحقوقهم إلى الصدارة بعد الحادث المؤسف بسقوط عشرة ضحايا من هؤلاء في الحريق الذي اندلع في مكان سكنهم، إضافة إلى مقتل عامل آسيوي آخر بسقوطه من مبنى تجاري بالمنطقة الدبلوماسية، تناثرت أشلاء من جسده بوسط الشارع العام، عندما كان يقوم بتنظيف زجاج المبنى المكون من سبعة طوابق قبل أن ينقطع الحبل من مكنة الصعود.
هذه الحوادث المحزنة التي تتكرر، تارة بصورة جماعية وتارة أخرى على شكل حوادث فردية تطرح مسألة الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها العمال الآسيويون في بلدان الخليج، ومن ضمنها بلدنا البحرين، ومع دخولنا فصل الصيف فعلينا انتظار التقارير عن حالات الإنهاك الحراري التي يتعرض لها هؤلاء العمال الذين يعملون في ظروف حرارة شديدة في مناطق مفتوحة. ولسنا ننسى الحريق الذي شب منذ عدة أعوام في إحدى البنايات في العاصمة التي يقطن فيها عمال اسيويون، راح الكثير منهم ضحايا له، وقد أصدر المنبر التقدمي في حينه بيانا استنكر فيه هذا الاستخفاف بأرواح هؤلاء البشر، مطالبا بإعادة النظر في الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشون فيها.
ثمة استخفاف معيب ومهين بالجوانب الإنسانية في التعامل مع العمال الأجانب الذين حملتهم ظروفهم الاقتصادية الصعبة على التغرب عن أوطانهم وأهاليهم جريا وراء لقمة العيش، حيث يبيعون قوة عملهم في ظروف بالغة القسوة، ولو لا قوة العمل هذه لما أمكن لأي من بلدان الخليج أن يحقق ما حققه من تنمية وتطور في مجال تشييد مرافق البنية الأساسية وسواها.
وزارة العمل قالت إنها بدأت التحقيق، حيث اتضح أن الضحايا قاطني المسكن الخاص هم من العمالة السائبة، وقد قاموا باستئجار هذا المسكن على حسابهم الخاص، ولا تنطبق عليهم الاشتراطات الصحية لمساكن العمّال، التي يتطلب أن المسكن يتم توفيره وتجهيزه من قبل صاحب العمل. لكن العمال الآسيويين الفقراء ليسوا مسؤولين عن فوضى سوق العمل في البحرين أو في سواها من دول الخليج، فالمسؤولية تقع على عاتق الاستراتجيات الاقتصادية في بلداننا وعلى الحرية الممنوحة بلا ضوابط لأرباب العمل في استقدام هؤلاء العمال وتشغيلهم أو تسكينهم في ظروف غير إنسانية.
وطالما ارتأينا الاستعانة بهؤلاء العمال فعلينا على الأقل مراعاة الحدود الدنيا من التعامل الإنساني معهم. والحديث هنا لا يدور عن توفير ظروف من الرفاهية، وإنما عن شروط إنسانية أولية، من بينها مسألة عدم إجبارهم على العمل أثناء الظهيرة في هذا الجو الخانق من الحر والرطوبة، وهو أمر تنص عليه لوائح ومواثيق العمل الدولية، ومن بينها ظروف السكن الجماعي غير اللائقة، حيث يتكدس هؤلاء في غرف أشبه بزنازن السجن.
نحن نعلم أن معاملة دول الخليج للعمال الآسيويين هي محط مراقبة ونقد مستمرين من هيئات دولية معنية بالشأن العمالي، وعلينا أن نحمل هذا الأمر على محمل الجد، ولكن ما علينا أن نحمله على محمل الجد أكثر هو تحكيم الضمير والمشاعر الإنسانية في التعامل مع هؤلاء العمال، لكي لا يعمي رنين الذهب أعين أرباب العمل عندنا عن معاناة العمال التي تصنع قوة عملهم هذا الذهب.