يوما بعد آخر يتعمق الادراك بأن المجتمع والوطن برمته يعاني من أزمة، وإن كان التعبير عن هذا الادراك يتباين و يتلوّن بالمواقف المسبقةِ من ضرورات الحل الشامل على خلفية الانتماء السياسي والطائفي والمصلحي.
ولا تخلو بعض المواقف من الأبعاد الانتهازية الذاتية التي تأخذ أحياناً طابعَ الاستخفاف بكل إرادة وبكل صوتٍ، جِهة تسعى إلى الخروج من هذه الأزمة ووضع البلد على سكة الوحدة الوطنية والإصلاح . وإذ يكاد الجميع يُقر بضرورة الحوار لمعالجة كافة القضايا المطروحة على الساحة، نرى أن هناك نوعاً من الاتفاق بين بعض المكونات السياسية والاجتماعية المتناقضة، إما على رفض الحوار صراحة أوعلى وضع شروط مسبقة لأي حوار قادم. فحين تطرح الوفاق والجمعيات المتحالفة معها الشروط التي تضَمّنها بيانها الأخير عن الحوار، يقابلها التجمّع بموقف مماثل بل وأكثر تشددا برفض الحوار.
الحوار السياسي والمجتمعي ليس مطلبا مُستجدا في الساحة الوطنية البحرينية. فقد نادى الكثيرون، ومنهم المنبر التقدمي، إلى اعتماد هذا النهج بين أطراف العمل السياسي والوطني وخاصة بعد الاجماع على المشروع الاصلاحي. إلا أن هذا المطلب لم يلقَ الاعتبار اللازم، ولم يعمل أحد على ترسيخ الحوار كأسلوب حضاري لحل الخلافات والتأسيس للثقة والاحترام المتبادل بين كل المكونات السياسية والاجتماعية بما فيها السلطة. بل ولقد تمّ في بعض الأحيان الالتفاف على مبدأ الحوار السياسي بين السلطة والقوى السياسية باللقاءات مع مكونات طائفية لتقديم تنازلات معينة لها، أدت الى شعور مكوّنات طائفية أخرى بالتهميش. أي أن التعاطي كان طائفيا و لم يأخذ الطابع الوطني الجامع واستُعيضَ عن الحوار السياسي مع قوى سياسية بمجاملاتٍ وحلولٍ جزئية لمصلحة هذه الطائفة أو تلك. وكان موقف بعض الجمعيات السياسية المعارضة, وخاصةً الوفاق، سلبياً وفوقياً وفضّلت لغة التحشيد في الشارع والصفقات الثنائية.
أما القوى الوطنية والليبرالية فقد وُضعت خارج المعادلة لأنه لم تكن هناك إستراتيجية لمعالجة الطائفي بالوطني الجامع .و نحن هنا لا نبرر سلبيات و أخطاء المكون الوطني الديمقراطي و هي كثيرة , لكن تجاهل هذا التيار صبّ في مصلحة الطائفية. ونخشى اليوم أن نعود الى نفس المطبّ في الحوار المرتقب. فهناكَ من يدعو صراحة إلى هكذا حوار بعد أن قسّم المجتمع إلى نحن وهم والسلطة، أو ما أسموه بالأضلع الثلاثة. وهناك من زعماء الطوائف الدينيين من يحاول تصدرّ المشهد السياسي فيفتي في الحوار ويرفضه أو يضع شروطه، وهم في واقع الأمر يجهضون الحوار وفي أحسن الأحوال يفرغونه من محتواه، الأمر الذي يعيدنا الى المربّع ذاته.
هذا الواقع يفرض بإلحاح ضرورة التعامل الجدي في الموقف من الحوار ومن الأهداف المرجوة منه، وفي تحديد القوى والشخصيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ستُدعى إليه. ليس من مصلحة أحد، وكلنا نشكو سوءَ الأوضاع القائمة، الخوض في جدوى البدء في الحوار الوطني من عدمه، بل في سبل إزالة المعوقات أمام انعقاده وفي مقدمتها الامتناع عن الشروط المسبقة وحملات التشهير والتحريض.
الحوار الجاد والمسؤول يبتغي التوافق، والتوافق يعني تقديم تنازلات قد تكون مرّة للبعض ولكنها ضرورية للتأسيس لمرحلة جديدة من العمل الوطني المشترك، خاصة و أن هناك أرضية مشتركة للجميع هي ميثاق العمل الوطني ومبادرة ولي العهد وتوصيات اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق. لتُرفع كافة الملفات السياسية والاقتصادية والمطلبية من المنابر وتوضع على طاولة الحوار، فلم يعد جائزاً استمرار التوترات والانقسامات القائمة والتعنت والمكابَرة في المواقف. لم يعد جائزا تفويت الفرصة المتاحة اليوم، للحوار ولهزيمة المشروع الطائفي الإقصائي الذي يكاد يقبض على المجتمع والدولة معاً، بانتظار نصرٍ ما، فليس هناك نصرا أكثر قدسية من انتصار الوحدة الوطنية في أصعب المعارك التي تتطلب شجاعةً خاصة ووعياً وطنياً عابراً للطائفة والمذهب.
3 ابريل 2012