قبل العام 2001 كانت جمعية المحامين تمثل القمة، إذ إنها الجمعية الوحيدة التي لم تستطع الحكومة أن تتدخل مباشرة في شئونها، ولم تستطع أن تمنعها من القيام بعملها أو بتنظيم ندوات تتحدث في الشئون العامة بحسب الظروف آنذاك. وحتى عندما تدخلت الحكومة في مرة من المرات وعزلت مجلس الإدارة المنتخب سرعان ما تراجعت عن قرارها وسمحت بعودة المجلس المنتخب من الأعضاء. وعليه فقد كانت جمعية المحامين تمثل قوة وهيبة المجتمع المدني البحريني في أيام «أمن الدولة».
بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001، انفتح الباب لنشوء جمعيات عديدة أخرى، وكانت المفاجأة آنذاك هي إعطاء ترخيص للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وهكذا توالى إنشاء الجمعيات الأهلية في مختلف المجالات؛ مما عكس صورة حضارية عن مجتمع البحرين، وأكد النوايا الإصلاحية التي أعلنت مع التصويت على الميثاق.
لاحقاً، ربما حوالي العام 2005، بدأت الأمور تختلط؛ إذ فجأة التفت الناشطون في المجتمع إلى أن هناك عشرات الجمعيات غير الحقيقية التي أنشئت لمنافسة الجمعيات النابعة من إرادة المجتمع، وهكذا بدأنا نرى انتشاراً واسعاً لما يسمى بجمعيات «الغونغو»، وهي جمعيات تلبس اللباس الأهلي، ولكنها مجموعة من الموظفين التابعين لأحد أجهزة الدولة، وبمعنى آخر فإنها لا تمثل إرادة المجتمع وإنما تسعى لتكسير إرادته وإخضاعها إلى أوامر تصدر من جهات ذات نفوذ تخشى من إرادة المجتمع الطوعية والحرة.
أمّا حالياً فإننا نجد «انكساراً» للمجتمع المدني، والجمعيات الأهلية التي كانت نشطة ذبلت، وأصبح أعضاؤها الذين يتحركون بفاعلية معدودين على الأصابع؛ وذلك بسبب التضييق على المجتمع المدني، وبسبب مزاحمته بجمعيات الغونغو الوهمية، ووصل الأمر إلى جمعية المحامين التي أصبحت الآن ضحية سهلة لهذه الأجواء المعادية لحرية العمل في إطار المجتمع المدني. فجمعية المحامين التي لم يتمكن قانون أمن الدولة من كسرها تبدو الآن جريحة، وهذه الجمعية الرائدة لا تستطيع أن تنتخب مجلس إدارتها، وعندما انتخبت من تريد جاءتها القرارات التي تمنعها من ممارسة عملها.
وإن كانت هناك من دلالات، فإن إحدى تلك الدلالات هي أن قانون أمن الدولة كان أرحم على جمعية المحامين مما نحن فيه الآن، ولأن جمعية المحامين مثلت شوكة المجتمع المدني في تلك الأيام العصيبة، فإن كسر شوكتها في وقتنا الحالي ليس خبراً سارّاً للمجتمع الساعي إلى تثبيت إرادته ديمقراطياً
صحيفة الوسط البحرينية – 30 نوفمبر 2011م