مع غياب الطبقة الوسطى من مجتمعات عربية مثل العراق والبحرين وبعض أقطار الجزيرة العربية تصبح الديمقراطية صعبة أو غير ممكنة.
شكلت الطبقة الوسطى وجودها بصعوبة في بعض الدول العربية، وحتى الآن لم يُعرف حجمها وتكويناتها، أي مدى حجم الرأسمال الصناعي وبقية الرساميل التكوينية المحورية فيها، ومستوى مؤسساتها العلمية وقدرتها على فهم الإنتاج وتطويره، حتى الآن هي في بعض الدول العربية فئات مهمة تتقارب لتصعيد أو ربما لتقزيم الرأسمال الصناعي، وهذا يعود لمستوى وعي تنظيماتها السياسية، ومدى فهمها لتطور الإنتاج الصناعي – العلمي في إعادة تغيير البناء الاجتماعي الاقتصادي التقليدي بموصفات الحداثة.
تلك الدول راكمت تراكمات على مستويات عدة، في حين أن الدول في الجزيرة العربية بعيدة عن ذلك والأسباب كثيرة: تصحرٌ اجتماعي لقرون، ومدنٌ هامشية، وصناعات استخراجية هي الأساس لم تقدر على تحويل معظم السكان إلى عمال ومنتجين وملاك، ودولٌ تمتلكُ أغلبَ الفوائض وتتصرفُ فيها بأشكال غير مدروسة اجتماعياً ومرّحلة غربياً.
إن الدولَ لا تستطيع أن تكوّن وتؤسسَ ديمقراطية، بل تؤسسها الطبقةُ الوسطى الحرة، ينشئها رجالُ ونساءُ الأعمال وهم مؤسسو المصانع والشركات الذين يربحون من دخولِ مؤسساتهم، وبالتالي لا يخشون شيئاً سواءً كانوا داخل أو خارج الحكم.
يدخلون الحكمَ لتغيير أحوال طبقتهم وزيادة ثرائها مع خدمة بقية الطبقات وزيادة أجورها وتحسين أحوالها في عملية تطوير إنتاج ضرورية لكل المواطنين، ولكي يكسبوا أصواتهم لحكمٍ تال.
الشفافية والعقلانية والحداثة هي جزءٌ من تكوين طبقتهم، وتغيير أشكال الإنتاج القديمة هي من مهماتهم الاقتصادية الاجتماعية.
تساعدُهم وتصارعُهم الطبقاتُ العاملة حسب مسار إصلاحاتهم، وهذه القوى العاملة حتى حين تشاركُ في الحكم تدخلُ تعديلات وتطورات على النظام الرأسمالي من موقعِ مصالحِها ومن موقع تطوير البنية الاجتماعية ككل.
ومن دون هذه السياقات يَصُعب الحديث عن الديمقراطية.
ونحن في الجزيرة العربية خاصة علينا أن نقدم العتبات الأولى لظهور هذه البنية الاجتماعية. نشكل فقط بذوراً ديمقراطية لنترك للأجيال القادمة زراعتها.
فلابد أن تتخفف الدولُ من تشييدِ المصانع والمؤسسات الاقتصادية التي تُصمم بطرقٍ بيروقراطيةٍ من دون أشكال ديمقراطية، ومن دون دراية بطبيعة النظام الاقتصادي وكيفية تطوره العقلاني وقدرته على إيجاد تطورات اقتصادية وجذب العمال العاطلين المواطنين والشرائح المهمشة وجعلهم أغلبية منتجة بدل اقتصاد هدر العمالة ورأس المال القائم.
ولا تحدث الديمقراطية إلا من تحرك الفئات الوسطى نحو الإنتاج والأسواق شبه المحتكرة الآن للدول، وبالتالي فإن الأجهزة الحكومية الراهنة وهي المهيمنة على الاقتصاد والحياة الاجتماعية لا تستطيع نشر ديمقراطية، يُفترض فيها وجود اقتصاديات حرة وتداول للسلطات.
ومن هنا فلابد من أن تكون الملكيات الخاصة في الإنتاج خاصة هي الأساس الاقتصادي.
الديمقراطية تؤسس في قرون، ولكن هذا لا يعني عدم بذر البذور الراهنة والمقدمات الاقتصادية والسياسية والفكرية.
الهيئات الحكومية والجماعات السياسية الأهلية شمولية، تعيشُ في عالم الحرب الباردة وآثارها، وفي الرأسماليات الحكومية الشرقية وأفكارها، وهي بعد لم تقتنع في أعماقها السياسية، وفي هياكل عظامها بالديمقراطية.
أهم سمتي الديمقراطية هما العلمانية وتبادل الحكم، وهما سمتان يصعب القيام بهما في المنطقة. لكن هل نقف من دون أن نتقدم نحوهما؟
تطبيق العلمانية يعني عدم استعمال الدول والمنظمات السياسية للدين ومنتجاته في الحكم والعمل السياسي، ومن دون ذلك لا تتحقق الديمقراطية.
محاولات القفز والمناورات والاختراقات على ذلك من دون فائدة، لكن هذه لا تستطيع أن تفعلها الدول والجماعات الأهلية السياسية، ولا توجد فئات وسطى قوية تؤسس للأسباب الموضوعية السابقة الذكر.
الدول والجماعات الدينية استخدامها للدين سياسياً يعبرُ عن شمولياتها، فلابد للتقدم لأولِ خطوة نحو بذرة الديمقراطية من وقف ذلك.
الجماعات البرجوازية الصغيرة وتنظيماتها لابد أن تدركَ أهميةَ الدخول في طريق الديمقراطية، وتنقدَ تاريخَها وشموليتها، وتمشي في طريق الحداثة والعلمانية والرأسمالية الحديثة، ولا أن تحولَ أفكارَها لرأسِ مالٍ تأخذهُ من الدولِ كانتهازيةٍ مدفوعة الأجر، أو من استغلال العامةِ من خلال المزايدة والمغامرة، مدفوعة الخسارة من مال الناس..
لابد إذا أرادت أن تصيرَ رأسماليات أن تتوجه لبناء الأعمال الخاصة والمؤسسات التجارية والصناعية، بدلاً من تحويل السياسة لرأسِ مالٍ، فلا تشارك في سد مجرى تغيير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بمنع التوجه نحو الرأسمالية الحرة.
في السياسة والوعي تؤيد تراكم المال وقوى العمل من أجل الخروج من الدول التقليدية، ومن أجل أن يغدو الهدفُ المحوري للمجتمع وهو تبادل السلطة ممكناً، عبر زوال التنظيمات الشمولية غير القادرة على أن تكون ديمقراطية أساساً.
أخبار الخليج 1 يوليو 2011