ما زالت شوارع البحرين تنبض بالثورة. أخفقت المجزرة التي ارتكبها النظام في «دوار اللؤلؤ» في إخماد شعلتها، فسعى للتكفير عن جريمته بدعوة قوى المعارضة لحوار سياسي ما زالت آلياته مبهمة مع عدم ظهور أي مؤشر بقبول المطلب الرئيسي لقوى المعارضة السياسية بإقامة نظام ملكي دستوري يدخل «وثيقة الوفاق» الوطني حيّز التطبيق الفعلي.
وفي الأسبوع الثاني من الثورة، ما زال النظام البحريني يراهن على كسب الوقت، مستعيداً بذلك تجربتي الأنظمة المتهالكة في مصر وتونس وليبيا، فيما يتخوف المعارضون من محاولات داخلية وخارجية لإجهاض الحركة الشعبية عبر العزف على الوتر المذهبي.
الأمين العام لـ«المنبر الديموقراطي التقدمي» الدكتور حسن مدن تحدّث لـ«السفير» عن واقع ثورة شعب البحرين والمرحلة المقبلة، معبراً عن موقف قوى المعارضة الوطنية في تحذيرها من انزلاق الثورة نحو المذهبية، لكنه بدا مطمئناً إلى أن لا خيار أمام النظام سوى الاستجابة لمطالب الإصلاح.
وفي الاتي نص الحوار:
ـ بعد نحو أسبوعين على انطلاق ثورة شعب البحرين، كيف تقيمون مسارها؟
يمكن إيجاز الوضع الحالي بأن سقف الشعارات والمطالب التي يرفعها المحتجون في ازدياد مستمر، وذلك بسبب تباطؤ الدولة في الاستجابة للمطالب المطروحة، وأيضاً بسبب حجم الضحايا الذين سقطوا خلال الأيام الماضية، فهناك سبعة شهداء وعشرات الجرحى، بعضهم في حال حرجة، ما يعني أن عدد الشهداء مرشح للتصاعد. وهناك أيضاً حالة من الاحتقان السياسي، بحيث لم يعد ممكناً التعامل مع الوضع الناشئ وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن سقف المطالب ما زال كما كان في السابق، فالمحتجون لن يقبلوا بالعودة إلى بيوتهم ما لم يطمئنوا إلى وجود آلية حقيقية وجدّية للمضي في بناء المملكة الدستورية التي نص عليها الميثاق بشكل حقيقي وليس بطرق شكلية أو صورية. وفي مقدمة شروط هذه الملكية أن يجري الفصل بين رئاسة الحكومة وبين العائلة الحاكمة، بحيث تكون هناك حكومة منبثقة عن الشعب، وتكون خاضعة للمساءلة البرلمانية والشعبية بصورة حقيقية، وأن تكون هناك نصوص دستورية تؤمّن هذه الحقوق وتضمنها، لأن العمل بالدستور الحالي لم يعد مقبولاً أو ممكناً. كما أن مجلس النواب أصبح عملياً في حالة شلل بعد انسحاب 18 من أصل 40 نائباً، ما يعني أن البرلمان أصبح بحكم الساقط، وبالتالي لا بد من معالجات سياسية جذرية تلبّي تطلعات الشباب المعتصمين في دوار اللؤلؤة، وكذلك مطالب باقي القوى السياسية المعارضة.
ـ ما موقف القوى السياسية البحرينية من التحركات الشعبية؟
بداية، هناك قوى المعارضة المنضوية في التحرك الشعبي، والتي تتكون من تيار إسلامي شيعي ـ ممثلاً بشكل خاص في «جمعية الوفاق» و«جمعية العمل الإسلامي» ـ وبعض التيارات غير المنضوية في إطار الجمعيات السياسية ـ مثل «حركة حق» والمعارضة الديموقراطية الممثلة بـ«المنبر التقدمي» و«جمعية العمل الوطني الديموقراطي» (وعد) و«التجمع القومي». ويضاف إلى ذلك، الحركة التي افرزها الحراك الراهن والمتمثلة في القيادات الميدانية الشابة التي أصبح لها كلمة في الشارع. أما قوى الإسلام السياسي السني، ممثلة بـ«الإخوان المسلمين» و«حركة السلف»، فموقفها أقرب إلى الموقف الرسمي، وهي تطرح نفسها كممثلة للسنة، وهذا الأمر يشكل إحدى نقاط الضعف في الحراك السياسي الراهن، لأنه لو اقتربت القوى السياسية في الشارع السني قليلا إلى المطالب الاحتجاجية، لكنا تمكنا من تحويل هذه الاحتجاجات إلى حركة شاملة على المستوى الوطني.
ـ قدّم النظام البحريني بعض «المبادرات» لحل الأزمة… كيف استقبلتم ذلك؟
بعد العملية الغادرة التي نفذها الأمن والجيش لاقتحام دوار اللؤلؤة، وإيقاع هذا العدد الكبير من الضحايا، دعا ولي العهد إلى حوار مع المعارضة، لكن المعارضة طرحت بعض الشروط من أجل خلق الأجواء المناسبة لهذا الحوار، ومن بينها سحب وحدات الجيش من العاصمة، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف محاكماتهم، وتعهد الدولة بعدم استخدام العنف ضد المحتجين. ويمكن القول أن بعض هذه المطالب تحقق، لكن المطلوب الآن هو الانتقال إلى مرحلة تتوافق فيها المعارضة بجميع مكوّناتها على رؤية مشتركة للحوار. ربما يحتاج هذا الأمر إلى بعض الوقت، لأن المعارضة، ومنذ أكثر من عشر سنوات، كانت تدعو النظام إلى الحوار، لكنه لم يكترث لهذه الدعوات، وبالتالي، فإنّ عليه الآن أن يعطي فرصة لهذه القوى كي تتوافق على رؤية مشتركة، وأن يقدّم مزيداً من المبادرات لتهيئة الجو المناسب للحوار، وفي مقدمة ذلك، استقالة الحكومة القائمة حالياً لأنها لا تحظى بالثقة، وتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة المرحلة الانتقالية، ريثما يجري التوافق على اتفاق لمستقبل الوضع في البلد.
ـ ما سيكون موقفكم في حال لم يستجب النظام لمطالب الإصلاح؟
لا خيار أمام النظام سوى الاستجابة لمطالب الإصلاح. أما حجم الاستجابة فيبقى رهناً بتوازن القوى خلال الأيام المقبلة. أما الخيار الأمني فلن يحل المشكلة، وسيزيد الأمر تفاقما، فهناك إرادة قوية في الشارع لمواصلة الاحتجاجات، وسقف التوقعات الشعبية من التحرك كبير جداً، ولا يمكن التعامل مع الأمر على طريقة الأنظمة العربية الأخرى التي قمعت شعوبها، لأن ذلك لن يؤدي إلى أي نتيجة، والتجارب ماثلة أمامنا في أكثر من بلد عربي. آمل في أن يتّعظ النظام في البحرين مما جرى في دول عربية أخرى، وألا يقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها حسني مبارك ومعمر القذافي وغيرهما من الحكام العرب.
ـ ما توقعاتكم لشكل التحركات الشعبية خلال المرحلة المقبلة؟
نحن نسعى إلى أن تحافظ التحركات على طابعها السلمي، لأنه في حال انزلقت إلى العنف، فسيكون ذلك مقتلا لها. نحن نشدد على التجمهر السلمي للمطالبة بالحقوق. وهناك أدوات كثيرة للضغط السلمي، خاصة في دولة صغيرة بمساحتها وعدد سكانها كالبحرين. وهذا الشكل من التحرك يكسب حركة الاحتجاج التعاطف الدولي ويرغم النظام على تقديم تنازلات جدية.
ـ هل المعارضة البحرينية متفقة الآن على حد أدنى من المطالب المتعلقة بالإصلاح؟
القوى السياسية في المعارضة متفقة على سقف معيّن. لكن هناك عددا من الشباب يطرحون إسقاط النظام الملكي بشكل كامل. باعتقادي، هذا الأمر قابل للنقاش بالنظر إلى توازنات القوى المحلية والإقليمية، خاصة أن البحرين بلد يتسم بتركيبة طائفية معينة، حيث توجد ثنائية شيعية سنية، ولا بد بالتالي من تحقيق الإجماع الوطني على برنامج الإصلاح الذي يعكس توافق كل مكوّنات المجتمع، إذ لا يصح أن يجري الأمر باتجاه تغليب فئة على أخرى، أو طائفة على أخرى، وإنما يجب أن يكون هناك حل وطني شامل مقبول من الجميع.
ـ ماذا عن موقف «المنبر التقدمي» من المطالب المطروحة؟
«المنبر» لا يعمل منفرداً، فهو يؤدي دوره بالتنسيق مع القوى السياسية المختلفة، لأن ذلك أكثر جدوى وفائدة. نحن نتطلع إلى بلورة رؤية مشتركة لأننا أمام لحظة مصيرية في تاريخ الوطن، ومن الطبيعي أن يكون عملنا ونشاطنا ضمن إطار القوى الوطنية من أجل وضع هذا التصور. وبالتالي فإن «المنبر» لا يملك أي أجندة خاصة أو رؤية مختلفة عن تلك التي يجري التنسيق بشأنها مع القوى الأخرى، لكننا مهتمون بشكل خاص بحماية التحرك الشعبي القائم من مخاطر الانزلاق الطائفي.
ـ كيف تتعاملون مع محاولات العزف على الوتر الطائفي من جانب بعض القوى؟
يعمل «المنبر» على فتح قنوات حوار مع الفعاليات التي تعبّر عن الطائفة السنية لكي نضفي على التحرك طابعه الوطني الشامل. نحاول أيضاً أن ندعو الشباب المحتجين والقوى المشاركة في التحرك إلى الابتعاد عن إطلاق الشعارات ذات الصبغة المذهبية أو الطائفية، وذلك حتى لا يساء إلى هذا التحرك، أو يصوّر على أنه تحرك شيعي فقط. كما أننا نركز على المشتركات العامة للشعب البحريني.
ـ كيف تقيمون الدور الأميركي في ما يجري الآن؟
الولايات المتحدة طلبت من النظام البحريني عدم استخدام العنف ضد المحتجين، كما أعربت عن دعمها لفكرة الحوار، ولكنّ الموقف الأميركي يتسم بالحذر والتردد وغياب الدعم القوي والواضح لمطالب الإصلاح الديموقراطي في البحرين وباقي دول المنطقة. اعتدنا أن يكون الموقف الأميركي انتقائياً ومبنياً على المصلحة، وذلك بالنظر إلى حجم المصالح الأميركية في البحرين ومنطقة الخليج، وأيضاً بالنظر إلى العلاقات الوثيقة التي تقيمها واشنطن مع الأنظمة القائمة هنا، وخشيتها من تغييرات حقيقية باتجاه المشاركة الشعبية. بذلك، يمكن القول إن الموقف الأميركي لم يكن حازما، وهو ما زال ضمن حدود العموميات والشعارات المجرّدة.
ـ كيف تنظرون إلى الموقف الخليجي، وتحديداً السعودي، مما يجري حالياً في البحرين؟
الموقف الخليجي داعم بشكل مطلق للنظام في البحرين، فقد اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في المنامة، خلال الأسبوع الماضي، وأعلنوا موقفاً واضحاً بتقديم كافة أشكال الدعم للنظام، بما في ذلك الدعم العسكري. هناك حديث عن تدخل سعودي، ولكن لا نملك معطيات مؤكدة حول هذا الأمر. وبصرف النظر عما إذا كان ذلك قد حدث أم لا فإن هذا الخيار يبقى قائماً ولا يمكن استبعاده.
ـ هل تخشون محاولات أميركية لإجهاض الثورة؟
مخاطر خنق التحرك وإجهاضه تبقى قائمة، سواء من خلال دفع البلد نحو المنزلق الطائفي، أو عبر تدخل إقليمي لنصرة النظام. هذا الخيار غير مستبعد. ولهذا فنحن نطالب بموقف رسمي وشعبي عربي على الأقل للوقوف إلى جانب المحتجين في البحرين، حتى لا يكون الخيار الأمني قائماً مرّة أخرى، لأنه في حال لجأت إليه قوات الأمن مجدداً في ظل هذا الزخم الشعبي الكبير فإن الأمور قد تتجه نحو مجزرة حقيقية.
حاوره وسام متى
“السفير” – 26/2/2011