رغم طلبها ألا انشر سجالاتنا على صفحة الرأي إلا إني لا أجد مفرا يحجم هذه الرغبة لما فيها من منفس يعبر عن هواجس أمثالنا…
تقول: “مقالك الأسبوع الماضي أثار استياء الوفاقيين، لأن حصولهم على 18 مقعدا كان بجدارة ولا تنكري ذلك، ثم ان الوفاق تيار له هويته وأيديولوجيته التي ينطلق منها، حاله حال أي جمعية سياسية تنطلق من ايديولوجيتها وهويتها وهي ترى في مرجعيتها الدينية جزءا من تكوينها، ولكن الأهم هو انها مازالت قادرة على التعبير عن مصالح قواعدها”.
أقول: “ولماذا هي بحاجة إلى غطاء شرعي للتعبير عن مصالح قواعدها!! سيدتي دخول التكليف الشرعي في خياراتنا السياسية وخارج منظومته الطبيعية، اعتداء على ثقافتنا واستنساخ لثقافة لا تتواءم مع تصوراتنا امتدادا من كوننا جزيرة تمثل ميناء عبور للحضارات إلى البحرين الحضارية التعددية التقدمية، وهذا الأمر ليس مقتصرا على الوفاق وإنما على جميع تيارات الاسلام السياسي التي تضع ضمائرنا على طاولة المداولات، على غرار: “لا أعتقد أنّ جمهورًا يملك من الوعي، كما يملكه الجمهور الذي يستجيب لنداء العلماء الواعين”، وهل الجمهور لا يملك وعيا إلا لأنه يستجيب لنداء العلماء!!”.
تعلق: “التيارات الديمقراطية ذات الامتداد التاريخي تعيش حالة رثة من الضعف، وهل تتوقعين صعودها في مرحلة تعيش التيارات الدينية عصرها الذهبي!!”، أقول: “التيارات الديمقراطية وعلى رأسها “وعد” و”المنبر التقدمي”، تملك تاريخا يجعل منها قوى حاضرة فاعلة ليست بحاجة إلى أن تتحول إلى ذيل لتيارات دينية لتثبت وجودها، هي تمتلك ثقافة بحرينية متجذرة وهوية موائمة مع صورة البحرين المدنية وهي بحاجة إلى أن تجمع قواعدها التي شتتها تحالف سياسي لم يضع للهوية الاجتماعية والإيديولوجية بعدا، وإذا كان لتيار الإسلام السياسي هويته التي لا تجامل على حسابها أحد، فالأحرى بالتيارات الديمقراطية أن تتمسك بتاريخها وهويتها وتمثيل قواعدها المبعثرة”.
تقاطعني: “وأين هي هذه القواعد!!”.
أكمل: “للأسف التيارات الديمقراطية أضاعت قواعدها من نخب ومثقفين وفنانين ومفكرين قادرين على لعب دور اجتماعي في مفاصل لا تقل أهمية عن المأتم والمسجد وأخذت تبحث عن قواعد لها في أوساط التيارات الدينية”.
تقاطعني مجددا: “لو كانت القواعد التي تتحدثين عنها موجودة لما رأيت هذه الحظوظ في الانتخابات”.
أقول: “ولماذا الحل في قواعد الوفاق!! لتبحث هذه التيارات في ذاكرة ابراهيم كمال الدين لتعرف كيف النزول للناس وإقناعهم، فالنخب قادرة على قلب المعادلة”.
تتساءل: “إذا انت مع انفصال المنبر التقدمي عن السداسي، ألا ترين أن في ذلك إضعاف لعمل المعارضة، إذ يكفينا تشرذما على حساب الملفات الوطنية”.
أجيب: “فما الفائدة من تحالف تتصدره جمعية واحدة والطرف السياسي والوحيد المستفيد من هذا التحالف، تتحصل منه على غطاء وطني يبرر تبنيها للكثير من الملفات السياسية، من ثم تصرخ “فلتسقط العلمانية”، فهل يستوي الأمران!!، ثم ان التحالف السداسي لا يخرج عن كونه تنسيقا، لأن التحالف الاستراتيجي يعني كيانا متماسكا في جميع مواقفه وتحركاته… وهل تجدين ذلك على أرض الواقع!!”.
تقول: “استمرار التحالف السداسي وإن اسميا من شأنه أن يشكل قوة ضغط لحل الملفات السياسية وهي الأهم وعلى رأس الأولويات”.
أقول: “من طالب التيار الديمقراطي بالتوقف عن مطالبه، ما أقوله هو ضرورة أن يكف هذا التيار عن لعب دور تكنوقراط التيارات الدينية أو لاعب ظل، إذ يمكنه التنسيق معها في الملفات المشتركة، دون التفريط في هويته الديمقراطية والعلمانية”.
بعد صمت، تقول: “الوفاق بهذه الخطوة ستعتبر ذلك تمردا، وبالتالي سيكون التيار الديمقراطي بمثابة ند”.
أجيب: “طبعا، هذا ما حدث إثر دخول الدكتور حسن مدن كمنافس للنائب جواد فيروز في الانتخابات، والسيناريو كان سيكرر نفسه فيما لو رشح ابراهيم شريف نفسه في سترة لأنه منافس شرس ولديه قدرة على الإقناع وحضور قوي، ولكن “وعد” إلى اليوم لم تتعثر بحجر الوفاق”.
تستدرك: “ابراهيم شريف في سترة! لا… المزاج البحريني مازال مرتبطا بالتيارات الدينية”، أجيب: “غير صحيح لتنظري إلى الأصوات التي حصل عليها ابراهيم شريف في المحرق، وستعرفين المزاج البحريني”.
تسأل: “ولكن المزاج العام في المحرق يختلف عنه في سترة”، فأجيب: “نعم، ولكنها مسؤولية الدولة”.
البديل (2) التيار الديمقراطي ..
تستدرك حديثها: “تتحدثين عن دخول إبراهيم شريف كمرشح منافس للوفاق في سترة!! فيما تنقضين ذلك بقولك إن المزاج البحريني في سترة يختلف عنه في المحرق هذا من جانب، من جانب آخر إبراهيم كمال الدين دخل في 2006 كمنافس للوفاق ولم ينته التحالف بين الطرفين كما تزعمين، فهل لك أن تخرجيني من دائرة التناقضات التي تقحميني فيها؟!”
أقول: “عبدالنبي سلمان دخل كمنافس للوفاق في 2006 أيضًا، ولكن السؤال لماذا خاضت الوفاق حربًا ما زالت مستمرة ضد المنبر التقدمي ابتداء من التلميح بالمطبخ السري إلى استخدام الفتاوى والاستمرار في حملة التشويه إلى ما بعد الانتخابات؟ السبب بسيط هو أن الوفاق تعلم أنه بدخول مدن أو شريف في دوائرها من شأنه أن يقلب المعادلة”.
تقول: “الوفاق اعترفت بأن المطبخ السري مجرد هواجس، ثم أن هناك شائعات عن جلوس وعد مع السلطة على طاولة واحدة، وما جرى مع وعد بالتأكيد جرى مع المنبر التقدمي، إذا ما صحة المعلومة، فمن حق الوفاق حينها أن تدافع عن وجودها”.
أقول: “سمعت كما سمعتِ ولكن أملك دليلا، ولكن من قال إن التفاوض مع السلطة في حدود ما خطأ! أليست هذه سياسية، كم مطبخا سريا دخلته الوفاق مع السلطة! سيدتي جميع التيارات لها أن تجلس مع السلطة في حدود ما دون المساس بمبادئ الطرفين، ولكن ليس من حق أي طرف تسقيط الآخر، وأعود لسؤالي ما الذي يمنع وعد من دخول مرشحيها في إحدى الدوائر الوفاقية المغلقة!”
تصمت:”..”
أجيب: “لأنها تعلم أن المزاج البحريني في المحرق هو مزاج أكثر انسجامًا مع الحالة الديمقراطية، ولكن ألم يستثيرها السؤال لماذا؟
وأضيف: “إذا كانت وعد تعلم بأنها ستخسر أمام الإرادة السياسية، فإنها تعلم أيضًا بأنها ستخسر أمام الإرادة الدينية ولكن خسارتها أمام الوفاق ستكون أشد وطأة من خسارتها أمام السلطة، ولنحسبها.. إبراهيم شريف معارض ديمقراطي وطني – غير طائفي – يملك حضورًا قويًا في أوساط الشارع الوفاقي، صاحب كفاءة علمية وسياسية ومناور ممتاز، يحمل تاريخًا سياسيًا، ويتبنى جميع الملفات التي تتبناها الوفاق، وبصراحة هو اليوم من أقوى الأصوات المعارضة في البحرين، لأن لديه ملكة الإقناع من جهة ومقارعة الحجة بالأرقام من جهة أخرى، كل هذه الصفات ماذا تأتي أمام النائب الحالي لسترة مع كل الاحترام والتقدير له، ثانيًا: يوجد في سترة قاعدة وعوائل تحمل امتدادًا للجبهة الشعبية ولكنهم صامتون، ولك أن تتخيلي ماذا سيشكل دخول إبراهيم في هذه المنطقة من حراك، وبالتالي وصول إبراهيم شريف للبرلمان وارد بشدة إذا افتراضنا وجود إرادة حرة للناخبين”.
تقول: “حيرتيني! ما أعرفه أن وعد لا تريد الدخول على خط الوفاق”.
أجيب: “طبعا، ولكن ما المانع إذا كانت المنافسة شريفة بين التيارين! عزيزتي إذا كانت الصفحات الأولى في إحدى الصحف الصفراء قد حاولت إسقاط وعد عبثا، فإن الوفاق ستحرق آخر أوراق شجرة التوت، وسيجري عليها ما جرى على المنبر التقدمي الذي سيدفع ثمن منافسته ومناكفته لهذا التيار من تاريخه ونضاله ولن تتوقف حملة التشويه إلى أن يتم تهميشه، ولكن تعثر وعد بحجر الوفاق سيكون أكثر دويّا من المنبر”.
تعتب: “أفهم من كلامك بأنك تلومين وعد”.
أجيب: “لا ألوم وعد فهي تيار سياسي من حقه أن يقرر تحالفاته وتكتيكاته، ولكن من حقي كديمقراطية أيضًا أن أعتب على هذا التيار لمجاملته تيارًا يحمل سمة طائفية كباقي التيارات الإسلامية الأخرى التي تصادر وتستخف بإرادة الناس، من حقي أن أطالبها بأن تحفاظ على المدنية والتقدمية التي ناضلت من أجلها وترفض مثل هذه الممارسات كما ترفضها من السلطة، وأن تعبر عن شارعها كمعارض يحمل هوية ديمقراطية ويتطلع لقيام دولة ديمقراطية مؤسساتية ليست قائمة على مزاج ديني أيا كان عنوانه”.
تقول: “وعد ترى في الملفات الوطنية أولوية وأن المشتركات السياسية أهم مما تذكرين”.
أقول: “ما زلت أكرر من طالبها بالتخلي عن ملفاتها، ما نطالبها به هو عدم مجاملة التيار الديني، والعمل معه كطرف سياسي مع الحفاظ على ثوابتها، ما نطالبها به هو أن تحيي مشروع وحدة التيار الديمقراطي وتجمع ما تبقى من نخب هاربين قادريين على الدفع بنا نحو التحول المدني بعيدًا عن سيطرة الجماعات الثيوقراطية، ولها بعدها أن تنسق كما تشاء مع أي طرف في حدود ما”.
تقول: “تقولين إن ما نعانيه هو مسؤولية الدولة! ولكنك الآن تلقينها على وعد”.
أجيب: “لا.. ما زالت مصرة بأنها مسؤولية الدولة”.
البديل (3) استفاقة الدولة…
تقول: “تتحدثين عن مسؤولية الدولة، هل لك أن تقولي ما لها أن تفعل! عزيزتي التيار الديني يملك شارعه وهذا واقع وكان على الدولة أن تتعامل معه في هذا الإطار، وتغير المزاج العام عما كان عليه في 2006 لا يعني تراجع تأثير هذا التيار على الناس”.
أقول: “أولا: الدولة ساهمت في نقل صورة غير حقيقة عن المزاج العام صورة تصب في صالح التيار الديني عندما لعبت كطرف سياسي أضفى الشرعية لعمل تيار الإسلام السياسي بما يحمله من أيديولوجيات لا تتواءم مع المجتمع المدني، ثانيا: إذا اعتبرنا أن الدولة لاعب رئيسي في العملية السياسية بالتالي كان من المفترض أن تكون اللاعب القادر على صياغة هوية العمل السياسي منذ انطلاق المشروع الإصلاحي”.
تقول: “صحيح انها اللاعب الرئيسي ولكن هذا لا يعني أنها تملك جميع خيوط اللعبة السياسية، ففي كثير من الأحيان تضطر للمناورة وللتنازل كأي طرف سياسي آخر! ثم لا تنسى أن الوضع الإقليمي في المنطقة آنذاك كان يعبر عن صعود تيار الإسلام السياسي وبالتالي لا يمكن التغاضي عن هذه المتغيرات وتأثيرها على البحرين كجزء من هذا الإقليم”.
أقول: “الدولة التي تحمل على عاتقها التأسيس للمدنية عليها أن تعي متطلباتها، وإذا كان الحراك الإقليمي يفرض متغيراته، فإن البحرين أيضا تملك بنية ثقافية كان بالإمكان لها أن تكون العامل المضاد لهذه المتغيرات وإن جزئيا، ولي أن أضرب مثالا بقانون الجمعيات السياسية الذي لا يسمح بتأسيس جمعيات على أساس ديني أو مذهبي، فيما سمحت الدولة منذ البداية بقيام جمعية الوفاق الإسلامية التي حملت “نهج آل البيت شعارا لها” حسب ما قاله عبدالوهاب حسين آنذاك، وليس ذلك فحسب بل سمحت بأن يكون للجمعية مرجعية دينية على غرار ما قاله الشيخ علي سلمان: “إذا قال علي سلمان أمرا وقال الشيخ عيسى قاسم أمرا فالأمر لقاسم”، بل أوجدت كيانات سياسية في الشارع السني وعلى رأسها الأصالة الإسلامية والمنبر الإسلامي لتلعب دورين، ممثل للطيف الآخر – الطائفة الأخرى – والدور الثاني يتمثل بلعب دور الحليف”.
تقول: “ولكن هذه تقديرات سياسية يمكن أن تتغير وتغيرت الآن”.
أستدرك: “هذا خطأ استراتيجي دفعنا ثمنه من عجلة التنمية في كثير من الأحيان، عشر سنوات من الانغلاق الطائفي، عشر سنوات من الانقسام الطائفي، عشر سنوات من محاولات يقودها التيار الديني لتغيير التركيبة الثقافية والتسامحية والتعددية لهذا البلد، جاء نتيجتها أن رسخ في ابنائنا الانتماء للطائفة والمذهب والمرجعية، وإذا ما جاء دور القانون ليأخذ مكانه قالوا “سامحونا عندنا تكليف شرعي”، سؤالي: في أي دولة في العالم يعتبر المجتمع الانصياع للقانون أو التمرد عليه مزاجا يحدده أفراد أو تقديرات تحددها الطائفة!!”.
تقول: “بصراحة أرى أن الدولة تحرج أحيانا وتضطر للتراجع عندما تطرح بعض الموضوعات مثل تصحيح وضع المجلس العلمائي أو حتى سن بعض القوانين أو إصدار بعض القرارات مثل منع مكبرات الصوت، قانون أحكام الأسرة وغيرها، هناك من هو قادر على إخراج مئات الآلاف تمردا”.
أجيب: “الدولة هي من سمح بتأسيس كيانات دينية تتدخل في السياسية عرفا، وإذا علمنا ان الأعراف تتحول مع مرور الوقت لحق مكتسب، ندرك المعضلة، فالاختراق الديني لقانون الجمعيات السياسية ألقى بظلاله على الحراك الاجتماعي والثقافي، وما صدور بعض ردود الأفعال التي لم تكن لتنسجم مع من يتطلع إلى التأسيس لدولة تنافس نظيراتها على الصعيد الاقتصادي والانفتاح الثقافي والاجتماعي والحضاري، إلا نتيجة لهذا الاختراق”.
تقول: “ولكن ألا ترين أن علماء الدين يمثلون صمام أمان لكثير من القضايا”.
أقول: “لو أسسنا لحراك سياسي مدني لاختلفت صمامات الأمان كما ستختلف عناصر التأزيم، لما استغلت دور العبادة في التحشيد والتجييش والتسقيط والتشهير، ولما استغلت عواطف الناس وضمائرهم وفطرتهم في تحقيق مكاسب سياسية، ثم إننا لم نطلب من علماء الدين الانعزال عن المجتمع بل على العكس يقع على عاتقهم مسؤولية لا تقل أهمية عن بقية عناصر المجتمع في حدود ما يحتمه دورهم كعلماء دين، ولكن دون أن يتحولوا إلى سلطة مقدسة فوق القانون”.
تقول: “ما المطلوب من الدولة الآن!”
أقول: “لا أعرف، ربما عليها التخلي عن مخاوفها في إدارتها لبعض مفاصل المجتمع بما فيها السياسية بأن تمنح المزيد من حرية العمل السياسي ولكن شريطة تعديل أوضاع الجمعيات السياسية الدينية وتحويلها إلى مؤسسات مدنية وليست ذارعا للتربية الإسلامية أو الإصلاح أو للمجلس العلمائي أو غيره، بالتالي إعادة بلورة العمل السياسي جله على هذا الأساس، ولكن هل هي قادرة على اتخاذ هذه الخطوة!! وهل الوقت مناسب؟ لا اعرف”.
تقول: “أشك أن المعضلة ستحل بحل هذه الإشكالية فقط”،
أقول: “بالتأكيد لا، هناك العديد من العوامل الأخرى أكثر أهمية من السياسية”.
للحديث بقية..
صحيفة البلاد - البحرين