يحاول البعض عن سوء قصد، تشويه طبيعة الصراع السياسي الدائر في البلاد وتصويره على خلاف ما هو عليه بأنّه صراع فئوي مناطقي، والإيهام بأنّ التحرك الشعبي الجاري إنما هو تحرك قبلي… والمؤسف أنّ بعض حسني النيّة من المواطنين قد انساق وراء مثل هذا التشويه، متأثرا بأجواء الشحن الفئوي والمناطقي والطائفي، التي جرى تأجيجها خلال السنتين الأخيرتين، وهذا ما يتطلب فضح مثل هذا التشويه المتعمّد لطبيعة الصراع السياسي والتحرك الشعبي، وقطع الطريق على مغالطات المغالطين ومحاولات خلط الأوراق.
إنّ الصراع الدائر لا يتعلق بفئة دون غيرها من المواطنين، وإنما يدور حول ما تعرّض له كيان التمثيل النيابي من إهدار لمبدأ الحصانة الموضوعية المطلقة لنواب الأمة فيما يتصل بعملهم البرلماني داخل مجلس الأمة وفي لجانه، وللمطالبة بوضع حدّ لنهج الملاحقات السياسية تحت غطاء قانوني للمعارضين من النواب والكتّاب والناشطين… فيما يهدف التحرك الشعبي إلى الردّ سياسيا على الإهانة المتعمّدة لعدد من نواب الأمة والاعتداء الوحشي على المواطنين المسالمين المجتمعين في ديوان النائب الدكتور جمعان الحربش… كما أنّه من بين مقاصد التحرك الشعبي التعبير عن التضامن مع الدكتور عبيد الوسمي بوصفه ضحية قمع وسجين رأي… ومن بين أهم موضوعات الصراع السياسي الدائر والتحرك الشعبي الجاري التصدي للمحاولات الحكومية الهادفة للتضييق على الحريات العامة، وتأكيد تمسك المواطنين بحقّهم المشروع في الاجتماع العام، ورفض مشروعي القانونين الجديدين المقدمين من الحكومة للتضييق على حريات الرأي والتعبير والصحافة والنشر… وتكريس حقّ الأمة عبر نوابها في مساءلة رئيس مجلس الوزراء عن انتهاكه للدستور وتعدّيه على الحريات… وحقّها في المقابل بمحاسبة نوابها المقصّرين والمتهاونين عن حماية الضمانات الدستورية والحقوق الديمقراطية… وهذه في مجملها وتفاصيلها قضايا ومطالب وطنية ديمقراطية تعني الكويتيين جميعا بغض النظر عن مناطقهم؛ وأيًّا كانت فئاتهم الاجتماعية؛ ومهما تكن طوائفهم وانتماءاتهم القبلية أو العائلية.
ولعلّها أمور ذات دلالة واضحة فاضحة لزيف الادعاءات القائلة بالطابع الفئوي والمناطقي للأحداث والتحركات الشعبية، إنّ الانطلاقة الأولى للتحرّك التضامني مع ضحية القمع وسجين الرأي الدكتور عبيد الوسمي لم تأت من أفراد قبيلته الكريمة، وإنما جاءت تلك الانطلاقة الأولى من طلبة كلية الحقوق، الذين اعتصموا في ساحة الكلية، وأعقبتها الوقفة الوطنية المشهودة، التي نظمتها جمعية أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وضمّت المئات من زملاء الدكتور عبيد وطلبته وعددا من نواب الأمة والشخصيات السياسية، الذين احتشدوا في قاعة المرحوم الدكتور عثمان عبدالملك الصالح للتعبير عن التضامن ورفض الإجراءات القمعية… وكذلك فإنّه من الأمور ذات الدلالة أنّ أول ندوة بعد قمع ندوة ديوان الدكتور جمعان الحربش في الصليبيخات قد أقيمت في ديوان الأمين العام للمنبر الديمقراطي الأستاذ عبداللّه النيباري الواقع في ضاحية عبداللّه السالم، وكان عريفها الأخ عبدالمحسن تقي مظفر، والمتحدثون فيها الإخوة المحامي مشاري العصيمي، والنائب الدكتور حسن جوهر، والدكتور محمد الفيلي…
وأخيرا، وليس آخرا، فإنّ هناك دلالة ذات معنى كبير تحملها الرسالة التاريخية، التي وجّهها نائب رئيس المجلس التأسيسي الدكتور أحمد الخطيب إلى أعضاء مجلس الأمة عبر مقالته المنشورة في العدد الأخير من “الطليعة”، التي أعادت نشرها صحيفة “الآن” الإلكترونية وعدد من المواقع والمنتديات على شبكة الانترنت… وفي المقابل نلحظ أنّ الاصطفاف النيابي التابع للحكومة يضم نوابا من مختلف الفئات والطوائف والمناطق، ما يؤكد أنّ الصراع السياسي الدائر ليس صراعا فئويا أو مناطقيا، وإنّ التحرك الشعبي إنما هو تحرك وطني في محتواه الأساسي… وبعد ذلك سيُسجل التاريخ السياسي الكويتي لشباب القبائل دورهم المشهود في هذا التحرك الوطني، الذي يشاركون فيه بوصفهم مواطنين كويتيين أولا وقبل أي شيء… مثلما سيُسجل التاريخ تخاذل المتخاذلين أيًّا كانوا.
جريدة عالم اليوم 22 ديسمبر 2010