أطربني ، حد الثمالة ، شعار وزارة الداخلية الجديد ” لا للفساد” الذي أمطرت به الطرقات وذيلته برقم خط ساخن يجاور عبارة تقول ” قولك لا للفساد له وزن”.. كدت أسترق الرقم لولا أن عاجلتني المركبة التي ورائي بـ”هرنّ” دفعت الوقود في أحشاء سيارتي إثره، فيما تدافعت الأفكار في مخيلتي زمراً وأفراداً..
جميل هذا الشعار الموحي بالثقة في دولة لم يُحبس فيها مسئول رفيع واحد بتهمة الفساد على مرّ عقود – حادثت نفسي- فكرت أن أهاتف باعتباري ” مواطنة غيورة” رغم يقيني أن الموظف قليل الحيلة الذي سيتسلم مكالمتي سيكون أكثر من سعيد..لو لم أتصل..!
كنت سأستهل مكالمتي أولاً بالسؤال عن 4 قضايا مقبورة تتعلق بالاختلاس وتبييض الأموال واستغلال المنصب العام أثيرت حولها جعجعة كثيرة ولم نرّ منها طحيناً. قضية د. إبراهيم الرميحي مدير معهد التنمية السياسية هي أحدثها؛ أردت أن أتساءل علام جُمدت القضية رغم ما قيل عن لبوس التهمة وتوافر الأدلة ؟ وماذا حصل في قضية الوزير السابق منصور بن رجب الذي أُتهم بغسيل أموال تصل لـ21 مليون والتورط في قضايا رشاً وعمولات.. هل كان مظلوماً وثبتت براءته مثلاً.. أم هو مذنب ونفذ من العقاب ؟ من حقنا أن نعرف..
ماذا عن قضية عيسى الذواذي مدير بنك الإسكان الذي ربضّت قضيته في المحكمة 5 سنوات وثبتت عليه وصدر بحقه حكم نهائي بالحبس 10 سنوات ثم أُسقطت عنه العقوبة بعفو كما سمعنا.. حسناً؛ ما مصير الشق الخاص باستعادة أموال البنك التي جاوزت المليون ونصف المليون والتي صدر فيها حكم نهائي وبات.. هل تم استحصالها منه أم أنها ” دفعة بلاء” عن شعب البحرين وحلال علية وعلى أنجاله من بعده..!!
قضية العقيد الفار عادل فليفل التي شغلت الصفحات الأولى من الصحف في 2004 و 2005 على التوالي وقيل ما قيل عن استغلاله لنفوذه في استلاب الأموال وابتزاز الناس وهتك حقوق الإنسان.. هل حُبس يوماً واحداً بتهم الفساد التي طاردته حكومة البحرين عليها عبر الأنتربول ..!!
وتكرّ سبحة القضايا الفقاعية التي طارت الطيور فيها.. بأرزاقنا !!
– قضية فساد ألبا/ ألكوا أكبر قضية فساد في تاريخ البحرين المعاصر المتعلقة بملياري دولار من مدفوعات ألبا والتي ستضل صفقاتها الفاسدة نافذةً حتى العام 2014 تستلّ من خزينة الشركة شهريا ما يتراوح بين 50- 60 مليون دولار – بحسب تقديرات سوق لندن للمعادن- ماذا حصل بها ؟ ومن قدم للقضاء فيها سوى موظفان أتهما بتقاضي ” خردة” بالآلاف !!
- ماذا عن الصفقة المريبة التي اشترت بموجبها الهيئة العامة للتأمينات – من أموال المؤمّنين ومدخرات ذوي الدخل المحدود- 42 فيلا في الرفاع فيوز لإنقاذ المشروع لاعتبارات “مبهمة”.. هل تمت محاسبة / إقالة مسئول واحد على صفقة تفوح منها رائحة تزكم الأنوف !!
– ماذا عن البقرة الحلوب ” طيران الخليج” التي تسّد ملفات فسادها عين الشمس..؟ كم مسئولاً تم حبسه في قضايا استنزاف المليارات عبر السنوات..؟ في قضايا تأجير عمارات وهمية لسنوات وفي صفقات مشبوهة لبيع طائرات وصيانة الطائرات، وتعيين شركات استشارية وبيع أجهزة المحاكاة لطائرات 767..؟
وما أخبار نائب الرئيس التنفيذي للشئون الفنية جيف ليفينغ الذي هرب من البحرين عندما قررت النيابة التحقيق معه و” لي شيف” نائب الرئيس التنفيذي للتسويق والمبيعات الذي طار حاملاً معه وثائق سرية تتعلق بحسابات تكشف المتورطين في فساد الشركة ” كضمان طبعا”.. لماذا لم تطالهم يد القانون أم أنها ” دفعه بلاء” أيضاً عن الركاب هذه المرة !!
– ماذا عن قضية الفساد المتعلقة بشركة إصلاح السفن (أسري) التي حقق فيها.. أين وصلت؟ ومن هو الوزير أو المسئول الرفيع الذي تحمل وزرها ؟!!
لستم بحاجة لخط ساخن لتعرفوا مكامن الفساد.. ولا لاتصالات المواطنين الذين لا يملكون أدلة في الأغلب الأعم.. تريدون إثبات جديتكم في محاربة الفساد ؟ لديكم تقارير ديوان الرقابة المالية التي تكشف مهازل ومآسيً بالدليل والبرهان ولم نشهد بعد استجواب وزير ولا ناطور بشأنها !!
تريدون قضايا فساد حقيقة.. تتبعوا أين ذهبت 65 كم مربع ،هي عُشر مساحة البحرين بأكملها، وكيف تحولت من ملكية عامة لملكية خاصة لحفنةً من الأشخاص استحوذوا على مقدَّرات دولة تجاوز عدد سكانها المليون..!!
****
المفارقة الطريفة.. أن جهود محاربة الفساد تأتي أُكلها – فقط- على من لا ظهير له ولا عوين.. كمفتشي السياحة الذين لا تتعدى رواتبهم الـ500 دينار الذين حصلوا على حكم نافذ بـ10 سنوات.. وموظفي ألبا المتهمين بـ”خردة” الذين حصلوا على حكم بـثمان.. ومدير ” صغنون” في وزارة التجارة حصل على حكم بـ3 سنوات.. وموظفين في إدارة الهجرة والجوازات عوقبوا بأحكام تصل لـ5 سنوات.. بتهم فساد.. !!
لا دولة في العالم تخلو من الفساد – نعلم – ولكن قلة موارد البحرين تُعظم من تأثير الفساد على الشعب، وتعني موارد أقل للمدارس والمستشفيات والطرق والإسكان. الحملات والتصريحات الرفيعة لدعم مكافحة الفساد كثيرة ، سيما تلك التي تبناها ولي العهد، ولكنها لا تطال الفسدة الحقيقيين.. أولئك الذين دسوا أيديهم في جيب كل بحريني وحبسوا البلاد في أزمة.. فيما هو طلقاء لا يمسهم لغوب..!
شعار وزارة الداخلية ” على رأسنا” ولكننا نحتاج لدليل واحد لنصدقه.. فآذاننا التي صمّها صرير الفساد تحب الشعارات الموسيقية ولكن عيوننا.. باتت لا تصدق !!
هامش:
“ إنّما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه..
وإذا سرق فيهم الضعيف.. أقاموا عليه الحد”
حديث شريف
والله من وراء القصد ،،
موقع لميس 29 ديسمبر 2010