وكان في البال ما حدث للقوى الديمقراطية واليسارية في إيران، بداية الثمانينات وبشكل خاص اعتقالات وإعدامات عام 1983، حيث زج بالمئات من المناضلين في غياهب السجون والزنازين، وعلقوا على أعواد المشانق، وهم الذين قدموا تضحيات كبيرة: الآلاف من المعتقلين والسجناء السياسيين والشهداء والمنفيين أبان حكم الشاه المقبور وكان لهم دور بارز في اسقاط نظامه، وأعلن البعض منهم الوقوف مع خط الإمام الخميني، لم تشفع لهم كل تلك التضحيات.
لن أتوسع في هذا المقام، ما أود ذكره للقراء، بأنني طرحت، في تلك الفترة، فكرة إصدار ميثاق شرف يُوقع عليه من قبل القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية وممثلي القوى الإسلامية، من اجل المستقبل، ولكي نتحاشى الصدام فيما بعد، المقصود هنا، عندما يأتي موعد الاستحقاق السياسي، هذا ما حدث في فبراير عام 2001 بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني.
عارض الفكرة الأستاذ علي ربيعة، قائلاً: الموضوع الأهم عودة الحياة النيابية وإشاعة الديمقراطية، قلت له اتفق معك، ولكننا نريد ان نتعظ من تجارب الآخرين وما جرى للقوى الديمقراطية خير شاهد على ما أقول، يمكن ان يحدث في البحرين، وان اختلف الوضع هنا عن إيران، هنا لا وجود للثورة والحكم ليس في يد القوى الإسلامية، لكننا نتحدث عن فكرة «عدم تمكين» القوى الديمقراطية.
بعد عشر سنوات جرت اول انتخابات للمجالس البلدية في مايو 2002، وحدث التنافس ما بين حلفاء الأمس في العديد من الدوائر الانتخابية، وقرأتم في الصحافة المحلية حينذاك تصريحات بعض قادة القوى الديمقراطية عن الانتخابات والغبن والمرارة من جراء ما أصابهم، من تسقيط وتشهير بالعديد من كوادرهم وأعضائهم المرشحين مع المنافسين من حلفاء الأمس واليوم في تلك الدوائر الانتخابية التي يطلق عليها من قبل البعض «دوائر مغلقة»، ولم يتعلموا الدرس الأول، وأسسوا التحالف الرباعي على اثر ثنائية المشاركة والمقاطعة، وحدث ما حدث للقوى الديمقراطية في انتخابات 2006، من تسقيط وإقصاء من قبل الحليف الأكبر في الرباعي، كان ذلك الدرس الثاني.
المثير للسخرية بأن البعض يتباكى على خسارة بعض الشخصيات الديمقراطية نسائية ورجالية في بعض الدوائر الانتخابية خارج ما يعرف باسم «الدوائر المغلقة»، وهم الذين مارسوا اشنع الأوصاف والأساليب من التكفير والتشهير في انتخابات 2006 في الدائرة الثالثة في العاصمة ضد المناضل إبراهيم كمال الدين، احد قادة العريضتين النخبوية والشعبية، وابن الشخصية الدينية المعروفة السيد علي كمال الدين الغريفي، احد قادة هيئة الاتحاد الوطني في منتصف الخمسينيات.
عندما نزلت في الدائرة الثانية في العاصمة، الانتخابات النيابية 2010، أخبرت الصديق الأستاذ علي ربيعة، بأنني ترشحت من قبل المنبر الديمقراطي التقدمي، رد عليّ، قائلاً: جيد أن تترشح وتطرح برنامجكم على الناس ولكنك لن تنجح، سوف يفعلوا بك، مثلما فعلوا بالسيد إبراهيم كمال الدين، وبرفاقكم، وعبدالنبي سلمان احدهم في عام 2006، وبالفعل هذا ما حدث، ولكن الذي مورس ضدنا أنا ورفيقي الأمين العام لحزبنا الدكتور حسن مدن، يفوق كل التوقعات، منذ ان أعلن عن ترشيحنا بدأت تلك الحملة المنظمة ضدنا.
بإطلاق النعوت المفتعلة وتلفيق الأكاذيب والإشاعات، ليس فقط بالقول ان هؤلاء شيوعيون وعلمانيون، بل إن التشهير طال أفراد عائلتي وأعضاء الحملة الانتخابية، وكذبوا على الناس بان هؤلاء ان نجحوا سوف يغلقون المآتم الحسينية ومن ينتخب مرشحهم هم فقط فان ذلك طريقه الى الجنة.
رغم قسوة الحملة الظالمة علينا، والتي استخدم فيها الدين وهو براء من ذلك العبث غير الأخلاقي أو الحضاري، وينم عن أحقاد وكراهية تجاه القوى الديمقراطية واليسارية في البحرين، وهو ارث قديم منذ أيام المجلس عام 1973، ظل مستمراً، حتى اليوم، بل وفي تصاعد.
الغريب في الموضوع أن هناك أفراداً وأطرافاً عديدة، وبعض الكتاب وأشباه المثقفين دعموا الحملة ضدنا، وروجوا لتلك الأطروحات والأفكار الطائفية والاقصائية وكانوا جزءا من تلك الجوقة المعادية للقوى الديمقراطية والتقدمية في البحرين.
على القوى الديمقراطية والتقدمية ان تتوقف مطولاً أمام ما حدث، وتجري تقييماً واسعاً، تستخلص منه الدروس والعبر، فلقد اتضحت الصورة اليوم، بان فكر الإقصاء وإلغاء الآخر سوف يمضي في نهجه، مستفيداً من التباين والاختلاف بين القوى الوطنية والديمقراطية، حتى نتعظ ونتعلم من أخطاء الماضي.
صحيفة الايام
23 نوفمبر 2010