أهم دعائم الاستقرار السياسي الاجتماعي هو التحكمُ الحكومي في الشركات الكبرى، وبدايةُ إبعادِها عن الفساد، ونشوء وزارة مالية مدققة متابعة لأي أخطاء في هذه الشركات الحكومية وفي المال العام عامة.
التحكمُ السياسي الاقتصادي الأدقُ والمتصاعدُ التطور يجرى من داخلِ الحكومة ولاتزال مؤسساتُ المجتمع المدني كالمجلس الوطني والجمعيات السياسية والبلديات والنقابات غير قادرة على التأثير في الأوضاع الاقتصادية العامة وتقريبها من مصلحة المواطنين والمقيمين لضعف الرقابة والتحليل والتدقيق وندرة التشريع.
أهم دعائم الاستقرار هو الدعم الحكومي للمواد الأساسية للأغلبية الشعبية مواطنين ومقيمين.
إن التفريق بين المواطنين والمقيمين هو في حد ذاته أمر مهين وغير إنساني، وغير ممكن التطبيق أصلاً، ولكن حتى لو كان ممكن التطبيق فهو خطرٌ مضادٌ للدساتير الإنسانية والمواثيق الدولية.
فلا يجوز لأفراد يُفترض أن يكونوا سياسيين ومسئولين التفريق بين البشر، هذا بحد ذاته تجاوز للقانون.
فهنا يتم تصوير المقيمين بأنهم خارج البلد ومسئولياته وظروفه، خارج إنجازاته ومصاعبه ومشكلاته! فعليهم أن يساهموا في البناء ولكن من دون حقوق.
كأنهم قطاع غير إنساني! مثل الغنم والماشية والأنعام!
كيف يمكن التفوه بهذه الألفاظ المعيبة؟!
هذه العقلية نتاج وعي سياسي بيروقراطي خاصة حين يقفز للتفريق بين البشر في البلد، فهناك أناس يجب أن يتحملوا ظروف تغيير الأسعار، وأناس لا يجب أن يتحملوا هذا التغيير!
أناس يشترون الخبز بأضعاف سعره الراهن وأناس يشترونه بسعره الراهن!
وكيف يحدث ذلك؟ من خلال بطاقات، ولكن هذه يمكن تطبيقها في مخابز باريسية وليست بحرينية، فأي خباز لدينا لديه قدرة على القراءة؟ إذا كان يقرأ يحتاج إلى نظارات طبية بثمن أجره! وأي خباز يمتلك كل هذه القدرات العقلية والثقافية لمعرفة البطاقات التموينية؟ وهل لديه وقت في الحرارة الرهيبة أن يبقى في خباز بهذه التعقيدات الاقتصادية؟
وكذلك بائع اللحم عليه أن يؤجر مجموعة من المحللين والمدققين في الهويات لكي يفرق بين من يستحق الدعم ومن لا يستحق؟
هذه العقلية البيروقراطية تعيشُ أزمنة الأنظمة الحكومية القومية العسكرية، واستمرار هيمنة القطاعات العامة على كل صغيرة وكبيرة في الاقتصاد والمعيشة وشراء الخبز واللحم، بدلاً من رفع هذه الهيمنة وتفعيل السوق الحرة بكلِ تركيبتِها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أي تأسيس نظام حر متكامل متدرج التكوين، ذي تلاق حكومي وشعبي.
الآن يحللا موعدُ دفع تكاليف هذه المظلة التي تأخر تغييرها وإصلاحها، بعد أن تسربتْ أموالٌ كبيرةٌ منها.
إن تكوين سوق رأسمالية حرة حقيقية أمر مكلف وذو أخطار، حين ينشأ بأشكالٍ عفوية وتجريبية، وحين يتوجه للقمة العيش ويبدأ التغيير منها، بدلاً من إعادة نظر اقتصادية سياسية اجتماعية شاملة، تتشكلُ من خلال مؤتمرات ودراسات، وتقترح مجموعة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتكاملة.
فهناك مصادر دخل هائلة في البلد، من أهمها تلك الشركات الحكومية التي تبيعُ الموادَ الخام الثمينة، والتي حدث فيها ما حدث، هذه مصدرٌ أساسي لدفع المال اللازم لأي تحول متدرج لاقتصاد السوق، وهناك الرسوم التي يدفعها المواطنون والمقيمون على كل خدمة، وهناك الضرائب الممكن تطبيقها على الدخول الكبرى والمؤسسات الاقتصادية كالبنوك.
إن المؤسسات الخاصة الكبرى يجب أن تدعم التحول التدريجي للاقتصاد الحر الديمقراطي، الذي تحدث فيه مصالح مشتركة للعاملين والقوى الاقتصادية المالية.
إن القيام بأي خطوات سهلة سطحية لها نتائج عكسية، فالقراءات المعمقة المدروسة هي ضرورية الآن، ويجب أن تكون صبورة وتأخذ وقتاً كافياً، لرؤية طريق التحول الممكن الشامل.
ويجب أن يبتهج المواطنون والمقيمون للتحولات السياسية لا أن يشعروا بالأضرار وفقدان المكاسب منها، فهي ليست لديها الإمكانات لتحويل طموحاتها وآمالها لسياسة اقتصادية حقيقية بشكل مستمر، فحراكها الأولي فقد حرارته وإذ تجيء مثل هذه القرارات المعاكسة لعيشهم يشعرون بإحباط رهيب.
صحيفة اخبار الخليج
30 نوفمبر 2010