كيف تختار شعارا معبرا وعميقا بدلالات متعددة لها تأثيرها النفسي والدعائي على الناخب، خاصة الأنثى المعنية بإغراء «الحناء» كهدف سياسي وانتخابي. وبدلا من رفع مستوى ثقافة الناخبين من قبل مترشحين يفترض فيهم وعيا طليعيا متقدما لتنوير المجتمع واحترام عقله وكيانه «إذ ليس بالحناء يحيا الإنسان» وإنما بالإنتاج والكرامة وبناء مجتمع متطور أكثر من شعار «حنونا من حناكم» فهو شعار دعائي يناسب حفلات الزواج في ثقافة شعبية، اقرب لدعاية شامبو وصابون ومعجون حلاقة وأسنان. بدت لي مسألة «الحناء المجاني» التي طرحها مرشحنا النيابي الجديد نوعا من التسلية السياسية في أزقة فريجنا فهم وجدوا فيها تسلية رمضانية وحدوته يومية، فعجائز الفريج الذاهبات لصناديق الاقتراع لا يفكرن في حناء مجاني وإنما بزيارة للعمرة وأي أمر مفيد لهن ولشيخوختهن، أما إذا كانت مصيدة مرشحنا لناخبات في عز الشباب والزواج ومناسبات الأعياد، فهن بالتأكيد لا يردن حناء مجانياً على حساب كرامة المرأة البحرينية التي لا تقبل بوضعها في الحضيض والتنقيص من قدرها وكرامتها بدونية دعائية اسمها «الحناء المجاني» إذ بهذا النوع من المستوى في العمل الدعائي الانتخابي نهينا مشروع «تمكين المرأة» الذي سعى إلى رفع وتطوير الدور السياسي للمرأة حاضرا ومستقبلا.
ليس عن طريق الحناء كمغناطيس جذاب، وإنما لخلق امرأة واعية ومنتجة تنتظر دورها السياسي والتنموي، الذي يفوق أصابع الأنثى الطيبة المخدوعة بأكذوبة «الحناء المجاني» وكان من المفترض أن تكون الدعاية أوسع واكبر بإضافة عبارة إعلانية للحناء بأنها مجانية لأربع سنوات تكون مترافقة مع مرشحنا الجديد. كان أجدر له البقاء في دائرة البلديات، والتي لم يبرهن بأنه ناجح فيها نجاحا فائقا وكافيا يثير الإعجاب، فليس بعد برامج قمامات البلدية وملاعب الأطفال في حدائق المنطقة من نقصان إلا أن نحنّي نساء الدائرة، فهذا ما ينقص نساء دائرتنا فقدانهن حناء مجاني.
صدمت بمستوى الهدف الانتخابي لمرشحنا، وقرأت من خلفه أزمة القيادة السياسية في الكتلة، التي أجازت لمرشحها تمرير هدف بمستوى «الحناء المجاني» ونست أن تنصح مرشحها باختيار أغنيات تراثية عن الحناء لدغدغة النساء بالزواج طالما هن عازبات، فهم كالعادة يعاملن النساء ككائن في مرتبة عاشرة وهم يصممون لها أهدافاً من نوع الحناء المجاني، فهي كفيلة بجذبهن بطريقة سحرية لصناديق اقتراعهم فقط . من اجل الحناء وثقافتنا الشعبية نهدي مرشحنا أغنية كانت ترددها نساء البحرين في زمن غابر تقول: «حناج عيين (عجين) حناج عيين ولي دزوج على المعرس بالج تستحين» وبما إن الأغنية واضحة معالمها الدلالية في ليلة الدخلة، فان الناخبات الجدد من الجيل الجديد لا يعرفن سر الحناء ولا حتى أبعاد مقولة ومثال «حنونا من حناكم» فهذه أيضا أدهى وأمر ولا يجوز لتيار توظيفها فهي برمزيتها وبعدها الدلالي تعني تعبيرا آخر، فالحناء والمشموم في ثقافتنا الشعبية تعبير واضح لمن هم على دراية بإرثنا الشعبي وثقافته العميقة، وبين اللغة والخطاب المباشر لتلك الجملة هناك خلفية أخرى لها في زمن الجيل المنصرم معنى، فله غزله لكون المجتمع يومها كان خجلا، والرجل عليه أن يبادر لكسر حياء المرأة، لهذا كان على الرجل أن يقول للمرأة وهي تتزين بالحناء وللرجل المنتظر، حنينا من حناج للمفرد وللمجموع / الجمعي والمجتمع حنونا من حناكم .
فهل بلغت الجرأة بتخطي الخطاب الديني إلى خطاب كهذا مغلف عبر نافذة التراث، الذي يجهل مرشحنا فهمه وأبعاده. لا نلوم جهالة الكثيرين من المترشحين، ولكنني رغم بلوغي الثانية والستين لم اقرأ وأصادف هدفا لمرشح نيابي «حناء مجاني» وشعارا أكثر عجبا هو شعار حنونا من حناكم. كدت اشك في الشعار هل هو سذاجة سياسية، ضحك على «ذقون» الإناث، أم إن صاحبها لديه محل لتجارة حناء النساء وهذه فرصة لما بعد الانتخابات، حيث تبدأ الدعاية التجارية دائما بتعبير مجانا ثم عليك الدفع لكي لا يصبح الحناء مجانيا بعد ذلك. رفقا بنا يا مرشحنا «الهمام» وبعقلنا وبتاريخ البحرين السياسي، فقد كانت شعاراتنا وأهدافنا التي طرحناها في انتخابات الدورة الأولى 2002 أعمق بكثير من «الحناء المجاني» وحنونا من حناكم.
غفر الله لك لهذه البضاعة السياسية الكاسدة، وليغفر الله لناخبة ستكون الحناء المجانية دافعا للتصويت الفاسد في تسعيرته حناء مجانية، وهي واضحة بأنها غش ملتو للبضاعة الانتخابية، فبدلا من الدفع نقدا يتم الدفع عينيا بحناء مجانية!! هل هناك أوضح من هذه اللعبة البائسة. كان شعارنا «انتخبوا الشعب وحده الحصان الرابح» فيما اليوم ندعو الناخبين بشعارات الحناء، التي ذكرتني بحناء الرجال لمعالجة الأمراض وغيرها. في 23 أكتوبر علينا التربص للأيادي التي تحنت لنعرف كم هي مخدوعة. بالنسبة لي سأقف كالدنجوان يوم الانتخابات لقراءة أنواع فن الحناء في ناخبات الدائرة. لا أجد كلاما أكثر مما كتبت، إلا أن أقول «شر البلية ما يضحك» فقد فاز في انتخابات عام 2010 الحناء كأفضل هدف وشعار انتخابي، ليس في البحرين وحسب بل ولكل شركات الحناء العالمية وماركاتها المتنوعة.