إن نمو العملِ البرلماني وقدرته على المساهمةِ في تغيير حياة الناس يبقيان مسألة أساسية، لكن الكتلتين المذهبيتين السياسيتين السائدتين اللتين يتوقع أن تستمرا في الوجود بهذا الحجم أو ذاك، بقيتا غير قادرتين على النفاذ من مناورات الحكومة، ومن تراكم المشروعات غير المنفّذة، وخاصة الحيوية الكبيرة منها مثل مشروعات المدن الإسكانية، وكذلك على مستوى الأسئلة التي يُجاب عنها لكن من دون تغيير في الأوضاع المعنية بها تلك الأسئلة، وكذلك عدم وجود القدرة على الوحدة التشريعية بين النواب حتى في المسائل الاقتصادية التغييرية نظراً للمواقف الدينية المسيسة بهذا الشكل أو ذاك، فما بالنا بالمشروعات السياسية المهمة خاصة التي تتطلب وحدة وطنية؟
البرلمان كان شكلاً آخر للبلديات ولهذا فإن الجمهور ينتظر من البرلمان خدمات محلية وسكانية غير مدرك لكون العملية السياسية المتجهة لتغيير وضع الاقتصاد ومراقبة الأملاك العامة هي الأساس في عمل البرلمان.
ارتباط البرلمان بالخدمات الصغيرة هو جزءٌ من عدم العلاقة العميقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كأن البرلمان مركون جانباً، وكذلك فإن النواب حولوه إلى ذلك بسبب غياب الثقافة التشريعية الدستورية القانونية التي تستطيع أن تنفذ للأوضاع من خلال القانون لا من خلال الخدمات والأسئلة.
المستوى السياسي الفكري لأعضاء البرلمان هو أكبر عقبة في هذا الدور، والمطلوب ليست عقلية قانونية مجردة بل عقلية مرتبطة بهموم المجتمع، لنفترض كمثال على ذلك جهاز الإعلام الذي كان يقوم بتفريغ أناس للثقافة بشكلٍ فردي غير مبني على أي أسس موضوعية، وحسب العلاقات، فمثل هذا الواقع يمكن تجاوزه بصياغةِ قانونٍ للتفرغ يُشرع برلمانيا، عبر درس هذه الحالات ورؤية المشكلة، وبهذا يتم تجاوز الذاتية والسيطرة على الكتاب والعقول في البلد عن طريق مثل هذه السياسة الإدارية.
وجود المشرعين الغائصين في المشكلات هو المطلوب لتغيير كثير من أوضاع الفئات المهمشة وتوجيه الموارد توجهيا وطنيا عاما.
لكن الكتل الدينية لم تقمْ تكويناتها السياسية على أساس الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، فلم “يتلحلح” البرلمان ولم يستفد من الأوراق التي يملكها.
والآن تحاول فئاتٌ مستقلةٌ فردية أن تستفيد من هذا الوضع، وهي في معظمها مختلفة عن التيارات الدينية، بعضها بشكل فردي محض وبعضها من خلال علاقات وأفكار جديدة، ولكن أغلب هذه الأفكار الشخصية والسياسية لم تعط الوقت الكافي للتغلغل بين الجمهور، ليس من حيث نشر الأفكار فقط، بل من حيث وجود جمهور واسع مؤيد للأفكار التغييرية والحديثة.
أي أن غياب الشعبية للممثلين الجدد كان يتطلب زمناً معقولاً لقيام الجمعيات السياسية بالانتشار بين الأحياء والدعوة لأفكارها وشخصياتها الحزبية.
فالحملات الانتخابية السريعة جدا والمقتضبة لن تكون كافية لمثل هذا التعرف ولكي تحصل هذه الفئات الجديدة على فرص للدخول إلى البرلمان.
ومن هنا فإن واجب الجهات الحكومية مراقبة هذه العملية وعدم السماح للمرشحين باستخدام مراكز العبادة، وتكريس أنفسهم من خلالها.
كنا نطالب الجمعيات السياسية بأن تكون موجودة بين الناس، لا أن تتمحورَ حياتها السياسية داخل مقارها، وأن تتركزَ كل أنشطتها حول تثقيف أعضائها، واستعادة تاريخها، ونقد الظاهرات الاقتصادية والاجتماعية السلبية في تلك المقار فقط.
هنا تظهر صعوبة انتشار المرشحين الجدد ذوي المستويات الفكرية والقانونية والدستورية الجيدة بين المصوتين، وهم مادة سياسية بشرية مطلوبة لإثراءِ العمل البرلماني على أسس تشريعية تحويلية، وفرزه عن المستوى البلدي.
فبسبب طريقة الأداء السياسي للجمعيات وبسبب عقلية الجمهور الذي يبحث عن المرشح الذي يعطي خدمات و”مساعدات” عينية ومالية، لن يتطورَ كثيراً الأداءُ السياسي التشريعي لمجلس النواب، فالقفزة شبه مستحيلة.
لقد حدث تذمر شعبي واسع من أداءِ البرلمان وهذه نقطةٌ إيجابيةٌ تبحثُ عن مستوى أرقى، لكن هل هذا التذمر سوف ينعكس على التصويت؟
إن عدم حضور البلديات كأجهزةٍ شعبيةٍ واسعةٍ مهمة التأثير، تداخل مع الحضور البلدي للبرلمان.
وهذا بسبب مستوى التنظيمات الدينية التي تستطيع أن تحشدَ عبر الكم البشري في المناسبات لكنها ليست تنظيمات مُنتجة فكريا وسياسيا ومتغلغلة محولة لحياةِ الشعب وموظفة للأجهزة في خطط مشتركة، وحين تفوز تواجهها مشكلات كبرى، ولا تعرف ماذا تفعل بانتصارها.
فثمة تنظيماتٌ قديمةٌ تحتاج إلى تطور عميق لتكون بمستوى الحياة المعاصرة، وثمة تنظيمات حديثة صغيرة لم تعمل لتحشد بشكل واسع.
صحيفة اخبار الخليج
18 سبتمبر 2010