المنشور

ملاحظات أولية في المشهد الانتخابي

على الرغم من ان الحملات الانتخابية النيابية والبلدية لم تبدأ رسميا بعد حيث حتى الآن لا يعرف عن موعد فتح باب الترشح رسميا ولا عن موعد اجراء الانتخابات فإن سخونة التحركات والتحضيرات الانتخابية آخذة في الارتفاع بارتفاع درجة الحرارة، سواء اجاءت هذه التحركات والتحضيرات من قبل القوى والجمعيات السياسية ام من قبل المستقلين ام من قبل أوساط وجهات تنفيذية في الدولة ام في المجتمع بوجه عام.
وعلى الرغم من المبكر رسم ولو ملامح أولية لمشهد وتضاريس المعركة الانتخابية المقبلة قبل ان يتم فتح باب الترشح رسميا وانطلاق الحملات الدعائية الانتخابية، فإن ثمة بعض الظواهر الاولية والمواقف والتحركات التي يمكن رصدها في المشهد الانتخابي الراهن تسترعي الانتباه وتستدعي التحليل ونستطيع ان نبرز اهمها في الملاحظات الخمس الآتية:
الملاحظة الأولى: ان معظم الذين اعلنوا نيتهم الترشح إلى الانتخابات، ان لم يكن كلهم، انشغلوا من الآن بوعودهم الانتخابية للناخبين وفاتهم انهم بحاجة ملحة إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم لاقناع شريحة كبيرة منهم بأهمية المشاركة في العملية الانتخابية وذلك وسط توقعات متزايدة بأن تكون المشاركة القادمة هي ادنى نسبة منذ انتخابات برلمان عام 1973م، فاقناع أكبر عدد ممكن من الشريحة المحبطة من المجلس النيابي برمته ومن نواب 2006م سيصب في النهاية لصالح المترشحين انفسهم بدلاً من خسارة كتلة تصويتية كبيرة.
الملاحظة الثانية: يلاحظ ان الغالبية العظمى من الذين اعلنوا ترشيح انفسهم او اعلنتهم جمعياتهم السياسية قد بدأوا يتحركون ويعززون اتصالاتهم بأهالي ومجتمعات دوائرهم الانتخابية فقط خلال هذه الفترة ولاسيما من قبل النواب السابقين الذين يزمعون اعادة ترشيح أنفسهم، وهم بذلك يبدون كما لو يراهنون على سذاجة مفترضة للناخب أو عطب في ذاكرته الحية الطرية. في حين كان يفترض وجود المرشحين، سواء من النواب الجدد او من الذين يرشحون انفسهم أول مرة أو أكثر من مرة، في دوائرهم الانتخابية وتواصلهم مع الناس، منذ فترة طويلة استعداداً لمثل هذا اليوم (الموسم الانتخابي). فالفترة المتبقية عن يوم الاقتراع قصيرة جدا ولا تكفي لاستمالة الناخبين نحو هذا المرشح او ذاك المرشح. وينطبق هذا الكلام بوجه خاص على مرشحي الجمعيات السياسية الجدد على اختلاف تياراتها السياسية ولاسيما الوجوه النخبوية المعروفة بضعف صلاتها ببسطاء الناس والقواعد الشعبية حتى لو كانت معروفة لهم في وسائل الاعلام والصحف.
الملاحظة الثالثة: ان الجمعيات السياسية التي قررت ترشيح زعماء جمعياتها تخطئ في ذلك إذ انها بذلك تثقل كاهله جدا فيما لو وصل الى قبة البرلمان، ولا يمكن ان يدرك حجم الاعباء والمهام الملقاة على عضو البرلمان ذي الاحساس بالالتزام والمسؤولية تجاه شعبه إلا من مر بهذه التجربة.
وفي تقديري ان الجمع بين قيادة تنظم سياسي والعضوية النيابية كمن يحاول ان يجمع بين بطيختين كبيرتين في يد واحدة، اللهم حالات استثنائية التي يكون فيها ترشح القائد التنظيمي ضرورة حتمية لضمان فوزه في الدائرة التي سيرشح نفسه فيها وتفادي خسارة كرسي نيابي فيما لو رشح آخر غير مضمون فوزه. حتى في هذه الحالة فإنه يفضل ان يتنحى عن قيادة الجمعية اذا ما فاز في الانتخابات لكي لا يكون انغماسه في المهام والانشطة النيابية المتشعبة داخل البرلمان وخارجه على حساب قيادته التنظيم (الجمعية).
الملاحظة الرابعة: تتصل بمدى توقع وصول المرأة المترشحة الى قبة برلمان 2010م بعد فشلها في انتخابات 2002م وانتخابات 2006م، هذا اذا ما غضضنا النظر عن فوز احداهن بالتزكية وفق تسوية تخريجية وراء الكواليس مسبقة اتاحت لها ذلك وبدعم رسمي غير معلن. فالملاحظ ان المرأة والقوى السياسية التي تقف خلفها وتؤيد بقوة مشاركتها السياسية لم تستفد من التجربتين الانتخابيتين السابقتين للعمل بكل همة ونشاط لخلق وجوه نسائية مقبولة جماهيريا ليلمسوا بقوة كفاءتهن في الوسط الشعبي ذكوراً ونساءً، وهذا يتطلب نضالا تراكميا متواصلا وليس ان يكون تحركا موسميا وليد الساعة والحاجة الانتخابية، ومن ثم يمكن القول ان المزاج والوعي الشعبيين لم يتغيرا البتة باتجاه ايصال المرأة الى البرلمان وان فرص فوزها متدنية جدا.
الملاحظة الخامسة: ان ما ينطبق على المترشحات إلى الانتخابات النيابية اللاتي ظللن بعيدات عن الناس بل عن الساحة السياسية منذ الموسمين الانتخابيين السابقين ينسحب تماماً على فئة التجار، فكما ذكرنا مراراً فإن هذه الفئة لن تضمن ايصال وجوه تمثلها في المجلس النيابي على طريق سهل مرصوف سالك، بل ان الامر بحاجة – كما المرأة وكما كل مرشح – الى عمل مضن تراكمي شاق وبخاصة اذا علمنا بأن الدوائر الانتخابية ليست مفصلة على طبقة او فئة اجتماعية محددة بل معظمها يتكون من خليط من الطبقات والشرائح الاجتماعية، وهذا للأسف ما لم تعمل عليه الجهات المعنية بمصالح رجال الاعمال مسبقا بوقت طويل كاف مما يضعف فرص فوز وجوه ممثلة تمثيلاً كاملاً لهذه الفئة.
ولربما الاكثر واقعية للتجار لو دعموا وجوهاً ليبرالية قريبة بقدر أو بآخر من مصالحهم.

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الحلال والحرام في السياسة الراهنة

الحلال والحرام تقنيات فقهية إسلامية منتجة في عصر قديم كانت تحاول عبره إنتاج قانونية اجتماعية توقف الممنوعات السيئة خاصة في فهمها في ذلك الحين، كالسرقةِ والاعتداء والربا والزنى وشرب الخمر وغيرها، وهي الممنوعات التي ترافق فهمها مع ظروف معينة مر بها العرب المسلمون.
كانت تلك في الفترة الأولى موضوعةً داخلَ إطارِ دولةٍ شعبية، كانت هي الممكناتُ في ظروفِ الجزيرة العربية وعبر المؤثرات القادمة من قوانين الشعوب المؤمنة الأخرى النموذجية للمسلمين كاليهود والنصارى، وعبرها كان المسلمون يحاولون تأسيس تجربة تعاونية أخوية تجسدت لهم إلى حين.
ثم غدت تلك المحرمات بلا ذلك الأساس، ولكن مع نمو مؤثرات حضارية جديدة، قبلتْ بالتنوع وببعضِ الحريات وفسرت التحريم بمرونة نظراً لظروفه، فكسب التطور العربي الإسلامي حريات صغيرة وفقد هيمنة الأغلبية على الموارد.
كان ذلك هو الفقه العام الذي ضُبط وحُدد بهيمنةِ الأغنياء والأقوياء في ذلك الزمن، بينما فقه الحرية والدفاع عن الملكية العامة الضائعة ذُبل وخَفت ثم انتهى.
ولكلِ عصرٍ فقههُ الذي تحددهُ القوى الكبرى المؤثرة وقد بدأ الفقهُ يميلُ للحريةِ والثورةِ العربية مع زمنِ الليبرالية وصعود حركة التحرر العربية الناصرية خاصةً، ثم خمدَ بعد ذلك مع الثورة النفطية وصعود الفقه الحنبلي والإثناعشري اليميني.
وفي الزمنِ الراهن لم يحصلْ على هيمنةِ الأغلبية الشعبية على الموارد كما في العهد الإسلامي الأول، ولا هو شرعياً حصل على فقه الحريات الصغيرة. ولم يظهر مشرعون فقهيون من بين الأغلبية الشعبية يكرسون فقه الشعب والنضال.
المنتجون الجددُ المعاصرون للأحكام الشرعية الإسلامية حائرون فهم غير قادرين على مطالبةِ الحكوماتِ بإرجاعِ المالِ العام للشعوب، وهم مترددون في تطبيق الأحكام الشرعية النصوصية على الجرائم والأحداث الصغيرة، وهم يفلتون اللصوصَ الكبارَ ولا يرون سوى اللصوص الصغار!
هناك من أضاعَ العروةَ الوثقى بين الماضي والحاضر وفقدَ البوصلة، فقلبهُ على معاشهِ أكثر من حبه للعدالة.
وهناك الفقهاء المغامرون الانتهازيون وجدوا أن ثمة فرصاً كبرى مع الإرهابيين ولكن خذلتهم قراءاتُهم السياسيةُ المحدودة.
فانقلبوا يعقدون المؤتمرات الصارخة ضد الغوغاء والإرهابيين لكن لا يتكلمون على الحكومات التي أضاعتْ الأموالَ العامة، وأغنت الغرب المليء بالخزائن من أموال الشعوب، وأفقرت البلدان العربية الإسلامية.
أما أن يصرخوا مع الإرهابيين أو يكونوا ضدهم، وليس ثمة موقف وسط عادل موضوعي بين هؤلاء وأولئك، موقفٌ ينظرُ لنقد كل من يخطئ، ويُفقر الخزائن، ويتلاعب بالمال العام ويضع أمم المسلمين على ورق اليانصيب العالمي.
بعضهم الذي كان مع الإرهابيين ويُنظّر لهم، تم شراؤه وانتقل بين عشية وانقلابها إلى الطرف الآخر.
قبلَ ليلةٍ كان يصرخُ بضرورةِ تحطيمِ وهدمِ الحكومات الكافرة المتجبرة بالحديدِ والنار، ويوضح الشروطَ الإسلامية التي وجب بناءً عليها تحطيمها وإزالتها، ثم بعد أن ضُبط واعتقلَ وعانى قليلاً من قلةِ النومِ والأكل والخوف من فقدان الكرسي المُنتطر القادم على جناحِ قنبلة، إذا بهِ يتحولُ ويتشدقُ بدورِ الحكومات وعظمة الإسلام الذي شُرع على أيديها، وفجور كل من عارضَها وناوأها، ومن يفعل ذلك هو مارقٌ فاجرٌ الخ!
إنهم الساكتون عن الحق، الذين تنام الأحكامُ في جيوبهم، ويخرجونها متى ما وجدوا مصلحةً شخصية، يحقدون ويتألمون نظراً لحاجتهم وطمعهم فيضعون مآربَهم على الدين فإذا أثروا بشوا وبدلوا الأحكام.
زمن الانقلابات الفقهية أيضاً هو زمنُ الفوضى، زمن التلاميذ الذين قفزوا فجأة للتنظير والحلول محل الفقهاء الكبار وآيات الله العظمى وأخذتهم أساطير الكراسي وأحلام السلطان فعبثوا بشرعِ أمم.
والأغلبية مع الصمت، لا تريد أن تتخذ موقفاً، أو تدين قتلاً في عامة المسلمين، الأغلبية مع الغالبين ومع الغنائم ولا يهمها دمٌ يُسفك ولا أرواحٌ تُزهق ولا ثرواتٌ تضيع ولا زمان ثمين يُهدر.

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

استراتيجية البرتقال وليست القنابل

بعد فترة طويلة من تجريبها لم تفلح استراتيجية مكافحة الإرهاب، بل زادت نيران الإرهاب ووسعت من مساحاته وفجرت ألغامه.
كما أن الجمهور يبدو غير معني بمكافحة الإرهابيين وأصحاب وضع القنابل في الأسواق ودور العبادة.
فقط حدث تغيير في مزاج الناس فيما سُمي بالصحوات في العراق التي أعطت الجمهور أرضه وقدمت السلاح له ليدافع عن حياته، وجعلت الإدارات الذاتية تنمو لديه.
كشف الإرهاب اختلالات عميقة في البنى العربية وضعفاً في الهياكل السياسية النخبوية، بل عرى عقوداً من التنميات الخاطئة والأبنية الاجتماعية المتجهة لأزمات عميقة.
لابد من فرملة قوية على هذه التنميات المزعومة المتدفقة، التي يقال إنها تنمياتٌ لمصالح الشعوب وليس أنها تنميات لمصالح بعض الجيوب.
ويقال انظروا لقد حدثت نهضات هائلة فها هي المدن تتسع وتصبح مماثلة لمدن الغرب العملاقة.
انظروا إلى الحشود فيها والزحام والعربات التي ملأت الشوارع، أليست هذه هي مدن التحديث؟
في عهود الاستقلال حصل بعض الإدارات على تحكمٍ شبه كلي بالاقتصاد، وهي مكونة من جماعات بسيطة الفهم محدودة الإدراك، جاءت من تكوينات رعوية وقروية بسيطة وتحكمت في الملايين والمليارات.
أبسط ما لديها من استراتيجيات تنمية تكديس البنايات والمصانع القديمة المنتجة للمواد الخام التي لا تحتاج إلى عبقريات تقنية وعمالة ماهرة بل طاقات رخيصة، وبعدها قامت بتكديس ثلاثة أرباع السكان في كلِ بلدٍ في مثلثٍ أو مربعٍ صغير من الأرض الوطنية وتَركتْ ثلاثةَ أرباع الأرض فارغة.
قيل في ذلك إن هذا قضاءٌ على التخلف، وهدم للبداوة، وقفزة للحضارة والنماء.
لكنهم قاموا في الواقع بالقضاء على فروع الإنتاج الصغيرة في المناطق الريفية والصحراوية، وجلبوا حشود السكان لتعيش على مال الدول، التي تضخمت أعداد موظفيها، بشكل اصبحوا عبئاً على الميزانيات، كما ضاعت الحسابات الدقيقة في الدول وتشكلت جماعات الفساد وتاهت الأراضي العامة من الخاصة، وغدت الوزارات الكبرى هي البنوك، التي تعز من تشاء وتذل من تشاء، وغدت المدن العربية الإسلامية لا هي مدن ولا هي أرياف ولا صحارى بدوية، خليطٌ من المضارب وناطحات السحاب، حشودٌ هائلةٌ من الأميين والمقلوعين من بواديهم وقراهم والمرميين في أحواش المدن الضارية، ومجموعات صغيرة من العقول المحاسبية والإلكترونية الصماء، ثم هي فرصٌ هائلةٌ للمحتالين.
الإمكانياتُ الفكريةُ لروادِ المدنِ الحديثة العربية كانت قريبةً من الصفر، فقد صمم لهم الاختصاصيون والدارسون القلة المتخرجون في الجامعات العربية والأجنبية خرائطَ المدنِ الحديثة، وهي تصفياتٌ للغابات والمراعي والشواطئ وهدم للمدنِ التراثيةِ وإقامة بنايات عملاقة وحفر الموانئ بصورٍ مشوهة مدمرة للبيئة، وجلب المصانع الخردة من الغرب، وملء البلدان بالبنوك والحصالات التي تجمعُ الفلوسَ وليس المنتجة للرساميل فهي شكلٌ آخر للتصحر ولكنه مالي. وقالوا إنها التنمية العظيمة.
وصار الناسُ في المدن أغلبهم لا يشتغلون، خاصة النساء الحرائر المحصنات، ونصف الذي يعملُ راقد في المقاهي والوزارات والشركات، وتم ترحيل العمال عبر الأقطار، ونضبتْ الأريافُ التي كانت مليئة بالمنتجين وتصحرت البلدات، وفُتحت أبواب العمل للأجانب للمزيد من إنعاش الاقتصاد والجيوب.
بعد عقودٍ تفجرت الأحداث وثارتْ الأريافُ والقرى الجبلية وعرفنا صعدةَ وجبال تورا بورا، وأسعارَ الحشيشِ في افغانستان، وسياسات الشوارع والمؤسسات الأهلية والحكومية المحروقة والقنابل البشرية المفخخة.
كانت سياسةُ الماضين تجاه أزماتِ الأرياف والبوادي بسيطة، وهي من وجدَ أرضاً بوراً فأصلحها فهي له. فكانت سياساتُ إحياءِ الأرض الموات قد خلقتْ استقرارا اقتصاديا اجتماعيا، ونشرتْ الملكياتَ والحرفَ الصغيرةَ في مناطقِ الفقر ومنعتْ الرحيلَ والتشرد.
أما سياساتُ الحكوماتِ العربية الاسلامية الراهنة فهي تقول دعوا الأراضي البورَ لمشاريعِنا القادمة التي نوسعُ فيها ثراءَنا (المحدود) فنضاربُ بأسعار الأراضي ونتحكم في المشروعات، ودعوا أراضي الأرياف تبور لنحولها إلى أملاك للمستثمرين وللمناقصات والمشروعات الواعدة بالثراء الواسع للشعب.
لهذا فإن سياسةَ مكافحة الإرهاب فاشلةٌ لأنها لا تعطي أهلَ الأرياف الأراضي حتى البور منها، ولا تمدُ سكانَ الجبالِ بالمياه والحبوب والمكائن ليزرعوا وينتجوا، إنها فقط تلاحقُ نتائجَ سياسات تفقير الأرياف بهجماتِ القنابل التي تزيدُ الأريافَ تصحراً.

صحيفة اخبار الخليج
1 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

إذا نطقت «الوفاق» فعلينا الطاعة ! (1-2)

منذ أن دخلنا مرحلة الإصلاح السياسي وولج معنا التاريخ البحريني ردهة سياسية جديدة ’ وجدنا خطابا سياسيا غريبا يترافق مع مسيرة الجمعية الدينية التي تحاول تسييس أمورها وتسييس الأمور الأخرى على هواها ’ وتوزع المفردات كيفما تشاء وتصرح بروح من الاستعلاء والغطرسة الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى . نتذكر خطاباتها في الشهور الأولى من الإصلاح ثم الميثاق ’ حيث امتلأت القاعات زعيقا وتلويحا باستحقاقات وملفات نراها هذه الأيام متلكئة ومنسية بل ومستعدة أن تساوم عليها في الأروقة الخفية. واصلت تلك الجمعية مسيرتها السياسية برداء متلون ’ فلكي لا تتهم بالطائفية منذ بريقها ’’ الخارجي اللندني ’’ لجأت إلى مغازلة المعارضة الوطنية ذات الصبغة اليسارية (التحرير والشعبية) بل وتنقلت الأدبيات والمنشورات من هياج اللغو الطائفي إلى عبارات جديدة قدمها المستشار السياسي ’ حيث وجدنا مفردة العصيان المدني تضاف إلى خطاب طائفي لا يبتعد عن مفردات – لاتزال حتى هذه الأيام جزءا من مفهومه كعبارات الاستيطان والغزو – لم تستوعب هذه المعارضة العرجاء أنها ماعادت مقبولة للطائفة أولا وللشعب البحريني أخيرا ’ فهناك رؤى متعددة وتغير في المسار السياسي للسلطة وتنوع وتبدل في الوضع العالمي الجديد ’ حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان صارت في أولويات العالم المعاصر دون أن تغفل الأمور الأخرى ’ فصارت المعارضة اللندنية متعلقة بوهم تلك المفاهيم في الخارج مثلما ’ تعلقت بعض أذيالها في الداخل بخطاب العنف والفوضى المقارب لنهج الإرهاب ’ فلا توجد معارضة عاقلة تصب سخطها على محطات كهربائية هي في الأساس ملك عام للناس. وسواء وافقت أم لم توافق هكذا معارضة ’ وفاقيون وغير وفاقيين’ فان نتيجة التربية السياسية السابقة والحالية المستمرة ’ تساهم في تأليب الصبية والشبان بأجندة تسعدها كونها وضعت على صدرها ’’ وشاح المعارضة من الدرجة الرفيعة !’’ .
لم نقل شيئا حول تلك الأوسمة العليا من التصنيفات السياسية ’ والتي أسعدت رفاقنا القدماء من الجبهة الشعبية وصغارهم الجدد الذين اتشحوا بهذا الرداء ’ الذي ربما أوهمهم بأنهم سياسيون من الطراز الرفيع طالما منح نفسه لقب معارضة وأخرى موالية .
كان هذا التصنيف يوازي تصنيفات أخرى وتفسيرات عدة ’ من ضمنها نهج المقاطعة النيابية فهي تليق بروح المعارض فيما الموالون يشاركون ’ وجدنا ذلك الخطأ والفاجعة متجليا مرة أخرى كون المشاركين من المعارضة السابقة ما قبل المشروع الإصلاحي أيضا وطنيين ’ ليس بفعل الوشاح الممنوح من الوفاق وإنما ممنوح من حركة التاريخ كواقع يضاهي قوة الحقيقة ’ ولكن ما حدث هو العكس تحول الوفاق أثناء المقاطعة إلى وطنيين ومعارضين وصرنا نحن موالون منزوعا منهم ’’ دسم الوطنية ’’ لكي نتناسب والرجيم السياسي للإخوة في الوفاق وغيرهم .
لا احد يحتاج لتشخيص الحقيقة فهي موجودة وقائمة ’ والمفردات الحماسية لا يمكنها إخفاء وجه تلك الحقيقة طالما إن الوطنية صك تاريخي لا تمنحه المرجعيات على هواها ’ فهي خارج سطوتها الدينية وحالة هوسها السياسي الغريب في الإفصاح عن مفردات التأثيم ’ فنجد أنفسنا أشبه بمحاكم تفتيش قديمة منحت المؤمنين خارج نطاق الكنيسة صكوك الغفران.
بتنا نحن بين الغفران والتأثيم نواجه تلامذة صغاراً في عالم السياسة ’ فبعد ان انخرطوا بعد المقاطعة في اللعبة السياسية البرلمانية ’ وبرهنوا على كونهم صغارا في تكتيكات هذه اللعبة ’ وتمترسوا خلف ممارسات ازدواجية كثيرة ’ ابتداءً من فرض استبدادية النص في البيانات السياسية المشتركة (سداسية ورباعية وثلاثية وغيرها ) وانتهاء بصمت مطبق عن قضايا كثيرة تفصح عن هويتهم الحقيقية المحلية والإقليمية والعالمية ’ فالانتقائية من طبيعة الوفاق ’ فهي تصمت عندما ترى نفسها متورطة وتفصح عندما تريد أن تكون قوة ’’ إيمانية ’’ مثل كتلتها السياسية التضليلية شعار يدغدغ المواطن العادي في الطائفة ’ ولكنها تخجل من تسمية نفسها ’’ الكتلة الوطنية ’’ فذلك لا يعني لقاموسها الفكري أي معنى ولا يهم أن تستبدل الإيمانية بالوطنية قدر زبدها وانفعالاتها حينما لا تجد نفسها في خانة ’’ وشاح الوطنية ’’ متوهمة إن مفردة الوطنية بضاعة عامة بالإمكان ابتياعها من صيدلية سياسية في طرف المدينة أو خلف بوابة جمعية الدعوة ’ التي لم تكن ذات يوم ترفع شعار الوطنية ’ وهي التي انبثقت من تحت أرديتها ووشاحها تسميات كثيرة مثل الأحرار وجبهة التحرير الإسلامية الخ ولكنها لم تفكر ذات يوم أن تكون حاملا لمضمون النضال الوطني ولا الوطنية بمعناها السياسي وليس اللغوي والأدبي كما نراها في مفرداتنا اليومية والشعبية على مطعمنا الوطني وفريقنا الوطني وكل امر وطني بما فيه الصناعة المحلية وسنعرج عليها للتدليل عن تلك الفروقات الواضحة ما بين المصطلح اللغوي والسياسي والتاريخي للوطنية ضمن إطار مرحلة حركات التحرر الوطني ’ والذي جاء في مرحلة عبرتها بلادنا وخرجت منها منذ لحظة نيلها الاستقلال السياسي وصارت عضواً في الأمم المتحدة ’ وأعقبتها خطوات كثيرة كولادة الدستور والبرلمان الأول .
لم تقل لنا عندما قررت الوفاق وتوابعها ’(ليسمح لي الإخوة في وعد أن أصفهم بعبارة توابعها ) في خطاب تاريخي نقدي يدين المقاطعة السابقة ويؤيد المشاركة في عام 2006 وها هم يستعدون للانتخابات القادمة ’ إنما وجدنا تبريرات سياسية واهنة لأسباب المشاركة مثلها مثل التبريرات الواهنة للمقاطعة ’ وكل ما فعلته الوفاق ووعد أنها تعلمت خطابا ديمقراطيا شكليا عن إن المشاركة والمقاطعة تمر من بوابة الاجتماعات والتصويت الداخلي ’ وهذا في الواقع لا يعكس ديمقراطية حقيقية وإنما أزمة داخلية فكرية وسياسية أكثر من وجود وحدة حزبية متماسكة قناعاتها ثابتة بمسألة مبدأيه المشاركة في كل الأحوال طالما إن العملية الديمقراطية ستكون حقيقة ثابتة ’ لا يجوز التشكيك بمصداقيتها ولا أيضا التلاعب بها من خلال لعبة الابتزاز السياسي والرسائل المرسلة تحت عنوان ’’ لمن يهمه الأمر ’’ تعالوا فاوضونا لكي نسحب تهديداتنا بالمقاطعة ’ متناسية تلك العقول مجرى العملية السياسية في البلاد ’ وكيف تتحرك الأوراق .
ما بين 2006-2010 راقب الجميع أداء النواب والمجلس ’ والعلاقة المتقلبة بين الجمعيات خارجه ’ ومدى الارتباط السري بين رحم المرجعية الأم بالوفاق الابن ’ بل صار لدى المرجعية أبناء منقسمون خرجوا من بيت الرحم نفسه ’ وتستقي أبويتها من المصدر ذاته بعصيان مكتوم ومرتجف ’ يخشى مواجهة المرجعية بالشارع والعكس ’ حيث العقل الجمعي للطائفة ’ معلن وغير معلن ’ لم يرفض تاريخيا عملية الفصل النهائي بين الدور الديني والسياسي لمثل تلك الشخصيات ’ الفرق بين دورها الديني الروحي والسياسي المادي ’ حيث التجربة الإيرانية صارت مرجعا أعلى لتلك الشخصيات وذلك الوعي الجمعي للطائفة .
لا يوجد نقد لتلك الممارسات يرقى للمواجهة المعلنة لا وسط رجل الشارع ولا كتلة مثقفين وشرائح أخرى تشكل قوة اقتصادية ومالية وتجارية ’ الجميع دخل لعبة المهادنة غير المعلنة ’ وأحيانا التواطؤ المكشوف لحظة صدام المصالح والرغبات. فهل نقبل بكل الوصايا الوفاقية ونذعن للطاعة أم نعلن بصوت مسموع مختلف لقد حان وقت فك الارتباط السياسي والذي قلناه مرارا وتكرارا وليس فقط لكونهم الآن يستشعرون خطر مفردات الوطنية في دائرة انتخابية ساخنة يدخلها الأمين العام للمنبر التقدمي ’ ابن الشعب أولا وأخيرا قبل أن يكون ابن الطائفة الذي ظل يقاتل عن مشروع الوحدة الوطنية منذ نعومة أظفاره حتى هذه اللحظة . نكمل معنى مصطلح الوطني ومفهومه لذوي الأمر في الوفاق .
 
صحيفة الايام
1 اغسطس 2010

اقرأ المزيد