المنشور

الطائفية لا تبني وطناً!!

ونحن نقترب حثيثا من موعد الانتخابات النيابية والبلدية في أكتوبر القادم، أي بعد شهرين من الآن، حيث الاستعدادات ستكون على أشدها من قبل الجمعيات السياسية وكذلك المترشحين المستقلين. موسم الانتخابات هذا الذي نحاول جاهدين أن نسميه عرسا انتخابيا هل هو كذلك بالفعل بالنسبة للبعض؟! أم مجرد موعد يحين كل أربع سنوات تتجدد معه دعوات الطائفية والتنافر والشحن غير المسؤول الذي ينم في كثير من وجوهه عن عدم قدرة أولئك البعض على التعاطي بحضارية وحس وطني مع واقع المستجدات السياسية والاجتماعية وتوظيفها بما يخدم مسيرة التنمية بكامل وجوهها، فمنذ متى كان التنافس الانتخابي موعدا لنشر الغسيل، أو مواقيت للتسقيط والتشهير والتعريض والتخوين والشتيمة بين بعض الأطراف المتنافسة. نعم موسم الانتخابات هذا يجب أن يكون عرسا وموسما للفرح الغامر وربما أكثر، حيث يفترض أن تزهو البحرين معه كلما تجدد كل أربع سنوات، فمنذ تدشين مشروع الإصلاح منذ أكثر من عشر سنوات مضت، وتحديدا بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، الذي كان بمثابة النقلة النوعية الكبرى في تاريخ البحرين الحديث، ظلت أفئدة أهل البحرين شاخصة باتجاه مواسمها المنتظرة لإعادة تجديد عهدها بالتمسك بتلابيب الفرح الذي يصر بكل أسف أن يكون منقوصا، لدوافع عدة لا شك أن الجميع يتحمل جزءا من مسؤوليته تجاهها، وإن كانت جهات بعينها تتحمل الجزء الأكبر فيها، وعلى السلطة الدور الأكبر في معالجة هكذا وضع، وللتيارات السياسية أدوار لا يمكن إغفالها وللناس في زمن الانفتاح والإصلاح ادوار هي الأخرى، عليها أن تتكامل فيما بينها حتى نستطيع أن نشيد وطنا حلمنا به وسنظل، وطن جامع حاضن لكل هذا التنوع الذي هو عنوان غنى وثراء.
فها هي الانتخابات النيابية والبلدية وحملات المترشحين قد بدأت على ارض الواقع حتى قبل أن يحين موعدها الرسمي، والجميع من جمعيات وتيارات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات وطنية وأفراد وحكومة وجماهير بدأت تعد العدة، كل من موقعه يسعى لتحقيق نجاحات يتبوأ فيها موقعا أثيرا في مواقع القرار بالرغم من كل ما نحمله ويحمله الآخرون من مآخذ على التجربة في مختلف وجوهها، إلا أن زحمة المواقف وتباعدها والتقاء الرؤى وتشرذمها والاصطفافات القديمة والجديدة وما سينتج عنها، تكاد جميعها أن تتبوأ موقع الأولوية حيث لا حديث إلا حديث الانتخابات والمترشحين والتحالفات وما يرتبط بها. تلك إذا مظاهر تستحق أن تكون عناوين مشروعة للفرح الذي علينا أن نتيقن حقيقة انه كذلك، ولكننا حين نخضع ذلك للواقع ربما نصاب بغصة لا يمكن أن توصف، فحالات التشرذم والتباعد بين مختلف القوى لا تكاد تترك لنا متسعا من الوقت أحيانا حتى لالتقاط الأنفاس أو حتى مجرد التمعن في سبر أغوار واقعنا الجديد، وفي ظل حالة الانكفاء المتوقعة لدى أوساط واسعة من الجماهير غير المقتنعة بما قدمته التجربة البرلمانية حتى الآن من نجاحات، والتي عززتها مواقف الكتل البرلمانية المتصدرة لعناوين وتجليات المشهد وما أفرزته أو كشفت عنه من حالة خذلان للشارع الذي راهن كثيرا على تلك القوى.
مع هكذا وضع، حري بنا إذا أن نتأمل جيدا حالة مشهدنا الراهن وما أسست له تلك الكتل والقوى المتصارعة من انقسامات حادة نجدها قد انعكست على شكل لغة غريبة ومزاج أغرب لدى رجل الشارع العادي وحتى لدى من يفترض أن يعوا قبل غيرهم سوداوية المشهد ومآلاته القادمة، فهو حتما لا يمت للبحرين وشعبها بصلة، فشعبنا الذي كان متسامحا ومنسجما حتى في أحلك الظروف والمنعرجات التاريخية، بات بكل أسف تحت رحمة قوى كنا نسميها يوما بالطارئة، لكنها لم تعد كذلك وقد ترسخت بصماتها المشينة في تربة بلادنا، وهي الممتلئة حد التخمة بكل مقومات القوة والجاه والمال والهيمنة باسم الدين والمذاهب والعمل الخيري. فقد ميزتنا على الدوام لحمة وطنية تعايشنا معها وانصهرنا معها أيما انصهار دون أن تتباعد خطانا أو ترتعد يوما خوفا على البحرين ومستقبلها كما ترتعد اليوم ونحن مقدمون على فصل جديد سنبدأه بموسم انتخابي سيفضي بنا للولوج إلى فصل تشريعي جديد وواقع اجتماعي وأمني واقتصادي لم يعد مثاليا بالمرة.
مع هكذا وضع ملتبس، بل ومشوه، هل لنا أن نذعن لشيء من العقل والحكمة والتواضع الممزوج بمحبة هذه الأرض وشعبها؟! لنؤسس معا لحالة جديدة تُخرج هذا الوطن من حرقة الأسئلة وحالة انعدام الثقة والخوف التي تؤسس لها الآن تلك القوى التي تتمادى فيه تمزيقا وطأفنة، وعلى الذين يسبحون منتشين في هذا البحر الآسن المليء بالطائفية أن يتوقفوا ولو قليلا ليتساءلوا معنا بمشروعية… هل يمكن للطائفية أن تبني وطنا؟!

صحيفة الايام
18 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

هل بمقدور أوباما اجتثاث العنصرية في بلاده؟ (1)

الديمقراطية الأمريكية ــ كما هو معلوم ــ هي من أقدم الديمقراطيات الغربية ومن أكثرها فيما يشوبها من عيوب جوهرية إن لم تكن هي الأكثر في ذلك على الاطلاق. وكان واحدا من أبرز هذه العيوب التي استمرت طويلا غياب المساواة في الحقوق المدنية بين مكونات الشعب العرقية وعلى وجه الخصوص بين البيض والسود أحفاد العبيد الذين تم أسرهم واسترقاقهم في القارة الافريقية ومن ثم شحنهم للبيع في الولايات المتحدة قبل استقلالها عن التاج البريطاني.
فعلى الرغم من انهاء العبودية وحظرها في البلاد في أعقاب الاستقلال، فإن الزنوج الامريكيين ظلوا محرومين من الاستمتاع بكامل حقوقهم المدنية، كما ظلوا يعانون سياسات التمييز العنصري في المجتمع والدولة عقودا طويلة حتى بعد اعلان الرئيس ابراهام لنكولن تحرير العبيد في ستينيات القرن الـ 19م. ومازال الحال مستمرا الى يومنا هذا بأشكال متعددة في الممارسة العملية حتى بعد تصديق الرئيس جونسون عام 1964م على قانون الحقوق المدنية الذي يحظر ممارسة التمييز العنصري على أساس اللون أو العرق وهو القانون الذي لم يأت إلا بفضل ضغط النضال العارم الذي خاضه السود وزعماء الحقوق المدنية خلال الخمسينيات واوائل الستينيات.
ان الممارسات العنصرية في المجتمع والدولة تجاه السود غير مقطوعة الصلة عن ثقافة وسياسة الطبقة الحاكمة في رأس هرم النظام الامريكي التي كما نعلم جلها من البيض الانجلوسكسون، فهذه الطبقة لم تتخل البتة عن نزعتي الكراهية والاحتقار اللتين تكنهما تجاه السود، وحيث ظلت تتوارث هاتين النزعتين عن أجدادها الاوائل كتوارث الجينات جيلا بعد جيل طوال ما يقرب من قرن ونصف القرن على اعلان لنكولن تحرير العبيد من الاسترقاق بصرف النظر عن الحزب الحاكم.
وفي العشرين سنة الماضية، أي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة أمريكا على النظام الدولي بعد انتهاء النظام الدولي الثنائي القطبية وتزايد تشدقها بنشر الديمقراطية في العالم وحماية حقوق الانسان حاولت الولايات المتحدة ان تخفي وجهها العنصري القبيح من خلال اضفاء لمسات شكلية لعلها تدلل على تسامح وعدم عنصرية الطبقة الحاكمة وذلك من خلال السماح بايصال أو وصول بعض الوجوه السوداء الى الادارة الامريكية ومن ذلك تعيين كولن باول وزيرا للدفاع في ادارة الرئيس الجمهوري بوش الابن ثم تعيين كونداليزا رايس خلال ولايته الثانية في منصب وزير الخارجية.
لكن الطبقة الحاكمة قطعت شوطا أكبر في ممارسة اللعبة والسياسة الديماغوجية، فلئن كان الحزب الجمهوري بز غريمه الحزب الديمقراطي الشريك معه في تمثيل الطبقة الحاكمة بتعيين وزيرين من أصل افريقي في الادارة الامريكية، فان هذا الاخير ــ الحزب الديمقراطي – أراد ان يثبت انه يستطيع ان يتفوق عليه بمنافسته في الانتخابات الرئاسية الاخيرة بمرشح أسود ممثلا في الرئيس باراك أوباما وهذا ما حدث.
وهكذا أفرز فوز أوباما في الانتخابات الامريكية وهما داخليا وخارجيا واسع النطاق لدى التواقين إلى إحداث نقلة مهمة معقولة للتغيير السياسي والاجتماعي نحو الافضل وذلك بعد السنوات الثماني العجاف من حكم اليمين الجمهوري المتطرف، ورأى فيه كثيرون انه مؤشر على انتفاء وتقلص النزعة العنصرية داخل الولايات المتحدة مجتمعا ودولة، وتوسم البعض الآخر في الرئيس الجديد بأن يكون رسولا جديدا لنصرة السود والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحقوق ومصالح عامة الطبقات الشعبية والفقيرة. أما على الصعيد الخارجي، ولاسيما في عالمنا العربي فقد داعبتهم آمال وأحلام التغيير متعشمين في ذلك من أصله العرقي المنحدر من افريقيا والانبهار بخطاباته ووعوده السياسية التي أطلقها نحو العرب بعد شهور قليلة من وصوله الى البيت الابيض وخاصة خطابه في جامعة القاهرة العام الماضي.
لكن هل تنتفي النزعات والممارسات العنصرية في المجتمع والدولة لمجرد وصول رجل أسمر الى سدة الحكم في البيت الابيض؟ وهل يملك هذا الرجل حقا القدرة والتفويض الكاملين لاستئصال النزعات والممارسات العنصرية في الولايات المتحدة بطولها وعرضها؟
وبعبارة أدق للسؤال: هل يملك الرئيس أوباما ارادة حقيقية ورغبة جادة لتحقيق أكبر قدر ممكن من اجتثاث السياسات والممارسات العنصرية داخل بلاده ويقف على الضد من ارادة ورغبة الطبقة البيضاء المدين لها في وصوله الى الحكم وما يمثلها في قمة الهرم من مؤسسات وجماعات ضغط؟
 
صحيفة اخبار الخليج
17 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الترميز لدى عبدالرحمن منيف

عبدالرحمن منيف كاتبٌ محمومٌ بقضايا الأمة والتغيير، منفعل بشدة من الهزائم والتخلف، ينطلق في أعماله الروائية بحرارة شديدة، يستعين بالمواد الأدبية والتقارير والدراسات، ينقسم بين روايات تسجيلية حافرة في هياكل تاريخية صراعية سياسية كبرى، أو يبني هياكل قصصية متخيلة، لا تنفصل عن قضايا الأمة المتفجرة في لحظة تاريخية محتدمة بالصراع.
فهناك أعمال ملحمية ذات أبنية تسجيلية، وأعمال ذات أبنية ترميزية، الأولى هي الروايات الطويلة، والثانية هي الروايات القصيرة.
من الروايات القصيرة الترميزية رواية (حين تركنا الجسر)، المؤسسة العربية للدراسات والمركز الثقافي العربي، ببيروت.
ربما كانت هذه الرواية أشبه بمتاهة للقارئ، فأمامه رجل صياد يقطع البراري ومعه كلب، ويهذي طوال عمليات الصيد الخائبة بوحشية مفترسة.
الصياد زكي النداوي ترميز للإنسان العربي المكافح الفاشل والرواية عملية لهث ساخن داخله وحوله. السارد يضع القارئ في قلب الحدث – الشخصية بأسلوبية متوترة عالية:
(- اصرخي يا بنات آوى، اصرخي بفرح الأبالسة حتى تتشقق مؤخراتك النتنة، فالهزء الذي يمتلئ به الهواء لم يعد يهمني).
من أول فقرة يُدخل السارد القارئ في النفسية المريضة البشعة للراوي زكي النداوي، وإذا كان زكي هو السارد الذي يصف تجربته فإن هذا يضيق الدائرة كثيراً، فثمة مريض يتحدث، وهو لا يرى سوى بقعة صغيرة من الواقع، ويراها بهلوسة، ولهذا فإن القارئ يدخل نفسية الراوي ويرى من خلاله، فلا يكاد يرى شيئاً في هذا السرداب الروحي المفتت، المبعثر، الذي يمشي في الجدول الطولي الملتهب، حيث الصياد يجري وراء الطرائد، ولا يكاد يصطادُ شيئاً، ويزعم انه سوف يصطاد الطائر الملكي، ويلتقي صيادين آخرين في ركضه المحموم وراء الطرائد، وكلا الصيادين يمثل لحظة ترميزية ومعنى مختلفاً.
العلاقة الكبرى تتم مع كلب الصياد المُسمى وردان، الذي ابتلي بهذا الصياد نصف المجنون، والذي تتم مخاطبته طوال الرواية بأساليب متنوعة، أغلبها خطابات مباشرة ساخرة وغاضبة ولاعنة:
(التفت إلي وردان، وكأن هاجساً في داخله فضح الكلمات الداعرة التي تتسرب إلى ذاكرتي كمياه المطر… نحن اخوة يا وردان، نعم اخوة، وفينا شيء مشترك وصفات مشتركة). زكي هو المتحدث المرئي، والكلب موصوف من الخارج، يعاني كما يبدو معاناة شديدة، ولعنات السارد وغضبه لا يعطينا شيئاً عن الكلب، بل عن ذاته بومضات سريعة، أو واسعة حسب أهميتها، فهناك ابوه القوي، ممثل لتاريخ الأجداد الأقوياء، في حين يمثل زكي الجيل العربي الحالي الضعيف الفاشل المهزوم، الذي يهزم في معركة الصراع ضد القوى الأجنبية، ويمضي في دهاليز تعذيب الذات ومشروعات التحلل الفكري والحقد على النفس وتمزيقها، واستخدام أساليب الانهيارات المختلفة، وتغدو رحلةُ الصيد هذه أكبر مشروع تحلل لها، فهي تتذكر كيف هربت من المعركة، وكيف تركت الجسر للعدو، ثم جاءت تمارس بطولاتها على الطيور الضعيفة، وتهذي بدفاعها وغيابها وبنائها للجسر.
أكبر ضحية كان الكلب وردان، وحتى عملية الصيد التي جاءت لها، وملأت الصفحات للحصول على الملكة الطائرة، وتلتهب الرواية والصياد يجري وراءها ويطلق بقوة، ويرفعها إلى الأعلى ليرى إنه اصطاد بومة.
ويبدو ان وردان تعب بشدة من المعاملة الوحشية من قبل الصياد فيهرب في النهاية ويبدو هربه كانتحار مروع!
يقيم الروائي علاقة تجريدية، ترميزية عبر هذه المواد الحدثية والشخوصية المكثفة: الصياد، والكلب، والصيادان الآخران المعبران عن الذات العادية والذات الحكيمة المقدمة للمعرفةِ والنموذج لزكي من دون أن يستفيد شيئاً من هذا العرض، وهناك الجسر الغائب الذي تم الهرب عنه كرمز تجسيدي بين الأمة ومستقبلها المقطوع نظراً لوجود مثل هذا (البطل)، وحيث يقوم المقاتل الذكر بالهروب:
(العجز يسري في الدم، وسيأتي يوم لا ينسل رجال هذه الأمة إلا الأقزام والمشوهين، والأقزام المشوهون لا يعرفون إلا أن يموتوا رخيصين!)، ص.20
اللغة المتوترة الدرامية المتفجرة في كل جملة وصورة، واتساع الوصف للأشياء والنباتات والغابة والبرية، والولوج التحليلي الداخلي في النفس وصراعاتها واجتزاء ومضات حارة من مشاهد عيشها القديمة الموظفة في الصراع، كل هذا يجعل الصراع المجرد بين ذات الراوي المهزومة والعالم، والبناء الرمزي، شائقين ينبضان بحرارة وينفجران بمعنى المأساة التي يعيشها جيل الهزيمة المستمر.

صحيفة اخبار الخليج
17 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

البغدادي فارس لم ينكسر

أخيراً.. ترجل الفارس عن ظهر حصانه ليقول لنا وداعا، ليقول لكل الذين صمتوا وقت المواجهة وداعا، وليقول لكل الذين تربصوا به وبكلماته ومقالاته وفكره في زمن كثر فيه السواد وكثرت الاوبئة وضعفت الارادة وانتعش التزييف للحقيقة ولكل بيئة نيرة، لن تنتصروا للابد.
صمت كاتبنا للابد مودعا قلمه وروحه للتاريخ، فوحده ينصف الناس، الذين يكتبون من اجل انتصار الحياة ضد طاغوت الموت والتدمير، التاريخ ينصف من حمل صليب الالم بين طرقات العالم ناشداً الحرية للانسان الحرية للعقل والمساواة للجميع ومن اجل الانسان. كان وحده في حلبة الصراع حينما كان المجتمع المدني صامتاً متواطئاً، خائناً مثل يهوذا ومتنكراً كبطرس ونخاسياً كما هم العشرات في بيت الامبراطور واسطبلاته. لم يكن الدكتور البغدادي مستعداً ان يغمد سيفه وقت النزاع ويتراجع وقت المنازلة، للذين حاولوا كسر نصل سيفه وبريق كلماته، رغم علمه انه في معركة اشبه بمعارك دونكشيوت والطواحين، حيث الفضيلة منتهكة والنفاق والدجل يغطي سماء المدينة.
حاول البغدادي في زمنه وزمننا إزالة المتاريس الظلامية وحده بيديه المثقلة بالسلاسل كاي فارس اغريقي رفض الاستسلام لجلاديه بعد ان سقط في معركة غير متكافئة، كما حاول مثل سبارتاكوس تدمير عالم العبودية وتبديل مواطني روما الفقراء وعبيدها الارقاء الى احرار جدد يتمتعون بحقوق جديدة وحرية جديدة، ولكنه اخفق في مسيرة نضاله الكتابية ونشر افكاره والقبول بالطعان والتخلف حتى وإن جاء من وراء الكواليس ومن اروقة الظلمة. لم يقبل ان يصمت لخصومه واعداء الظلام لشعوره وقناعته انه يبحث عن حياة سعيدة وجديدة، حضارتها وقيمها العلم والعقل والمعرفة والعمل، فمحاربة طقوس التخلف كانت معركته الدائمة وعنوان جولاته وحلبات فروسيته، كان يدرك حجم الظلمة المحيطة بفضاء مجتمعه وبيئته، ولكنه يعرف في الوقت ذاته، انه بدون المواجهة تسقط شرف الكلمة في القمامة، لدى مثقف يؤمن بدوره في اهمية التغيير.
ربما البغدادي لدى من يقرأ التاريخ بالمقلوب يتوهم انه انهزم، ولكنه يجهل ان من حرقوا الاب جوردانو برونو حيا من سجنوا توماس كامبانيلا ومن ترصدوا لجاليلو في اول حرب نجومية، هم انفسهم الذين طعنوا موتا باولو ساريي صديق جاليليو في البندقية، على يد قتلة استأجرتهم المملكة الحبريّة، كل هؤلاء المشتركين في جريمة واحدة، هم انفسهم الذين حاولوا تزوير العلم والتاريخ، ولكنهم في كل معاركهم كانوا يدركون مدى خطورة العقل في قدرته على نسف الاوهام والخزعبلات، حينما يتطلب الامر قول الحقيقة وبرهنتها. في لحظة تاريخية اضطر جاليليو الصمت على قناعاته، خاصة حينما اخذت الرياح ـ الرديئة كما يسميها النقاد في ايطاليا – تعصف حيث محاكم التفتيش الدينية بدأت تلاحق كل من يخرج عن خط العقيدة المستقيم، في ذلك الزمن قال جاليليو لقد اشتدت قناعتي بأن الارض ليست مركز الكون، وبان كوبرنيك وكيبلر على حق، غير انني لم اكتب شيئا رسميا، فيما راح لاحقا وبعد عشرين عاما من نظرية كوبرنيك اخذ يقاتل من اجل رؤيته حول الارض بأنها تدور حول الشمس وليس العكس، محاولا الاستماتة عن تجاربه العلمية ومخترعاته.
هكذا ظل البغدادي كسليل ثقافة تاريخية مقاتلة، لم تستسلم لمن يحاولون ايقاف حركة التاريخ. البغدادي ظل يكتب دون تراجع او مهادنة كبقية المثقفين الذين يحاولون الصمت تحت حجج واهية، تارة من خوف السلطان وتارة خوفا من بطانة استحكمت عقول الناس وافئدتهم. تحت اسماء وواجهات والوان رمادية دفع البغدادي ثمنا من صحته وقلقه وهمومه، حيث كان يحلم بان يكون وطنه الصغير ووطنه العربي الكبير حاضنا للتقدم والتطور مثل كل الحضارات الانسانية المعاصرة، التي صارت بفعل الواقع منارة العالم، فيما نحن في عصر الديجيتل نعيش خارج التاريخ، ومجرتنا تسبح في مساحة فارغة ومجهولة كمستقبلها المظلم، طالما صار العقل مصادرا وصارت سحب الدخان الخانقة هي التي تعلو فوق اسطح البيوت. كنت اقرأ مقالاته وموضوعاته مثل اي انسان واع واشعر بكل وضوح وسهولة، كيف يحاول البغدادي كاطلس الاسطوري حمل الكرة الارضية على كتفه، تلمست عمق معاناته وحنقه لتلك الاصابع المشوهة وهي تحاول اصطياد مفرداته، خنق فراشاته المحلقة في سماء منطقتنا، فاسكات صوت البغدادي كان معركة مهمة في اجندة من يكرهونه لفكره الليبرالي الحر، كانوا يتربصون قلمه في كل سكنة وهنة وحركة، يسعون لاصطياد الفارس وهو مثخن الجراح لكي يقودوه للسجن، فتلك كانت فرحتهم العظمى وانتزاع سيفه من يده كان حلمهم. ولكن الفارس ظل فارسا فوق حصانه، وقد كان المرض اقوى من قدرته على مواجهة جبروت الموت، بعد ان عاش زمنه مقاتلا وشجاعا من اجل مبادئه ومفرداته وقيمه، حيث لم يكن يريد لهذه الامة المتخلفة، الا الخروج من نفق الظلمة وبخور الشعوذة المختفية والظاهرة، في حياة عصرية مضطربة، غامضة ومهزومة.
ينام الفارس شجاعا في نومته الابدية، بعد ان عاش شجاعا لا يهاب من حاولوا سلبه حريته، عاش حرا ومات حرا ولكنه لم ينكسر.
 
صحيفة الايام
17 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

استنساخ شكلاني

قامت الأفكار المذهبية والفلسفية الإسلامية باستنساخ شكلاني للإسلام التأسيسي، بحيث ركزتْ في الشكل وليس في المضمون، في الدين وليس في الثورة، في المطلق الغيبي وليس في النسبي البشري.
ما شكّل التحولَ هو قدرة صغار التجار، الفئة المتوسطة لذلك الزمن علي التوحد مع العاملين، على التضحية بأموالِهم وبأنفسِهم للتغيير العام، وتداخل العاملين معهم في تلك التضحيات، لتشكيل وضع مختلف، لبداية حضارة كبيرة.
قامتْ الفرقُ والجماعاتُ والمذاهبُ باستنساخٍ شكلاني، عبر قراءات للمحدودِ والظاهري، والنصوصي، والغيبي، لكن لم تقرأ الواقعي، وفي عصرنا الراهن تتطلب المسألة فحوصا عميقة وقراءات دقيقة من أجل تناول وتوظيف السببيات الاجتماعية في عالم مختلف.
وحتى الظاهرات الحضارية التي تشكلتْ بعد ذلك لم يكن لها أن تُحققَ التحولات النهضوية من دون ذلك التعاون بين فئات متوسطة صغيرة عموماً وبين العاملين، بين الثقافة والجمهور.
الفئات المتوسطة في ذلك نظراً لنشاطاتهم في خدمة الإقطاع السياسي حصلوا على أموال تمكنوا من خلالها من إنتاج الثقافة التي لم تستطعْ أن تحفرَ بعمقٍ في إشكاليةِ النظام الذي واصل تدهوره حتى حوّل المسلمين إلى شظايا أمم.
تجد القراءات الراهنة الأعم تقوم كذلك على النصوصية وحبس الناس في السطحي والشكلانية الاجتماعية وجعلها أدوات لتكوين سلطة وجماعة سياسية تتوسع لتحكم في نهاية المطاف من دون أن تقوم بعملية تغيير حضارية متقدمة.
حين تتوحد الفئات المتوسطة وتناضل من أجل العاملين وتغيير شروط حياتهم، يمكن أن يُضاء التراث، ويُقرأ بشكلٍ تحويلي حداثي نهضوي.
النصوصيون لا يقدرون على الحفر المعرفي، ويخافون من الجمهور الفقير أن يقفز عليهم أو أن يَسرقَ سلطتهم وأموالهم، فيجب أن يكون هذا الجمهور متخلفاً، أو يخافون أن يساويهم ويتمرد عليهم كما في حالات النساء.
لهذا جرى عبر قرون التركيز في الأشكال، في الوعي المفارق، في الغيبيات التخديرية، فالفئات الوسطى القائدة الإسلامية هي نفسها متخلفة، غير قادرة على التضحية، وجعل الفقراء والنساء مساوين لهم في القانون والدستور.
ولهذا فإن تطور الأنظمة الوطنية أو الإسلامية تحدث فيها انتكاسات عميقة، فالبرلمانات شكلية، والتجمعات الجماهيرية المؤيدة للنظام أو للثورة هي للتصفيق، وتبقى أسس النظام المتخلفة نفسها من حيث القمع، وهيمنة الطبقة الصغيرة على الثروة، وترك العاملين في تخلفهم وأميتهم وانعزالهم عن المشاركة في الأجهزة، فهم للتصفيق أو لوضع ورقة الانتخاب، ثم يعودون لعزلتهم وسلبيتهم.
يمكننا في العصر الحديث مع التطورات الديمقراطية والعلمانية أن يتم تحييد أجهزة الدول وتقوم الفئاتُ التجارية والصناعية والمالية بحراكٍ ديمقراطي توجهُ قسماً كبيراً منه لتغيير حال الطبقات العاملة والنساء، أي نحو ناخبين طلائعيين متقدمين بدلاً من الجمهور التائه الراهن، فتكسبُ الأصواتَ التاريخية التحويلية إضافةً لأصواتِ صناديق الاقتراع، التي تحتاج إلى عمل سياسي مواكب.
هذا يتوقفُ على هذه الفئات وقدرتها على التحرر من الخوف وضيق الأفق وتشكيل تحالفات وتوظيف الإرث الإسلامي النضالي، والثقافة الديمقراطية المعاصرة معاً.
وكذلك على حراك طلائع القوى العاملة في فهم العصر، وإدراك النسبي، والإرث الديني. وتحريك الفئات الوسطى المترددة نحو الحداثة والعقلانية وتغيير أوضاع العاملين معاً.
التحالف مع العاملين وإنجاز التغييرات الاجتماعية الاقتصادية الديمقراطية لا تستطيع أن تقوم به سوى أبنية عربية إسلامية متقدمة، فيها أغلبيةٌ عماليةٌ مواطنة، وفيها برجوازيةٌ تقدمتْ نحو التصنيع الواسع وتأسيس منظمات علمانية ديمقراطية، بينما البلدان التي تفتقدُ أغلبيةً عمالية وبرجوازية صناعية حرة تحتاجُ إلى تأسيسهما أولاً، وذلك لا ينفي نشر ثقافة ديمقراطية أولية.
لهذا نرى أن مصر كنموذجٍ عربي تقتربُ من ذلك المستوى الموضوعي، فالديمقراطيةُ صناعةٌ اجتماعية، وليستْ شعارات، وصناديقَ انتخابٍ فقط، وليست استنساخاً شكلانياً دينياً.

صحيفة اخبار الخليج
16 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

ترشيد الخطاب السياسي

منهجنا يقول بأن مصدر التناقض في أي مجتمع، هو مصدر اجتماعي ذو صلة بتوزيع الثروة على المواطنين بروح العدل والمساواة، حيث إن هذه الثروة حق عام للمجتمع كله، ومن حق أفراد هذا المجتمع الانتفاع بها بشكلٍ يؤمن لهم الحياة الكريمة . لذا فان التأكيد على فكرة المواطنة مدخل صائب للتصدي لقضايا المجتمع ومعضلاته.
مسؤولية الدولة في تثبيت هذه الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع مسؤولية حاسمة، بصفتها الجهة المعنية بالرعاية الاجتماعية وضمان حقوق المواطنين، وإشاعة ثقافة المواطنة المتكافئة، وسيظل حقاً وواجباً على القوى المجتمعية والسياسية المعنية أن تواصل عملها لحمل الدولة على تخطي جوانب الإخلال بهذا المبدأ، في أي صورة من الصور تبدت.
وكلما تحسن أداء الدولة في هذا المجال، وزادت استجابتها لأشكال الرقابة البرلمانية والشعبية، ومناشدات هيئات المجتمع المدني، كلما أسهمت في تعزيز مناخ الثقة في المجتمع، وإزالة العوامل المساعدة على أوجه الاحتقان الاجتماعي، التي يجب احتواؤها بما يعود بالنفع على التنمية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
لكن للأسف الشديد فان الطائفية، وعياً وسلوكاً، باتت في ظروف اليوم ممارسة مجتمعية أيضاً تتورط فيها جمعيات سياسية وصناديق خيرية ومنابر دينية وصحافية ومواقع الكترونية .
عندما كانت تياراتنا الوطنية والديمقراطية في صدارة المشهد السياسي نجحت في خلق وعي وطني عميق لدى منتسبيها وأنصارها وجمهورها، عمت تأثيراته على المجتمع، وفي أصعب الظروف استطاعت هذه التيارات أن تُبقي جذوة الأمل حيةً في القلوب والعقول بالمستقبل الموحد للشعب .
لكن مجمل التطورات الموضوعية التي شهدناها في السنوات الأخيرة خاصة، والناجمة عن تحولات محلية وعن تأثيرات إقليمية حاسمة في المحيط المجاور لنا، الذي هبت علينا بعض رياحه المسمومة أدت إلى شيوع الخطاب الطائفي البغيض، وصار يمارس تأثيره على عامة الناس.
فلم تعد المسألة مواجهة الاستحقاقات الوطنية الجامعة، وإنما التعبير عن مصالح الطائفة، مما ولدّ مفاهيم ومفردات جديدة من نوع المظلومية أو المحاباة، وهي تعبيرات حين تُطلق فان التفكير ينصرف نحو الطوائف لا نحو المجتمع كاملاً . هذا الخطاب الطائفي غالباً ما اقترن بدرجة من السطحية السياسية والابتذال التي نطالع نماذج لها على بعض المواقع الالكترونية وفي بعض خطب المنابر الدينية، وفي بعض الفعاليات الاحتجاجية التي لا تأخذ طابع الدفاع عن حقوق الناس، وإنما الانتصار للطائفة ورموزها .
هناك ما يحملنا على القلق من آثار مثل هذه التطورات على مستقبل الوضع السياسي في البلد، ونقول ذلك من موقع الحرص الشديد على صون ما حققناه بفضل المشروع الإصلاحي من مقادير للحريات جديرة بأن نعض عليها بالنواجذ، لأننا نعرف من واقع تجربتنا في العمل السياسي أهمية ذلك بعد الذي عانته البلد في مرحلة قانون أمن الدولة.
وهي مناسبة لأن نكرر ما قلناه كثيراً ومراراً حول ضرورة ترشيد الخطاب السياسي في البلد وعقلنته ليكون خطاباً مسؤولاً، يتوجه نحو الجوهري من الأمور، حيت تغدو الجمعيات السياسية معنية ليس فقط بأن تقوم بدور الرقيب لأداء السلطة التنفيذية ونقد ومعارضة أوجه الخلل والتقصير والفساد في أدائها، وإنما أيضاً تقديم البديل المقنع على شكل برامج اجتماعية واقتصادية وسواها، وهي أمور لن تنجزها الخطابة الثورية وما يندرج تحتها من أشكال تحريض لفظية.

صحيفة الايام
16 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

مطارحاتٌ فكريةٌ .. 2 .. في انتظار البديل الأردأ .. !


 
يدورُ شبحُ سؤالِ في أذهانِ العوامِ والمثقفين، على السواء.. حولَ البديلِ “الاسلامي” القادم ؟! … والغريبُ أن جُلّ القُوى المُسَمّية بالطليعية واليسارية والراديكالية وحتى القومية، غير مُستَشعرة بخطورة ” الاسلام السياسي” الزاحف للتسلّط .. والقادم لكنس الإستبداد الشرقي العربي المعاصر وتشييد “جنة الله” الموعودة على الأرض العربية وغير العربية وإحقاق الحق للمواطن المسلم، بدحر الكفار الصليبيين من ديار الاسلام وطرد الصهاينة من أرض فلسطين المقدسة ( كوقف اسلامي)!.. بل أضحت القوى السياسية، الراديكالية منها والقومية، مركونة لتطلعات قوى الاسلام السياسي مادامت هذه الأخيرة رافعة شعار “مقاومة” الخطط الامبريالية والصهيونية!.. وباتت تلك القوى الغافلة، غير مبالية بالهول الأعظم إن سيطر الاسلاميون على الحكم في المنطقة، نكايةً بالأنظمة الرجعية المحلية من جهة وخطط الصهيو-امبريالية الخارجية من جهة اخرى!…والسؤال الآن: ما هو الأفضل ؟!.. وجوابنا أدناه :

بلا شكّ ..أن البديلَ الاسلامي للحكمِ في أي بلدٍ عربي- محكومٌ بالنظام الاستبدادي الحالي- يكون بديلاً اسوأ من الظلمِ والعسفِ الحاليَّين و إختياراً أردأً ! وذلك كون المنظومة العربية الحاكمة أهون الشرّين ، مقارنة بالاسلام السياسي -” الاسلاميزم”- الذي هو اسوأ الشرّين ! هذا بالرغم من أنهما وجهان لعملةٍ واحدة،، كلٌ ( حاضنٍ) يعيد إنتاجَ نفسهِ والآخرِ ( حامٍ ) في نفس الوقت، في لعبةٍ شيطانيةٍ –سرطانية- مستمرة ! … مادامت القُوى ذات المصلحة في التغير الجذري بالعةٌ للطُّعمِ، بشكلٍ عجيبٍ و أنموذجيّ .. من تهميشٍ وتشظىٍ وتفرقةٍ وفقدانٍ للبصرِ والبصيرة. بل الركون إلى أوهامٍ من أفكارٍ غريبةٍ، منهاجٍ مسطّحٍ وتشبُّثٍ عنيدٍ في البحثِ عن الخلاصِ، بسبيلينِ خاطئينِ.. هما الاستسلام لفكرينِ أو نهجينِ مدمّرين: الغيبيّ الاسلامي “المقاوم” او التشطّح القومي العاطفي “المكابر” ؟؟؟ وكلاهما معانِدٌ لا مقاوِم، مناطِحٌ لامناضِل !..

تستدعي الضرورةُ الماسّة والحياتية للعرب سلك تفكيرٍ أونهجٍ آخر، بإمكانه قراءة الوضعِ والواقعِ العربي المُركّبِ والملتبسِ بشكلٍ أفضل. واستنتاج حلولِ ممكنةِ التحقيق ( ليست حلولاً مستحيلة )، انطلاقاً من ميزان القوى الموضوعي والظرف الذاتي المتوفر- على الارض وليس في السماء اوالمُخيّلة الرّغَباتيّة – بجانب المعرفة العلمية العميقة للظروف الخاصة والاستثنائية للمنطقة العربية. وضرورة الاستفادة من محصّلة القوي المحلية والاقليمية وحتى الدولية المؤثّرة ( ما يسمى بالضغط الغربي من أجل دَمَقْرطة المؤسسات العتيقة المعيقة للعولمة الرأسمالية) في التغير والتقدم المنشودين، بُغية تأسيس حكمٍ مؤسساتي دستوري ديمقراطي قانوني، في كلِّ بلدٍ عربي، وأولوية حقوق المواطن الاساسية، على رأسها حرية الرأي والتعبير– بما فيها حرية الفكر والعقيدة والتدّين وعدمه – وتسييد المواطنة الفعلية وحكم القانون المدني.. بحيث تُعتبر المرامي المذكورة كلها مهمة المهمات- في كل الظروف- بل أهم من أي هدف شعاراتي آخر…( المقاومة العبثية والتصدي الأرعن ضد الامبريالية والصهيونية وتبريرات التسلط والديكتاتورية والاستبداد من أجل ما تسمى المصلحة القومية العليا ! ..الخ المعزوفات والعنتريات..!).. كل ذلك يجب أن يأتي تحت شعار عام وواضح: “فصل الدين عن الدولة” أو أكثر دقة : ” فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة المدنية للدولة”. وهذا تتطلب ضرورة مشاركة كل القوي الاجتماعية والسياسية العصرية والحديثة- لتشييد هذا المشروع الوحيد والممكن- المتكونة من عمال وفلاحين وكسبة وبرجوازين صغار والطبقة الوسطى وحتى البرجوازية الكبيرة الوطنية ذي النزعة التصنيعية والانتاجية (بدون مشاركة هذه الأخيرة لايمكن منهجيا الحديث عن الديمقراطية ودولة المؤسسات!)، وذلك لتهميش وتعطيل أنشطة غول القوى المضادة والمعيقة لتقدم العرب : سواء الرأسمالية الطفيلية، البيروقراطية والكمبرادورية أو بقايا الاقطاع – المادي والثقافي – من ملاّكين وعقاريّين ومُضاربين من أصحاب الربح السريع،،هذا هو الطريق في تجاوز الحال- ليس بدربِ المُحال- ولكن لحالٍ عصريةٍ، إنتقاليةٍ فضلى !.

.. هذه هي سِمَة مهام مرحلتنا الحالية، التي يمكن أن نطلق عليها: سِفر الانتقال من تسلّط السلطة – القبلية والعائلية – إلى “تسلّط” الدولة الوطنية الواحدة .. من حكم أمراء الطوائف المستبدِّة إلى تأسيس الدولة الحاضنة للمواطنة الشاملة.. أي حسب المصطلح السياسي : أولوية تشييد دولة المؤسسات والقانون، التي لا تعبّر إلا عن مرحلة تاريخية تراكمية، موضوعية وضرورية.. وهو مشروع ليبرالي برجوازي وطني في الأساس، حيث يُسحب البساط تدريجياً، بتؤدة ونشاط من تحت أقدام الخصمين : سلطة الاستبداد السياسي العربي المادية، وسلطة الموروث الثقافي المعنوي الإقطاعوي الديني الطائفي المذهبي– ما قبل الحُداثي الرأسمالي- وبذلك سوف تُسلك السّكّة لتفاعلٍ وحراكٍ اجتماعي عارم، تستطيع فيها القوى التقدمية من التنمية بشكل أفضل ومن بسط برنامجها المستقبلي بشكل أضمن!… فمتى تستفيق قوى الحداثة والتقدم والتغيير العربية من سِنَتِها وتستبدل أوهامها بسِفرٍ جديد ؟!


للإطلاع على التعليقات حول الموضوع نرجوا الضغط على الرابط


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=225698

اقرأ المزيد

أزمة الغذاء والاستثمار الأجدى

في النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز الماضي كنت، وصديقان عزيزان من دولة الإمارات الشقيقة، أحدهما اقتصادي أيضا والآخر مهندس زراعي وخبير تربية أبقار، في أوكرانيا – ثاني أكبر مصَدِّرٍ للقمح في العالم- كنا نزور مؤسسة زراعية وإنتاجية حيوانية ضخمة بدعوة من صاحبها زميل دراستنا الجامعية. كان البصر والسيارة معاً يعجزان عن متابعة حدود الأراضي الشاسعة المزروعة بالقمح والمنشآت الزراعية الأخرى التي تضمها المؤسسة.
نظرتان، واحدة إلى رتل الحاصدات الألمانية الضخمة الثلاث عشرة القادمة نحونا مثيرة غبار القمح الطيب الرائحة بطريقة استعراضية أرادها أركادي (مالك مؤسسة كورناتسكي)، ونظرة أخرى إلى السيد كورناتسكي نفسه لتشعر بعمق معاني الكلمات التي سطرها قبل أكثر من ثلاثة قرون الكاتب الهجائي الإنجليزي والناشط الكنسي جوناتان سويفت ( 1667 – 1745): «من يستطيع أن يزرع سنبلتي قمح هناك حيث تنبت واحدة فقط، هو من يستحق ثناء الإنسانية. وسيكون قد عمل بالنسبة لبلده أكثر مما يعمله كل السياسيين مجتمعين…». زميلنا الذي وجد في مثل هذه الكلمات نداء طبيعياً له وقبل مثل هذا التحدي، صار محط أنظار بعض السياسيين. اعتذر عن مصاحبتنا ليوم واحد، وكان هذا اليوم موعده مع أحد الأحزاب السياسية الفلاحية التي دعته لمناقشة عرض حول زعامته للحزب.
ولهذه التجربة أهميتها الاستثنائية حيث تؤكد ما يذهب إليه علماء الاقتصاد الواقعيين منذ سنوات من أن الاستثمار في الزراعة هو الأجدى بعد الأزمة العالمية وتطوراتها. وتأتي أزمة الغذاء لتؤكد ذلك أيضاً. محاصيل القمح ونقصها عالمياً صارت حديث كل العالم منذ أواخر شهر يوليو الماضي. واشتد هذا الحديث بشكل خاص بعد أن أعلنت روسيا، وهي ثالث أكبر مصَدِّر للقمح في العالم، أنها بسبب موجتي الحر والجفاف اللتين تسببتا في حرائق التهمت حقول القمح، سوف توقف تصديره ابتداء من 15 أغسطس/ آب وحتى نهاية العام الجاري على أقل تقدير. وقد عللت السلطات الروسية الحظر بالحيلولة دون حدوث ارتفاع في أسعار الطحين والخبز وبقية المنتجات الغذائية في سوقها الداخلي وبالحاجة إلى الاهتمام بالثروة الحيوانية والحفاظ على قطعان المواشي وكاحتياط لعاديات الزمن واحتمال التقلبات المناخية في العام القادم.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا التي ظلت توسع صادراتها باستمرار قد صدرت 21.4 مليون طن من الحبوب لتدخل في عداد أكبر ثلاث بائعين عالميين، واحتلت 13في المئة من حجم السوق العالمي، كما تقول «فريميا نوفوستيي». وفور صدور قرار الحكومة الروسية توقفت المضاربات في بورصة شيكاغو تلقائياً مع ارتفاع أسعار الحبوب بنسبة 6 في المئة. وقبيل هذا التوقف قفزت أسعار بيع القمح الآجلة لأعلى مستويات لها منذ 23 شهرا. وفي أوروبا ارتفعت أسعار القمح بنسبة 11في المئة وازداد سعر طن القمح عن 230 يورو. ورغم أن روسيا كانت أكثر المتضررين من التقلبات المناخية حيث تراجعت محاصيلها من الحبوب بنسبة 30 في المئة، إلا أن محصول هذا العام لم يكن جيداً في معظم البلدان المصدرة للقمح، بما فيها كندا، الاتحاد الأوروبي، كازاخستان وأوكرانيا. وحسب معطيات رسمية انخفض حجم الإنتاج العالمي من القمح هذا العام بنسبة 4 في المئة. وبالكميات المطلقة فإن إنتاج الحبوب سينخفض عالمياً هذا العام ربما لأكثر من 20 مليون طن. وحسب تقديرات أخرى فمن المتوقع أن يبلغ إجمالي محاصيل القمح أقل من 652 مليون طن، بينما بلغ العام الماضي 679 مليون طن.
غير أن ما يلحظه المراقبون هو أن أسعار الحبوب كانت ترتفع عالميا بوتيرة أسرع من ارتفاع أسعار صادرات القمح الروسية حتى قبل إعلان وقف صادرات الأخيرة. فمثلا، في 9 يونيو/ حزيران الماضي بلغ طن القمح الفرنسي بأسعار فوق 167 دولاراً، والأميركي 181 دولاراً، بينما الروسي 165 دولاراً فقط. أما في بداية يوليو فقد ارتفعت الأسعار 183، 204، 167 دولاراً للطن من صادرات القمح لنفس الدول على التوالي.
في ظروف محدودية إمكانيات كبريات الدول المصدرة للغذاء وحاجة بلداننا المتزايدة له، والخطورة السياسية التي ينطوي عليها مثل هذا الاعتماد، فإن العقل الاستثماري والتخطيطي السليم يجب أن يتجه إلى حيث الخصوبة الأكبر والأراضي واليد العاملة الأقل كلفة، وحيث الحاجة إلى التمويل، وطبعا… إلى حيث انعدام الضواغط السياسية.
أين مكان أوكرانيا من ذلك بالنسبة لبلداننا، وما واقع المناخ الاستثماري فيها، وهل من تجارب معها في ذلك ؟ هذا ما سنناقشه لاحقا
 
صحيفة الوسط
15 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

إيماءات عبد علي الخـبـّـاز…!


 
 
 


 


 
إيماءات عبد علي الخـبـّـاز…!



لـمـلـم جـراح الأسى واستـدبـر الجـزعـا           إذا زمانـك مـن خـيـر الـرفـاق نـعـى
واذكــر مـحــاسـنـهـم فـي كـل نـــاديـــة           وخـذ دروس الـنـُهى عنهم لـتـتـبعــــا
وقـــمْ تـحــيــّــــة إجــلال ٍلــكــوكــبــــة ٍ          فـكـلُ نـجـم ٍأشـاع الـنـور ما وسعــــا
وقـف لـعـبـد عــلي الشـهـم مـحــتــرمـاً            إسمـاً يـزيـنـه الإيــثـــارُ مـنـطـبـعـــا
قــد كـان فـيـنـا هــلالاً يـُسـتـضــاءُ بــه            في ظلمة الدرب بالفـكـر الذي سطعـا
ما زال فـيــنـا يــراعـاً يستـحـث خـطـى           تـوسّم الناس فـيهـا خـيـرهـم صدعـــا
يـدوم فـيـنـا ربـيـع الـصـدق مـؤتـلـقـــاً             وريـقـُه أخـضـر الأغـصان مـرتـفـعا
قــالــوا: تـلبـرل واهـتــزت ثــوابــتــه            ومــال جـذرٌ بـه قـد حــاد مـنــدفــعـا
قـالـوا: تــعــقـّـل وامـتـازت مــواقــفــه            بالـرشد لا كـالـذي قـد أيـــّد الـفـزعــا
قــالــوا : تـحــوّل واحــتـزت مـنـابـتــه            شـفــارُعـصـر ٍأحـاديّ الـنـظـام سعى
وانـهار صرح لعشق الشمس وانفـتـقت             منـظـومــــــة وتـشظـّى أهـلــهـا شـيـعــا  
تســـيـّد(الساحة الـحـمراء)مـخــتــرقٌٌ               أمسى ربـيـبـاً لـرأس الـمـال منـتـفعــا  
هبّت على الكون ريح الغرب فانكشفـت           سوءات ضعـف نفوس أطلـقـت بدعــا
قـالـوا : لقـد مات حـلـمٌ وانـتـهـى أجـلٌ            وحـتـم تـأريـخــنـا بـالـضربة ارتجعــا
قـالـوا: وحسب الورى بالفعـل عولـمة ٌ            تـقـيـم عــدلاً بـشرع ٍ كان مـنـصـدعـا
أزرت بــه طــبــقــاتٌ صـار ديــدنــهــا          بـخـاطـئ الفكـر منسوخاً ومـصطـنـعا
مـا عـاد يـورَد(رأس الـمـال)وانـدثـرت           آثـارُ نـبـع ٍجـرى إذ جـفّ مـنـقـطـعــا
حتى أتـت صفعة الإقـراض فانفـضحت           بـواقـع العـيش سـوقـاً كـدّست سلـعــا
قـالـوا: تـعـكـّّز في التســــعـين مـنـتـبـذاً           فـعــلاً لـه شـارعٌ بـالـنــار إذ شـرعـا
قـالـوا: تـبـرجـز في الســــتـيـن من ندم           لـمّا رأى الكدح في الميدان قد صرعا
قـالـوا: تحـفــّز وانـســـابــت مـعــارفــه          لـتـرفـد الـدعـة الـمـهـداة مـقـتـنـعـــــا
عـمـداً تـنـاســـوا لهـيـب الـفـوهات على         حَــقِّ الجـموع ومن للعسف كان رعى
عـمـداً تـنـاســـوا لظى التميـيـز مستتـراً          بشـرعة تـجـعـل الإحـقــاق مـنـتـزعـا
عمداً تناســــوا حِمى التجنيس وانسدلت          غـشـاوة الطـمـعُ الجـاثي ومـن طـمعا
فـالـبـحـر مـنـتـهـبٌ.. والـبـرّ ُمـسـتـلـبٌ           والـفـئ مـحـتـلـبٌ يـشـكـو لــنا رقـعـا
هَـبـــّوا لـمـأدبـة.. مـن كـفّ مـلأمــــــة           تـرمـي لـمأربـة  تـدعـو لـمـن خـنـعـا
وبـلـّة زاد طـيـن الـلـيــل مـن لـبـســـوا           ثـوب الـتـقـى وأحـاطوا ذاتـهـم ورعـا
مـسـتـفـرديـن بســـوح الكـمّ مـن خـطـأ           و فاتهـم أنــنـا نــبــنـي الــبـــلاد مـعـا
وصــد ّعـبـدُ عـلي الشـــهـمُ مـتـشــحــاً           بـالطـيـبــات ومـا يـزهـو بــه أدّرعــا
وانـشـــقَّ لـيـل الـمـنـافي عـن مكـابــدة           بـعـدَ السـجـون بـسـقـم ٍخـتـمـه فـجعـا
لـم يـعـط ِلـلـذلـة الشــــوهـاء ظــلَ يـــد ٍ          كـلا ودام عـصـي ّ الـعــود مـمـتـنـعـا
لـك الـخـلـودُ رفـيق الشــعب إذ شمخت           أيــام ُفـخـرك بـالـفـعـل الـذي لــمـعــا
 
عبدالصمد الليث


اقرأ المزيد

مـحــنـة العـاطـلـيـــن…!

 
 

 
 
على وتر الهمّ 
 
يترنـّح شبابنا البحريني اليوم ، تحت وقع ضربات الواقع المرّ ، مأخوذا بحاجاته المعاشيّةً الضرورية ، التي تضغط عليه بإلحاح متزايد ، كنتيجة لظاهرة البطالة المنتشرة ،وتدنـّي الأجور،وعقود العمل المؤقتة المتفشية بين  أوساط الأجيال الشبابية أو جيلين على الأقل .
 
 لقد كفل دستور مملكة البحرين، حقوق المواطن، في الصحة والتعليم والسكن وغيرها، وبالأخصّ حق العمل، إذ نصّت المادة 13 ب منه على :-
(تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه).
 
وكفل ميثاق العمل الوطني ، حق العمل للمواطن ، كما نصّ الفصل الأول بمادته السابعة :-
(…وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برامج التنمية الاقتصادية الوطنية) .
 
فصار من واجب الدولة ، توفير فرص العمل الملائم واللائق والحافظ لكرامة المواطن البحريني ، من ذكر أو أنثى ، طبعاً دونما أي تمييز  بسبب العرق أو المذهب ، ناهيك عن الإنتماء السياسي والرأي،و بضوابط يكفلها القانون .
 
من هذا المنطلق ، يتوجب على جميع المواطنين ، وخاصة العاطلين عن العمل ، إنتهاج كل السبل القانونية المتاحة ، وكافة الوسائل  السلمية ، للمطالبة بحق العمل ، ولتفعيل مواد الدستور وميثاق العمل الوطني المنصوص فيها على حق العمل .
 
من المفارقات المضحكة المبكية في آن ، إعلان وزارة العمل ، توفر فرص في سوق العمل ، والإعلان في ذات الوقت ، عن إستحواذ  الأجانب على حصة قاربت 100% من الوظائف في القطاع الخاص، فقد نشرت صحيفة (الوسط) البحرينية، في عددها2799  بتاريخ 6 مايو 2010 م :-
(إستمر مسلسل سيطرة العمالة الأجنبية على الوظائف التي يخلقها القطاع الخاص في البحرين ، إذ شهد الربع الأول من العام الجاري (2010) إرتفاع وتيرة سيطرة العمالة الأجنبية على إجمالي الوظائف وذلك بواقع  7469 وظيفة ( بنسبة 94 %) من الإجمالي الكلي  البالغ   7970 وظيفة ، فيما كان نصيب البحرينيين 501 وظيفة فقط وبنسبة 6 في المئة ).
 
وأشارت الصحيفة ذاتها في تقريرها المذكور،إلى مهزلة أكبر :-
( وخلق القطاع الخاص في الربع الأول من العام الجاري(الشهور الثلاثة الأولى) 231 وظيفة جديدة ذات أجور عالية يفوق أجرها الألف دينار فما فوق ،ذهب جلّها وبنسبة 98 في المئة للأجانب بواقع 226 وظيفة فيما نال البحرينيون خمس وظائف فقط من الإجمالي الكلي وبنسبة 2 في المئة فقط.).
 
هكذا إذاً ، فيما يستمر مسلسل الفصل التعسفي بحق المواطنين ، وبخاصة في القطاع المصرفي ، وليس خافياً على أحد ، موت المناضل  العمالي النقابي جليل الحوري ، في عصر يوم 24 أبريل 2010 م ، أثناء الإعتصام التضامني مع المفصولين من المصارف . كما تجلى ذلك واضحاً، في مسيرة الأول من مايو لهذا العام ، حيث طالبت الجماهير، بإرجاع المفصولين وإبدال عقود العمل المؤقتة بأخرى دائمة ، ورفع الخريجون العاطلون جنازة رمزية لشهاداتهم ، بعد أن تخلى مجلس النواب المنتخب عن دوره  في الرقابة والتشريع والدفاع عن مصالح أبناء الشعب الذين إنتخبوه ، وبعد عدم منح العاملين في القطاع العام حق تكوين نقاباتهم لنيل المكتسبات وضمان المطالب .
 
وعلى نفس المنوال والوتيرة، يتم توظيف وإنتداب الأجانب ، بل وتوظيفهم بصورة دائمة ، بعد  تجنيسهم ، ومنحهم مزايا تفضيلية ، لتغيير التركيبة الديموغرافية ، لأغراض سياسية، وتلك مشكلة أخرى ذات تداعيات خطيرة .
الشباب البحريني العاطل، ينظف السمك والسيارات ويبيع قناني الماء والفاكهة في تقاطعات الطرق، المزدحمة بالأجانب وسياراتهم  الحديثة الفارهة.
 
على كل المواطنين الشرفاء ، ومنظمات المجتمع المدني ، من جمعيات سياسية ومهنية وحقوقية وغيرها ، التضامن الجاد والمستمر والفاعل ، مع ضحايا البطالة ، وخصوصاً الخريجين، لتجسير الهوّة الفادحة الفاضحة ، بين نظرية التشريعات وإنتزاع تطبيقها ،إحقاقاً للحق وصوناً لكرامة المواطن  وحفاظاً على السلم الأهلي في بحريننا الغالية .
 
 إضاءة
 
وتـبـّاً لـمـن فـي غـفـلـة صار نـائـبــا      تــنـاسى عـهـوداً واسـتـزاد رواتـبـا
أشاح بـوجـه الــذات عــمــّن أنــابــه      و يـمّــم شطـر المال يـجـني مكاسبا
وعاف فـقـيـر الشعـب في بؤس حاله     وكـان لـنـار الـطـائـفـيـيــن حـاطـبــا
فـلـيـس لـنـــــا إلا الـتـوحـّـد دائــمــاً      لــنــأخـذ حـقـّـا ضائـعــاً ومــطــالـبـا
 
 
 
 
 

اقرأ المزيد