المنشور

مناقشة هادئة في المسألة التخريبية

سرني قيام الجهات الرسمية المعنية مؤخرا بالكشف عما تسببه أعمال التخريب في منشآت الخدمات العامة من خسائر فادحة يتكبدها المال العام المرصود للشعب بأسره بجميع فئاته، وهو ما ناديت به واقترحته غير مرة في مقالات سابقة قبل بضعة اشهر في هذه الزاوية حيث تناولت فيها المخاطر الجمة والعبثية لأعمال التخريب التي عادت منذ نحو اربع سنوات حتى استفحلت وأضحت ظاهرة ليلية مقيتة وبخاصة في القرى المنكوبة بها والشوارع الرئيسية العامة التي تمر بمداخلها، وعلى وجه الخصوص شارع البديع.
وكم تمنيت لو ان احصائيات الخسائر المعلنة اعلاميا اخذت كعناوين رئيسية في صحافتنا مصحوبة بصور لمظاهر التخريب للمنشآت التي تتحدث عنها ارقام الخسائر، وكذلك الامر فيما يتعلق بالصور الارشيفية المبثوثة للتلفزيون.
وحسب الارقام المعلنة فإن اعمال التخريب والحرق المتعمدين لمنشآت قطاع الكهرباء والماء كبدت المال العام خسائر بلغت اكثر من 13 الف دينار، اما ما انفق على تعزيز وسائل حماية تلك المنشآت لتبقى في منأى عن التخريب والحرق فقد بلغ خمسة ملايين دينار.
ولم يكن الرئيس التنفيذي لهيئة الكهرباء والماء عبدالمجيد العوضي يجانب الصواب حينما علق على هذه الخسائر المؤسفة التي تستنزف المال العام الذي يعاني اصلا صعوبات جمة بالقول: “إن الاموال والميزانيات التي تصرف في عمليات اصلاح أعمال التخريب كان من الاولى ان تصرف لتنفيذ المشاريع التنموية والخدماتية الموجهة لخدمة المواطنين”.
معنى ذلك بعبارة اخرى ان ما صرفته الجهات الرسمية المعنية على اصلاح التخريب كان في الغالب على حساب مشاريع تنموية وخدماتية اخرى منتظرة جرى ارجاء تنفيذها نظرا إلى الحاجة المستعجلة الاضطرارية للصرف على اصلاح ما خربه المخربون.
أما حرق الحاويات المتعمد خلال عامين فقط فقد كبد الميزانية العامة 363 ألف دينار، في حين بلغت خسائر الاشارات الضوئية خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط 25 ألفا و375 دينارا، وتكلفت صيانة الطرق المتضررة من اعمال حرق الاطارات والقمامات 400 ألف دينار.
وبطبيعة الحال فإن الخسائر التي أعلنت على ما يبدو على عجل ليست تفصيلية شاملة لتشمل الاضرار الفادحة التي تلحق بالمواطنين من جراء قطع الطرق وتعريض مصالحهم الحيوية المهمة للضرر كالمتوجهين الى المستشفيات والمراكز الصحية ومنهم حالات الحوامل والامراض الخطرة ومنهم المسافرون، دع عنك مخاطر اضطرار السائقين في كثير من الاحيان الى اختراق الشارع وسط اكوام الاطارات او الحاويات المشتعلة، ودع عنك ايضا ما يحدثه اتلاف الاشارات الضوئية من ارباك مروري يسبب العديد من الحوادث، هذا بخلاف التلوث البيئي للحرائق الليلية، ناهيك عن تراكم القمامات بلا حاويات وهو ما ينجم عنه اوبئة غير مأمونة العواقب على سكان اهل القرى والمناطق الجديدة المحاذية لها، ودع عنك المشهد الكئيب للظلام الدامس للشوارع ليليا.
ليس من قبيل المبالغة التأكيد ان اعمال التخريب العبثية التي تصاعدت خلال السنوات الاربع الماضية حتى استفحلت على النحو الذي نشاهده الآن هي الاسوأ تاريخيا منذ خمسينيات القرن الماضي، فحتى التسعينيات لم تشهد البحرين اعمالا تخريبية والتي كان جلها يتركز حينذاك في تفجير “السلندرات” واستهداف محلات واماكن رسمية وتجارية كالتي نشهدها الآن والتي باتت تسيء ليس الى الدولة فحسب – كما يتوهم المخربون – بل الى صورة شعب البحرين الحضارية وخلقه أمام العالم هو الذي جبل عليها قرونا عديدة حتى خلال اشد المحن السياسية والتاريخية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هو السبيل لوضع حد لهذا الجنون من التدمير الذاتي والعبث اللذين طال أمدهما؟
قبل فترة قصيرة وتحديدا غداة التقاء سمو رئيس الوزراء وفدا من شباب واعيان قرية الشاخورة اشرت – في سياق مقال لي عن هذا الحدث – إلى ما يتمتع به شباب هذه القرية من عقلانية في التعبير عن المطالب والشكاوى الخاصة بالخدمات العامة لقريتهم من خلال سلوك الطرق والقنوات السلمية المشروعة، وبينت ان هذه التقاليد التي يتبعها شباب القرية اليوم وجلهم مؤطرون في مركز شباب الشاخورة الذي بني على سواعدهم وسواعد آبائهم انما ارساها هؤلاء الآباء من جيل شباب الستينيات والسبعينيات. والى جوار هذه القرية قرية اخرى هي “الحجر” وهي الاخرى شبابها يمقتون العنف والتخريب، فيما تقبع قرية ثالثة مجاورة تتوسط القريتين وهي اقرب الى شارع البديع حيث ترابط ليليا مفرزة من قوات الأمن بالقرب من احد المجمعات التجارية الجديدة المطلة على احد دوارات شارع البديع للحيلولة دون تمكين مجاميع من شبابها من اعمال التخريب والحرق الليلية. فما السبب في هذا التباين بين بعض القرى المتورطة مجاميع من فتيانها في اعمال التخريب فيما بعض القرى الاخرى المجاورة ينعم شبابها بالعقلانية؟ هنا بالضبط تأتي الحاجة الآنية القصوى الى تفعيل دور اعيان ووجهاء وشيوخ دين القرى المتورط مجاميع من شبابها في تلك الاعمال التخريبية المجنونة وذلك من خلال تكثيف وسائل التوعية بمختلف اشكالها وعلى نحو موسع داعم في مختلف المناسبات الجماهيرية والخاصة ومنها المناسبات الدينية.
صحيح كما في كل الدول العربية بلا استثناء التي مرت بأعمال شغب وعنف احتجاجية عادة ما تظهر دراسات تحلل اسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل النفسية، وهي دراسات على اي حال مشروعة ووجيهة ولابد منها لتتكامل مع المعالجات الامنية ولتؤتي أكلها على المدى البعيد امنيا على نحو دائم، لكن بالنظر الى الظروف الراهنة الدقيقة التي تمر بها بلادنا فإن الصوت الذي يردد تلك الاسباب قبل ان يضطلع اصحابه المشار اليهم سلفا بمسئوليتهم الوطنية بالعمل بكل قوة وبكل جهد ممكن لعقلنة جموح فتيانها الأغرة المخربين يغدو لغوا “فلسفيا” كمن يتفرج على النار ويبحث عن اسبابها وهي مازالت مشتعلة في عقر داره.. أليس كذلك؟

صحيفة اخبار الخليج
22 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟ (4)


إحدى طرق تطوير قاعدة السلطة المحلية للحركة العمالية هي وضع نقاط وصول متعددة للتنظيم، مثل المراكز العمالية. هنا يستطيع العمال الانضمام بصرف النظر عن جهة توظيفهم. يمكن أن يكون المركز مصنعاً مُعيناً أو في الحي، لذا لا يهم في أي المصانع يكون العامل يعمل، بإمكانهِ الإنضمام. إن تجارب العمل مع مراكز العمال تنتشر في جميع أنحاء العالم، خاصةً انتشارها بين العمال من ذوي الأجور المُتدنية الذين هم عُرضة للفصل من أعمالهم في أي وقت، من ضمنهم العمال المهاجرون.



 



الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟ (4) 



 

 بقـــــلم: Fernando E. Gapasin and Michael D. Yates
ترجمة: غريب عوض
 


          إحدى طرق تطوير قاعدة السلطة المحلية للحركة العمالية هي وضع نقاط وصول متعددة للتنظيم، مثل المراكز العمالية. هنا يستطيع العمال الانضمام بصرف النظر عن جهة توظيفهم. يمكن أن يكون المركز مصنعاً مُعيناً أو في الحي، لذا لا يهم في أي المصانع يكون العامل يعمل، بإمكانهِ الإنضمام. إن تجارب العمل مع مراكز العمال تنتشر في جميع أنحاء العالم، خاصةً انتشارها بين العمال من ذوي الأجور المُتدنية الذين هم عُرضة للفصل من أعمالهم في أي وقت، من ضمنهم العمال المهاجرون.
 باستطاعة هذهِ المراكز تقديم الخدمة لعدد من الوظائف: تزويد العمال بفرصة تشكيل تجمعات ومشاركتها العمال في تظلماتهم وتقديم أسس المعرفة بالحقوق لهم، وتنمية الوعي السياسي لديهم من خلال الاعمال قليلة المخاطر، والعمل تجاه بناء حركة عمالية يمكنها الحصول على مكاسب مُهمة لهم، مثل “ألراتب المعيشي”. كما أنهُ بإمكان هذهِ المراكز أن تكون نقاط ولوج إلى النقابات المهنية التي لولا هذهِ المراكز لن يكون بإمكانها الوصول إلى تجمعات بشرية مُعينة، مثل المهاجرين الذين لايجيدون التحدث باللغة الإنجليزية.
 
          ثانياً، في أي نوع من التنظيمات، لا بد أن يكون لهؤلاء الذين يتمتعون بأعلى المستويات من الوعي الطبقي دور مركزي في التنظيم. سوف يكونوا هم أفضل من يستطيع توضيح الأمور للآخرين، وادراك الروابط بين الظروف المحلية والعالمية. كما أنهم سوف يكونوا أيضاً أفضل من يستطيع رؤية الروابط بين الاشكال العديدة من عدم المساواة والظلم الموجود في جميع المجتمعات الرأسمالية.
 
وإذا سلمنا بطبيعة الرأسمالية الحديثة، فإن النساء وهؤلاء الأشخاص الملونون الذين يتمتعون بأعلى مستويات الوعي الطبقي لا بد أنهم سوف يكونوا القياديين الرئيسيين لأي حركة عمالية. وفي نفس الوقت لا بد من بذل الجهود الجبارة لتعرية أضعف نقاط الرأسمالية؛ لأن في هذهِ النقاط يكون دور أولئك العمال الذين هم على أعلى درجة من الوعي الطبقي أكثر فاعلية وتأثيراً. فيجب على عمال المواصلات، وعمال توريد الغذاء، وعمال التكنولوجيا العالية، والعمال الآخرين في المواقع المُهمة أن يُنَظموا أنفسهم ويجب أن يبذلوا قُصارى جهدهم بأي الطُريق يستطيعونها.
 
          ثالثاً، لا بد من إيجاد طُرق للتواصل مع القطاعات المستقرة والقطاعات غير المستقرة للطبقة العاملة، بمعنى، هؤلاء الذين يتمتعون بضمان وظيفي نسبي، والقطاع المتبرعم المُهدد في وظائفهِ بسبب توظيفهم غير الرسمي. يجب إيجاد تنظيمات لحركات عمالية واسعة، أوسع من النقابات العمالية العادية، لتضم الحركة العمالية بكاملها. ربما استيلاء التجمعات البشرية والعمال على المصانع في الارجنتين وفي فنزويلا سوف يضيئ الطريق في هذا الاتجاه.
 
          رابعاً، وهو المهم هنا، يجب أن نطرح السؤال ما هو الهدف من الحركة العمالية؟ لماذا يجب أن يشكل العمال تنظيماتهم؟ بعبارة أخرى، ماهي مبادئ الحركة العمالية؟ ما الفائدة، على سبيل المثال، من الحديث عن تنظيم اتحاد العمال الأمريكي، ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL-CIO ونقاباتهما العمالية، إذا لم نطرح مثل تلك الأسئلة على أنفسنا. هذا لأن مبادئ أي حركة سوف تُملي علينا هيكلها، إلى حد بعيد. ليس لدى نقابة موظفي الخدمة الدولية SEIU، ورابطة سواق الشاحنات الدولية IBT ما يقولونه عن تلك الأسئلة، إذن، ليس في استطاعتنا إلا أن نفترض أن ما يجول في تفكيرهم هو استمرار التحالف البرغماتي المحافظ، والأمل في عودة الاتفاق العمالي. وبعبارة أخرى، العمل مُستمر كالمعتاد، أو على الأقل كما كان قبل أربعون عاماً.
 
لقد أشار بيل فليتشر جونير Bill Fletcher Jr. إلى المشكلة على نحوٍ بليغ بالمقاربة التالية:
 
هكذا، قهرت المشكلة الحركة النقابية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ تلك المشكلة التي لايمكن حلها في داخل النموذج الجومبيرزي- نسبةً إلى القائد العمالي سامول جومبيرز Samuel Gompers  (1850 – 1924). إذا أقرت بأن الرأسمال العالمي متورط في حرب إبادة ضد القوى العاملة ؛ وإذا أقرت بأن الرأسمال الأمريكي يُريد محو النقابات من المشهد الأمريكي؛ وإذا أقرت بأن الأمر بات صعباً بشكل متزايد رفع المستويات المعيشية في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد دون اللجوء إلى مقاربة دولية؛ وإذا أقرت بأن التوزيع السكاني للقوى العاملة في الولايات المتحدة مُتغير؛ وإذا أقرت بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي في خدمة جناحين إثنين مختلفين للدوائر الحاكمة، أيٌ منهما لا يأبه بالطبقة العاملة، وكلاهما مهتم بشكل من الهيمنة الدولية أو بآخر؛ وإذا أقرت بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تولد كراهية الشعوب في جميع أنحاء العالم للولايات المتحدة، عندها فقط تكون القوى العاملة المنظمة في الولايات المتحدة مُلتزمة بإعادة التفكير في أساسيات أوضاعها.
إن إعادة التفكير في أساسيات أوضاعنا يعني في الحقيقة لا بد من فتح حوار ضمن الحركة النقابية بين هذه والحركات الأخرى. ويجب أن يهدف هذا الحوار إلى إعادة تصور العمل النقابي. وتحتاج إعادة التصور هذهِ إلى قيادة الاتجاه الذي أطلقنا عليه أنا وزميلي فيرناندو غاباسن Fernando Gapasin إسم “نقابية العدالة الاجتماعية”. إن هذا أكثر من مجرد عملية تنظيم واكثر من مجرد إقامة تحالفات مع قطاعات أخرى من السكان.
تبدأ نقابة العدالة الاجتماعية بفرضية أن الاتفاق الجديد ودولة الرفاهية كما كنا نعرفها في زمن ما، لن يعودا مرة أخرى. وفي نفس الوقت، أن النزوع نحو الهمجية، والحرب اللانهائية، وإفقار أعداد متزايدة من الناس يجب أن يتوقف. وهكذا، فإن مسألة مستقبل العمل النقابي يجب ربطها على نحوٍ متكامل بإعادة الترتيب السياسي في هذا البلد وبنضال يقظ للفوز بالسلطة السياسية. كما يجب ربطها، بطريقة مختلفة جداً، للنظر إلى النقابات والتنظيمات الجماهيرية الأخرى للشعوب في العالم. وهذا يعني، أنه يجب علينا أن ننبذ الغطرسة الأمريكية التقليدية التي تفترض أن النور والحياة يبدآن ضمن حدود الولايات المتحدة الأمريكية.
 
          الشيء المتضمن في تعليق بيل فليتشر جونير هو أنه لا بد للقوى العاملة أن تتجه نحو اليسار إذا أرادت البقاء. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد أهداف الحركة العمالية هو تضييق الفجوة بين الاغنياء والفقراء أو أن تخلق مساواة اجتماعية أفضل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل بالإمكان تحقيق هذهِ الاهداف في ظل الرأسمالية أو هل يجب على الطبقة العاملة (والنقابات والحركات العمالية) وضع أساليب تتحدى بها المؤسسات الرأسمالية، من ضمنها الصفة الاستغلالية الجذرية وهي العلاقة بين الأجر والعمل.
من واقع تجربتنا، فيما يَعتبر بعض القادة النقابيين أنفسهم يساريين، وراديكاليين، أو حتى اشتراكيين، فهم يعتقدون أيضاً أن طرح القضايا الاشتراكية يُعتبر أمرا أيديولوجياً وغير عملي إلى حد بعيد. لقد أجلوا هذهِ القضايا إلى مستقبل غير محدد، ظناً منهم أنهم في حاجة إلى كسب المزيد من السلطة والنفوذ قبل أن يتسنى لهم طرح مثل هذهِ القضايا، وبما أنهم يخسرون السلطة والنفوذ بالاطنان، فإن النضال لمجرد البقاء التنظيمي على قيد الحياة يأخذ الأولوية. ولكن، ربما وضع الاهداف العليا بعين الاعتبار هو شرط أساسي للقدرة على كسب بعض السلطة والنفوذ. وطلما أن النقابات تلعب لعبة العمل ضمن النظام الرأسمالي على نحوٍ ثابت، خاضعة لقوانينه الأساسية، فإن النقابات كما نعرفها يمكن أن تهلك. يجب أن لا تقودنا الأزمة التي تواجهنا إلى تضييق رؤيتنا للذي نرُيد النضال من أجله، بل يجب أن توسع رؤيتنا له.
 
          إن التاريخ شاهد قوي على حاجتنا إلى إعادة توجيه الحركات العمالية العالمية، تلك الحركات التي تحمل مبادئ مثل التي عددتها الحركة العمالية الأمريكية المناهضة للحرب U.S. LAW. أين موقع العمال بدون اشتراكييهم وشيوعيهم، أولئك الأكثر التزاماً بالمساواة من كل نوع والذين على أتم الاستعداد للقيام بالمجازفة اللازمة (ويقنعون الآخرين للقيام بهذهِ بالمجازفة) لبناء الحركات العمالية القوية. وحتى في الولايات المتحدة المُحافظة (من حيث الحراك العمالي) لم تكتف نقابة مؤتمر المنظمات الصناعية CIO التي يقودها اليسار، بقيادة النضال ضد الإمبريالية والعنصرية الأمريكية، بل أنها فازت بأفضل الاتفاقيات وكانت الأكثر ديمقراطية. في الحقيقة لقد قامت بما قال عنه المدير المنظم لنقابة اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية، واجب النقابات القيام بهِ الآن: “نحنُ في حاجة لتحديد جدول عمل يمتلك إمكانية تغيير حياة الناس”.
 


انتهى،،،


 
للإطلاع على الحلقات السابقة نرجوا الضغط على الرابط


 

http://www.altaqadomi.org/ar-BH/ViewArticle/32/2939/research_and_papers.aspx

اقرأ المزيد

شح الأسماك في مياه البحرين ومعاناة الصيادين


هناك كثير من الأسئلة تحتاج لأجوبة، خصوصاً مسألة اختفاء الثروة السمكية وارتفاع أسعارها بشكل لم يسبق له مثيل، ثم إن الشارع البحريني متخوف كثيراً من مثل هذه المسألة التي تتعلق بالأسماك والذي كان سابقاً هو المصدر الأساسي للوجبات، وأخيراً ظهرت للوجود مسألة البحارة الذي أصبحوا في مرمى وهدف خفر السواحل القطرية وعرضة للمحاكم والسجون والإصابات بالرصاص مثلما حدث للبحار عادل الطويل الذي أصيب بإصابات خطيرة ولا يزال معلقاً تحت رحمة السلطات القطرية، حقيقة ما كان يجب أن يحدث هذا لولا أن الفقر هو الذي يدفع بمثل هؤلاء الصيادين بأن يخاطروا بأرواحهم ذلك من اجل لقمة العيش عن طريق صيد الأسماك التي قد تعثرت عليهم الحصول على سمك في مياه البحرين.
 
هذا من المعروف أن أنواعا من الأسماك والفطريات قد اختفت تماماً عن مياه أو بحار المملكة ومنها الذي انقرض وللأبد والسبب الرئيسي هو يكمن في أن جميع السواحل والشواطئ والفشوت التي كانت تتربى فيها الأسماك قد تعرضت للتدمير والتخريب نتيجة للدفان العشوائي الذي طال طول وعرض سواحل البحرين.
 
 هذه السواحل التي قد يبعث يشكل فيه من التجني على الثروة السمكية لصالح فئة معينة جنت الملايين من خلال بيع البحار والسواحل، على حساب تلويث وتدمير البيئة البحرية والثروة السمكية، هذا ما قد أعلن عنه كثيراً عبر وسائل الإعلام والصحافة المحلية وعلى لسان المهتمين بالبيئة والثروة السمكية ونقابة الصيادين وبعض النواب، أيضاً للعلم إن ترسيم الحدود بين البحرين وقطر قد ساهم في أن تحوز قطر على نسبة كبيرة من الهيرات التي كانت هي الأهم لوفرة السمك في مياه البحرين مقابل جزر حوار التي يمنع الصيد حولها ذلك مع المنع أما جزر عديدة ومنها جزيرة جده وغيرها، ثم هناك المنع من الصيد في رأس البر وما حوله، مقابل اختفاء جزر عديدة نتيجة للدفان العشوائي وكانت مركزاً للصيادين مثل جزيرة البيئة القريبة من الخبر في المملكة العربية السعودية.
 
هنا لا بد وان نشير إلى أن ما دام الوضع على ما هو عليه بالرغم من التحذيرات لأكثر من جهة حول خطورة تدهور الثروة السمكية في البحرين، ولعدم اتخاذ القرارات الحاسمة المؤثرة لمعالجة هذه القضية من قبل الجهات المعنية، فأن الوضع سوف لن يتغير لأنه لن يبشر بخير على المدى القريب لهذه المسألة الحساسة.

اقرأ المزيد

الجغرافيا والصراع (3-3)

رأينا كيف تمتد خريطة الصراعات السياسية الاجتماعية في العالم الإسلامي، ورأينا كيف أن المناطقَ الجبليةَ والغابيةَ والبوادي والأريافَ تتمظهرُ بها الخروق الأمنية أكثر من غيرها بسبب الطبيعة الخاصة بها التي تجعل التمردات ممكنة وميسورة نسبيا.
لكن الصراعات واشتعالها لها سببياتٌ أخرى، وهي العجزُ العام عن قبول الديمقراطية الحديثة.
فالطبيعة ليست لها علاقة بهذا العجز، لكن الحكومات السائدة والحركات الدينية البديلة لا تقبل بالديمقراطية، مما يجعل حراك العالم الإسلامي السياسي حراك التأزم والتآكل والتحلل.
الأزمة بنيوية عميقة كما يقول علماء الاجتماع، وقد بيننا مراراً هذه الأسباب، ولكننا هنا نتتبع الجوانب العسكرية العنفية التي تنمو بشكل خطر.
ورأينا كيف أن لغات النار تنمو في تلك المناطق النائية، وتصعد حتى تتوقف على أبوابِ المدن والمناطق الثرية والسهلية، وتتسرب إليها بغرض تغيير طابع السلطات.
الإسلام دين ذو طابع عسكري خاصة في مرحلته المدنية، وقد قامت الحركاتُ الدينيةُ المحافظةُ باستثمار هذا الطابع وتوظيفه ضد المضامين النهضوية التقدمية التي طرحها الإسلام، أي استغلال الأشكال لأهدافٍ أخرى.
فغلبة الذكورية واستخدام القوة في الصراعات السياسية واقتطاع آيات من سياقاتها وتوظيفها في الصراعات، كانت من المظاهر القديمة الشائعة في أعمال العنف السياسية في التاريخ الإسلامي، لكن المستجد الآن في هذه السنوات قدرة أشكال العنف على التغلغل في المدن، منذ السبعينيات حين أطلق الرئيس السادات حراك الجماعات الدينية بشكل واسع، أو حين جندت القوى الأمريكية والعربية المحافظة جماعات الاخوان والسلفية في حرب افغانستان، وقد أتاح ذلك اختراق المدن العربية التي لم تشهد مثل هذه العمليات الإرهابية إلا بشكل نادر.
وقد طرح تصاعد عمليات العنف داخل المدن إشكاليات بناء هذه المدن نفسها على أسس غير ديمقراطية من العديد من النواحي، فراح العنف يستند إلى الفئات المهمشة؛ مثل سكان الضواحي الفقيرة، والقوى التي هي خارج الإنتاج والعمل، والمأزومين عامة. والمأزومون خامات جيدة للحراك الفوضوي، بخلاف العمال المنظمين والتجار وغيرهم.
وتتم عسكرة قوى اجتماعية من خلال استغلالِ عناصر معينة في الإسلام كما أوضحنا، كاستغلال النساء، عبر التركيز في المظاهر العبادية والملابس والخشونة، وتقريبهن من العسكرة، ومثلما يحدثُ للشباب عبر ترك مظاهر الحداثة في اللباس والعيش، مما يعني استغلال هذه الجماعات للتاريخ الإسلامي من أجل التجنيد وتنفيذ أهداف سياسية لتغيير الوضع في المدن، بسبب صعوبة التوغل العسكري فيها.
وفيما تنمو هذه العمليات تراوح الحكومات في أمكنتِها الاجتماعية والسياسية، فنجد التناقضَ الكبير على مستوى الحكومات كلها بوجودِ الصراعاتِ بينها وتفاقم التدخلات، وهي أمورٌ تؤدي إلى النزيف الأوسع، وهدر الثروات، كما حدث في حروب افغانستان الكثيرة التي سببها الأساسي تدخل الحكومات الخارجية.
أي أن الحكومات في العالم الإسلامي تقومُ بإعدادِ المسرح العام للصراعاتِ العنفية، ثم تعجزُ كلُ حكومةٍ عن تأطيرِ الصراع الوطني السلمي الديمقراطي النهضوي بين القوى الرأسمالية المهيمنة على الثروة الوطنية، أي أن هذه القوى سواء كانت رأسمالية حكومية أو رأسمالية أهلية مدنية أو دينية تتقاتل على الكراسي السياسية، التي لا تنهض من فوقها أبداً.
والثروة العامة لا تصل خيراتها إلى الجمهور العامل الذي ينتج أغلبها، مما يجعله غير مبال بتطور هذه المجتمعات.
والقوى العنفية التي تنمو من الجبال حتى المدن تعتمد على هذه التناقضات، وعلى عدم قدرة هذه القوى الحاكمة أو المعارضة في المدن على تأسيس ثقافة ديمقراطية مشتركة، وتعاون دقيق، وبناء، يقوم بتصفية المناطق العشوائية المتخلفة، وتطوير القوى المهمشة، ووقف استنزاف الميزانيات في الفساد والبذخ، ويجعل البرلمانات ساحات فعل وتغيير وليس ساحات استنزاف جديدة وصراعات تمزيقية للخرائط الوطنية.
بطبيعة الحال مثل هذا العجز الشامل في القوى السياسية الاجتماعية، لا تنسد الآفاق كليا فيه، فثمة عناصر بناء وتغيير، عناصر نفي لهذا السائد، ولكنها ضئيلة وتراكمها بطيء فيما الخرائط العامة تتآكل.

صحيفة اخبار الخليج
20 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الجغرافيا والصراع (2)

رأينا كيف أن الحروب الأهلية في البلدان الإسلامية تتضخم وتستعر في البلدان الجنوبية الصحراوية أو ذات الغابات المدارية، أو الأرياف الفقيرة، فالطبيعة القاسية تعري هشاشة الأنظمة العربية الإسلامية، فالسببية الاجتماعية الطبيعية تفضح بشكل دموي هنا، وليس معنى ذلك أن الأزمة الاجتماعية السياسية غير موجودة في البلدان الإسلامية الأخرى، بل هي موجودة ولكن هذه البلدان الطرفية الشديدة التخلف تنفجرُ بسببِ ظروفها الاجتماعية المتخلفة هذه، فقد شكلتْ الأسباب الطبيعية الشديدة القسوة، وضعا اجتماعيا انفجاريا.
الأرياف والبوادي المتصحرة والغابات هي كلها أشكال تؤدي إلى ضعف الإنسان الكبير هنا، مع غياب الموارد المهمة، وحين تظهرُ المواردُ المهمة نراها تخففُ مؤقتا من الهيمنة الكلية للطبيعة القاسية، لكن لا تلغيها.
وجودُ الإنسانِ المدني هنا محدودٌ، والأشكالُ القرابيةُ القبليةُ تلعبُ دورَ الناظم الاجتماعي السياسي، وهي أشكالٌ متخلفةٌ تكونُ في طوعِ أي زعيم متفرد سواءً زعيم عصابة أو تاجر مخدرات كبير، أو رئيس مخابرات.
الزعيمُ يستطيعُ بحكمِ الهيمنةِ القرابيةِ المعجونة بسيطرةٍ دينية، أن يربطَ القبيلةَ أو الجماعةَ بمن يريد. هنا تنتفي العقلانية والديمقراطية ويحدثُ أكثرُ أشكالِ الدكتاتورية تخلفا، وتطرح النصوص الدينية بأشكالٍ كاريكاتيرية، خاضعة لتبجحات الزعماء وأهوائهم السياسية.
ونلاحظ هنا ان المناخات السيئة الصعبة لا تستطيع أن تلتهم إرادة الإنسان المسلم أو المسيحي، إذا كانت القوى المدنيةُ متطورةً كما في إندونيسيا، حيث المدن والحداثة الاقتصادية وعمل النساء الواسع تحتلُ مكاناً كبيراً فتلغي هيمنةَ الطبيعة القاسية المطلقة.
المناخُ لا يقهرُ ولا التصحرُ بذاتهما، لكن الأشكالَ القرابية الدينية ذات الرؤى المحدودة تعرقل القبائل عن التطور التحديثي، وهذه تتسرب إلى القرى التي هي سكن للقبائل السابقة، مع ذات الأفكار الدينية المحافظة المعرقلة للتحديث الذي هو أساس السيطرة على الطبيعة القاسية.
وبعد هذه الدول الشديدة التصحر أو الغابية المدارية فإن الدول التي تأتي بعدها أقل تعرضاً لهذه الظروف الطبيعية القاهرة بسبب وجود المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة التي طورت الإنتاج لمستويات متباينة في كل بلد، ولكن المدن العربية والافريقية الإسلامية والآسيوية القريبة منها، لم تختلف عن كيان القرى القبلية من حيث وجود دول يهيمن عليها شيوخ القبائل، وتتعرض الموارد لسيطراتهم سواء كانوا قيادات حاكمة أو الأحزاب المسيطرة أو قوى الضباط الكبار.
استطاعت المدن العربية الإسلامية في الوسط الصحراوي القريب من الأنهار والمياه أن تكون مراكز للسيطرات الحكومية وليست مدناً تحديثية حقيقية، ونظراً لوجود الجيوش الممركزة هنا لا تستطيع الصراعات السياسية والاجتماعية، أن تخرج قوى عسكرية مضادة، فتلجأ لاستخدام العنف أو الإرهاب أو كل أشكال استعمال النيران.
يتوهم السكان انهم في الحضارة الحديثة لكنهم ليسوا كذلك، وما يختلف وجودهم هنا عن الأرياف والصحارى في أفغانستان وباكستان هو فقط وجود السيطرة العسكرية والبوليسية والاقتصادية المركزية القوية، لكن حرائق افغانستان المتشابهة تتسلل، والمتمردون هنا يحملون السلاح بشكل فردي أو بجماعات صغيرة، ولا توجد تضاريس تساعدهم على نشاطاتهم، فإذا اتسعت هذه التضاريس كما في اليمن والجزائر والعراق فإن حروب العصابات والقلاقل تنتشر بشكل أكبر.
وعدد البلدان الذي يدخل هذه الصراعات العنفية يتسع، ولنلاحظ كيف كانت بلدان خليجية تخلو من هذا تماماً قبل عقد، لكن اختلف الأمر الآن. وكلما كانت السيولة النقدية كبيرة كانت قادرة على حفظ التوازن المؤقت، فهي تجعل المواطنين أكثر قبولا للاستقرار وعدم اللجوء للمغامرات لكن إذا تناقصت هذه السيولة تصاعدت أعمال العنف كما في العراق ومصر، حيث تغدو المناطق الصحراوية والعشوائية مناطق لأهل العنف.
الصحارى والجبال مناطق مهمة ومراكز للجيوش المضادة للأنظمة، ولكنها كذلك تتداخل مع الأحياء الشعبية المأزومة اقتصاديا داخل المدن، فتنشأ صلاتٌ سياسيةٌ وعسكرية بين الجانبين، ويتسلل السلاح إلى قلب المدن التي كان يُفترض أنها مركز الاستقرار والأمان والجيوش.

صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

تعليـــق يجــب أن يُقــرأ

منذ ثلاثة أو أربعة أيام كتب أحد القراء معلقاً على مقالٍ للزميلة سوسن الشاعر، وأحيلكم إلى النص الكامل للتعليق المنشور على الموقع الالكتروني لجريدة «الوطن» بتاريخ 15 أغسطس الجاري، واكتفي هنا بتقديم خلاصة له، أو بالأحرى لبعض أفكاره، حيث تحدث هذا القارئ الذي يشي حديثه بأنه من منتسبي التيار الوطني الديمقراطي، فقال ما معناه:
«كنا في الماضي نقع تحت حكم قانون أمن الدولة حيث تراوحت مدد مكوثنا في السجن بين ستة شهور إلى عشر سنوات يقضيها الشباب في المعتقلات بسبب منشور سياسي محظور أو اعترافات بسبب التعذيب، وتسحب جوازات سفرنا لكوننا طلبة بسبب عضويتنا في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، أو بسبب نشاط طلابي صيفي، ونحرم من العمل في القطاع العام والخاص لسنوات ولا نحصل على سكن وغير ذلك من المضايقات وأشكال العقوبة».
لكن هذا القارىء يقول: «لا أذكر بأننا كسرنا لمبة أو أشعلنا كبريتاً، كنا نعتبر الأرض غالية والوطن عزيزا ولم نغادر وطننا إلا عنوة. وحين حقق جلالة الملك بعض مطالبنا، لم نطالب بتعويضات على سنوات التوقيف والسجون المظلمة والبطالة والنفي، وتناسينا تلك الأيام وبدأنا نقف مع المشروع الإصلاحي، لأننا حقيقة مؤمنون بالسلم الاجتماعي والتطور دون حرق المراحل، ونعي تلك القطيعة التاريخية للتطور الديمقراطي، ووقفنا مع الميثاق والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وليس لدينا ما نخفيه».
يطرح القارئ بعد ذلك أموراً تتصل ببعض صور المعارضة الراهنة، ليس هذا مقام عرضها، وربما وجبت العودة اليها في مرة قادمة، كما انه يُذكر بالمواقف المتقدمة للتيار الوطني الديمقراطي من قضايا الثقافة والفن وحقوق المرأة والحريات الشخصية، ويرى في تلك المواقف سنداً لعملية الإصلاح وبناء الدولة العصرية والمجتمع المتقدم.
ما يهمنا في هذا السياق التأكيد على ما ذهب إليه صاحب التعليق المذكور من أن المعارضة الوطنية الديمقراطية والتقدمية، في عز مراحل القمع الشديد، الذي دفع مناضلوها ضريبته الباهظة في ذلك الزمن الذي من مسؤوليتنا جميعاً العمل على ألا يعود بأي صورة من الصور، لم تنزلق نحو العنف أو التخريب أو تعطيل مصالح الناس أو الإضرار بالممتلكات، سواء كانت عامة أو عائدة لأفراد.
لقد قدمت هذه المعارضة الوطنية الديمقراطية نموذجاً راقياً في العمل السياسي المسؤول، واستطاعت أن تؤسس لتقاليد راقية في الحياة السياسية والاجتماعية في البحرين وتضع مداميك المجتمع المدني، وأن تربي أجيالاً على الوعي الوطني، وعلى روح التسامح والتفتح والتفاعل مع الجديد بقلوب وعقول منفتحة.
والى هذه المعارضة بالذات يعود الفضل في التفريق بين معارضة بعض سياسات الدولة وبين رفض الدولة كمنجز سيادي وطني يعني الجميع، ولذلك فان هذه المعارضة وقفت مع المشروع الإصلاحي بقوة وناصرت الجوانب الايجابية في سياسات الدولة، وعارضت السياسات السلبية من موقع الحرص على الإصلاح والبناء الديمقراطي ومصالح الوطن والشعب.
للأسف الشديد فان ما تعرضت له هذه المعارضة الوطنية من قمع وتهميش طوال عقود أنهك قواها، وحين انتقلت البلاد إلى مناخ الانفراج السياسي والأمني فان غيرها قد حصد ثمار التضحيات الكبيرة لمناضليها ومناصريها.
وعلى ذوي الألباب وأصحاب البصيرة أن يقارنوا بين الأمور ليدركوا الفرق.

صحيفة الايام
19 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

لعنة وزارة الإعلام


في أقل من 7 سنوات تعاقب على وزارة الإعلام أربع وكلاء وزارة بالصلاة على النبي، و8 رؤساء لهيئة الإذاعة والتلفزيون.. و5 وزراء بالتمام والكمال !! ولتستوعبوا الصورة قارنوها مثلاً بفترة ولاية د.مجيد العلوي لوزارة العمل والممتدة لـ8 سنوات وليومنا هذا. ومثلهُ وزير التربية د.ماجد النعيمي الذي صمد متخطياً خمس تعديلات وزاريه.. ويليهم الشيخ أحمد بن محمد الذي سيتم عامه السابع كوزير للمالية، واللهم لا حسد بالطبع، ولا ضرر ولا ضرار، وعيننا باردة عليهم أجمعين ..!!
 
المفارقة لا تقفُ عند استئثار وزارة الإعلام بلقب “أكثر وزارات الدولة تدويراً” فحسب.. بل في حقيقة أن وزراءها ، وبعيد مغادرتهم للوزارة، لا تُوكل لهم حقائب وزارية جديدة خلافاً لكثيرً من أقرانهم ! ومما يُثبت وصف اللعنة ؛ أن اثنان من وزراء الإعلام المتعاقبين عاصروا إلغاء حقائب وزارية برمتها.. فـد.محمد عبد الغفار كان وزيراً لوزارتي الشئون الخارجية ووزارة الإعلام وألغيت في عهده حقيبة الشئون الخارجية بأكملها وظل محتفظاً بحقيبة الإعلام وحدها حتى ذهبت لخلفه بوكمال. أما الشيخة مي بنت محمد فقد تسلمت وزارة الإعلام والثقافة وشهدت تشطيرها وإلغاء حقيبة وزارة الإعلام التي دُفن اسمها رسميا، ولو أن الكثيرون يرون في تعيين الشيخ فواز آل خليفة رئيساً “لهيئة شئون الإعلام بدرجة وزير” هو التفاف غير مفهوم على مسمى وزير الإعلام..!!
 
والحق أن تحويل إدارة الثقافة لوزارة وإناطتها بالشيخة مي كان قراراً حكيماً تأخر طويلاً.. فالشيخة مي طاقة فذة ومحرك عبقري لعجلة الثقافة ولكن مسئوليتي الإعلام والسياحة كانتا ” أوسع” من قدراتها بكثير. ولطالما قلت، وأنا أسألُ عن تقييمي لأدائها كوزيرة إعلام أنها ظُلمت وظَلمت.. ظُلمت لما سُلمت مسئولية لا خلاق لها بها أشغلتها عن شغفها ونداءها الحقيقي في الحياة. وظًلمت لأنها تصرفت وكأنها خُلقت لهذا المنصب !!
 
***
فما هو سر لعنة وزارة الإعلام يا ترى؟
 
أولاً أنها لطالما عُهد بها لغير أهلها، فعدا نبيل الحمر الذي جاء من محراب صاحبة الجلالة، أوكلت المهمة لتجار وباحثين وأكاديميين ورياضيين مؤخرا !! وشخصيا لم أسمع يوما بمقاول عُين وزيراً للصحة أو فناناً سُلم حقيبة التربية.. ولكن النظرة المرتبكة للإعلام كتخصص دقيق، هو اليوم من أهم الصناعات في العالم ، لم تتبلور بعد على ما يبدو. وتبعات ذلك تُرى في الوزارة بشكل صارخ: فهناك رئيس برامج بكادر مخرج.. وسكرتارية يعملون كرؤساء مكتبة تلفزيون..وفني الصوت يعمل كمصور.. والمونتير يعمل كمخرج..ومنسقو برامج بكادر تصوير و ” فجج عاد ” !!
 
إلى ذلك فكل من دخلوا الوزارة تقريبا أداروها بعقلية الرقيب التي انتهت صلاحيتها منذ عشرين عاما، الرقيب الذي يمسك بخناق التلفزيون ويدسّ كوعه في خاصرة الصحافة. لذا نهضت كل تلفزيونات المنطقة وأصبحت تُشاهد بإمتداد الوطن العربي فيما ظل تلفزيوننا محلياً يترنح مخموراً بعنجهيته وقصور رؤيته للمنافسة وأدواتها. مؤخراً فقط شرعت شاشتنا بمحاكاة الفضائيات التجارية وتعاقدت مع ” خبراء عالميين” وضُخت أموال طائلة صار تلفزيوننا الوطني بفضلها أشبه بالغراب الذي قلد مشية الحمامة، فلا هو بقى غراباً.. ولا هو صار حمامة.. !!
 
فما فائدة تغيير الديكورات والأزياء إن كانت القضايا المطروحة هي ذاتها.. بالزاوية الأحادية ذاتها..!! ما جدوى التقليد المتصنع للآخرين إن كانت وجوه الضيوف وأطروحاتهم تتكرر بشكل مثير للضجر..!! إننا غير قادرين على منافسة الفضائيات في ضخامة إنتاجها وبريقه. ولكننا نستطيع خطف عين المشاهد المحلي بطرح قضاياه والتقاطع مع همومه. وليسأل المعنيين أنفسهم كيف استطاعت قنوات خليجية تبث من شقق ” كقناة العدالة الكويتية” أن تستقطب مشاهدين حول الخليج لا تعنيهم جُل القضايا المطروحة فيها لازال تلفزيوننا – رغم توالي عمليات السمكرة – عاجزاً عن استقطاب أبناء الوطن أنفسهم !!
 
أننا شعب مثقف، شبّ على الطوق والتنظير وأسلوب ” با بي بو بطة ” ونريد إعلاماً يواكب أفكارنا وثقافتنا ويعكس ذائقتنا وهواجسنا وتماوجات مجتمعنا ويفند أسألتنا بجدية.. ونحن نملك الطاقات ، حتى ضمن الجهاز القائم، ولكن المحسوبيات والحسابات واشتباكات المصالح، جعلت البقاء والدعم يتوجه -لا للأفضل- بل للأكثر قرباً ونفوذا !!
 
ولا نعرف لأي مدى نستطيع أن نراهن على ما سينجزه الشيخ فواز، كوزير للإعلام بمسمى رئيس هيئة، من تغيير. ولكننا سنشبك أصابعنا ونتمنى..نتمنى أن يتلافى أخطاء سابقيه الذين تكبروا على الإعلاميين ودخلوا مهنة شائكة كالإعلام بخيلاء لم تنفعهم ولم تنفعنا.!!
 ونتمنى عليه – أيضاً- أن يتجاوز أخطاءه – هو- كمسئول عن قطاع الرياضة طيلة 10 سنوات. فلا يُقرب خاصته، ولا يُوزع المواقع بناء على علاقات شخصية ولا يكسرُ شوكة المتخصصين والموهوبين بزرع أناس في غير مواقعهم مُعلياً تقسيمات وحسابات لا ينهض معها عمل جاد فما بالكم بعمل إبداعي قائم على الخّلق والابتكار.. ونوصيه خيراً بالكفاءات البحرينية: الله الله بالمغبونين والمضطهدين من الطاقات البحرينية التي تبحث عن من يفجرها..
 
نتمنى للشيخ فواز التوفيق كما تمنيناه لسالفيه، ونأمل أن لا يخذلنا كما خذلنا.. سالفيه !! 
  
  
  حرر في 18- أغسطس- 2010
 
 

اقرأ المزيد

هل بمقدور أوباما اجتثاث العنصرية في بلاده؟ (2-2)

خلصنا يوم أمس في ضوء تحليلنا لجذور النزعات العنصرية ضد الامريكيين السود من أصل افريقي في المجتمع والدولة داخل الولايات المتحدة إلى التساؤل عما إذا يملك الرئيس الامريكي ذو الاصل الافريقي ارادة حقيقية ورغبة جادة في ان يقطع شوطا أكبر من اجتثاث السياسات والممارسات العنصرية ازاء المواطنين السود ويقف بذلك على الضد من توجهات المؤسسة الطبقية البيضاء الحاكمة التي أوصلته الى سدة الحكم في البيت الابيض ويدين لها بهذا الوصول؟
في الواقع ان الرئيس أوباما نفسه يعي جيداً محدودية قدراته في احداث هذا التغيير ولا تعتريه أي أوهام بخلاف ذلك، ففي كثير من المواقف لم يتردد في القول “انه من السذاجة ان يتخيل احد ان انتخاب اول رئيس امريكي من اصول افريقية يكفي لجعل البلاد فردوس الانسجام العرقي”.
لكن هذا التوضيح لتبرير استمرار الممارسات العنصرية ينطوي على قدر من التهرب عن مواجهة الاستحقاق في مواجهة السياسات والممارسات العنصرية في المجتمع والدولة فما لا يدرك جله لا يترك كله، فأوباما يعلم جيداً ان لا أحد من سواد الشعب الامريكي الذي يمقت العنصرية بين مكوناته يطالبه بأن يقوم بقفزة جذرية لتحويل المجتمع الامريكي بزاوية 180 درجة بين عشية وضحاها الى فردوس من الانسجام العرقي على حد تعبيره، لكن بامكانه لو تملك شيئاً من الشجاعة وعدم التردد ان يحقق انجازاً افضل من اسلافه في وضع حد للممارسات العنصرية، فلا يعقل ان تكون انجازات بعض اسلافه من الرؤساء البيض في هذا المجال أفضل منه وهو الرئيس الاسود الذي يفترض الاكثر وعياً واختباراً ومعاناة في الممارسات العنصرية.
ولنتذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ان اعلان تحرير العبيد الذي يمنح الحرية للعبيد في المناطق الخاضعة لسلطة الاتحاد الفيدرالي جرى على يد الرئيس الابيض ابراهام لنكولن عام 1862م، وان توقيع قانون الحقوق المدنية الذي يحظر التمييز في الاماكن العامة على أساس العنصر او اللون جرى على يد الرئيس جونسون عام 1964م.
ومع ان الخطوات التي تم احرازها على أيدي عدد من الرؤساء البيض لاجتثاث وتطهير النزعات العنصرية من المجتمع الامريكي انما يعود الفضل الأساسي فيها لنضالات السود وكفاحهم من أجل المساواة التامة في المواطنة مع مواطنيهم البيض وبمشاركة سائر الديمقراطيين البيض الا ان تصديق هؤلاء الرؤساء وتسهيلهم تمرير الخطوات المتحققة رسميا يحسبان لهم ويعدان علامة من العلامات المضيئة في عهودهم، وهذا ما يتعشم كل السود والقوى الديمقراطية في اول رئيس اسود تحقيقه اذا ما تحلى بقليل من الارادة والتصميم الجاد على تحقيق تطلعات مواطنيه السود وسائر المواطنين الديمقراطيين من مختلف الفئات والعرقيات.
لكن للأسف فإن أي تقييم موضوعي لأداء ومواقف الرئيس اوباما في هذا الملف بعد مرور اكثر من عام ونصف العام على توليه الحكم لا يصب في صالحه وذلك بالنظر الى ما يطغى على سياساته ومواقفه من تذبذب وتردد يعكسان ضعف شخصيته القيادية، وهو الضعف الذي يحاول أوباما تجميله بالعبارات المعسولة الطنانة وبخطاباته المفوهة البليغة ذات الشعارات الرنانة الخاوية المضمون.
وقد تجلى هذا الفشل في مواقف عديدة منذ تسلمه السلطة في البيت الابيض، ومن ذلك ما حدث خلال شهر يوليو الماضي على اثر قيام وزير الزراعة توم فيلساك بفصل موظفة سوداء تدعى شيرلي شيرود صرحت بأنها كانت تتعمد عدم صرف تعويضات مستحقة لعائلة بيضاء انتقاما لتجارة الرقيق واضطهاد السود لكنها سرعان ما تداركت خطأها لاحقاً ولم تعد تفرق بين البيض والسود، لكن وسائل الاعلام اليمينية استغلت تصريحها لتبرز ما اكدته عن نياتها الانتقامية واخفت ما ذكرته عن تراجعها عن هذه السياسة، وتبين ان اوباما انطلت عليه الاكذوبة الاعلامية اليمينية البيضاء فحض وزير الزراعة على فصلها ثم اعتذر إليها بعدما ادرك تشويه تصريحها وطلب إلى وزيره الاعتذار إليها أيضاً.
اما الموقف الآخر الذي يعكس زئبقية وتذبذب اوباما من اتخاذ مواقف حازمة ازاء الممارسات العنصرية تجاه مواطنيه من بني عرقه الاسود فقد تجلى خلال العام الماضي بعد شهور قليلة من وصوله الى البيت الابيض عندما اكتفى في رد فعله على اعتقال شرطة كامبريدج بولاية ماساتشوستس صديقه الاسود الاستاذ الجامعي هنري لويس تحت دوافع عنصرية “ان الشرطة تصرفت بغباء”، هذا بخلاف مواقف اخرى عديدة شبيهة.
وبسبب هذه المواقف غير الحازمة او الخجول التي ابداها الرئيس اوباما ازاء الممارسات العنصرية تجاه بني عرقه لم يتوان العديد من رموز السود وممثليهم عن اتهامه بأنه يتودد للبيض ليضمن ترشيحه إلى ولاية ثانية قادمة ليضمن حصوله على اصواتهم.
والحال ان هوية المرء العرقية لم تكن ولن تكون بأي حال من الاحوال كافية في حد ذاتها لتحصينه ضد نزواته ومصالحه السياسية والطبقية فلطالما خان ابناء الاعراق حقوق ومصالح اعراقهم وابناء القوميات قومياتهم وابناء الطبقات طبقاتهم تحت تأثير إغراء المال أو الجاه أو السلطة.

صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الجغرافيا والصراع (1)

في البلدان الإسلامية الشديدة التخلف مثل افغانستان والصومال وباكستان والسودان يغدو انتحار الاقطاعين السياسي والديني شيئاً مرئياً، بعدمِ وجودِ منقذ داخلي، نظراً لاستخدامِ العنفِ المسلح بين الطرفين أو الأطراف، لأن الإقطاعين يغدوان مجموعاتٍ من المتزعمين والمتحكمين بحكمِ الدين المطلق وبحكمِ السياسةِ الحكوميةِ الوحيدة الأبدية.
يكرسُ هذا الجانبَ تخلفُ هذه البلدان وصيرورتها أريافاً وبوادي مُفقرةً مهمشةً لا تجد سوى أن تدمرَ الأعداءَ المفترضين الحقيقيين أو الموهومين.
كما يكرسُ ذانك التلاعبُ السياسي الوطني والتدخلات الأجنبية، التي لها مساراتٌ وأجندةٌ كثيرةٌ مرتبطةٌ بصراعاتٍ دوليةٍ متباينة في كل حقبة.
إن في تركزِ الصراعاتِ الضاريةِ الدموية في الشريط الجنوبي للعالم الإسلامي، الذي اتسع حتى جنوب الجزائر والمغرب وموريتانيا، هو بسبب ان هذه البلدان فقيرة بلا ثروات وهي قريبة من الشظف الصحراوي الشامل.
إن البوادي دائماً هي مراكزُ للقلاقل خاصة حين تتدهور المراعي والمحاصيل الزراعية وتنضبُ اقتصادياتُ الرعي والزراعة، ولهذا فإن هذه البلدان نظراً لذلك تعتمدُ على القبائل وصراعاتها ولا يوجد صراعٌ ديني أو سياسي حقيقي، فهي قبائل تتصارع ثم تلبسُ أقنعةً دينيةً ومذهبية ووطنية، فهي كما كانت قديماً تريد إزاحة قبائل وتريد أن تكون مكانها، مثل صراعات قبائل البشتون والأوزبك، مثل صراع مسيحيي الجنوب مع مسلمي الشمال السوداني المذهبيين الشموليين الخ. فهو دائماً صراع الكراسي وتمزيق الخرائط السياسية.
من الناحية العالمية تعرضتْ المناطق الرعوية والزراعية لسحقٍ عالمي، من قبل الدولِ الرأسماليةِ الصناعية الكبرى، بتدهورِ السلع الزراعية وبارتفاعِ قيم السلع الصناعية وخاصة الاستهلاكية منها، ولم تجدْ الأريافُ والبوادي الإسلامية الجنوبية حكوماتٍ وقوى المال الكبيرة على مستوى المسئولية لتطوير هذه المناطق، لكونها مشغولةً بالاستثمارات الغربية نفسها والاستفادة منها.
طرفان وجدا نفسيهما على طرفي نقيض، على شفا حفرةٍ من النار، أحدهما يرتفعُ ويستثمر ويزدادُ غناه، وآخر يبيعُ أشياءهُ ويعرضُ أولادَهُ للعمل فلا يجدون ويخفي بناته عن المزالق، فلا يقدر، ويجد في مخاض الأزمة المستفحلة المنشقين والإرهابيين ومدعي الحلول الرافعين للكتاب المقدس، فيتحمس في عنفوان اليأس والمذلة والفقر، ويتم الدعوة للهيمنة على البلد ككل والهجوم على العاصمة أو تدميرها أو استبدالها ولا تقدم الحكومات من جهة أخرى إصلاحات حقيقية.
الجانبان الحكومي المنتفع والبدوي المدقع، وكلاهما إسلامي يجدان أنفسهما في حربٍ ضروس، تؤدي إلى زيادة الديون والفقر والتبعية والمذلة لبلدهما المشترك.
بل ربما لتدخل القوات الأجنبية والأساطيل والاستخبارات.
بلغت أحجام الخسائر في جنوب الصحراء الافريقية والصومال وباكستان وافغانستان أحجام تنمية بلدان كبيرة.
هذا المسلسل يبدأ في الصعود من الجنوب قليلاً قليلاً للشمال: وجود المناطق الريفية والجبلية التي يمكن فيها التمرد المسلح تعتمد على التضاريس، وكلما اتجهنا شمالاً قلت التضاريسُ الجبلية وغدت الأراضي مستويةً حتى عادت للجبال في أقصى الشمال الآسيوي العربي الكردي، ولهذا فإن الأزمات تأخذ لها طابعاً مختلفاً في هذا الاستواء.
في الوسط ليس الأمر مثل الجنوب المدقع، ثمة مدن، وثمة حياة مستقرة وقوى اجتماعية ذات معيشة جيدة، هنا لا ينفع العنف، ولا تفيد الدعاوى بحرب عصابات وسيارات مفخخة، في الجزائر مثلاً نجد الوسطية المرعبة، الجبال والأرياف المدمرة معيشياً والمدن الخليلة لفرنسا، صحارى وجبال كانت مرتعاً تاريخياً للخوارج، وللتطرفِ الدموي لجبهة التحرير الجزائرية، فتغدو خلايا مناسبة للإرهابيين. تاريخٌ مشتركٌ من الطبيعةِ المتطرفةِ ومن الطبيعة البشرية المتطرفة.
الطبيعةُ تعطي أسلحةً جاهزة للإقطاعِ المنفصلِ الذي تختلط فيه العصابات بالتمردات، ويؤدي أي سلاح إلى ظهور جبهة للحرية المزعومة والانفصال، وتستمر الأزمات طويلاً لأن حكومات المدن التي تأتي فيما وراء الجبال والأرياف والبوادي عاجزة عن تجاوزِ عصر الإقطاع بشكل جوهري وليس بشكل إصلاحي زائف أو عبر هجوم عسكري مضاد. السلاح يثبت هنا أن هذه المجتمعات لا تعيش العصر الحديث بشكل حقيقي، والهشاشة الطبيعية تسمح بتعرية ذلك بقسوة شديدة.
الأزمة في العالم الإسلامي أكبر من جميع الأطراف والحلول التبسيطية المُقَدمة.

صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

غازي القصيبي

لن يكون تعسفاً وصف غازي القصيبي، الشاعر والأديب والدبلوماسي والوزير، بأنه بحريني بمقدار ما كان سعودياً. انه شخصية اشتبكت فيها الملامح بين ما هو بحريني وما هو سعودي، وليس عبثاً أن الدارسين للمشهد الشعري البحريني بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي أدرجوا اسم غازي القصيبي بصفته أحد الأصوات في الحركة الشعرية البحرينية، كون موهبته بدأت في الإفصاح عن نفسها فترة فتوة وشباب الشاعر التي قضاها في البحرين تلميذاً في مدارسها، معايشاً لحالة الحداثة، في معناها الاجتماعي والثقافي الشامل، التي شهدتها البحرين يومذاك.
حين اتجه غازي القصيبي إلى كتابة الرواية بدءاً من تجربته الأولى في: «شقة الحرية» فان البحرين كانت حاضرة من خلال شخوص الرواية، بمن فيهم الراوي نفسه، الذين كانوا مجموعة من الشبان البحرينيين يتركون المنامة للتو متوجهين للدراسة في القاهرة الناصرية، يومها، حيث الحركة الطلابية التي كانت تعج بالتيارات السياسية والحزبية.
«شقة الحرية» بهذا المعنى كانت تتناول حقبة من التاريخ السياسي العربي المعاصر، بكل ما له وعليه، من نجاحات واخفاقات، وهي بالتالي قدمت غازي القصيبي الأديب الذي تخطى في اهتماماته الشأن المحلي أو الخليجي، إلى الإطار العربي الأشمل.
تتالت أعمال غازي الروائية، إضافة بالطبع إلى كتابته الراقية للمقال الصحافي بلغة عرفت بجزالتها وخفة ظلها، تنم عن ثقافة واطلاع واسعين، وهذه ميزة جيل ينتمي إليه القصيبي، وكان هو أحد تجلياته البارزة، في إمساكه بجناحي الثقافة العربية والأجنبية، وكان لهذا التأسيس الثقافي المتين دوره في مجمل الانتاج الأدبي للقصيبي، الذي يمكن أن نعده واحداً من أكثر محبي المتنبي وحفاظ شعره والممسكين بجواهره التي لا تبلى مع مرور الزمن إنما تزداد تألقاً، وما يقال عن اطلاعه على المتنبي يمكن أن يقال عن اطلاعه على الشعر الكلاسيكي العربي عامة.
موهبة القصيبي الأدبية ظلت تفصح عن نفسها رغم انشغالاته الأخرى، الدبلوماسية والوظيفية، كونه تقلد أكثرمن حقيبة وزارية في بلاده، هو الذي عرف بمهاراته الإدارية المشهود لها، والتي تجلت بالمناسبة في بعض كتاباته عن الإدارة.
يبقى أن غازي القصيبي صوتاً جريئاً للحداثة والتقدم، مقاوماً للتزمت والتحجر ورافضاً لمناخ التغريب عن العصر، وهو ما أدخله في معارك حامية الوطيس مع القوى المحافظة التي تريد أن تكبح المسار الموضوعي نحو التقدم الذي يشق طريقه رغم كل الكوابح التي تحاول إعاقته، ولكن مآل الأمور يؤكد أن الجديد ينتصر في نهاية المطاف.
حسناً فعلت الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية حين سمحت بتداول مؤلفات القصيبي، ورغم أن هذه الخطوة جاءت متأخرة، ألا أنها صححت وضعاً خاطئاً لا يصح أن يستمر، فرجال مبدعون من وزن غازي القصيبي هم ثروة للوطن يتباهى بهم أمام العالم، وهم ملك للحاضر مثلما هم ملك للمستقبل وأجياله، التي سترى في كتبه شاهداً على زمن من التحولات، كان على قوى الحداثة، من مواقعها المختلفة، في الثقافة وفي الجهاز الإداري وفي الأوساط الأكاديمية وفي المجتمع عامة، أن تخوض معركة المستقبل، مفعمة بالثقة في مقدرتها على أن تكسبها في نهاية المطاف.
 
صحيفة الايام
18 اغسطس 2010

اقرأ المزيد