المنشور

شيء من الهدوء.. مزيد من الحكمة!

ذلك أفضل ما يمكن أن نقوله أو نكتبه أو نتمنى أن تكون عليه أوضاع بلادنا وهي تمر منذ أسابيع قليلة بفترة حرجة من تاريخها السياسي، وفي ظل مؤشرات تصعيد لا تخلو أبدا من توقع لسيناريوهات ربما تكون وخيمة إن استمر الوضع على ما هو عليه من توتر واضطراب لا سمح الله، ولنتذكر بأن ما يدور من أحداث أمنية يحدث في شهر التسامح والتراحم، فيما أعمدة الدخان والحرائق وظلمة الشوارع والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة في مختلف القرى والمدن مستمرة وسط جو يذكرنا جميعا بفترة سوداء لا نريدها أن تعود مجددا بكل تأكيد!
منذ أكثر من عام ونصف، تحديدا مطلع العام الماضي، قمنا نحن في المنبر الديمقراطي التقدمي بتقديم مبادرة الحوار الوطني التي لاقت صدى واسعا وايجابيا لدى الشارع البحريني بكل فئاته، وذلك على خلفية توقيف بعض الناشطين آنذاك، تضمنت سلة مبادئ تلتزم بها القوى السياسية والاجتماعية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، يتوجب على القوى السياسية والاجتماعية من خلالها مزيدا من احترام النظام السياسي الذي توافق عليه شعب البحرين في ميثاق العمل الوطني، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها، بالإضافة إلى نبذ كافة مظاهر العنف من حرق وتفجيرات واعتداءات على رجال الأمن، والتأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له، على أن يترافق ذلك مع استمرار المطالبة بتطوير تلك القواعد والأطر ومزيد من الحريات لترتقي للمعايير الدولية، وأخيرا وقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين على أساس انتمائهم المذهبي، وتجريم كافة أشكال التسعير المذهبي والطائفي من أي جهة جاءت ومعاقبة من يروج لتلك الخطابات.
وقمنا في شرح مسببات دعوتنا وتصدينا بموضوعية لمن تهكموا على تلك المبادرة الخيَرة أو رأوا عدم أهميتها، حيث لا مشاكل في البحرين حسب قولهم، وبالتالي لا توجد موجبات للحوار حولها أصلا، في حين وصمها البعض بأنها دعوة بائسة، فيما قام الآخرون بوصمنا بالحكوميين، ومازالت شرذمة من هؤلاء مستمرة في محاولاتها لتسقيطنا بذات العقلية المراهقة المتهافتة اللاهثة حتى وإن بلغت سن الشيخوخة وزمن الأفول، ولكن لا بأس فهذا هو قدرنا!!
حينذاك أوضح الدكتور حسن مدن أميننا العام توجهنا الذي مازال قائما وسيظل، طالما بقيت تلك الحالة ملازمة لبلادنا، دون أن نخرج منها حتى الآن، حيث قال فيما قال «نحن نريد الحوار لكي نبلغ اليوم الذي نفتح فيه صحفنا اليومية، فلا نجد صورة لحافلة أو سيارة أتت عليها النيران، ونريد الحوار لكي لا نرى صورة حاويات عند مداخل القرى وهي تشتعل، ونريد الحوار لكي لا نسمع أو نقرأ عن اعتصام غير مرخص فرقته الشرطة بالقوة، أو عن اعتصام مرخص تحول في نهايته إلى مسيرة غير مرخصة، جوبهت بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي. نريد الحوار لكي لا نقرأ أخباراً عن القبض على مشاركين في أنشطة غير مرخصة، ولكي لا نقرأ تقارير عن سوء معاملة الموقوفين، ونريد حواراً لكي لا تصدر تقارير تقول إن مكانة البحرين في سجل حقوق الإنسان نزلت درجة أو درجات، لأننا نريد لهذا الوطن أن يتقدم دائماً».
ونريد الحوار الوطني الشامل لكي لا يقف إمام جامع من هذه الطائفة أو تلك ليقول في خطبة الجمعة ما يُفهم منه انه إساءة للطائفة الأخرى. ونريد الحوار الوطني لكي نتفق، في المجتمع والدولة، على أن يكون خطابنا السياسي رشيداً وعقلانياً، يفرق بين نقدنا لأداء الحكومة في أي مجال من المجالات، وبين حرصنا على حفظ مهابة الدولة ومحورية دورها في حياة المجتمع وأبنائه».
نعيد التذكير بكل ذلك لأننا مازلنا نراهن على مزيد من النضج والرشد في التعاطي مع الشأن السياسي، ومن قبل الجميع، كما نحتاج إلى بعد النظر والتعاطي بمسؤولية مع كل ما يجري، ولأننا نستطيع أن نقرأ تبعات ما يدور وانعطافاته المحتملة الخطيرة، وقبل أن يمنعنا انفلات الأقلام والتصريحات الطائشة والتخندق الطائفي والمواجهات من العودة إلى لغة العقل والمنطق والحوار حول كل قضايا الوطن، وبعيدا عن دعوات الفرقة وتأجيج حالة الاستنفار في كل اتجاه، وفي ذلك نعول على اعتبارات عدة يأتي في مقدمتها حكمة جلالة ملك البلاد حفظه الله الذي عودنا إلى جانب ما يمتلكه من حزم وروية، فهو خير من يستطيع أن يضع الأمور في نصابها ويعيد للبحرين فرحها المصادر ووئامها المفتقد عبر مبادرات ليست بغريبة على جلالته، كما نعول على خطاب رشيد وحكمة مبتغاة نتلمسها لدى بعض كياناتنا المعارضة، عليها أن تفصح عنها بوضوح وبصور شتى عبر خطاب مسؤول وانحياز وطني يبتعد عن تأطير ما يجري في إطارات مذهبية أو طائفية أو قبلية، فهذا الوطن بات يحتاج إلى مزيد من الهدوء والاستقرار وكثير من الحكمة والحب والانصهار بين مختلف مكوناته دون الاستسلام إلى نفير مصطنع أو تأجيج لا يحتمل!!

صحيفة الايام
25 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

معنى فقدان القصيبي (2-3)

لولا ثقافته الرفيعة المعمقة والمستنيرة واسلوب تعامله مع الناس على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم بلباقة، وهو ما يعرف بالانجليزية بـ “الجنتلمان” سواء في عمله الاداري الرسمي ام في الوسط الدبلوماسي ام في الوسط الثقافي لما حظي القصيبي بهذا الرصيد من الشعبية والسمعة الطيبة لدى مختلف الاوساط الرسمية والشعبية والثقافية على السواء، فان تجمع شخصية رسمية برتبة وزير تمثل دولة عربية خليجية لطالما صوب المعارضون العرب على اختلاف مشاربهم الفكرية سهام النقد الى سياساتها نقول ان تجمع مثل هذه الشخصية اعجاب واحترام الاوساط الرسمية في البلدان العربية فضلا عن قيادة بلاده من جهة واعجاب واحترام شريحة واسعة من المثقفين والساسة في الوقت ذاته فذلك يُعد من الامور غير المألوفة والنادرة في عالمنا العربي. ولعل هذا سر تمسك قيادة بلاده السياسية به وثقتها الوثيقة فيه فهو بهذه الخصال والمناقب في الثقافة والخبرة والكفاءة ومقومات الشخصية الناجعة خير من يمثل بلاده سواء في الوسط الاداري التنفيذي كوزير، ام في الوسط الدبلوماسي كسفير، أم في الوسط الثقافي كمثقف كبير وكمبدع.
أفادني مصدر موثوق انه قبل نحو عام او عامين ان عرض القصيبي استقالته امام عاهل البلاد متذرعا بكبر سنه لكن الاخير رفضها بلباقة معلقا على ذلك بالقول: لست وحدك في ذلك وعطاؤك مازال بخير والله يعطيك العافية وطول العمر.
على ان ما يجسده القصيبي من نموذج فذ في الجمع بين الشخصية الادارية الرسمية والشخصية المثقفة شبه المعارضة للأوضاع أو الحالات الثقافية والاجتماعية القائمة في بلاده التي تعكس درجة التطور الاجتماعي التي تمر بها في مرحلتها التاريخية الراهنة انما يذكرنا بنموذج المثقف الذي يخوض معركة على طريقته المستقلة وبأسلوبه العقلاني المعتدل لتجسير ما يعرف بالفجوة بين المثقفين والسلطة، وهي النظرية التي اطلقها الباحث الاجتماعي سعد الدين ابراهيم في الثمانينيات من القرن الماضي وصدر له كتاب بهذا الاسم تقريبا، واثار في حينه عاصفة من الاحتجاجات في اوساط المثقفين العرب المعارضين لحكوماتهم العربية.
بيد ان تجربة المثقف القصيبي ونجاحاته داخل الادارة وفي الساحة الثقافية بما في ذلك تصديه الشجاع لما اسمته “الشرق الاوسط” السعودية بـ “خفافيش الظلام وأبواق التطرف” ومواجهته للحملة المسمومة التي وصفته بـ “التغريبي، الكافر، العلماني، المنافق” بسلاح الكلمة والقلم ودحض الحجة الدينية المضللة والقصيرة النظر بالحجة الدينية المفحمة البعيدة النظر، كل ذلك يجعل منه نموذجا للمثقف والاداري الكفؤ السعودي الذي تمكن من ان يجسد صحة نظرية المفكر سعد الدين ابراهيم في تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة ان لم يكن على نحو مطلق في مختلف الظروف فعلى الاقل في ظروف معينة أو بهذا القدر او ذاك تبعا للظروف السياسية لكل دولة، وهذا ما سنتركه الآن لنتناوله بشيء من التفصيل غدا بإذن الله.
اما في مجال كفاءته في قيادة العمل المؤسسي التنفيذي الرسمي فقد عرف القصيبي بزياراته الفجائية الى ميادين العمل التي تخضع تحت سلطاته في سياق الرقابة الادارية. وقبل نحو عامين اتذكر أنني كتبت في هذا المكان عما يبتكره من وسائل وأساليب للتغلب على بعض المشاكل التي تواجه الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل الوزارة التي يديرها ومن ذلك حينما اثبتت الدراسات ان شريحة من الشباب السعودي تحجم عن الاقبال على بعض الوظائف والاعمال المتوافرة كأعمال المطاعم مما يضخم من نسبة العاطلين فما كان منه الا ان قام بنفسه في مبادرة فريدة من نوعها بين نظرائه وزراء العمل الخليجيين بارتداء زي مقدمي الوجبات في احد مطاعم الوجبات السريعة، وقام بتقديمها للزبائن الشباب المذهولين بمبادرته وذلك بهدف لفت انظار الشباب العاطلين عن العمل وحفزهم إلى الاقبال على هذه الوظائف وعدم الترفع عليها.
وكما نعلم فان كل دول الخليج من دون استثناء، وبضمنها البحرين، تعاني هذه الظاهرة المؤسفة لا السعودية فحسب، بغض النظر عن نسبها في كل دولة.
وسئل القصيبي في حوار صحفي: أي الوظائف الاقرب الى نفسك: الوزارة ام السفارة؟ الكهرباء والصحة أم المياه والعمل؟ فأجاب بصراحته المعهودة: “صدقني لا توجد وظيفة قريبة الى القلب، صدقني كل وظيفة تعني صحوا مبكرا ونوما متأخرا ومواعيد مزعجة وزوارا ثقلاء ومصالح ترتدي ثوب النزاهة واوراقا مبعثرة وطعنات من كل اتجاه، لا استثني من ذلك أي وظيفة مررت بها او مرت بي. القريب من القلب هو الشعور انك استطعت رغم هذا كله، لا بسبب هذا كله، ان ترسم ابتسامة على وجه، ان تخفف من معاناة انسان، ان تجعل الحياة اخف وطأة على مخلوق، هذا وحده ما يبقى، والباقي قبض الريح”.
وعلى الرغم من انتماء الدكتور غازي اجتماعيا الى فئة رجال الاعمال الميسورين فإن ضميره المهني والانساني حينما تقلد آخر منصب شغله وزيرا للعمل لم يسمح له بأن ينحاز ضد الطرف الاضعف في العلاقة بين اطراف الانتاج الثلاثة الا هم العمال، وحينما سئل عن كيف خاض معركة توطين الوظائف ضد اصحاب العمل، اجاب بأنها معركة لابد منها لتوفير لقمة العيش وحق العمل للشباب: “كان بوسعي توقع ردود الفعل من كل من تضررت مصالحه… ويبدو انه من قدري ان اضر بمصالح البعض في كل عمل اتولاه”.
وبكل المقاييس فإن ما حققه القصيبي للعمال والعاطلين في بلاده كوزير عمل افضل مما حققه وزراء عمل عديدون في وطننا العربي ينتمون عائليا واجتماعيا الى الطبقات الشعبية السفلى. وكان القصيبي رحمه الله يكره الردح الاعلامي كوزير في التعامل مع وسائل الإعلام لمجرد لفت أنظار الجمهور، وغالبا ما يلتزم الهدوء في التعامل مع من يختلف معه (الشرق الاوسط 16/8/2010).

صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الإقطاعُ الفلسطيني تابعُ التابعين (2)

لقد نشأتْ بذرةُ الدولةِ الفلسطينيةِ من هيمنةٍ فردية، وفي أجواء بخور الفلاحين الديني المُنتزعين من الأرض، والذين شلت إراداتهم النضالية المطلبية وتناثروا في الملاجئ، وحملوا سذاجاتهم وغضبهم معهم وعبدوا الجملةَ الثورية باعتبارها المنقذ مثل الإله، وبحثوا عن البطلِ الفرد الطائر وراءَ الإسراء والفتوح القدسية، فجاءهم البطلُ وهو يركبُ حصانَ الفسادِ البترولي العربي ودكتاتورياتِ المشرقِ والمغرب العربيين، الباحثين عن زكاةٍ حلالٍ من خلالِ الدمِ الفلسطيني لكلِ السرقاتِ التي يقومون بها، ولكلِ الانقلابات التي يدوسون بها على الشعوب.
حين كان الفلسطينيون يقومون بعملِهم السياسي الفوضوي ويفتقدون الديمقراطية والوعي العلماني التحديثي كانوا يخسرون على الجانبين العربي والإسرائيلي، فالعربُ ينسحبون من تأييدهم نظراً لتأييدِهم دكتاتوريات الأنظمة التي تبطشُ بهم ليل نهار وكانوا يعتقدون أنهم سيكونون شركاء معهم في نضالهم المشترك!
ونظراً لعجزِهم عن الاعتمادِ على شعبهم الفلسطيني بشكلٍ مستقل فهو الوحيد الذي كان يمكن أن ينقذَهم من الارتماءِ في أحضانِ الأنظمة الفاسدة ولكن هذا كان يتطلبُ ثوريةً صبورا حكيمة وليست استعراضية بهلوانية، وهذا كله أدى إلى نمو جراثيم البرجوازية الطفيلية داخل القيادات الطليعية المفترضة، وكانت فوضوية وانتهازية الجماعات المنظمة والمراهقة السياسية هنا خسارة على الجانبين، فهي التي أدتْ من جهةٍ أخرى إلى تماسك إسرائيل وتبعية العمال اليهود للبرجوازية الاستغلالية السارقة للأراضي والثروات الفلسطينية، وخسارة الأشقاء العرب العمال في المعركة المصيرية العظيمة المشتركة!
ياسر عرفات مثّل نموذج هذا العمل الغريب بالقضيةِ والدينِ والعلمانيةِ فلا أحد يستطيع القبضَ على موقعهِ الفكري، ولم يصمد في مشروعه الأولي عن دولة فلسطينية علمانية ديمقراطية تجمع العرب واليهود حيث لم يؤسسْ أي خطوات صغيرة لها على الأرض ولم يكن قادراً لا فكرياً ولا سياسياً على الثبات في هذا المشروع وتطويره، ومثل مأساةً مروعةً للنضالِ في العالم الثالث، ولم يُعرفْ دوره تماماً فهل هو القائد البطل أو المستثمر في النضال والنقود؟ هل هو الذي ينجو من المذابح الفلسطينية أم هو الذي يغتني من خلالها؟
والأهم هو هذا التلاعب بنقود الناس الفلسطينيين والعرب معاً، وهل كانت حربُ العصاباتِ تحتاجُ إلى تأسيسِ أهرام النقود ولأن تكون بميزانيات شركات عابرة للقارات؟
(نشرت صحيفة الرأي العام الكويتية في تاريخ 24 ديسمبر 2004 تقريراً حول شبكة استثمارات عرفات العالمية، وذُكر في التقرير أن قيمة استثمارات عرفات في جميع أنحاء العالم نحو 799 مليون دولار موزعة على شركات اتصالات وبرمجة وغيرها من الشركات العالمية والإقليمية والمحلية من أمثال سترايك هولدينغنز، وشركة الاتصالات المحلية في الجزائر، وشركة سمبلكستي للبرمجة)، (تقرير حول الفساد في منظمة التحرير، إعداد وائل سعيد).
إن الخطوات السياسية منذ بدء نضال الفلسطينيين التي لم تستند إلى رؤية طبقية وطنية ديمقراطية أممية، والتي كان محورها المفترض جذب العمال الإسرائيليين لنضال ديمقراطي مشترك ضد الصهيونية والحرب والاستغلال، قد جعلتهم معلقين في فضاء الشرق الأوسط السياسي، الإقطاعي العربي الديني، فغدت المشروعات السياسية تنزلقُ على سطحٍ اجتماعي أملس، فمن حرب العصابات وضرائبها الجسيمة حتى الدويلة التي لن تكون سوى – عبر هذا الوعي السائد – سوى قطائع مفتتة تابعة للبرجوازية الإسرائيلية المسيطرة.
الرؤية الوطنية القومية الدينية اليمينية التي بدأت في وقت مبكر كانت لديها شعب واعد لنضالٍ عميق تقدمي، لكنها لم تكرسْ هذه العناصرَ الديمقراطيةَ والعلمانية الجنينية، وصعّدت الفئات الانتهازية، التي سدتْ مسامَ الثورة المستمرة في عروقِ العاملين العرب واليهود، وركبتْ على الجسور الخربة للدكتاتوريات العربية، حتى وجدتْ نفسَها شبهَ محطمةٍ في حرب لبنان، فقبلتْ بأي حلٍ ينقذها من عالم الحطام السياسي الذي صنعته.

صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

عابرو الطوائف

الطائفية في معناها المزدوج، أي في تعبيرها عن مجتمع متعدد الطوائف، أو ثنائي التكوين الطائفي كما هو حال مجتمع البحرين، وفي كونها ساحة من الحساسيات وحتى الاحتكاكات بين أبناء هذه الطوائف لم تنشأ اليوم، وإنما هي موروث عمره قرون من الزمن، وهذا الموروث يمتلك كل أسباب استمراره المترسخة في التكوين الاجتماعي للبلد وفي أشكال الوعي التي لن يصار إلى إلغائها بجرة قلم أو برغبة.
ومن حيث المبدأ يجب علينا ألا نتعاطى مع هذه المسالة من زاوية الرغبات أو النوايا الحسنة فلن نصحو في صباح الغد أو الصباح الذي يليه ونرى المجتمع وقد تحررمن تكوينه الطائفي، أعني من كونه مبنيا على ثنائية أو تعددية مذهبية لا مناص من الإقرار بها والتعايش معها بصفتها صفة ملازمة للمجتمع الذي نحياه حتى يكتب الله أمرا كان مفعولا.
بهذا المعنى ليست البحرين حالة شاذة بين المجتمعات العربية – الإسلامية، ولا هي حالة غريبة عن بقية المجتمعات في العالم المعروفة بتعدد الأجناس والأعراق والطوائف والمذاهب التي يعيش أصحابها على أراضي هذه البلدان ويكونون بالتالي مجتمعا واحدا أو مشتركا، تجمعهم، وفي أحيان كثيرة، تكاد تصهرهم مشتركات عديدة قوية لا يعيقها التنوع أو التعدد القومي والطائفي.
وأشرنا غير مرة إلى أن المجتمعات متعددة أو متنوعة التكوينات يمكن أن تكون أكثر حيوية وثراء ثقافيا واجتماعيا بالقياس للمجتمعات أحادية التكوين، لأن التنوع يعني إضفاء الجدل والحوار والتفاعل الخلاق بين المكونات المختلفة، ويعني أيضاً تعدد الروافد الثقافية والتاريخية التي تضفي الحيوية المشار عليها، وأعتقد إن وضع البحرين بالقياس إلى محيطها الخليجي يعطي مثلا جيدا على ما نذهب إليه.
لكن المسألة الطائفية في مجتمعنا، كما هي في المجتمعات العربية – الإسلامية على درجة كبيرة من التعقيد بحيث يغدو معها حديثنا أعلاه بمثابة النشيد الرومانسي الذي يغفل التجليات السلبية الكثيرة للطائفية، حين تصبح أداة موظفة توظيفا سياسياً، يحتمل الكثير من أوجه الإقصاء، التي ليس في متناول قوة أخرى غير الدولة أن تعالجها إن هي أرادت تجنيب المجتمع مخاطر الفتنة، عبر توكيد فكرة المواطنة التامة، القائمة على تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات، مما يعمق من فكرة الانتماء الوطني ويعززها، ويضعف بالتالي من حدة التعصب الطائفي، الذي ينشط كلما ضعفت آليات الدمج الوطني التي تعزز المشتركات على حساب عوامل الفرقة أو التنافر.
افرز تطور المجتمع البحريني الحديث انبثاق وتوطد مكانة قوى وشرائح قوية التأثير أفلحت في التحرر من الأسر الطائفي، وغدت عن حق قوى عابرة للطوائف، وتمثل تيارات الحركة الوطنية بمختلف ميولها اليسارية والقومية العمود الفقري لهذه الشرائح، لأنها عززت من طابعها غير الطائفي وغير العرقي في معارك النضال الوطني والطبقي من أجل الأهداف المشتركة للفئات الشعبية الكادحة.
وقدمت هذه القوى للمجتمع قيادات من الوزن الثقيل، بدءا من أبرز قادة حركة هيئة الاتحاد الوطني: عبد الرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان والعليوات وبقية رفاقهم، وعلى خطى هؤلاء سار احمد الذوادي وعبدالرحمن النعيمي وأحمد الشملان وبقية رفاقهم من رموز وقادة الحركة الوطنية في البحرين.
 
صحيفة الايام
24 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

أنماط ليبرالية في عباءة إنسان متخلف

ما من شخصية مزدوجة ومضطربة ومتنازعة مثل الشخصية ’’ المتخلفة ’’ عقلا وثقافة وسلوكا ’ فهي تعاني تناقضا صارخا بين حداثة الحياة وحالة الواقع المعاش في نمط التفكير والخطاب اليومي ’ الاقرب الى التخلف منها الى الحداثة والتقدم ’ فهي في المظهر العام ما تزال تتشبث بالتراث في الملبس والمأكل واللغة والتعاويذ السلوكية ازاء محيطها ’ ولكنها تعجز في تدجين اطفالها حينما يدخلون مدارس خاصة ’ محاولة قدر الامكان حصرهم في نمط ثقافي في المدارس المذكورة ’ وإبعادهم من لوثة الحداثة الغربية المنحلة ’ خاصة الطبقة الوسطى والتكنوقراط ’ فاغلبهم ’ لا يمانع في إقفال جمجمته ودماغه عن اشياء كثيرة ’ ولكنه يدرك ان اطفاله بدون معرفة وتطور حداثي النزعة والاتجاه فانه لن يحصل على مساحة من سوق العمل والارتقاء المهني. ويسقط اطفال هؤلاء الممزقون بين ثقافتين ’ في الانتقائية بميلهم الاكثر نحو الحداثة ’ ولكنهم لا يتورعون في نقد نمط التخلف في كل شيء مبررين تلك المواقف بأننا لا يمكننا ان نفرط في هويتنا ’ فيما ان الهوية اللغوية والثقافية تتمزق كل يوم ببطء ’ متوهمين أن الهوية في ذاتها في شعائر الدين ومناسك التقاليد المحافظة وحدها ’ فيما نجد الملابس وصيغ الحياة في المجمعات التجارية والفاترينات وبيئتها تنتمي للحداثة كسلعة والليبرالية كفكر ونمط حياة ومنهج ’ فكل الوسائل المستخدمة في عصرنا لا تنتمي لعصر الابل والنوق والخيام ’ وليس لها علاقة بتلك الثقافة التي يحاول البعض تثويرها وتطويرها من الداخل بعملية قيصرية ’ فالى جانب الهواتف النقالة والاتصالات الدولية والتواصل العالمي والسفر والماركات المسجلة والسيارات الحديثة والبيوت العصرية ’ فاننا لن نجد في نموذجها الا اسوارا مغلقة وجدرانا رفيعة ’ تكشف عن روح محافظة قلقة من الاخر ’ وتخاف تجاوز محنتها الثقافية المتجذرة في الموروث التاريخي مثل شخصية قومية التفكير في عصر اممي ’ لا يرى ’’ الوطنية ’’ في القرن الواحد والعشرين الا من منظار دكان قرية صغيرة بنزعته الفلاحية ’ مثل موظف محدود التفكير يهيئ ابنه لسوق ضيقة ما عادت المهن القديمة تناسبها فيما صارت المهن العابرة للقارات والتقنيات المتقدمة سوقها عالمي وثقافتها مفتوحة ’ كالزواج المختلط عرقيا ’ فيما نحن ما زلنا نفكر بافق ضيق يخاف التغيير ويخاف ان تمحو هويته ولغته دون ان يتم استفتاء التاريخ في حقه بالاختيار. الشخصيات المرتعبة من التغيير لا يمكنها ايقافه ’ فتطرح نفسها وكيلا ومدافعا عن التاريخ القادم ’ فلا يحق لها التفكير والوعظ المتوهم والبكائية على جيل من حقه ان يحدد هويته ’ ثقافته ’ نمط عيشه ومهنته ’ حدود دولته وعائلته. لابأس ان ترتدي الفتاة الجينز تحت العباءة السوداء ولا بأس ان تتعطر امرأة منقبة بعطور باريسية تفوح منها رائحة امرأة باريسية حقيقية ’ وليس انثى متخلفة بعقلها وثقافتها وروحها ’ والاغرب انك ستصادف في الحياة اليومية تلك الانماط المتخلفة في النساء والرجال معا ’ فهم يشترون ويتبادلون كل السلع الغربية الحداثية من اكسسوارات واحذية وشنط ’ هي جيمعها ابنة للغرب المباح والحر والمفتوح ومرجعيتها هو الغرب الحداثي بحراكه المستمر وبديمقراطيته المتطورة وبموضته المحمومة بالجنون ’ فلماذا تصبح تلك الحداثة حياتهم ولا يرفضونها تماما و يتمسكون بثقافة الماضي وانماطه ’ بدلا من التبجح بالقيم والتقاليد في مثل هذه الحالة ؟ لماذا لا ترتدي المرأة ملابس والدتها وجدتها وتمارس طقوسها ’ بعد ان تعلمت بثقافة الغرب وشّكل لها ذلك الغرب الاخر ينبوع ثقافة ومعرفة ومصدر إلهام ’ فالغرب قبلة تلك الطبقة ومعبدها الدائم ’ ولكنها حينما تعود الى البلاد ’ تنكمش خوفا من سطوة التقاليد’ فكل شخص يخاف ويهاب من الاخر’ يتوجس منه ’ في بيئة موبوءة بالشك. الانماط الليبرالية التي تواجهنا قد نراها في شخصية متخلفة في عقلها’ وهي تركب سيارة مصنوعة في الغرب وتستخدم في مكتبها احدث الاجهزة القادمة من خصومه الحضاريين ’ الذين يناطحونه في بيته ومكتبه ومخازن سلعه ’ ينافسونه في حضارة ضائعة تحاول الصمود في وجه طغيان عاصفة التحديث المتسارع’ القادم من الدول المتطورة وليس من صحراء قاحلة’ تعبر عن ثقافة وانماط متخلفة مستقبلها الضمور والتآكل حتى وان طوقنا المجتمع بالحديد والمتاريس. اذ سيأتي يوما وتأتي لحظة مهولة بانفجارات ليس ديمغرافية وثقافية وحسب بل وانفجارات ذهنية ومفاهيمية’ لا يمكن ان تخضع العقل لاسئلة الفضول الاولى بمجرد الانصياع للتفكير العجزي والطقوسي الخرافي’ المسكون بثقافة الخوارق والبديهيات والمسلمات. مثل تلك’’ الانماط الليبرالية المتخلفة’’ مسجونة في تابو الموروث’ فتردد مفردة الاصالة والاصول’ في عصر تنهار فيه مثل تلك الثقافات المتكلسة’ افكار تعيش في زمن ماضوي النزعة يتراجع امام الديجيتال بفعل سطوة القوة والدينامية الحياتية’ اردنا ذلك ام لم نرد’ فالمستقبل يتطور هناك خارج عالمنا’’ الاصيل المشبع بالفروسية المزيفة ’’ هذا اذا قررنا ان نعيش داخل التاريخ وليس خارجة. ليس علينا ان ننتظر العيش داخل مقولة يا امة ضحكت من جهلها الامم تحت فلسفة المبادئ والافكار التي توهمنا انها هي ’’ الصحوة والانبعاث ’’ فأي صحوة في عصر الديجيتال الكوني ؟
 
صحيفة الايام
24 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الضيق من الرأي الآخر


أود أن أتحدث من القلب إلى القلب راجياً ألا تضيق الصدور، شريطة أن يكون هذا الرأي نابذاً للعنف وواقفاً مع مبادرات الإصلاح ومع حكم القانون والمؤسسات. وهذا النداء ينطلق من شخص قلبه على البحرين، ويؤمن أن ما تحقق من إنجازات يمكن أن يستمر ويتطور الى الأفضل، وأن تزول معيقات البناء والتنمية، ولكن مع تواجد الرأي الآخر. إنني أتفهم حساسية ودقة المرحلة التي نمر بها حالياً، وأدعو الله في هذا الشهر الكريم أن يحفظ البحرين وقيادتها وأهلها.
 
وأود الإشارة بمثال من خارج البحرين لكي أتمكن من إيصال الفكرة… فالصين التي تستعد حالياً لاحتلال الموقع الثاني في الاقتصاد العالمي، كانت صاحبة حضارة عظمى في الماضى، حتى أن «طلب العلم في الصين» كان المثال الذي يطرحه المسلمون في صدر الإسلام. فقد كانت الصين هي التي اكتشفت كيفية صناعة الورق، وصهر الحديد، وهندسة القنوات الزراعية، والبارود، وكانت طرق التجارة تمتد منها واليها … وكانت ممن ينظر إليهم عالياً ويشار إليهم بالبنان بينما كانت أوروبا تعيش في القرون المظلمة .
غير أن حال الصين في القرن الرابع عشر الميلادي بدأ يتدهور، فالورق كان فقط لاستخدام المسئولين في الدولة (بمعنى أن وسيلة العلوم وانتشارها بين الناس منعت)، والتجارة لم تعد مهمة اذ ساد رأي يقول بأنه يمكن التحول إلى مجتمعات زراعية محلية مغلقة… كما أن صهر الحديد لم يعد مهماً ولم يطور، وانتقلت الجهود التي كانت تبدع في مجال الصناعة والتجارة إلى «إعادة بناء سور الصين العظيم» للحماية من أخطار محتملة. وفي النتيجة بدأت الصين تفقد موقعها الكبير آنذاك بشكل مستمر، وأصبحت لاحقاً ضحية للاستعمار الأوروبي والغزو الياباني، وتحولت حضارتها إلى تاريخ.
 
وفي رأي مؤرخين، فإن الصين في تلك الفترة افتقدت إلى الرأي الآخر الذي كان يمكن أن يشير على مسئولي الدولة بأن بعض السياسات قد تؤدي إلى أن تفقد البلاد تفوقها على الآخرين، ولأن الجميع كان يردد كلاماً واحداً، فإن القرار عندما اتخذ بعدم الاهتمام بصناعة الحديد (قبل أن يكتشفها الغرب لاحقاً ويطورها ويبدأ بثورته الصناعية)، أو بقطع طرق التجارة، لم يكن هناك من يجرؤ على الإشارة إلى مخاطر مثل تلك القرارات.
 
والإشارة إلى هذا المثال هي فقط من أجل توضيح فكرة أن الضيق بالرأي الآخر قد لاينفعنا في تثبيت منجزاتنا الوطنية التي تحققت بإرادة مشتركة، قادها جلالة الملك خلال عشر سنوات مضت، ومن دون شك فإن كل مخلص لبلده يود أن يرى استمرار هذه الإنجازات، بحيث يستطيع المرء أن يشعر بالفخر والكرامة بأنه يعيش في بيئة آمنة رافضة للعنف ولاتبرره بأي شكل من الأشكال، ولكنها أيضاً بيئة وطنية لاتضيق بالرأي الآخر.
 
صحيفة الوسط 21 أغسطس 2010م
 

اقرأ المزيد

مرة أخرى عن الاستثمار والأمن الغذائي

أدخلتكم الأسبوع الماضي في بعض أجواء زيارتي وزميلي إلى أوكرانيا وما شهدنا من عمليات حصاد القمح ورأينا من مزارع تربية الحيوانات. وأدخلنا هذا الحديث إلى أزمة الغذاء العالمية التي ستظل تشغل العالم فترة طويلة قادمة، وإلى أهمية الاستثمار في زراعة القمح والحبوب الأخرى وتربية الأبقار والمواشي وإنتاج العلف باعتبار ذلك ليس الاستثمار الأجدى في ظروف ما بعد الأزمة الاقتصادية وأزمة الغذاء العالميتين فقط، بل ومن أجل توفير الأمن الغذائي لبلداننا بأفضل الشروط الاقتصادية والسياسية. وتساءلنا عما إذا كانت أوكرانيا تساعد على توفير هذه الشروط.
نعود أدراجنا إلى أوكرانيا ثانية. ونبدأ بالخبر عن اجتماع مجلس وزرائها الأسبوع الماضي والذي قرر، بعكس روسيا، التخلي عن فكرة الحد من صادرات البلاد من القمح والحبوب الأخرى إلى الخارج. وكان لهذا الخبر وقعه الإيجابي عالميا. كيف لا وقد كانت في الوقت نفسه نحو 15 سفينة محمَّلة بالحبوب في موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود تنتظر الإبحار من عدمه. كيف لا وقد أدى اضطراب أسواق القمح منذ الأسابيع الأخيرة إضافة إلى ارتفاع أسعاره بنسبة تجاوزت 50 % منذ يونيو/ حزيران الماضي والخوف من إمكانية عودة أزمة الغذاء العالمية 2007 – 2008 إلى التوجه نحو الاعتماد المتزايد على منطقة البحر الأسود كمورد لسوق القمح العالمية. أما بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط والخليج فيعتبر قمح البحر الأسود أرخص بكثير من إمدادات أميركا الشمالية، وخصوصا أن تكاليف الشحن وحدها تضيف حوالي 60 دولاراً لسعر الطن.
وصحيح أن بعض بلدان الشرق الأوسط عملت على تغيير استراتيجياتها الزراعية لتقليل الاعتماد على واردات القمح، فمشتريات سورية من القمح ستتراجع بحوالي نصف مليون طن نظراً لزيادة إنتاجها خلال العام الحالي بفضل الحوافز الحكومية والظروف المناخية المواتية. وبعد الحديث السابق عن احتمال تخلي السعودية، تحت مبرر استنفاد موارد المياه النادرة، عن خطة دعم زراعة القمح التي استمرت ثلاثين عاما وحققت لها الاكتفاء الذاتي، إلا أن الحكومة السعودية عادت فقررت تقديم الحوافز لزراعة القمح. وبفضل ذلك يتوقع هذا العام أن يرتفع إنتاج السعودية من القمح للموسم الثالث على التوالي. أما إيران التي حققت الاكتفاء الذاتي العام 2004 ثم تراجع إنتاجها بسبب سوء المناخ فقد أعلنت في ابريل/ نيسان الماضي أنها سوف تصدِّر مليوني طن من القمح للإمارات ومصر وعمان بعد توقف دام ثلاث سنوات.
ومع ذلك تبقى حاجة بلدان المنطقة إلى قمح وحبوب أوكرانيا في تزايد. وأثناء زيارته لأبوظبي نهاية العام الماضي قال الرئيس الأوكراني السابق يوشينكو إنه اتفق هناك على بحث فرص استثمار الإمارات في القطاع الزراعي في أوكرانيا. وأشار إلى أن حوالي 40 في المئة من التربة السوداء الخصبة في العالم موجودة في أوكرانيا، حيث الحاجة كبيرة إلى الاستثمار الأجنبي لتنمية القطاع. وزير الزراعة الأوكراني آنذاك أوضح أن الحديث يدور عن زراعة القمح والشعير وزهرة الشمس، مشيرا إلى إمكانية مشاريع مختلفة من استئجار أراض مساحتها 100 ألف هكتار إلى إنشاء مزارع لتربية الحيوانات تضم الواحدة 3000 بقرة.
وفي المعرض الدولي الصناعي الزراعي الثاني والعشرين – أغرو – 2010 تحدث وزير السياسة الزراعية نيكولاي بريسياجنيوك عن مفاوضات جرت بين بلاده والسعودية حول بدء العمل على خطة بين الحكومتين في مجال المجمع الصناعي الزراعي في أوكرانيا. وأشار إلى أن صادرات الحبوب الأوكرانية إلى السعودية ارتفعت إلى مليون طن منذ بداية السنة التجارية الجديدة، بينما بلغ إجمالي واردات السعودية العالمية من القمح العام الماضي 2 مليون طن.
طبيعي أن هناك الكثير من المآخذ على المناخ الاستثماري في أوكرانيا، وخصوصا فيما يتعلق بوضع الأرض وبالضمانات التشريعية والمؤسسية الأخرى. لحد الآن لا يسمح القانون للمستثمر المحلي أو الأجنبي بتملك الأراضي الزراعية، وإنما باستئجارها واستثمارها لخمسة وخمسين عاما. ومع ذلك فهذه الفترة إذا ما اقترنت بالاستثمار في مساحات واسعة من الأراضي تسمح باستخدام التقنيات المتطورة فإنها تَعِدُ بعائد كبير على الاستثمار. لكن هناك مشروع قانون يسمح بتملك الأراضي الزراعية من قبل المواطنين سيتم طرحه في الفترة القادمة سيحسن من ظروف الاستثمار المشترك. كما يجري الحديث عن إمكانية تطوير هذا القانون بالنسبة للمستثمرين الأجانب في المستقبل. غير أن ملكية المشاريع من قبل الأجانب متاحة حاضرا بنسبة 100 %. وحسبما أوضح وزير الزراعة الأوكراني فإن الحكومة تقوم بتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها لإصلاح المجمع الصناعي الزراعي وتحسين المناخ الاستثماري في البلاد. وقريبا سوف يتم إنشاء شركة حبوب ومصرف عقاري للأراضي تابعين للدولة سيتمكن المستثمرون من خلاله من استئجار أراض في أوكرانيا من أجل زراعتها وتصنيعها زراعيا بشكل مشترك.
طبيعة هذه البلاد تزخر بالموارد الطبيعية الغنية وبالكوادر الفنية عالية التأهيل. ولكنها تحتاج إلى توظيف الاستثمارات والتقنيات الحديثة والنو – هاو. عندها سيكون عائد التعاون عاليا جدا.
رغم أزمة القمح والغذاء المتفاقمتين عالميا وشبكة التعقيدات المناخية والسياسية والأمنية والتمويلية إلا أن خيار التعاون المغري مع أوكرانيا أصبح مفتوحا أمام كل بلدان المنطقة ماعدا العراق الشقيق الذي سيبقى معتمدا على قمح أميركا الشمالية وأستراليا، كون الشركات الأميركية تحتكر السوق العراقية منذ العام 2003 لأسباب سياسية بدأت مع الاحتلال المؤثر بشدة على القرار الوطني المستقل.
 
صحيفة الوسط
23 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

معنى فقدان القصيبي (1-3)

اعتدنا نحن المثقفين العرب ان نودع ونرثي كل مثقف او مفكر عربي كبير بعبارة: فقدنا مثقفا او شاعرا او مبدعا او مفكرا يصعب تعويضه.. لكن ماذا عن المثقفين العرب الكبار من طراز الفقيد غازي القصيبي الذين ينتمون الى بلدان عربية، كالسعودية، حديثة العهد في التعليم الحديث والتنوير والتحديث والثقافة المعاصرة بل تواجه صعوبات جمة في التنميتين الثقافية والاجتماعية وفي التحديث والتنوير؟
هنا بلا شك فان الخسارة مضاعفة فادحة والعبارة السالفة الذكر التي اعتدنا ابتذال تدبيجها في مستهل مراثينا مع وفاة كل مثقف عربي تتجسد دلالاتها ومعانيها في ابهى صورها في حالة القصيبي من دون ادنى مبالغة، وهو بالضبط ما يمثله ويعنيه غيابه كقامة كبيرة عن الساحة الثقافية السعودية في وقت احوج ما تكون إليه هذه الساحة والى امثاله من القمم الثقافية والفكرية المستنيرة كفارس من فرسان التنوير ومحاربة الجهل والخرافة والغلو الديني، وحيث تشهد هذه الساحة السعودية في ظل عهد عاهلها الحالي الملك عبدالله هامشا معقولا لشحذ الهمم للحرب على الظلام في الساحة.
لقد قرأت كثيرا من المقابلات والتصريحات الصحفية والاشعار للمثقف الكبير وعروض الكتب للفقيد غازي القصيبي لكني لم اقرأ إلا القليل من أعماله الادبية وشاءت المصادفات ان اتعرف قبل ما يقرب من اسبوعين إلى احد البسطاء المقربين منه وروى لي حكايات عديدة من سيرته وعما يمتاز به من علم وثقافة وكيفية تعامله مع مختلف فئات المجتمع بحكمة وروية حتى في أعقد المشاكل التافهة التي تواجه أي انسان في حياته اليومية، كما أهداني معظم أعماله العلمية البحثية والأدبية أتمنى أن تتاح لي الفرصة لقراءتها جميعها وبخاصة انه سبق لي ان قرأت عروضا وتعليقات صحفية عديدة حولها كما ذكرت.
وقبل يومين فقط شاءت المصادفات ان التقي في موعد مع طبيب الانف والاذن والحنجرة الأخ العزيز الدكتور محمود السندي وهو من زملائي في الحياة الجامعية بالقاهرة ولم ألتقه منذ 35 عاما، وكانت فرصة مناسبة لنتجاذب اطراف الحديث لنستذكر بعض أيام حياتنا الطلابية قبل ان اخضع امامه للفحص حتى تطرق حديثنا الى أعمال غازي القصيبي وعلى وجه الخصوص “شقة الحرية”.
ومع ان السندي رأى أن حياتنا الطلابية بالقاهرة خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي كانت أزهى من فترة الخمسينيات وهي الفترة التي جرت خلالها وقائع “شقة الحرية” كما كان الفقيد شاهدا عليها بل من رأى انه احد ابطالها، إلا انني خالفته في هذا الرأي واعتبرت قاهرة الخمسينيات لا تقل روعة عن قاهرة النصف الأول من السبعينيات وهذه لا تقل روعة عن الاربعينيات. ولعل العد التنازلي لتغير الاحوال وانخفاض مستوى الروعة والأنس الطلابي انما بدأ منذ اواخر السبعينيات لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ليس هنا موضع تناولها، ولم يمض سوى يومين فقط على ذلك اللقاء حتى صدمنا وصدم الوسط الثقافي والرسمي في السعودية والبحرين بوجه خاص والعالم العربي بوجه عام بوفاة الفقيد غازي القصيبي وهو كهل لم يكمل سوى سبعة عقود من حياته العامرة بالابداع والعطاء الفكري والاداري والثقافي.
مهما يكن فاننا لا نستطيع ان نقدر عظم الخسارة الفادحة التي يمثلها رحيل القصيبي وهو في هذا العمر المبكر من كهولته (لغويا الكهولة تبدأ من سن الـ 40) إلا إذا ادركنا بالضبط ما يمثله من حالة نموذجية وفريدة من نوعها في عالمنا العربي في القدرة على الجمع بين الابداع والثقافة الرصينة المعمقة وبين الادارة التنفيذية، وهي حالة نادرة في عالمنا العربي قلة من استطاعوا تجسيدها على نحو خلاق كما جسدها القصيبي بحق، على ان نبوغه لا يتجسد في القدرة فقط على هذا الجمع بين الادارة الرسمية من جهة والثقافة والابداع الادبي من جهة اخرى، بل في القدرة على ادارة مؤسسات ادارية رسمية متخصصة ومختلفة بكفاءة مدهشة، فهو من جهة الثقافة والابداع الروائي والشاعر والمثقف السياسي وهو من جهة الادارة الرسمية وزير الكهرباء والطاقة، ووزير الصحة والسفير في البحرين ثم السفير في بريطانيا، ثم وزير المياه وأخيرا وزير العمل.
وفي كل هذه المجالات الثقافية والابداعية الى جانب المجالات الادارية الرسمية المتنوعة اثبت جدارته بامتياز مع ان مؤهله العلمي “علاقات دولية” بعيد عن المجالات الثقافية والادارية على السواء وبخاصة في المجالات الوزارية التي تقلدها.
وما نبوغه وجدارته في كل تلك المجالات إلا بسبب اهتمامه وولعه المنقطع النظير ببناء شخصيته الثقافية بكل ابعادها ووجوههها الثقافية – الابداعية والرسمية والادارية وصرامته مع نفسه في عدم اضاعة وقته بالانغماس في الملذات بكل انواعها ومن ثم انكبابه على العلم والثقافة حيثما اصطاد وقتا ثمينا على هامش عمله الاداري المتشعب داحضا بذلك مقولة ان العمل الحكومي “قاتل” لا يتيح للمثقف او المبدع او المفكر او الباحث فرصة لمواصلة بحثه او ابداعه.
لكن ما سر هذا الاجماع الذي حظي به القصيبي تقريظا في حياته ورثاء بعد مماته من مختلف الاوساط الثقافية والرسمية؟

صحيفة اخبار الخليج
23 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

الإقطاع الفلسطيني: تابع التابعين(1)

كانت سرقةُ فلسطين من قبل رأسِ المال اليهودي قد تركزتْ بشكلٍ خاص في الفلاحين الفلسطينيين، فالأرضُ كانت هي قلبُ الصراع، فانتزعتْ بأغلبيتها عبر حربي 48 و.67
(في الدولة العربية، كان الملاكون العرب يمتلكون 69،77% من إجمالي مساحتها، بينما لم يكن يملك الملاك اليهود إلا 84،0%).
ثم تغيرت النسبة كلياً، وسُرقت كذلك المساكن وحيوانات الزراعة والمعدات والمواد الإنتاجية المختلفة، ولكن بقيت أراض زراعية فلسطينية عديدة منتشرة في الضفة وقطاع غزة وفلسطين 48، وصمدت جماعات عديدة من الفلاحين. ولكن حتى الضفة الغربية المحتلة سُرقت منها أراض تبلغ 52% من مساحتها العامة.
فالفلسطينيون غير قادرين على تشكيل إقطاع بالمعنى الحرفي الزراعي مثل بقية البلدان العربية، وفقدان البلد والأرض يمنعان تشكل دولة، والدولة هي الشكلُ الأساسي للإقطاعِ السياسي في التاريخ العربي الإسلامي.
كان الفلاحون والمنتجون الصغار والبسطاء هم القاعدة الأساسية للاجئين، فحملوا وعيهم الديني إلى الأقطار التي سكنوا فيها، فتداخلوا بسكان الأقطار العربية المتعددة، الذين شاركوهم همومهم، وغدت القضية الفلسطينية قضية عربية، وراحت الشعوب العربية تسهم وتتبرع، والحكومات تستغلُ الهمَ الفلسطيني لأغراضٍ شتى.
هذا التداخلُ العربي الفلسطيني سيكونُ له تطورهُ حسب الصراعات والتطورات داخل كلٍ من هذه الأقطار، وداخل الكتل الفلسطينية المختلفة كذلك، فسوف ينجرفُ العربُ لتأييد القضية الفلسطينية ثم يتراجعون عن ذلك، بسبب أن تنامي الدكتاتوريات النازفة للموارد في الدول العربية وفي الجموع الفلسطينية يخربُ النضالَ المشترك على كلا الجانبين.
إن زمنَ المساعدات الكويتية التي تتشكلُ في فضاءٍ حر نسبي هي غير المساعدات في العراق وسوريا حيث تتشكل عبر نظامين دكتاتوريين، فميلادُ فتحٍ في الكويت، غير إلحاقها بزمني العراق وسوريا. فيتشكلُ هناك في البرلمانية الكويتية شيءٌ من الفضاء العلماني الديمقراطي، في حين يتدهور هذا الفضاء مع بعثي العراق وسوريا. هنا تغوصُ فتح في الإقطاع السياسي ونفعيته وانتهازيته. وهذا غير زمن الفوضوية السياسية في لبنان، هناك زمنيةٌ اجتماعيةٌ لتحولِ فتحٍ من الوطنيةِ التضحوية إلى الإقطاع السياسي.
لقد تشكلتْ الخليةُ الأولى الأساسيةُ للدولةِ الفلسطينية عبرَ منظمة التحرير، وكان المناخ العام مناخ تضحية وفداء من قبل الجمهور الفقير الواسع في المخيمات، وسيطرت منظمة فتح على هذه الخلية الأولى، وعبر تكتيكاتها العسكرية المختلفة المتفاوتة بين المغامرات الرهيبة والتضحيات الكبيرة، تغلغلتْ في حياة الشعب وانضم إليها الكثيرون، وغدت هي مشروع الدولة.
الأجواء التضحوية الثورية، والعمليات الفدائية، والبطولات، وثقافة النضال العارمة التي أشاعتها، كل هذه جعلت الجمهور يتصور أنها خارج قوانين الصراع الاجتماعي، ولا علاقة لها بسببيات الدول العربية السياسية، وأنها قادرة على أن تقفز على سيادات الأنظمة الإقطاعية والرأسماليات الحكومية العربية الفاسدة بتجرية ثورية(نقية)، لكن هذا الوعي الرومانتيكي بدأ ينهارُ مع تراكمِ الموادِ الواقعية السوداء، فالجماهير الشعبية المضحية بقيت مثل الجماهير العربية الأخرى مادة نزيف إقتصادي، والأسوأ للمغامرات العسكرية المجنونة، وتحولت أراض (محررة) في البلدان العربية إلى أراضٍ محروقة ومناطق للحروب الأهلية.
الهيمنة الفردية المطلقة من قبل ياسر عرفات ومجموعته على فتح تحولتْ إلى هيمنةٍ مطلقةٍ على منظمة التحرير، اليسارُ واليمينُ في المنظمة، لم يخرجا عن الخيوطِ الماليةِ التي تحركُ العرائسَ السياسية، وضجيجهما الهائلُ لم يشكلْ تيارات تنويرية وديمقراطية وليبرالية فلسطينية مؤثرة متصاعدة التأثير، ومثلَ قاعدة الأنظمة العربية الإقطاعية والرأسمالية الحكومية العربية: من يملك الخزانةَ يصوغ التاريخَ السياسي ويُشكلُ الدُمى على المسرح الفقير من العقل.
بل لقد ساعد اليسارُ الطفولي الفلسطيني في تقوية اليمين الإقطاعي، المستولي على الخزانة، بمغامراتهِ وصخبهِ وعنفه، حتى بدا العقل عند فتح، التي جمعتْ بين الدهاءِ والفساد.
لكن المال الذي يأتي للخزانة الفلسطينية لم يكن فقط من الضرائب على الشعب الفلسطيني الفقير المنهك، وحتى هذه لم تأت إلا بقرارات عربية سيادية، بل كذلك من فوائض النفط العربية، التي تدفعها حكوماتٌ عربيةٌ عديدة، كل منها لها سياسة، وتوجهتْ لفردٍ أو لمجموعةٍ لم تكن تمتلك وسائل المحاسبة السياسية والمالية الدقيقة، ولم تكن ثمة حكومة، ولم يكن ثمة برلمان منتخب، وبهذا فإن السيولةَ الماليةَ سالتْ في بعض الجيوب.

صحيفة اخبار الخليج
23 اغسطس 2010

اقرأ المزيد

وقف العنف مقدمة للحوار

في الخامس عشر من فبراير من العام الفائت أطلق المنبر التقدمي مبادرته المعروفة للحوار الوطني، على خلفية توترات أمنية وسياسية شهدناها في تلك الفترة، ربما لم تبلغ مستوى التوترات الراهنة، ولكنها لم تكن قليلة الخطورة أيضاً.
الأصوات العاقلة في هذا الوطن وقفت بقوة مع مبادرة المنبر التقدمي، التي تركت صدى إعلامياً وسياسياً ونيابياً واسعاً، ولم نكن عند رفعنا لشعار الحوار الوطني واهمين في أن تحقيق هذا ذلك سيكون مهمة هينة، وسط تعقيدات كثيرة ليست خافية على الجميع، ولكننا مع ذلك نجحنا في أمر أساسي هو أن نجعل كلمة الاعتدال والمعالجة الرصينة للأمور مسموعة على نطاق واسع.
معلوم أن جلالة الملك أصدر في تلك الفترة عفواً ملكياً عن المعتقلين، وفي حينها قلنا أن تلك الخطوة الملكية المهمة تهيىْ أرضية  مناسبة للانطلاق نحو مرحلة جديدة، تنهي دوامة العنف في البلاد، وتعود بالبلاد إلى منهج التعاطي السياسي المسؤول مع مختلف قضايا الوطن.
ولكن للأسف الشديد لم تسر الأمور في هذا الاتجاه، ودخلت البلاد مجدداً في موجة جديدة من أعمال العنف وتخريب الممتلكات، وقطع الطرقات بالإطارات المحروقة وما إلى ذلك من أساليب لم تزد الأمور إلا تعقيداً في غياب آلية حوار متفق عليها بين الأطراف الفاعلة في البلاد.
وليست الدعوة إلى الحوار وبلوغ تسويات سياسية وتوافقات حول المسائل الخلافية في البلاد بين الدولة والقوى المجتمعية المختلفة بأمر طارئ وجديد على المنبر التقدمي، فهذا ما حرصنا عليه خلال السنوات الماضية، لذا فإننا لا تنطلق من فراغ، وإنما نستند إلى مجمل منهجنا في العمل السياسي الذي عرفنا به المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية، وحتى الدولة نفسها.
وحين نعيد التأكيد اليوم على الأفكار التي طرحناها في مبادرة فبراير 2009 المذكورة، فإننا ننطلق من الموقف المبدئي الذي أعلناه في البلاغ الصادر عن مكتبنا السياسي في الخامس عشر من الشهر الجاري، حيث أكدنا رفضنا المبدئي القاطع لكافة ممارسات العنف واستهداف الممتلكات العامة والخاصة ومرافق البنية الأساسية، وضرورة ترشيد الخطاب السياسي، باستثمار قنوات التعبير المتاحة في طرح قضايا الوطن، والعمل على تطوير الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية وتأمين الحياة الكريمة للمواطنين وتأكيد مبدأ المواطنة المتكافئة في الفرص والحقوق والواجبات.
كما أكدنا على ضرورة توفير الضمانات القانونية الضرورية للموقوفين في التحقيق والمحاكمة العادلة والشفافة، وسرعة إطلاق سراح من لم توجه لهم أي تهم من قبل النيابة العامة.
ونحن في ذلك ننطلق من تمسكنا بضرورة إعمال القانون، وحق الدولة في تأمين الاستقرار والأمن في البلاد، وهو حق لا يجب ربطه بأي شرط، فعدم حل أي ملف من الملفات لا يبرر أبداً اللجوء إلى الممارسات العنيفة، وإنما إلى العمل في سبيل توسيع نطاق الحريات العامة وأشكال التعبير السلمي.
وهي نفسها المبادئ التي نصت عليها مبادرتنا، حين أكدت على احترام النظام السياسي في البلاد الذي توافقنا عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني، ونصت عليه المادة 1 من الدستور، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها، ونبذ كافة مظاهر العنف، والتأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له.
 
صحيفة الايام
23 اغسطس 2010

اقرأ المزيد