لاشك ان كثيراً من التصورات والآراء عن الاستحقاق النيابي 2010 هي في الواقع انعكاس لممارسات نيابية في – اكثر الاحيان – متعثرة، اي من حيث الفعل الرقابي والتشريعي لم تكن موفقة. ولو تأملنا هذا الاداء من الطبيعي ان يخرج الناخب بانطباعات ليست محكومة بضعف الكفاءة فحسب بل محكومة ايضاً باعتبارات كثيرة لا تغيب عن وعيه من بينها الوعود التي قطعها النواب وتحديداً نواب الكتل الاسلامية التي دغدغت احلام الناس البسطاء، لم تلامس الواقع بمعنى ان الوعود التي وضعت «الشمس في يد والقمر في يد» ليست إلا ظاهرة صوتية او جعجعة لم ينتج عنها اي طحن، هذا أولاً، وثانياً ان هذه الكتل انشغلت بما يكرس الطائفية في المجتمع البحريني المنفتح المتعدد المتسامح وسعت لفرض الوصاية عليه وعلى العباد لا يتفق مع تطور مستجدات الواقع والعصر، وثالثاً ان «البرلمان هو الحل» صار منبراً لمصالح عقائدية لا اول لها ولا آخر ومصدراً للوجاهة ولضمان المستقبل عندما يحين وقت التقاعد، واربعاً ان قيود النواب لم تحاصر فقط حقوق المرأة خاصة حقها في قانون عصري موحد للاحوال الشخصية وحقوق الصحافة والصحفيين والتنظيمات السياسية والنقابية والثقافية بل امتدت الى الحريات العامة والخاصة، وخامساً لماذا اراد نواب الاسلام السياسي لهذا البلد الانغلاق تمسكاً بالاخلاق والفضيلة ونسوا أو تناسوا ان البحرين ذات الحضارة العريقة دولة اسلامية شعبها المتسامح عرف عنه منذ القدم بالاخلاق والكرم وحبه للآخر؟!
بعد كل هذا، ماذا تريدون من الناخب؟ هل تريدون ان يقول «كل شيء تمام» في حين ان مصالحه ومصالح هذا الوطن ضاعت بين الدوافع الشخصية والعقائية والحزبية والصراعات الطائفية!!
ومع ذلك واحقاقاً للحق وللانصاف نقول بالرغم مما اوردناه سلفاً هناك اشكالات ومعوقات حالت دون تقدم الاداء النيابي نحو الافضل من بينها الملابسات القانونية المتمثلة في اللائحة الداخلية للمجلس، وكذلك اللوائح المنظمة لعلاقة المجلس بالسلطة التنفيذية وفضلاً عن هذا وذاك هناك من القوى مصالحها الخاصة لا تتلاءم مع التحديث والتغيير والديمقراطية اي بالكلام الواضح معادية للاصلاحات وفي ذات الوقت هناك انجازات لا يمكن نكرانها خاصة على صعيد الميزانية العامة وعلاوة الغلاء وقانون الذمة المالية وبعض القوانين الاقتصادية والتجارية المنظمة للشركات والتحقيق في بعض المؤسسات العامة المتورطة بالفساد ولكن ما اكثر السلبيات اذا ما قارناها بالايجابيات والانجازات؟!
على اية حال، ان القراءة السياسية للممارسات النيابية طيلة الفصل التشريعي السابق تحديداً تحتم علينا المراجعة النقدية لتلك الممارسات او الاداء، وبالتالي هل تفعلها الكتل النيابية كما يحدث في ارقى الدول المتحضرة؟ التي متى ما كان اداء النواب والاحزاب في البرلمان او اية مؤسسة منتخبة متعثراً تشوبه السلبيات تعقد المؤتمرات العامة للمراجعة النقدية لا نعتقد ذلك لان في الدول العربية والاسلامية لا يحدث ذلك وان حدث يتم في دائرة ضيقة تجمع الانصار والتابعين والمريدين.
اما بالنسبة لاستغلال دور العبادة فحدث ولا حرج اي باختصار ان توظيف المنابر الدينية من مساجد ومآتم للدعاية الانتخابية كان في ذروته في الانتخابات البرلمانية السابقة والكل يعلم كيف استغلت تلك المنابر في تسقيط المرشحين الديمقراطيين والليبراليين وما اشبه اليوم بالبارحة اي ما يحدث اليوم من توظيف هذه الدور وهذه المنابر دعماً دعائياً واعلامياً للكتل الاسلامية جميعها دون استثناء.
بالمختصر المفيد «ما في حدا احسن من حدا» او كما يقول حبايبنا اهل مصر «الكل زي بعضه» .. واخيراً نكرر ونقول ماذا تريدون من الناخب؟ هل تريدون ان يقول «كل شي تمام» ويرفع «القبعة» منحنياً اعجاباً باداء اصحاب السعادة النواب لا نعتقد يفعلها لان احلامه تبخرت مع تبخر وعود النواب.
صحيفة الايام
10 يوليو 2010
ماذا تريدون من الناخب؟
أسبابٌ إضافية لضعفِ الديمقراطية في الخليج
تشارك دولُ الخليج في ضعف الديمقراطية وضعف الرأسمالية الشرقية، لكنها تضيفُ أسباباً أخرى لهذا الضعف، وكذلك تشارك في خطورة التجارة السهلة في المواد الخام الثمينة النادرة كروسيا.
فهي عاجزةٌ بشكلٍ أكبر عن تطويرِ أوضاعِ العاملين فيها، خلافاً لكلِ دول الشرق.
هذا العجز ينبني أساساً على ضعف الطبقة الوسطى المحرومة من الوجود باقترابِها من مصادرِ الثروة النفطية والصناعات الكبرى، وكذلك بسببِ التفاوت الكبير بين العمالتين الوطنية والأجنبية، وبسبب تضخم هياكل الدول بالبطالة المقنعة الواسعة، وعلى تغييب النساء عن الدخول الموسع في الصناعة، وعلى تخلف التعليم عن الثورة التقنية.
ولهذا فإن الآراءَ الدينية والمذهبية المحافظة سواءً الاجتماعية أو السياسية هي مظلاتٌ ايديولوجية لتلك القسمات المتخلفة في الاقتصاد.
فقد نمتْ أجهزةُ الدول العربية الخليجية عبر البيروقراطية، وهذا يعني المذهبية السياسية وسيادة الذكور وتغييب حضور النساء في الإنتاج، وجلب العمالة الأجنبية المستغلة في تنميةِ ثرواتٍ أسطورية خاصة، وترك بُنى الخليج بنى بدوية محافظة وطائفية.
تتباين مستويات مشاركة النساء في العمل، وأغلبها مشاركات إدارية وبنسبٍ ضئيلة فالسعودية البلد الأوسع لا تتعدى مشاركة النساء في الأعمال فيها 7%، وهذا يفسر ضخامة العمالة الأجنبية فيها، فهي عشرةُ ملايين وأكثر من القوى العربية والهندية والآسيوية عموماً، أي بسبب غياب عشرة ملايين من النساء المواطنات.
تغدو الأبنية الايديولوجية الطائفية المحافظة شكل التجلي لتلك الذكورية الساحقة ولهيمنة العمالة الأجنبية والبذخية الحكومية والغنية غير المنتجة للتغيير الصناعي الوطني، ولغياب التخطيط والفهم الفكري الموضوعي للحياة، ويتمظهر ذلك بإرسال الفوائض للخارج على شكلِ ودائع خليجية إلى البنوك والمؤسسات المالية الغربية والشرقية، أو على أشكال أجور أجنبية تتوجه لتنمية البلدان الشرقية.
وبالتالي تتكاثر الفئاتُ الطفيلية الاجتماعية التي تتحلقُ حول القطاعات العامة تستنزفها، وتحولُها لتنمياتٍ مظهريةٍ خليجية وتنمية لبلدانٍ أخرى.
وترى ذلك مجسداً في النساء، المعيار الدقيق لتشوهِ التنميةِ ولغيابِ الديمقراطية، ولغيابِ العقلانية الدينية.
فالحشودُ المغيبة في البيوت يقابلها حضورٌ نسائي أجنبي هائل، وبالتالي فقد انعدمتْ إمكانياتُ الديمقراطية، لقد غُيبت أصواتُ نصف المجتمع.
ومن دون العمل والاستقلالية الاقتصادية للنساء، لا يمكن أن تظهر آراء نسائية حرة، تصوت للتغيير والحداثة.
النساء الأجنبيات يكتسبن خبرةً اقتصادية وعلمية ولغوية وسياسية فيما تعوز النسوة الخليجيات ذلك، وذهابهن لصناديق الاقتراع بلا معنى، لأن الرجالَ هم الذين يصوتون.
تعبرُ المذهبيةُ السياسية والاجتماعية المحافظة عن التبعية للغرب وللهند ولجنوب آسيا بمختلف تجلياتها، فيما تقومُ رأسمالياتُ الدول بإدارة الثروات العامة بأشكالٍ هدرية وطفيلية ومشوهة.
تتجلى إضاعةُ الثروةِ الفكرية الإسلامية لدى الجماعات الطائفية بعدمِ النضالِ من أجلِ سوق حرة، ولحداثة ديمقراطية حقيقية، وبمنع قوى العمل الوطنية الخليجية من النمو، ومنع التجليات الأخلاقية العميقة لدى المواطنين، عبر الاكتفاء بأشكالٍ مظهرية ونصوصية لكن الخراب الأخلاقي يكمن في العمق الشعبي الفقير المنعزل المغيب عن التصويت.
تقع دول الخليج بين عاصفتي الرأسمالية الغربية والرأسمالية الآسيوية الجديدة المنطلقة بتوسع، والأولى تستثمر الخليج عبر السلع المعمرة الغالية والأخرى عبر العمالة المتدنية الأجور الكثيفة في بلدانها، ولهذا يخسر الخليج من أوجهٍ عدة، معتمداً على سلعته النفطية النادرة لشراءِ سلعٍ استنزافية لاقتصاده.
مع تدهور سلعته الأساسية تتكشف الهياكلُ الاقتصادية الضعيفة التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، لا تقوم بها سوى برلمانات قوية معبرة عن القوى المنتجة، ومدى قدرتها على التغيير وعلى التضحيات الاقتصادية.
ستؤدي السنواتُ القادمة إلى تغيير طابع العمالة الاجنبية المكلفة، والسلع المعمرة البذخية، ومن هنا يَتطلب الأمرُ من البرلمانات رؤية المستقبل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستهبط مع هبوط أسعار النفط.
وذلك في إعادة تشكيل العمالة وإعادة تشكيل الأجيال التي انضمت إلى البطالةِ المقنعة في الوزارات الحكومية، عبر هدر قيم العملين المنتج اليدوي والمنتج الذهني.
إن الوعي الديني المسيس لا يستطيع أن يرى مشكلات البنية العميقة، وكون تحديث القوى العاملة العربية ضرورةَ بقاءٍ لمنطقة الخليج، طارحاً مشكلات الأخلاق بصورة مثالية مفارقة لقضايا الواقع الحقيقية. والفئاتُ الدينيةُ تحتاجُ إلى زمنٍ موضوعي وثقافة ذاتية مغايرة لكي تنضم إلى الطبقة التي هي جزءٌ منها وخارجة عنها وهي الطبقة المتوسطة بسببِ شكل وعيها الماضوي.
صحيفة الايام
9 يوليو 2010
مشاركة التيار الديمقراطي إثراء للتجربة البرلمانية
يتميز التيار الديمقراطي في البحرين بالخبرات والكوادر والقيادات ممن اثبتوا جدارتهم في كافة الظروف الطبيعية والاستثنائية عبر مراحل التاريخ الصعبة. والتاريخ الوطني لفصائل التيار الديمقراطي البحريني حافلة بالمنجزات المحفورة في الذاكرة الوطنية، وهي مكان اعتزاز وتقدير نظرا للتضحيات الجسيمة التي أنارت درب العمل الوطني كإنشاء لجنة حقوق الإنسان بالإضافة لما أسدته من دعم للقوى الوطنية الأخرى من منجزات.
قبل أيام قلائل أثار الدكتور حسن مدن رئيس جمعية المنبر الديمقراطي قضية هزت الرأي العام السياسي المنشغل أصلا بمسألة الانتخابات القادمة ومفادها انّ التيار الديمقراطي يتعرض لحملة بلغت حد التشكيك في مواقفه الوطنية وجاءت الهجمة على التيار منذ إعلان المنبر الديمقراطي التنافس في بعض الدوائر التي يحسبها تيار جمعية الوفاق ضمن مواقعه وبالتالي فلا يحق للآخرين الترشح فيها! هذا التشكيك لا ينّم عن حصافة سياسية، ويعد حسب د. مدن مؤامرة على المعارضة!.
ثمة حقائق لا بد من التنبه اليها ونحن نمر بمخاض انتخابي ومفصل سياسي يتطلب ضبط الأعصاب والحذر الشديد من إطلاق التصريحات غير الحكيمة والمدروسة. لعل في مقدمة تلك الحقائق أنّ المعارضة لا يمثلها فريق دون الآخر مهما كانت التضحيات والحجم الذي يتمتع به. والتيار الديمقراطي احد الفصائل السياسية التي لها دور مشهود ومحطات بارزة في مسار العمل الوطني منذ مرحلة الخمسينات من القرن المنصرم وليس من الحكمة التقليل من أهمية هذا الدور خاصة على صعيد التضحيات والسنوات الحافلة بالأزمات.
أننا نعتقد أن المنافسة الشريفة تتطلب إفساح المجال أمام كافة الأطياف السياسية المتباينة الرؤى والتوجهات ولا ضير من دخول أكثر من جماعة سياسية في دائرة انتخابية واحدة.
الأسس الديمقراطية السليمة ان تعرض كل التيارات برامجها الانتخابية أمام الجمهور وهو من له الحق في اختيار من يراه الأجدر بتمثيله في البرلمان القادم دون فرض اي شكل من الوصاية أو الإكراه الذي يأخذ مناحي عدة كتوظيف الشعارات الدينية لترجيح كفة على أخرى وهو ما اشرنا اليه غير مرة مما أثار تشنج البعض لبالغ الأسف.
في خضّم هذا الجدال المحتدم بين الفئات المعارضة يبرز تساؤل لبعض التيارات الإسلامية وملخصه: لماذا يُصوّر التيار الديمقراطي للرأي العام كما لو أنه يشكل بعبعاً ينوي ابتلاع التيارات الأخرى ويستهدف وجودها ومصيرها والتشكيك في نقائها النضالي؟ لقد استمعنا وعبر منابر إعلامية متعددة تكرار الخطاب ذاته حتى بلغ حد الغثيان، أما المبرر وراء هذا الشحن فيكمن انّ التيار الديمقراطي يتبنى رؤية فكرية مخالفة للرؤى الأخرى!
وهنا نرى من الأهمية بمكان الاسترشاد بالتجارب البرلمانية العريقة في دولة مجاورة كالكويت ونائية نسبيا كلبنان مثالاً يجسد أهمية مشاركة كل الأطياف وثرائها نظرا لما تتوافر عليه من بناء فكري وخبرة في العمل السياسي صقلتها تجارب طويلة ربما هي غير متوافرة للآخرين.
الذين عاصروا التجربة البرلمانية في سبعينات القرن الماضي لا شك إن ذاكرتهم تحتفظ ببقايا صور للتنوع المذهل البالغ النضج رغم قصر الفترة وكان أداء الكتلة الوطنية موضع إعجاب للمتابعين والمراقبين رغم قلة عددهم نسبيا.
إذا كان ما أورده د. حسن مدن صحيحاً من أنّ دوائر تعمل على إسقاط تاريخ الحركات الوطنية وهو تاريخ حافل بالتضحيات فانّ هذا يعد مؤشراً مؤسفاً وانحدارا في الوعي السياسي لا يليق بمن يحمل لواء المعارضة ومن يعد تاريخه محطات من المتاعب والآلام. انّ أسوأ ما تمر به الحركات المعارضة هو مثل هذه الحالات من التشظي والتراشق بالاتهامات من العيار الثقيل من قبيل التخوين والتسقيط. وتساق ببساطة دون التأمل في عواقبها وما تخلفه في ذهنية الجمهور الذي تحتفظ ذاكرته بصور زاهية لهؤلاء الرجال. لقد كانت الأمنية التي تداعب خاطر الكثيرين ان يشهدوا قائمة مشتركة تمثل أطياف المعارضة الست لكن الآمال تحطمت لا بتشتتهم بل بتبادل عبارات التخوين والتسقيط! وكنا نظن إننا تجاوزنا هذه المرحلة من التهويش التي تشبه “صراع الديكة” أو اللغة المتدنية التي تتساوى في انحدارها مع لغة القبائل ماو ماو التي تُشوى فيها لحوم المعارضين في قدور نحاسية ثم الإجهاز عليها!
وتبقى أمنية أخيرة ووحيدة أمام التيار الديمقراطي وموجزها انه في ظل استحالة الاتفاق على قائمة مشتركة للمعارضة فلا اقل من الاتفاق على قائمة موحدة تضم مرشحي التيار ونرجو ألا نصدم بتنافس مرشحين من التيار الديمقراطي في دائرة واحدة!
البلاد 7 يوليو 2010
التيار الديمقراطي… التيار الديني
كم هو مخجل أن تسمع كلاماً يعزز المفهوم المذهبي لا الوطني بلغة لا تخلو من الاستعلاء على باقي الأطياف السياسية التي تشكل مختلف القوى في البحرين… وهي لغة لا تعزز الحس والعمل الوطنيين بل تساهم في مزيد من الفرقة والتراشق فيما بين صفوف المعارضة متناسين أن ما جمع مطالب البحرينيين إبان حقبة هيئة الاتحاد الوطني هو الإنسان البحريني لا المسلم السني ولا المسلم الشيعي ولا غيرهما.
فقد كانوا يتحدثون بلغة واحدة وبأهداف مشتركة لم تقم على أسس طائفية أو عرقية أو مذهبية، ينادون إلى وحدة وطن اسمه البحرين لقهرالظلم الاستعماري.
إن الوحدة الوطنية هي التي تبتعد عن معتقدات الشخص؛ لأن هناك ضوابط. غير أن ما يخرج مثلاً من تصريحات بعض المنتمين إلى بعض التيارات الدينية يكرس للأسف نشر مفهوم خاطئ عن «العمل الوطني الديمقراطي». بمعنى آخر، يذهب في وضع مفاهيم تقسم المجتمع تخدم مصالح الطائفة في تناقض صارخ مع المبادئ الوطنية التي ينادون بها ويطرحونها، فهناك ازدواجية في الممارسة على أرض الواقع ولاسيما مع قرب موعد الانتخابات.
البحرين في القرن الماضي شهدت الكثير من الحركات والتنظيمات الوطنية من اليساريين والقوميين والبعثيين وهي تيارات عكست مراحل التحولات السياسية والاجتماعية التي عايشتها كجزء من تطور حراكها السياسي والاجتماعي مثلها مثل الدول العربية الأخرى. وهي تنظيمات عملت على روح وطنية واحدة ضمت الجميع دون النظر إلى المعتقدات أو العرق أو الإثنية. ولنطّلع على التنظيم اليساري لجبهة التحرير الوطني البحرانية وتاريخه في وحدة الصف، فهناك من ضحّى ورحل وهناك من مازال باقياً ينادي بالمبادئ نفسها حتى وقتنا الحالي رغم تفشي النعرات الطائفية.
من هنا نلاحظ أن بعض التنظيمات الدينية التي جاءت فيما بعد سعت ومازالت تسعى إلى فرض مفاهيم وتعاليم بعينها بالقوة على الآخرين؛ وهي هنا لا تتعلم أو حتى تستفيد من أسلوب المرجع الديني الكبير السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) في توحيد الشعوب والأمم في منطقتنا العربية.
ما أراه ويراه كثيرون غيري أن الساحة السياسية اليوم في البحرين بحاجة ماسّة إلى تحالف وطني – أي التيار الديمقراطي مع التيار الديني – والابتعاد عما يفرق وحدة الصف، والاتفاق على الخطوط الوحدوية بمختلف تلاوينها.
لذا من الضروري أن ننظر إلى العناصر التي توحدنا وعدم التمسك بنظرية الاستعلاء وتجاهل الماضي البعيد أو القريب، فلا يمكن لتنظيم واحد أن يقود الساحة؛ لأننا نعيش في زمن التعددية، بينما رياح التغيير التي عصفت على العالم وحتى على بعض دول الجوار لن تكون في منأى عن مناخنا السياسي. إن الوصول إلى البرلمان بقوى وطنية ضاغطة أفضل بكثير من قوة واحدة تعمل بحس الجماعة الواحدة.
صحيفة الوسط البحرينية 08 يوليو 2010م
ريح الجنة والليبرالية الحكومية
لا يمكن أن تتمازجَ وتتعاضدَ الليبراليةُ مع حكوماتِ رأسماليةِ الدولة، فثمة تناقضاتٌ جوهريةٌ بين الجانبين. لأن الليبرالية تدعو لتحريرِ السوق فيما رأسمالية الدولة تقومُ بالهيمنة على السوق، وبالتالي تختلف الظاهرات المُنتجة من قبل الطرفين خاصةً في مسائل الحرياتِ، والعقلانية، والعلمانية، بين التكوينين السياسيين الاجتماعيين المتضادين.
ومؤلف رواية(ريح الجنة) الأستاذ الباحث تركي الحمد يشتغلُ في تأسيس مثل هذه الليبرالية، وحين نأخذ روايتَهُ تلك كنموذجٍ لهذا الاشتغال فإننا فقط نقرأ شكل القالب الفني الذي يستخدمه لإنتاج تلك الرؤية.
فهي روايةٌ تحاول أن تجسد حدث 11 سبتمبر والهجوم على مواقع التجارة والنفوذ الكبرى في الولايات المتحدة، عبر مقاربة نماذج المهاجمين لتلك المواقع الأمريكية، وتصوير لحظات الهجوم والعودة إلى تواريخ سابقة لهذه الشخصيات.
يقوم الكاتب بقطع لحظات الاستعداد والتنفيذ للحدث عن جذور هؤلاء الشباب الذين قتلوا أنفسَهم وقتلوا آخرين كثيرين بشكلٍ فاجعٍ ومدمر، فكأنهم نبت صحراوي لا يمت لتاريخ اجتماعي سابق، ويتم التركيز في الخطاباتِ الفكريةِ السياسية المتماثلة تماماً طوال العمل، فهم يكررون العبارات المطولة نفسها على اعتبار أنفسهم ممثلين للإسلام الأول، النقي، الكامل، ويرددون عبارات يقطعونها من سياقِها التاريخي، ويعلقونها في الهواء، رغبةً في ادعاءِ التماثل مع النبوةِ والصحابة، من خلالِ استغلالِ الأشكال الخارجية الديكورية والعبارات المحفوظة المقطوعة من سياقاتِها القرآنية والتاريخية.
إن موقفَ المؤلف وموقف هذه الجماعات متماثل منهجياً، في قطعِ اللحظة المؤدلجة من سياق التاريخ.
المؤلف يقوم بجعلِ هؤلاء الشباب نباتاً عشوائياً ظهر مصادفة، وليس إنه جزءٌ من تاريخ اجتماعي صراعي طويل بدأ منذ مشاركة الاخوان في تكوينِ الدولة السعودية، وتمازج مع مؤسساتها وطرق أعمالها السياسية والاقتصادية والايديولوجية، ويتضح هذا في مشاركة الجانبين في النظر للوثائق الأساسية للمجتمع خاصة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بشكلٍ موحد لعقود عديدة، فهذا الشباب الإرهابي نتاجٌ طويلٌ لعملياتِ غسلِ دماغ، وقُطعوا منذ البدء عن الليبرالية والديمقراطية والتفتح عموماً، وكانت الدعوةُ السعودية في جوهرِها الأول هي من أجل حصول الجزيرة العربية على استقلالها عن السيطرة الغربية، وقد حققتها، لكن الاخوان ثم النسخ المتتالية منهم اعتبرت التحرر تحرراً عن البشرية ككل، فواصلت علاقة القطع مع العالم، غير قابلةٍ للدخول في عالم الحداثة والنضال مع الناس من خلالها للمزيد من التحرر والتقدم، وكانت حداثة النظام نفسه حداثة محدودة كذلك.
وهؤلاء الشباب المعروضون في السياق السردي يقومون بتكرار نصوص دينية مقدسة بشكل مستمر منذ بداية (الرواية) حتى نهايتها، ولو قطعنا هذه النصوص المنقولة من الكتب، لصارت الرواية قصة قصيرة مطولة.
لكن هؤلاء الشباب الذين اتخِذوا كأدواتٍ في مشروعٍ معارض عدمي، قُدموا عبر العمل كأبواق لأفكار، فالكاتب لا يجعلهم ينساقون مع تداعيات حرة، وعلاقات حرة بالواقع.
وهنا لا قيمة للشخوص، فهم أنفسهم يتكررون مع تفاصيل مقطوعة من ظروفٍ وأمكنةٍ ومجتمعات مثل مصر والسعودية وأفغانستان، ومن روايات الصحافة عن الحدث.
إن النقلَ شبه الحرفي، وسلقَ الشخوصِ والأحداث، والتقريرية في عرض النصوص الدينية والمواقف، تجعلُ الكاتبَ يطفحُ على سطحِ الواقعِ وجزئياتهِ المحدودة التي لا تتغلغلُ فيما هو جوهري وعميق، فرغم عنفية هؤلاء وانتحاريتهم السياسية، فهم انعكاساتٌ لمعاناةٍ شعبية وظروف قهر وفقر وسطحية دينية شعارية. لكن اللغة الليبرالية الدائرة في المناخ الحكومي لا تستطيع أن تتغلغل في كلية الواقع وتكشف صراعاته، فهي تستلُ خيطَ الشباب من تلٍ كبير، وتعرضهُ وحيداً كأنهُ كل الواقع.
فتدخلُ عبرَ هذا في الأدلجةِ السطحية والدعاية، التي تبدو متناقضة، فهي تعرضُ إرهابيةَ وجنونَ هؤلاء الشباب، ولكنها تقدمهم عبر طريقتها السطحية كأبطالٍ يجعلون القارئَ يُعجب بهم، على خلاف قصد الكاتب!
إن عدم موضوعية العرض وتقديم مادة خبرية تجعل المادة السردية مغايرة لمبنى الرواية، لما تتطلبه من تلك الموضوعية ومن تعدد وجهات النظر ومن العرض المتعدد الأصوات، والتغلغل في السياق التاريخي، فهي تغدو قصة بوليسية مع خطاباتٍ دينيةٍ مُلصقة ومقحمة بالقصة.
إن تسطيحَ الصور الأخروية كنموذج واحد لدى هؤلاء مثل ترديدهم المتكرر (حور العين) يتبدى في عدم فهم هذه المفردات المُكررة بشكل رهيب وعدم درسها وهي التي ظهرت في التاريخ لغرضٍ نضالي في بدء الدعوة، فالمحافظون والليبراليون الحكوميون يغيبون تاريخيةَ هذه الصورة ككل وأهميتها الثورية التأسيسية في عالم هائل من الشظفِ والفقر والحرمان، وهذا يشير إلى عدمِ درسِ وفهم المصطلحات النضالية لزمنيةٍ ما، فالمحافظون وقد شبعوا من نِعمِ الدنيا لا يأبهون لذلك، والليبراليون الحكوميون وقد أخذوا بعض هذه النعم لا يتجذرون عبر التاريخ العربي الإسلامي في فهم ذلك ومعرفة أسباب طيران هؤلاء الشباب نحو المصابيح كالفراشات المنتحرة.
إن العجز عن فهم التاريخ يتبدى كذلك عبر العجز عن فهم تاريخ الرواية أيضاً، والجانبان متداخلان، فالرواية تغتني بفهم التاريخ، وتغدو أكثر فنية، لكن اللغة الشعارية تسطح كل شيء.
صحيفة اخبار الخليج
8 يوليو 2010
ماذا فعلنا بأنفسنا؟
ما من كتاب حرضني على التأمل في أحوالنا مثل هذا الكتاب الذي سآتي على ذكره أدناه، حيث لسان حال كل واحد منا يقول، ماذا حدث لنا، كيف تبدلت أحوالنا ومظاهر سلوكنا، خذ مثلاً أمراً بسيطاً ويومياً جداً مثل الطريقة التي نسوق بها سياراتنا في الشوارع، حيث حلت علينا عادات التزاحم، والتجاوز، فما أكثر ما يداهمك أحدهم بسيارته وهو يدخل أمامك معترضاً، متجاوزاً صفاً من السيارات المنتظرة ليشق لنفسه طريقاً، دون عناء الانتظار، أو أن «يخبطك» أحدهم بسيارته، ويفر هارباً دون توقف كأن شيئاً لم يكن، كأن الصورة المأخوذة عن تهذيب البحرينيين وطيبة معشرهم ورقيهم في التعامل قد انقلبت إلى عكسها.
وما أمر المرور إلا ماثل بسيط، لكي لا ندخل في غلواء الطائفية، ولا في إلقاء التهم على الناس جزافاً برخص وخفة، ولا في افتقاد الروح الديمقراطية في الحوار، وغياب الأمانة والنزاهة الصحافية، وما إلى ذلك مما يتطلب، لرصده، مقالات لا مقالاً واحداً.
اما الكتاب الذي أعنيه فهو من أكثر الكتب التي صدرت خلال السنوات الماضية تشويقاً وفائدة، كتاب الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة الموسوم: «ماذا جرى للمصريين؟»، والحق أن مؤلفات أمين جميعها تستوقفنا وتفتح لنا مسالك جديدة نحو المعرفة، ولكن هذا الكتاب بالذات من أكثر الكتب التي اشتغلت بذكاء وبعمق شديدين على التحولات التي جرت في بلد مفصلي بالنسبة لنا جميعاً وليس لأهله وحدهم، ونعني به بالطبع مصر.
وجلال أمين لم يرد لكتابه هذا أن يكون تمجيداً لمصر فحسب، فهو كتبه بعين راصدة ناقدة، أراد بها تتبع وتشخيص ما حدث للمصريين من تغير في السلوك والعادات وأنماط التفكير والعيش تحت تأثير التبدلات الاقتصادية والاجتماعية والتغير في طبيعة النظم السياسية التي تعاقبت على مصر في تاريخها المعاصر، من دون أن يغفل علاقة ذلك بالتحولات في محيط مصر الإقليمي وبتأثيرات العولمة التي لم ينج منها بلد في العالم، حتى لو كان بلداً بعمق مصر الحضاري والبشري وفرادة تطورها منذ عصورها المبكرة.
وأنصح القارئ أن يعود لهذا الكتاب مراراً، إذا أراد تلمس التأثيرات الجارية في حياتنا جميعاً، لا في حياة المصريين وحدهم، لأنه يحملنا على الاعتقاد أنه بالإمكان أن تكون هناك كتب أخرى لمؤلفين آخرين تحمل عناوين من نوع: «ماذا جرى للخليجيين»، أو «ماذا جرى للسوريين»، أو «ماذا جرى للبنانيين» وعلى هذا المنوال يمكن مواصلة القياس.
والفكرة، على كل حال، ليست في العنوان، وإنما في منهج البحث الذي به تناول جلال أمين موضوعات الكتاب، فهو لم يكتب على طريقة بعض أساتذة الاقتصاد الذين لا يستطيعون قول شيء خارج جداول الإحصاء والأرقام، وإنما وظف عدته الفكرية، كمثقف موسوعي يقف على تخوم علوم عدة في تشريح موضوعاته.
وهكذا طاف بنا الباحث في شؤون السياسة وأهمية التحولات الديمقراطية، وتتبع تبدل عادات المصريين من طريقة اللبس إلى شكل السياحة والتصييف، إلى منظومة القيم التربوية والثقافية والأخلاقية، وهو بذا يستفزنا جميعاً لمراقبة كل مجتمعاتنا العربية، ما الذي تغير فيها، ويضعنا وجهاً لوجه أمام السؤال المر الكبير: لماذا فعلنا بأنفسنا كل هذا؟
صحيفة الايام
8 يوليو 2010
محمد حسين فضل الله…!
صباح الأحد 4 يوليو 2010، توقّف قلب المرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله، بعد معاناة مع المرض. وبذلك خسرت الأمة العربية والإسلامية مفكرا شجاعا وعقلا متنورا يؤمن بالحوار ويرفض التعصب يحاكي العصر ويحاور العلم، يبحث عما يجمع بين المذاهب و الطوائف و الأديان و ليس عما يفرق.
رحم الله السيد فضل الله و اسكنه فسيح جنانه
العلامة السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله)
محمد حسين فضل الله…!
بــأرض الـغــريّ…
هـــــلال ٌبــــــــدا…
يـشـبُّ عـلـى حـبِّ ذي مـتـربـة ْ
ويـرضـعُ وعـي َلــبــان ِالــفــُـرات
وفـي مـهــد تــنـويــمــة الـرافـديــن…
يـنـاجـي رؤى حـيــدر ٍوالـحـُسـَـيــن ْ
ويــنــهـلُ مـن عـيــن أسـلافـــه ِ…
فـآنـس مـن لــيــلــهِ ِكــوكــبـــة ْ
وحــيــن اسـتـــوى…
عـلـى عـوده فـي فـجـاج ِالـنــوى…
نــحــا كــربــــــــــلا…
إذ يــرود الـصـفــوف َ…
بــنــهــج الـطــفــوف ِ…
يــُرَشِّدُ رايـاتِـهـا الـواثـبــة ْ
فـأمـسى مــنــــاراً…
لـــنـبـذ ِالـخـضـوع ِ…
تـسـيــر الـجـمـوعُ…
بـهـدي ِعـمـامـتـه ِالـثـاقـبـة ْ…
وأمـثـولة هـي فـصـل ُالـخـطـاب ِ…
ورمــزُ الـغــِضــاب ِ…
إلـى رفـض ِغـاشـيـة ٍنـاهـبـــة ْ
وأن الـحـقــوقَ الـحـقــوق…
تـُنــال ُ مـع َالأنـفـس ِالـغـالـبــة ْ
فـصـارَ مـع الأرز ِأنـشـــودة …
تـردد بــيــروتُ أحــلامــهــا…
وحــاورَ شـرقـيُــهــا مـغــربَـه ْ
و كـان مـعَ الـقــدس ِزيـتــونــة…
ثـراها طـوى رفـضُـه غـاصـبـَـَه ْ
فـأنـسـن بـالـحـقِّ آثـــارَه…
وأيــَّّدَ مـن خـيـّــِر ٍ مـطـلـبــَه ْ
وحـيـن تـجـرأ صـمـت ُالـمـمـات ِ…
بـحـجـب الــحــيــــــــــاة ِ…
وغــــــــاب الــقــمــر ْ…
بــهــاءُ الــمُــحَــيّــــا…
وشـيـبـة آلامـك ِالـواهـبــة ْ
وكـاظـمُ غـيـظ َالـتـبـاريـح ِ فـي غـصّـة ٍ…
تـجـرّع مـن كـدر ٍ مـشـربـــه ْ
بحيث زمان الـخـنـى والـطـغـــام…
يـريـنـا – وفـي رجــب ٍ- أعـجـبـه ْ
يـردُّ الشـقـاءَ بـوعــد ِالـرخــاء ِ…
وتـبّــاً لـعــرقـوب مـا أكــذبــه ْ
نــعــم ســيــدي :
سـيـطـول الـنـضـال ُ…
بـصـدق ِالـمـثـــــال ِ…
وفـعـلـك فـي الـنـاس ِمـا أطـيـبـه ْ
نــعــم ســيــدي :
سـيـطـيـب الـمـقــال ُ…
بـنــبــل ِالـخـصــــال ِ…
وأسـمُـكَ فـي الـقـلـب ِ مـا أعـذبـَه ْ
نـــعـــم ســـيـــــــــدي
عبد الصمد الليث
3 يوليو 2010 م
الطائفية وعوائق الرأسمالية
في حراك الإسلام الأول كان مشروعُ السوق الكبير، كانت مكة مدينةً رأسماليةً واعدة، لا روابطَ كبيرةً ثقيلةً بالإقطاع، روابطها الاقتصادية بالمدن المجاورة بين هذا وذاك، بين جدة الميناء المفتوح، والطائف البستان التقليدي.
اللغةُ البضائعيةُ ساريةٌ فيها كالروحِ المنعشةِ الطائرةِ بها نحو الأسواقِ في المنطقةِ – العالم الاقتصادي، صيفاً وشتاء، تحليقاً نحو الأرباح والبناء والتوحيد، والإسلام يحجمُ العبوديةَ من دون قضاء عليها ويوزع الإقطاعات الصغيرَة تكسيراً للمُلكيات الكبيرة وسيطرتها على العاملين، ويرفضُ المَلكية المُعبرةَ عن تمركز المُلكيات الكبيرة في إيدٍ قليلة.
فضاء السوق كبير: البضاعة، والنقدان الروماني والفارسي، وحتى البشر يغدون بضاعة مكروهة، وأدوات الإنتاج، والمتاجر، والمخازن، وأدوات النقل، ثم تتسعُ الأدواتُ البضائعيةُ مع اتساع الدولة – الامبراطورية لتغدو عالميةً عربية رغم مخاطر التوسع الفضفاض، فُيسكّ النقدُ العربي، وتظهر الحوالات، وتنتشر العملتان الذهبيةُ والفضيةُ، شرقاً وغرباً إسلاميين.
إن ضخامة السوق العربي الإسلامي العالمية تغدو أكبر سوق تداول، على أساسين اقتصاديين زراعي وحِرفي، ومسألة الربا تجدُ تحايلات اقتصادية، رغم عدم زوال العقدة الدينية وسيطرة القراءات الحَرفية، التي تعطي الرأسمالين المسيحي واليهودي حضورين قويين في السوق.
وتؤدي الحرفُ تطورات حضارية في البناء المعماري والوعي الفلسفي، والكتابات.
إن تفاقم الصراعات القومية والاجتماعية بين الأمم الإسلامية يضيقُ السوقَ العالمية هذه، وهي صراعاتٌ تتحول لمذهبياتٍ متحاورةٍ بدءًا في عواصم الازدهار الاقتصادي ثم تغدو مغلقة متعادية بعد ذلك في الشظايا السياسية المتسعة، وتؤدي للتفتيت المتنامي، أولاً: دولٌ مركزية، ثم دويلات، ثم فسيفساء من كيانات هشة تتساقط كل بضع سنوات.
النقدُ الثمين يهرب لمناطق يحدثُ فيها تطورٌ اقتصادي، مثل شرق آسيا، وجنوب أوروبا، ومع استمرار التفتت الإسلامي وزوال البدايات الرأسمالية، يختفي النقدُ الذهبي، ويُسك النحاس والحديد، وتُصادر الأموالُ والبضائعُ، وتتضاءلُ الأسواق، وتختفي الأسواق الكبرى المركزية.
وترحلُ طرقُ التجارة عن وسطِ ودواخل العالم الإسلامي، الذي غدا نهباً لحروب القوميات والطبقات والأقاليم تحت مسميات المذاهب والطوائف، تتوجه هذه الطرقُ نحو البحار البعيدة، ويحدث تداولٌ سلعي كبيرٌ بين غرب أوروبا وجنوب آسيا وشرقها الأمر الذي يُحدثُ مجاعات في مناطق عديدة في العالم العربية خاصة.
إن تضاؤل العمل المأجور والسلع والنقد يترك بصماته على العودة لاقتصاديات ما قبل الرأسمالية الواعدة تلك، كتوسع الرقيق، حيث يتم سحب دماء غزيرة من شرق أفريقيا، ومن شعوب آسيوية، ويدفعها ذلك لغزو العالم الإسلامي، ويتم تضمين الأرض والمحاصصة فيها بأشكالٍ كثيرة متخلفة، تقود لجمود العلاقات الانتاجية في الأرياف.
في العصر الحديث ساعدت المقاربة مع الغرب ونمو الليبرالية والوطنية من تخفيف أثر الطائفيات المندمجة مع العلاقات ما قبل الرأسمالية، فحدثتْ وحداتٌ وطنية وتطوراتٌ اقتصادية كبيرة انتهتْ بأنظمةِ رأسماليةِ الدولة التي عجزتْ عن التطور الديمقراطي الحديث، فبعثتْ الطوائفَ السياسية والاجتماعية مجدداً.
إن تداخل رأسماليات الدول العربية الإسلامية مع الطائفيات يعني حدوث التطور الاقتصادي بشكلٍ غير متدرج وغير ديمقراطي، وقيام البناء الاقتصادي على أسس سياسية ومناطقية وقبلية ومذهبية.
لقد وجدت الأسواق بوفرة، وعادت العملات على أساس ذهبي، وظهرت المصانع، وانتشر العمل بالأجرة، وغاب الرقيق، لكن النظامَ الرأسمالي الديمقراطي لم يظهر.
تعني الطائفية في الاقتصاد غياب الريف عن التطور الاقتصادي العصري، وتخلف النساء، وتضخم أجهزة الدول بأشكال قرابية وطائفية.
إن انتشار الرأسمالية الحرة الذي لو تم كان يعني انتشار العلاقات البضائعية بشكلٍ متصاعد، وتفكيك الطوائف وحدوث تداخل وطني عميق، وانتشار الثقافة العقلانية الديمقراطية، وتحرر النساء، وقيام الأحزاب على أسس طبقية، وتغلغل العلاقات الرأسمالية في الأرياف، لكن أجهزةَ الدول قامتْ بحرقِ المرحلة وقفزت على التطور(الطبيعي) بدعاوى سياسية قومية ووطنية وتحديثية.
ورأسماليات الدول الآن عاجزة عن العودة للمسار الطبيعي، بسببِ تثاقلها بالامتيازات والهيمنة على الموارد، والمراوحة والثبات يقودان لتفكك الدول إلى عناصرها الأولية الطائفية والدينية والقومية التي لم تنصهر في عملية النهضة.
وهذا يؤدي إلى خسائر اقتصادية ودمار للرساميل التي تجمعت، ويحطم بعض الأسواق التي نشأت بشكل قومي كبير، ويضعف التطورات الاقتصادية التوحيدية، ويجعل الرساميل خارجية بصورة كبيرة.
صحيفة اخبار الخليج
7 يوليو 2010
التيار الوطني.. متى يكتب تاريخنا المستجد؟!
حقاً لا أدري إلى أي مدى استطاعت ندوة مجلس الدوي التي أقيمت مساء السبت الماضي تحت عنوان «تحديات وآفاق وحدة التيار الديمقراطي»، قد أجابت على مجمل تلك التساؤلات التي شغل بعضها حيزا من تفكير من أعدوا مشكورين للندوة ومنهم؛ الأستاذان الكريمان عبيدلي العبيدلي وشوقي العلوي المنشغلان مثل بقية أبناء وبنات هذا التيار ومعهم جموع غفيرة من أبناء شعبنا ممن تعنيهم وحدة ومستقبل التيار الوطني الديمقراطي، الذي هو بطبيعة مكوناته الفكرية والسياسية تيار موِحد وجامع ، بل هو ضرورة لا يستقيم معها ما يعتريه في الوقت الراهن من تمزق وضعف، نتيجة لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية، اتفق الجميع تقريبا في تلك الأمسية على ضرورة الإسراع في حلحلتها للخروج بهذا التيار الذي فيه تكمن وحدة نسيجنا الاجتماعي والوطني، بعد أن عاثت فيه القوى الطائفية ذات المصلحة تمزيقا وإضعافا، بغية التفرد بمكونات مجتمعنا التي أضحت محاصرة بكل تلك المفاهيم الطارئة على بيئة البحرين ثقافيا وحضاريا، ليصبح لزاما على كل المخلصين للبحرين ووجهها الحضاري المشرق سرعة المبادرة في لملمة شتات هذا التيار التاريخي والضرورة، حتى تستعيد البحرين معه وجهها الحقيقي وروحها المصادرة.
بداية يمكن القول ان حضور ندوة مجلس الدوي هذه هم في الأساس خليط من بعض أعضاء ومناصري الجمعيات الثلاث، المنبر التقدمي، جمعية العمل الوطني والتجمع القومي، بالإضافة إلى بعض المحسوبين على تيارات الإسلام السياسي وبعض التقنوقراط والمهتمين، وذلك ما فتح شهية الحضور للتداخل بشكل كبير، إلى الدرجة التي أحسسنا معها أحيانا وخلال مسار الندوة بضياع بوصلة الحوار بعيدا عن موضوع الندوة ذاته، ما انعكس على طبيعة مداخلات البعض أو حتى تشنجهم أحيانا، كما أن توقيت انعقاد الندوة ربما لم يساعد المتحدثين الثلاثة للحديث بشكل أكثر تفصيلا وإقناعا، خاصة في المنعرجات التي كانت تحتاج منهم جميعا لجرأة اكبر لسبر أغوار بعض القضايا الأساسية المرتبطة بشكل مباشر بالموضوع محل البحث، أضف إلى ذلك أننا لم نلحظ إصرارا من قبل من وضعوا المحاور الأولية للندوة للحصول على إجابات شافية على تساؤلاتهم المشروعة حول وحدة التيار الديمقراطي والتحديات والآفاق التي فيها يكمن عنوان الندوة، وحتى وإن نجح حوار تلك الأمسية في تجاوز ما اسماه مدير الندوة الأستاذ العبيدلي «المحاكمة أو المماحكة « إلا انه بكل تأكيد – أي الحوار – لم يصل بنا إلى حد الاقتناع بما تم طرحه من إجابات مقتضبة في أغلبها، كم تمنينا أن تكون أكثر وضوحا وفهما واستشرافا لآفاق وحدة التيار والعمل المشترك بين مكوناته وفي القلب منها الجمعيات الثلاث بكل ما تمثله من تاريخ وزخم نضالي، لازلنا نعتقد انه يحتاج إلى معالجات أكبر وأعمق.
ولكن، وعلى الرغم من ذلك يمكن اعتبار الندوة مدخلا مهما لحوارات أكثر غنى وفائدة مستقبلا، إذا استطاعت الجمعيات الثلاث أن تقنعنا من الآن فصاعدا بتوجهها الجاد لخلق أرضية سياسية مشتركة تفضي إلى عمل نوعي يتجاوز ما هو قائم من تنسيق في حدوده الدنيا، إلى ما هو أرحب بحيث يصبح بعده الحوار عن قيام تيار وطني مسؤولية مشتركة لدى الجميع، بعيدا عن أية حسابات ثانوية، يصح القول معها أنها ربما لا تخدم وحدة التيار ومستقبله، فالتفكير بشكل جاد في بناء تيار وطني ديمقراطي يحتاج من الجمعيات الثلاث ومعهم تيار واسع من الشخصيات الوطنية والمناصرين والأصدقاء للحديث بوضوح أكبر والإسهام بفاعلية ونقد بناء يتجاوز المجاملات والتربيت على الأكتاف كما يحصل أحياناً كثيرة، مثلما يحتاج إلى ذاكرة وشحذ للهمم، حتى نستطيع أن نضع أيدينا على مكامن الفشل ومصدر العلة، لندفع ونشجع من أجاد وأخلص، ولنقول في المقابل لمن تراخى عن الوصول لتلك المهمة الجليلة إنه كذلك، فلم يعد الوضع يقبل التغاضي عن أداء مهمة طال انتظارها من قبل كل الديمقراطيين المخلصين، ولا عيب في ذلك إن نحن اضطررنا للعودة قليلا إلى الوراء لأخذ العبر والدروس، ولكن ليس بغرض الهروب واستسهال إلقاء اللوم على الآخرين، فتلك مهمة تاريخية ومقدسة، أجد صادقاً أن على قيادات التيار الوطني وفي مقدمتهم قيادات الجمعيات الثلاث أن يكتبوا معها تاريخا جديدا وفاء للذين رحلوا مكللين بهالات الفخر، فهم ينظرون إلينا اليوم بأمل أن نمتلك جميعا الشجاعة والرؤية الثاقبة لقراءة المستقبل الذي هو رهن بقدرتنا على الإبداع والإخلاص في بلوغ المهمة، التي يجب ألا تترك نهبا لنوازع وأهواء من لا يعنيهم هذا التيار في شيء، فتضحيات ونضالات هذا التيار الذي شيد البحرين الحديثة برجاله وكوادره فيها دروس وعبر وزاد لمشوار طويل يكمن في ثناياه الوطن الذي علينا أن نحتضنه برفق ومودة واحترام أكبر لشعبنا الذي اظهر في العديد من المحطات عطشا كبيرا لتيار وطني جامع ينتشلنا ومعنا الوطن من أحقاد الطائفية وممارسات التمييز، لنبقى متمسكين بأهداب الحلم في بناء دولة مدنية عصرية ذات مؤسسات ديمقراطية حقيقية وانسجام شعبي أضحى مفتقدا بكل أسف، وذلك ما أفصحت عنه الندوة ومطالبات جمهورها.
صحيفة الايام
7 يوليو 2010
«معارضة» محسوبة على الحكومة
يمكن فهم المصطلح الجديد الذي خرج به عدد من الناطقين باسم جمعية الوفاق في تصريحات صحافية بوجود «معارضة محسوبة على الحكومة» تنافسها في عدد من الدوائر الانتخابية المغلقة حصراً على أعضائها ونوابها، فلم نفهم إن كان هؤلاء المنافسون محسوبين على المعارضة أم انهم محسوبون على الحكومة أم «نص ونص».
ما أريد من هذا الوصف وقبل اشتداد حمى المعركة الانتخابية هو التشكيك في مواقف ومبادئ جميع القوى الوطنية لتبقى الوفاق هي الجمعية المعارضة الوحيدة الخالصة «قلباً وقالباً»، حتى وإن كانت هذه القوى تدخل معها في تحالف وتتفق معها في جميع الملفات الوطنية ويتصدر قياديوها بجانب قياديي الوفاق المسيرات والاعتصامات المطالبة بوقف التجنيس والتمييز والتعديلات الدستورية.
ما تطرحه الوفاق من أن مطبخاً سياسياً يعد في الخفاء وبمساندة حكومية لتغليب مرشحين مستقلين أو محسوبين على قوى معارضة «ديمقراطية» لخفض عدد نواب الوفاق في المجلس النيابي المقبل لا يمكن أن ينطلي على أحد. فإن هم الحكومة الأول هو أن لا يكون للمعارضة أغلبية في المجلس المقبل – سواء كانت هذه المعارضة تمثل جمعية الوفاق أو غيرها من الجمعيات الديمقراطية – ولذلك قامت برسم الدوائر الانتخابية بصورة تضمن أغلبية «موالية»، كما ومن جانب آخر فإن ما تسعى إليه الحكومة هو وجود برلمان منقسم على نفسه ونواب يمثلون طوائفهم أكثر من تمثيلهم للمواطنين. ولذلك فإن المراكز العامة وأصوات المجنسين لم تستخدم في الانتخابات السابقة ضد مرشحي الوفاق بقدر ما استخدمت لضمان عدم وصول أي مرشح من القوى الديمقراطية لقبة البرلمان.
ليس مقبولاً من الوفاق وبعد أن رفضت حتى التنسيق (ولا نقول الدخول في لائحة موحدة) مع جمعيات التحالف السداسي أن تهدد الجمعيات التي ستنافسها في دوائرها بحيث تصرح «بأنها لن تغفر للجمعيات التي ستدخل معها في منافسة في الدوائر المحسوبة عليها»، وذلك ما يعارض الفكرة التي تطرحها الوفاق نفسها من أن التحالف والدخول في كتلة برلمانية موحدة للمعارضة يجب أن يكون بعد وصول المرشحين لمجلس النواب وليس في وقت الانتخابات.
يبدو أن الدعاية الانتخابية قد بدأت مبكراً، وان ما يطرحه البعض من تخوين للقوى الوطنية ليس إلا بداية الغيث، إذ من المتوقع تماماً أن يشتد وطيس المعركة الانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات وعندها لن يتورع الكثيرون من إلصاق أقذع التهم وأبشع الأوصاف بحلفاء الأمس.
صحيفة الوسط
6 يوليو 2010