المنشور

هاشمي رفسنجاني (2)

عَبَرَ هاشمي رفسنجاني عن مجموعةٍ من الازدواجيات الاجتماعية والفكرية والسياسية، كحالِ البرجوازيةِ الصغيرة الصاعدةِ لتكونَ برجوازيةً كبيرة، مرتكزةً إلى المُلكيةِ الخاصة والدينِ والسلطةِ، ففي ذلك الغبش الريفي البعيد عن العاصمةِ في الزمان والمكان، وعَبْرَ مزارعِ الفستق والقمح وعَبْرَ عملِ الفلاحين المستأجرين لعبَ الوعي الديني دورَهُ في صعودِ المجموعات السياسية اللابسة لباس المذهب العريق في أدوارهِ الاجتماعيةِ والفكريةِ والسياسية. إن عملَ الفلاحين الفقراء أتاحَ لهذه الفئاتِ الصغيرة الميسورة نسبياً إمكانيات التخصص السياسي والصعود على سلم القيادة.وجسد رفسنجاني بخصائصهِ تناقضاتِ هذه البنية الاجتماعية التي تجعلُ الفلاحينَ البسطاءَ يبقون في عالمهم التابع والمساند لهذه الفئات الصاعدة، عبر المذهب المشترك وعبر مضامين هذا المذهب الناقدة للطغيان والاستئثار بمقدراتِ الأمة، لكن مع بقاء هؤلاء الفلاحين في أوضاعهم الصعبة وإرثهم الديني.وتتضحُ بقوة مسألةُ عيشِ الفلاحين كقضية جوهرية في خضم الصراع السياسي الدائر بين القوى السياسية والدولة في إيران خاصة وعموم دول الشرق في هذا البرزخ التحولي من الإقطاع إلى الحداثة.في البدء لاحظنا هزيمةَ وتراجعَ الفئات الليبرالية التي قامت بنضالها على بعض تجار المدن وبعض المثقفين، نظراً لهشاشة هذه الفئات وضعفها الصناعي وعيشها بين بحر الفلاحين وتجار البازار. فجاءت معركة مصدق وهزيمة الجبهة الوطنية لتبين محدودية هذه القوى في التصدي لدولة كبيرة وقوة أجنبية.ومن هذا الفراغ السياسي بدأ تحريك المذهب سياسياً بشكل جديد، لكونه يرتبط بملايين الفلاحين وكان أداة الحراك السياسي عبر قرون، فيستطيع عبر مؤسساته العبادية جذبهم إلى دائرة الصراع السياسي، ولكن هذه العملية التسريعية المتخلفة تعيدُ الصراعَ الوطني إلى الوراء، ففي حين تتطلع الدولةُ المَلكيةُ إلى الحداثة تقوم المجموعاتُ الدينيةُ بطرحِ نموذج الماضي وتستلُ منه أهدافاً سياسية، عبر الممارسات العبادية المرتبطة بقرون سابقة، مما يؤدي إلى تناقض عميق مستقبلي.وبسبب حماقة الدولة المَلكية ومحاولة فرضها التحديث من فوق واستغلالها المواردَ للبذخ ولتضخيم الجيش وشراء السلاح وبعض المشروعات الصناعية المفيدة، فإنها غدت هدفاً سهلاً للهجوم الديني السياسي.لم يكن الدينيون يتطلعون إلا إلى الاستيلاء على السلطة، فكان الصراع يجري للهيمنة على الحكم، ومنع مشروع الدولة التحديثية من البروز والتوسع، وهو الذي نما من خلال تلك القيادة المَلكية الإقصائية للروحانيين.ومع غيابِ آية الله العظمي البروجردي وهو الحلُ الوسط بين الطرفين، توسع وتعمق التناقضُ بين الدينيين والشاه.كان حدث (الثورة البيضاء) يوضح رؤيتي الشاه والدينيين تجاه الأغلبية الشعبية، أو قلْ رؤية كلٌ من الإقطاعِ السياسي والإقطاعِ الديني تجاه الفلاحين؛ منتجي الأرض وأغلبية الناس. فالشاه زعم أنه سينقذهم من الفقر والإقطاع لكنه لم يفعل ذلك، واستفاد الموظفون والتجار الكبار من توزيع بعض الأراضي، رغم بعض التحولات المفيدة التي جرت في الريف، لكن توسع العمليات الرأسمالية من قبل هؤلاء الكبار على مدى عقود قاد إلى فيضٍ سكاني معدم من القرى نحو المدن، مع عدم تطور الزراعة وجمودها.هنا كان هاشمي رفسنجاني يحاور الخميني عن الموقف الصائب الذي يجب اتخاذه وهو يشير – أي رفسنجاني- بأن (الإصلاحات) يمكن الاستفادة منها بحسه العملي الشعبي. لكن الخميني في مشروعهِ المناقض على طول الخط للسلطة رأى (نفاق) هذا الإصلاح وعدم جديته، وإنه مثل باقي عملية التحديث سيؤدي إلى فساد المجتمع والنساء وإضعاف الدين، وإنه بالتالي يجب الوقوف ضد توزيع الأراضي على الفقراء! وأصر على أن أي مشروع تطرحه الدولة عبر هذه الرؤية يجب الوقوف ضده، وتحريك المجموعات الدينية لنقده، وتحريك الشعب بالتالي لهدم النظام، وهذه الفكرة أخذت نمواً مرحلياً.هنا تتشكلُ إيديولوجيةٌ دكتاتوريةٌ مضادةٌ لنظامٍ دكتاتوري، وتُبرز في الدعاية السياسية جميع الجزئيات غير المقبولة دينياً لتصعيدِ الصراع، مثل مشروع القَسم الذي تُلغى منه الكلمات الدينية، ومثل اتفاقية العلاقة مع الجيش الأمريكي، أو عمليات تحديث قوانين الأسرة الخ. لكن الغريب هو الوقوف ضد عمليات توزيع الأراضي على الفلاحين وتعديل أوضاع الفقراء في القرى فكيف يقوم رجال الدين بالوقوف ضدها؟ وهو جعل رفسنجاني حائراً لفترة. لكنهم برروا ذلك بأنه خدعة سياسية، لكنهم في أعماقهم كانوا لا يريدون تغيير أحوال الفلاحين وتحويل الملكية الخاصة الاستغلالية، كما أن المهم لديهم هو تأجيج الصراع ضد النظام!إن عمليات تطوير الفقه والنضال لتغيير وضع الفلاحين والنساء وحرية العقول مرتبطة ببعضها البعض، فإن تجميدَ الفقه والقفزة السياسية فوق ظهور الجماهير كلتيهما شمولية على المستويين، في حين أن تجاوب الفقه مع تغيير أحوال حريات الفقراء والنساء والفكر يقود إلى ديمقراطية متدرجة عقلانية.شارك رفسنجاني بقوة في حدث 15 خرداد(5 يونيو 1963) الذي قفز على التطور الفقهي الإصلاحي المتدرج وأدخلَ قسماً من الروحانيين في عمليات الصراع السياسي الكبرى أي المواجهة الشاملة ضد النظام، وقد عرضه ذلك للاعتقال مراراً، بل للتعذيب الشرس القاسي، وهو لا يزالُ يوسعُ علاقاتهِ بالقادةِ الذين يظهرون في معمعان الصراع هذا، سواءً على المستوى الوطني أو العربي الإسلامي.وكما أنه وظفَ الحسينيات للدعاية السياسية فقد استفاد منها مادياً، وتنامى عمله التجاري كثيراً مع صلاته الاجتماعية والسياسية الواسعة، فيخبرنا في كتابه(حياتي) – دار الساقي ط1 2005 بحيازته أموالاً كثيرة مخصصة للنشاط السياسي وقد ضاع بعضها بسبب مشكلات سياسية وقضائية وتوزع بعضها بين كوادر الحركة السياسية، مثلما تنامى ماله الخاص، واستطاع أن يوازن بين تضحياته وثرائه المتصاعد المعتمد على مشروعاته الذكية.لقد اكتسبَ هاشمي خبرةً واسعةً وصلابةً قوية في النضال عبر رؤيته للمجموعات السياسية وأطروحاتها وتشكيل جماعته المتنامية، ومعرفة خبايا الحكم، وتغلغلَ في الأسواق وفهمَ الاقتصاد واحتك بجميع فئات الشعب، وكانت كل هذه الممارسة زاده لكي يكون رئيساً مؤثراً في حقبة سياسية طويلة قادمة.

 
صحيفة الايام
6 يونيو 2010
اقرأ المزيد

الإنسانية تنتفض ضد الفاشية الإسرائيلية

قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬كما هو معروف،‮ ‬محاصر منذ‮ ‬يونيو‮ ‬‭,‬2007‮ ‬براً‮ ‬وبحراً‮ ‬وجواً،‮ ‬حيث تسد إسرائيل كافة منافذ القطاع الحدودية معها،‮ ‬فيما تحكم مصر سيطرتها على المنفذ الآخر للقطاع على العالم وهو منفذ رفح الحدودي‮ ‬مع مصر‮.‬
ويشمل الحصار الإسرائيلي‮ ‬على القطاع منع وتقنين دخول المحروقات والكهرباء والسلع ومواد البناء ومنع الصيد في‮ ‬عرض البحر‮. ‬علماً‮ ‬بأن إسرائيل قامت عدة مرات،‮ ‬آخرها قبل حوالي‮ ‬أسبوع،‮ ‬بقصف مطار‮ ‬غزة الدولي‮ ‬الذي‮ ‬هو المطار الوحيد في‮ ‬القطاع،‮ ‬رغم أن مبنى ومدرج المطار مدمران بالكامل بواسطة الطائرات الحربية الإسرائيلية‮.‬
السؤال الآن‮: ‬كيف قُيِّض لإسرائيل أن تنجح في‮ ‬فرض هذا الحصار الإجرامي‮ ‬طوال هذه المدة من دون أن تلقى أية إدانة دولية جادة ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية،‮ ‬من حيث تحويلها مدينة‮ ‬غزة إلى سجن محكم الإغلاق تتحكم في‮ ‬منافذ الدخول والخروج منه؟‮.‬
إنها نجحت في‮ ‬ذلك بفضل التواطؤ الغربي‮ ‬والسكوت الإقليمي‮ ‬على جريمتها‮. ‬ولمَّا لم تتعرض لأية ضغوط تدفعها لفك هذا الحصار فما الذي‮ ‬يجبرها على فعل ذلك‮!‬
ولكن مهندسي‮ ‬جريمة الحصار ومنفذيها الصهاينة والمتواطئين معهم إذا كانوا قد ضمنوا مواقف الحكومات في‮ ‬الغرب وفي‮ ‬الشرق فإنهم لم‮ ‬يتنبهوا على ما بدا حتى الآن،‮ ‬لما‮ ‬يمكن أن تؤول إليه حالة النهوض السلمي‮ ‬والإنساني‮ ‬الكوكبي‮ ‬لحركات وتحركات منظمات المجتمع المدني‮ ‬عبر العالم والتي‮ ‬أثبتت بانتفاضتها الإنسانية ضد جريمة الحصار الجماعي،‮ ‬أن الإنسانية لم تمت وأن ضميرها مازال‮ ‬ينبض بالحياة وبقوة لم‮ ‬يتوقعها المجرمون الوالغون في‮ ‬دماء ومعاناة وآلام ضحاياهم المحاصرين داخل السجن الرهيب‮.‬
ولذا فإن الوضع المزري‮ ‬تحديداً‮ ‬الذي‮ ‬وضع المحتل الإسرائيلي‮ ‬سكان القطاع فيه هو الذي‮ ‬حرَّك ضمير منسق الشؤون الإنسانية في‮ ‬الأمم المتحدة ماكسويل‮ ‬غيلارد ودفعه لنعت هذا الحصار الإجرامي‮ ‬بأنه‮ ‘‬اعتداء على الكرامة الإنسانية‮’.‬
وكانت منظمات المجتمع المدني‮ ‬ومنظمات الإغاثة الإنسانية في‮ ‬أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط قد بدأت في‮ ‬اتخاذ إجراءات عملية لكسر هذا الحصار اللاإنساني‮ ‬من خلال تنظيم قوافل إغاثة إنسانية إلى قطاع‮ ‬غزة المحاصر‮. ‬وقد نجحت هذه الحملات سواء في‮ ‬توصيل المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين أو توصيل الرسالة الإنسانية التي‮ ‬تستصرخ الضمير العالمي‮ ‬بتسليطها الأضواء على هذه المأساة الإنسانية العظيمة‮.‬
الأهم من كل هذا أن نشطاء حملات التضامن مع سكان القطاع المحاصرين قد نجحت في‮ ‬تحويل طبيعة المواجهة من مواجهة إسرائيلية فلسطينية‮ (‬غزاوية إن شئتم‮) ‬إلى مواجهة إسرائيلية دولية،‮ ‬بعد أن نجح منظمو حملات كسر الحصار في‮ ‬خلق أوسع تمثيل دولي‮ ‬منخرط كلياً‮ ‬في‮ ‬أنشطة الحملة،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن زيادة أعداد المشاركين في‮ ‬قوافل نقل المساعدات إلى القطاع المحاصر وكسر الحصار المفروض عليها‮.‬
الأمر هذه المرة اختلف بعض الشيء،‮ ‬فلقد اختارت تركيا أن تتصدر المشهد هذه المرة وأن تكون مركز الثقل الرئيسي‮ ‬في‮ ‬حملة التضامن العالمية مع المحاصرين داخل قطاع‮ ‬غزة‮. ‬فكانت المشاركة في‮ ‬غالبيتها تركية،‮ ‬وكانت الموانئ اللوجستية لانطلاق أسطول قافلة الإغاثة التي‮ ‬سميت بقافلة الحرية،‮ ‬موانئ تركية،‮ ‬وكانت أكبر السفن التي‮ ‬استوعبت ونقلت المشاركين في‮ ‬حملة التضامن الدولية،‮ ‬سفينة تركية‮ (‬مرمرة‮). ‬وكانت المنظمات الإغاثية التركية في‮ ‬مقدمة منظمات الإغاثة المنظمة للرحلة‮.‬
هي‮ ‬إذاً‮ ‬رسالة تركية بالغة القوة والتحدي‮ ‬للصلف والغرور والعنجهية الإسرائيلية‮. ‬لقد أراد رئيس الوزراء التركي‮ ‬رجب طيب أردوغان أن‮ ‬يمرغ‮ ‬إسرائيل أخلاقياً‮ ‬في‮ ‬الوحل‮. ‬فهو‮ ‬يدرك،‮ ‬كسياسي‮ ‬يتمتع بدهاء واضح،‮ ‬أن إسرائيل لن تحتمل هذا العرض الإنساني‮ ‬الدولي‮ ‬لقوة التضامن الذي‮ ‬تم حشده من حوالي‮ ‬42‮ ‬بلداً‮ ‬والذي‮ ‬حُرِص خلاله على أن‮ ‬يشمل نشطاء من ذوي‮ ‬ثقل واعتبار سياسي‮ ‬ونيابي‮ ‬وأكاديمي‮ ‬عال‮.. ‬وأنها سوف تستخدم القوة الباطشة،‮ ‬على جري‮ ‬عادتها،‮ ‬للهجوم على السفن التي‮ ‬أقلت الناشطين الدوليين،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬سيجعلها عاريةً‮ ‬تماماً‮ ‬أمام الرأي‮ ‬العام العالمي‮ ‬الذي‮ ‬أصبح الوصول إليه أسهل من عبور الشارع في‮ ‬الناحية المقابلة‮.‬
وهذا ما حدث بالفعل،‮ ‬فلقد نفذ الإسرائيليون تهديداتهم بالهجوم على سفن الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى‮ ‬غزة واقتيادها إلى ميناء أشدود،‮ ‬حيث حوّل الجيش الإسرائيلي‮ ‬المكان الذي‮ ‬كانت تبحر فيه سفن أسطول الحرية،‮ ‬وهو مكان‮ ‬يبعد كثيراً‮ ‬عن المياه الإقليمية الإسرائيلية‮ (‬على بعد حوالي‮ ‬60‮ ‬كيلومتراً‮ ‬من الشواطئ الإسرائيلية بينما تبلغ‮ ‬مسافة المياه الإقليمية حسب القانون الدولي‮ ‬حوالي‮ ‬15‮ ‬كيلومتراً‮ ‬أو‮ ‬12‮ ‬ميلاً‮ ‬بحرياً‮) ‬حولته في‮ ‬ساعات الصباح الأولى من‮ ‬يوم الاثنين‮ ‬31‮ ‬مايو إلى ميدان معركة حقيقية استخدمت فيه إسرائيل الطائرات العمودية والسفن الحربية والزوارق الحربية السريعة وقوات الكوماندوز،‮ ‬لترتكب بذلك مجزرة بشرية جديدة تضاف إلى سجل مجازرها الحافل،‮ ‬حيث ذهب ضحية هذا الهجوم الهمجي‮ ‬على الناشطين المدنيين العزل تسعة قتلى وعشرات الجرحى قبل أن تقتاد السفن المختطفة في‮ ‬أعالي‮ ‬البحار على طريقة القراصنة،‮ ‬إلى ميناء أشدود وتودع المشاركين سجونها‮.‬
ربما‮ ‬يكون القادة الإسرائيليون الذين لم تنقطع اجتماعاتهم المافيوية منذ الإعلان عن تدشين حملة التضامن الجديدة لبحث الطريقة الإجرامية المناسبة للتصدي‮ ‬لحملة التضامن الدولية الرامية كسر الحصار المفروض على‮ ‬غزة،‮ ‬ربما‮ ‬يكونون أرادوا من استخدام هذه الوحشية ضد المشاركين في‮ ‬الحملة،‮ ‬رد الرسالة إلى الأتراك ومن خلالها إلى كل الجهات والمنظمات الإنسانية الدولية الناشطة في‮ ‬مجال الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني‮ ‬المحاصر في‮ ‬غزة،‮ ‬بأن مصير نشطائها إن فكروا ثانية في‮ ‬تكرار المحاولة لن‮ ‬يكون بأفضل من المصير الذي‮ ‬انتهى إليه مصير المشاركين في‮ ‬حملة أسطول الحرية‮.‬
إنما الذي‮ ‬سيحدث عكس ذلك،‮ ‬فالحملة جذبت الانتباه العالمي‮ ‬الآن إلى جريمة الحصار وبشاعتها،‮ ‬ولذا فإن المتوقع أن‮ ‬يزداد ويتسع نطاقها على‮ ‬غرار ما حدث للحملة الدولية المناهضة للحرب الأمريكية ضد العراق‮.‬
بالأمس،‮ ‬وتحديداً‮ ‬في‮ ‬23‮ ‬أغسطس‮ ‬2008‮ ‬نجح‮ ‬44‮ ‬متضامناً‮ ‬دولياً‮ ‬ينتمون إلى‮ ‬17‮ ‬دولة في‮ ‬ارتياد البحر على متن سفينتين أسموهما‮ ‘‬غزة حرة‮’ ‬و‮’‬الحرية‮’ ‬وكسر الحصار الإسرائيلي‮ ‬المفروض على‮ ‬غزة لأول مرة،‮ ‬حيث انطلقت السفينتان من قبرص‮ ‬يوم‮ ‬22‮ ‬أغسطس محملتين بالمساعدات الإنسانية،‮ ‬ووصلتا إلى القطاع بعد أن واجهتا تهديدات من الإسرائيليين وألغاماً‮ ‬بحرية زرعوها في‮ ‬طريق إبحار السفينتين فضلاً‮ ‬عن التشويش على أجهزة اتصالات السفينتين قبل أن تغادر القطاع‮ ‬يوم‮ ‬28‮ ‬سبتمبر‮.‬
هذه المرة ارتفع عدد السفن إلى خمس وكان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون أكثر،‮ ‬وزاد عدد المشاركين في‮ ‬الحملة إلى حوالي‮ ‬680‮ ‬متضامناً،‮ ‬وارتفع عدد الدول التي‮ ‬ينتمون إليها إلى‮ ‬42‮ ‬دولة‮.‬
بهذا المعنى،‮ ‬وبهذه الإدانات الدولية الواسعة للهجوم الهمجي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬على سفن الإغاثة الإنسانية،‮ ‬وهذا الزخم الإنساني‮ ‬الذي‮ ‬ولدته حملة التضامن الدولية لكسر الحصار الإسرائيلي‮ ‬على‮ ‬غزة،‮ ‬يمكن القول إن الإنسانية إذ تنتفض ضد الفاشية الإسرائيلية المتمادية،‮ ‬فإنها تكون قد هزمت هذه الفاشية أخلاقياً‮ ‬ومعنوياً‮ ‬وسياسياً‮ ‬أيضاً‮.
 
صحيفة الوطن
6 مايو 2010

اقرأ المزيد

هاشمي رفسنجاني(1)

لم يرتبط أحدٌ بمصيري الثورة والدولة الإيرانيتين على مدى الثلاثة العقود السابقة كما ارتبط بهما هاشمي رفسنجاني، فقد وُلد في خلايا الثورةِ الصغيرةِ في مدينة قم وبراعمها الغضة، حين أسستْ أولَ نشرةٍ متواضعةٍ ووزعتها عبرَ البريد، ثم صارَ الرجلُ في كلِ مواقعها المتقدمة على مدى كل السنوات حين انتصرت وصارت دولة كبيرة لها آثار على المنطقة والعالم.والآن نأتي في هذه اللحظة في سنة 2010 لكي يُـقذف القائد بكل أنواع التهم والحجارة!؟ وهذا يدل على تناقضات التاريخ الغريبة، فكيف جرى كل هذ؟!لقد وُلد سنة 1934 بمدينة رفسنجان بمقاطعة كرمان، في عائلةٍ تجمع بين المُلكية والعمل، بين الطابع الريفي والهوى المدني، بين الانتماء للإقطاع القديم والبرجوازية الباحثة عن التغيير، أقدامُها في الماضي ونظرها إلى الحداثة والتقدم.وتشكل هذا التجميع بين الجانبين المتضادين في شخصية هاشمي وهو غيرُ منتمٍ إلى الأسرةِ الهاشمية المعروفة، وظهر في عائلةٍ شيعية تعكسُ في إيران نضالَ ألف سنة من التغلغل الإمامي في بيئة مجوسية ثم في سنية محافظة ثم في إماميات أخرى، وهذا التتويج خلقَ شبكةً هائلةً من رجالِ الدين في كلِ حي بمدينة وفي كل قرية، فحفرتْ الإثناعشرية نفسها كمفتاحٍ أساسي للتحولِ والنضال في إيران، وكان فرحُ هاشمي في بلدته الزراعية الخصبة بالفستق والقمح والفواكه، وبالغنى النسبي لعائلته، وبمذهبه، تعبيراً عن شخصية منفتحة صبورة كالفلاح ورائية للغد كالتاجر بعيد النظر.إن الحضورَ الشاملَ للمذهب يتشكلُ من إسراع هاشمي ليكون فقيها فيغادرُ قريتَهُ مع أخيه، وفي الحين ذاته تمضي العائلة إلى زيارة النجف، ثم هو يتجذرُ في مدرسيةِ قُم، التي كانت مركزاً جديداً للفقه الشيعي، لكن المركزَ اكتسب حيويةً هائلة بسبب الغليان الديني الذي يجري في أعماق هذا الشعب الموحد الكبير النهضوي، والغليان القومي المتأجج الذي لم يُمسّ باحتلال غربي.فيما بعد الحرب العالمية الثانية كان العالم النامي المستعمر في حالةِ ثوران، فكلُ البلدان كانت تتحررُ وتنتفض، وهذا الغليان تسرب بقوة للشعب الإيراني!لكن في هذا التأجج التحرري كانت حكومةُ الولايات المتحدة في ذلك الحين قد دبرت انقلاباً أطاح برئيس الوزراء الإيراني المحبوب، مصدق، وأنشأت نظاماً تابعاً، وأطلقت يد الشاه الشاب في الهيمنة، وهو وريثٌ غيرُ ذي تجربة، وعائلتهُ الصغيرة تفتقدُ إلى سلالةٍ مؤثرة ذات تجربة عريضة، فعوض هذا النقصَ الثقافي في تاريخ شعبه بغرور إمبراطوري، وجاءته ثروةُ النفط فتبطر أكثر.هذه الحمى السياسية التي كانت ترفعُ النظامَ إلى انتفاخ البالونة السماوية، كانت تجعلُ شبابَ الأرياف يعودُ إلى جذورهِ البسيطة المدرسية المحافظة ويتصورُ انها مفاتيح العالم، ويخبرنا هاشمي في مذكراتهِ كيف عاشَ وتعلم في مدينة قم، وكيف حفظَ نصفَ القرآن وألفيةَ ابن مالك وكيف درسَ على يد رجال دين عديدين مسائل المنطق وعلم الأصول وأقساماً من الفقه ومن التفسير والفلسفة. دراساتٌ وقراءاتٌ كلها تقليدية ليس فيها الاقتصاد السياسي والفلسفة الحديثة وغيرهما، ولكن تلك العلوم التقليدية هي التي ستكونُ قادةَ دولة حديثة.في التعلم تتشكلُ العلاقاتُ الدينيةُ والسياسية، وكان أحدُ جيرانه المرموقين الإمام الخميني، وهناك آخرون مثل آية الله شريعتمداري، وكانت المظلةُ الدينيةُ كلها تحت قيادة آية الله العظمى البروجردي، وهذا الرجلُ قد أسس بالشكلِ الموسع مركزَ قم الديني في إيران والعالم الإسلامي والعالم وقرّبهُ من العصر.ومع هذا فقد كانت الانتقاداتُ تنصبُ عليه، وقد عبرت الانتقادات عن الطابعِ المحافظِ الجامد للبروجردي كما كانوا يقولون، فهو لم يستطعْ أن يعبرَ عن ذلك الغليان الشيعي القومي الإيراني كما كانوا يريدون، وكان يتبادل التحيات والمجاملات مع الشاه، ويُسيّرُ أمورَ الطائفةِ بشكلٍ هادئ رفيق، مثلما يعرفُ السياسةَ بعمق، ولكنه لم يُردْ أن يورطَ الطائفة في صراعٍ تاريخي هي غير مُعدة له فيجري إقحامها في الصراعات السياسية الكبرى، وفضل التأني والصبر والبناء الفكري المتريث، وحين مات ظهرتْ الفجوةُ الكبيرة في كيانِ المرجعية بين قطب ماضوي راحل محافظ لم يُسيس الطائفة وبين قادة جدد متحمسون لذلك، وتدخلتْ السلطةُ في الترشيح لمواصلةِ مثل ذلك الخط الهادئ، وبدا أن السيطرةَ على قيادة المرجعية ذات أهمية تاريخية سياسية كبيرة!لقد قامت بعضُ الحيثيات العملية الصغيرة في مدينة قم لنقلةٍ غيرِ متوقعة في غياب مرجعيةٍ تاريخية كبرى، فقد أحاطَ تلامذةٌ نشطون بالخميني، الهادئ، المنعزل الدارس، ورُددت انتقادات للبروجردي كانت مرفوضة عنده، رغم أن التلامذة لم يوافقوا على سلبية البروجردي السياسية، وأيدوا انتقادات الخميني الذي كان قد كتبَ كتاباً أدبياً ينتقدُ فيه الشاه! وراح منذ ذلك الحين يُصعد انتقاداتٍ مهمةً للنظام. لقد جذبت هذه الانتقادات رجالُ الدين الشباب، وكان من أبرزهم رفسنجاني، الذي جمع أول حلقة في مسيرة الثورة الطويلة من هنا، عبر إصدار نشرة تُوزع في مختلف أنحاء البلاد بإمكانيات فقيرة، ولكنه وهو الديني النشط والتاجر الذكي، الذي تمكن من آلية الوعظ واستثمره للتوعية والحصول على دخل للمعيشة، حول عمله السياسي التوعوي إلى مطبعة تجارية كذلك. وكان شريكه في حلقات هذا العمل النضالي خامني إيه المرشد الحالي فقد تزاورا وعاشا في بيت واحد أُعد للقيادة في طهران.هذه المهارة على الجانبين الديني والمعيشي، التي يتمتع بها هاشمي استمرت على مدى عمره السياسي ونضالاته المختلفة، فكان في مرحلة الصراع مع السفاك يبني بيوتاً ويبيعها كما ألف كتابين حصل منهما على شيءٍ من الدخل، لكن هذه الجوانب المعيشية والكتابية لم توقف عمله الرئيسي في القيادة السياسية!لقد تعهد رفسنجاني تلك النبتة الفكرية – السياسية الصغيرة حتى صارت شجرة عملاقة فيما بعد من السنين.

 
صحيفة اخبار الخليج
6 مايو 2010
اقرأ المزيد

عن الانتخابات القادمة

سأل احد الاصدقاء وهو يتحدث عن الانتخابات النيابية والبلدية القادمة .. ماذا تتوقع؟
قلت له: اغلب التوقعات والتكهنات تشير الى فوز الكتل الاسلامية والسبب لا يعود فقط الى هذه الكتل التي تستغل دور العبادة لاهداف انتخابية وكذلك العمل الخيري، وانما يعود ايضاً الى التيار الديمقراطي الذي ومن المؤسف الى الآن لم يعمل بشكل متجانس وفق رؤية واضحة، والادهى من ذلك انه لايزال يعول على مساندة القوى الدينية المعارضة، في حين ان هذه القوى لها حساباتها السياسية والحزبية التي لا يمكن ان تتنازل عنها، اي بالعربي الفصيح رغم كل القواسم المطلبية المشتركة معها فان هذه القوى لا تقبل في دوائرها الانتخابية مرشحاً مخالفاً لها فكرياً وسياسياً.
قال: كثيراً ما نسمع عن تذمر الناس من اداء النواب ومن الكتل الاسلامية السياسية تحديداً لان هذه الكتل كانت وعودها اكثر من انجازاتها وبالتالي ألا تعتقد ان هذا التذمر قد يغير بعض الشيء من تركيبة المجلس القادم؟
قلت: ربما يحدث ذلك ولكن يعتمد على مدى قوة تحالف التيار الديمقراطي مع التجار والشخصيات الوطنية والليبرالية المستقلة ومن هنا ولطالما السياسة فن الممكن، فالممكن هنا هو هذا التحالف الذي ولمصلحة الدولة المدنية والتحديث والتطوير يجب ان يحدث.
قال لي: التجار الذين تتحدث عنهم لهم مصالحهم الخاصة ومن المؤكد ان نشاطهم كنواب يخدم هذه المصالح.
قلت: هذه حقيقة وتقاطع المصالح تفرض عليك هذا النوع من التحالفات على الاقل في الظروف الحالية التي تتعرض فيها الدولة المدنية للخطر او من غير ذلك ما العمل؟
اذن ليس هناك شيء اكثر اهمية من ترتيب البيت الديمقراطي المتصدع والشيء الآخر الذي لابد من التفكير فيه هو التحالف مع قوى الحداثة وهناك تجارب كثيرة ينبغي الاستفادة منها.
قال صاحبي: لم تشر لا من بعيد ولا من قريب الى تذمر الناس من النواب.
قلت: على صعيد تجربة الناس مع النواب والبرلمان عموماً يمكننا القول ان التذمر الذي تسمعه هنا وهناك من اداء النواب له مبرراته لان الناس كانت تطلعاتهم اكبر بكثير من المكاسب التي تحققت، وخاصة تلك التطلعات التي لها علاقة بتحسين ظروف حياتهم المعيشية، ومع ذلك لا يمكن ان تراهن على الاقل في هذه الفترة على هذا التذمر لماذا؟ لان التذمر الذي تتحدث عنه ربما قد يتبخر ويتلاشى خاصة عندما يستغل المرشحون حاجة الناس، وهذا ما حدث عندما لعب المال السياسي دوراً كبيراً في شراء الاصوات والذمم والكل يعلم ان شراء الاصوات اتخذ اشكالاً مختلفة كالهدايا ودفع فواتير الكهرباء وشراء «الماچلة» والاجهزة الكهربائية من مكيفات وثلاجات، فضلاً عن المبالغ «الكش» والكل يعلم ايضاً كيف كانت الصناديق الخيرية واجهة لمرشحين انتفعوا منها في كسب الاصوات مثلما انتفعوا من المراكز العامة وهذا يا صاحبي الفساد بعينه، وحول هذه المشكلة اضفت، يقول احد المتخصصين: ان اساءة استعمال المال في السياسة تترتب عنها مشاكل كبيرة للدول الديمقراطية لان ذلك يهدد القوانين القاضية بالمساواة والعدالة وفي التمثيل الصالح ويؤدي الاداء المشوّه للاحزاب السياسية وللافراد حين اساءة استعمال المال الى انعدام الثقة بالمجالس السياسية وبالنشاطات التي تقوم بها.
قال صاحبي: ما رأيك فيما يتردد اليوم ان نسبة التصويت في الانتخابات القادمة سوف تتراجع بسبب البرلمان «ما سوى شيء».
قلت له: المشكلة لا تكمن في الناس البسطاء وانما تكمن في بعض النخب السياسية التي لاتزال لم تفرق بين الاداء النيابي الذي لم يوفق بالشكل المطلوب على صعيد الرقابة والتشريع وبين اهمية وجود سلطة تشريعية منتخبة تمثل الارادة الشعبية، ينبغي ان تأخذ دورها المستقل لاعتبارها ركناً مهماً من اركان الديمقراطية.. كيف تطور هذه المؤسسة او هذه السلطة، هذا موضوع آخر وبالتالي ان التذمر الذي تحدثنا عنه سلفاً يجب الا يدفعنا الى العزوف عن التصويت والمهم هنا هو لمن نصوت؟ ولماذا ندلي باصواتنا لمشرحين كثر الحديث عنهم عندما كانوا نواباً بانهم «ما سوو شيء» ولماذا لا نعيد النظر فيهم ونبحث عن مرشحين اكفاء لا تحركهم المصالح العقائدية التي اضرت بالحريات العامة والشخصية وبالاستثمارات والتنمية والحياة المدنية عموماً.
 
صحيفة الايام
6 مايو 2010

اقرأ المزيد

تركيا مستقبلٌ مرئي للمسلمين

تركت تركيا التجارب الشمولية الشرقية خلفها، في حدثٍ سياسي نادر، وبهذا أمكنها صناعةَ قادةٍ من طراز مختلف، وعلاقات سياسية جديدة عن الدول العربية والإسلامية.وكل بلدٍ إسلامي يشكلُ تطورَهُ من جذورهِ الخاصة، ومن موقعِ تجربتهِ وبلده وحجمها، وليس من الفراغ التاريخي.وقد وجدت تركيا نفسها بأنها قائدةُ المسلمين في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأنها تحكم أغلبية هذا العالم الإسلامي، ثم وجدتْ الدولَ الغربية تنتزعُ هذه الأغلبية منها بالقوة، بل تهاجم أراضيها لتحتلها!فظهر قائدٌ عسكري في هذه الفترة الخطيرة سماه الحدثُ الرسمي بأنه أتاتورك أبوالأتراك وهو منصبٌ أسري سياسي غير ديني.وهو ليس قائدا غائرا في صحراء العرب أو جبال إيران بل هو زعيمٌ يجثم في فم أوروبا الجائعة للمستعمرات أثناء هزيمة الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، فإما أن يستسلم وإما يزول!لقد قام كمال بهزيمة المعتدين على بلاده، وقيادتها في سبيل الحداثة، فصارع الماضي المتخلف والحاضر الغازي، فانتصر على الاثنين.وهو لا يملكُ حزباً تحديثياً أو كوادر فكرية بل يعتمد على جيش وشعارات عامة. ولن نتوقع منه أن يعالج قضايا المجتمع المعقدة والمركبة إلا بأسلوبه العسكري، أسلوب تحديد الخصم، ثم احتلال مواقعه واحداً بعد الآخر بالضربات القاضية!وقد حدد العدو الهدف وهو التخلف الديني، فوجه مدافعَهُ نحو مواقعه الحصينة الكبرى المتجسدة في جيوش الدراويش وهو آخر ما بقي من عصر الصوفية الذي لم يتجسدْ في خرقٍ بل في مستوياتٍ اجتماعية بذخية وهلوسات غير عقلانية، فُضربت التكايا والزوايا وتم تحطيم حشود العصر الوسيط الذي يتقلبُ في حشيش الدروشة.وتبصر أتاتورك الحداثة الغربية في علمٍ ونشيدٍ وحروف وهي رموزُ الجيشِ الوطني العَلماني الذي شكله، وسماهُ في ميدانِ السياسةِ حزبَ الشعب الجمهوري، فأطاحَ برموز الخصم القروسطية الشكلانية وهي الحروف العربية والأذان بلغةِ العرب واللباس كي يجعلها أدوات للإطاحة بالقرآن وهو لا يعرفهُ، ثم قام بإصلاحاتٍ مثل المساواة بين الرجال والنساء، وأتاح للفئات الوسطى الحريات في الفكر والتجارة والحياة، فعكس مستوىً دكتاتورياً عسكرياً للحداثة بلا جذور شعبه الإسلامية. ولكنه حاولَ الحداثةَ بذلك المستوى الفكري المحدود الذي يملكه!إن البنيةَ التحديثيةَ التي شكلها ظلتْ بنيةً شموليةً يؤسسُها نظامٌ غيرُ ديمقراطي، موجهاً مدفعيتَهُ الثقيلةَ نحو منظماتِ الصوفية التي تراءى لها من جانبِها بأن أتاتورك كافرٌ شديدُ الكفر، فحدثتْ معارك ضاريةٌ بينه وبين الطريقة الصوفية السائدة في ذلك الوقت (النقشبندية)، وهو أمرٌ يشير إلى الافتراقِ الشديدِ بين واقع (الإسلام) الذي تشكلن وغدا طقوسياً تخديرياً غيرَ عقلاني وعبر هذه الممارسات المتوجهة لتخريف سياسي واستغلالية ارستقراطية باعتْ ودمرتْ حاضرَ المسلمين!وقام البطلُ هنا أتاتورك المحدود المعرفة والجاهل بتاريخهِ الحضاري الديني وليس العسكري، بالتوجه بشكلٍ معاكسٍ حاد نحو الغرب. فأطلقَ مدفعيتَهُ على الطُرقِ الصوفيةِ والأبنية الدينية والتراثية والشعارات التاريخية والذاكرة الإسلامية.فكان لهذا التحديثِ القمعي إنجازاته وسلبياته، فقد عبرَ بتركيا من محنة التبعية وشمولية التخلف إلى مجالاتٍ نهضة واسعة، وقد ربطَ تركيا بأكثرِ العوالم تحضراً وديمقراطية، لكن من خلال حكم عسكري دكتاتوري، فحدث تناقضٌ خطيرٌ بين شكلِ النظامِ ومؤسساتهِ الشمولية وبين أهدافهِ الديمقراطية التحديثية، وراحتْ الطبقةُ الحاكمةُ العسكرية التي جاءتْ من بقايا الدولة العثمانية والمؤسسات الحاكمة تتقلبُ وتتغير في محاولةٍ للمزاوجة بين الشكل والمضمون، بين التكوين الكمالي العَلماني العسكري، وبين حاجات الشعب، بين شعارات عامة مؤدلجة وتاريخ ذي تراث عريق، فجاءت قوانينٌ مخلتفة وعهودٌ متباينة، ومشت وزاراتٌ مختلفة منتخبةٌ على هذا الحبل المشدود بين الحكم ومصالح الأغلبية الشعبية، فتحررت الأملاكُ والقوانين العامة قليلاً قليلاً من الهيمنة وأطلق سراح الجماعات الدينية، وعادتْ الدولةُ لشيءٍ من الأعمال الدينية، وتشجيع الإرث الإسلامي، وحدث حراك للجماعات السياسية الدينية، بسبب وجودها بين الأغلبية الشعبية التي تريد طرح مطالبها وحقوقها الاقتصادية المعاشية، في حين ان الطبقة الحاكمة القديمة تمترست في تقاليد أتاتورك السياسية خائفة من مد شعبي ديني متخلف يحطم منجزات الماضي الديمقراطية والحريات، خاصة هذا المد المتشكل في الأرياف.فظهرت حقبةُ الاعتدال السياسية وتشكلتْ بصعوباتٍ جمة هذه الجماعاتُ السياسية الجامعةُ بين جذور المجتمع الإسلامية وتنظيمات وأساليب الحداثة، ولكن الأهم هو تعبيرها عن طبقة وسطى حرة راحت تصارع امتيازات الطبقة العَلمانية الأتاتوركية التي نشأتْ في عالم شمولي، ونشأت في أحضان الحرب الباردة وكراهية الشرق والمسلمين واليسار، فجمعت بين منظمات الغرب العسكرية وأسواقه وبين وجودها في الشرق، ثم تنامت هذه العملية بشكل مطول صراعي كبير.

 
صحيفة اخبار الخليج
4 يونيو 2010
اقرأ المزيد

مـَـجـِـيـْــدُ الــوَطـَـن…!

 
 

 

 
مـَـجـِـيـْــدُ الــوَطـَـن…!
(إلى مجيد مرهون)  
 
 
هــنـــا…
هــا هــنـــا…
فـي حــنــايــا أوالْ
ودفء الــجـــراح ِ…
سحــابــة ُُعــهــد ِنــخــيــل ِالـــمــحــــنْ
وبــحــرُ حـِـداد ِ ورود ِالــوطــنْ
يـمـرُ الـمسـجّـى وقـد غـسّـلــتـه بـمــاءِ ِالـنـشـيــد ِ… 
     عــيـــونُ الشـجــــنْ   
وتـحـمـل خـفـق الـوتـيـن أكـفُّ الـصـدور ِ
لـتـودعـه رمـلـهـا الـمُـفـَتــدىِ
يــــنــــــادون :
                 إبــن ُ( الـعــدامــة ) حَــنّ ْ
إلـى تـربـة ٍ قـد نـمــا فـوقـهــا…
تــولــّـّدَ مــنــهـــا…
وعــاش عـلـيـهـا…
مـديــداً وصــال ْ
وسـافــرَ فـيــهــا…
 إلـيــهــا…
ومـنـهــا ..عـلـيـهــا..إلـيـهــا…
بـعـشـق ِالـمََـشـوق ِ إذا مـا يُـِجَـــن ْ
و شـبَّ عـلـى عـشـق ِشـمـس ِالــدروب ِ
ومــســـرى ( جــتــــوب ْ)
ومـن حـلـم ِأرغـفــة ِ الـنــاس ِ…
مـن قـاعــهــا الـمـسـتــنــيــر ِ
يـحـثُّ الـخُـطـى نـحـو فـجــر ٍأثـيـــر ٍ
يـخــوض ُ الـنـــزال ْ    
فـأمـطـرَ مـن عُـمـره ِ ديـــمــة ً…
لـيـسـقـي بــذارَ(جــتـــوب ِ) الأمــانـي …ْ
بـنــزف ِ الأغــانـي ْ
ويــرمـي حـجــارة َ وعـي الــفــنــــون ِ…
عـلـى بـركـة ٍٍمــن خـنــوع ٍ مـحــال ْ
قــيـــامـــا ً تــصــدّى…
لــمــن قـــد تــعــــدّى
بـسـجّــيــلــه غــارة َ الــبــوح ِ شـَـن ْ
وفــلّ الــحــديــدُ حــديــد الإحــن ْ
فـعــاش َ( جـــدا ) والـظــلام َ الـمـَخـُـوف …
يُــكــابــدُ أصــفــاد َلــيــل ِالـمــحــن ْ


هــنـــا …
هــا هــنـــا…
يـصـطـفـيــه الـخـلــودُ
و يـروي عــن الـفـخــر ِدومــا ً وعــن ..ْ. …
ويـهـفــو مـنــارُ نـجــوم ِ الـرفــاق ِ…
إلـى الـقـمــِر ِالأحـمــر ِالـمُـفــتـَـتــَـن ْ


هــنـــا…
هــا هــنـــا…
حـيــث قـلــبُ الـرفـيــق ِ
وعـــزم ُ الـرفـيـــق ِ
و صــدق ُ الـرفـيــق ِ


هــنـــا …
هــا هــنــا…
سـِـرّنــا الـمـُـؤتـَمـَـن ْ
ســـلام ٌ عـلـيـــك َ…
عـلـى أصـغــريـــك َ…
عـلــى نــاظــريــك…
عـلـى سـاعــديـــك َ…
مــجــيــــد الــوطـــن ْ 
  
  
عبد الصمد الليث
17مارس 2010 م
 
 

اقرأ المزيد

تـحـت َسـمـاء ِالـطـُفـُولــة…!


 
 
 

 

 




تـحـت َسـمـاء ِالـطـُفـُولــة…!

 
فـؤاد ُالـمـشـوق يـجـيـل الـنـظـرْ…
يـنـاديـه سـهـد ُالـمُـعـَـذ َب ِ…
يـومـئ بـالـصـبـر ِعـشـقٌ نـَضـَح ْ


نــعــمْ :


لـلـبـراعـم أحـلامـهــا…
بـصـوت الـمــرايـــا…
وطــعــم الــهــدايــا…
وكـالأرض ِعـطـشى…
تـنــادي سـحـاب َالـوصــال ِ…
وصـيـف ُالـمـواعـيـد ِبـالـغـيـث ِشـحّ ْ


نــعــم :


فـي هـجـيــر الأســى…
تـعـرّت ظـهـورُالـطـفــولــة ِ…
حـيـن اسـتـبـاح جـفـافُ الـنـوايــا…
عــذوق َالـفــرح ْ
وحـيـن اسـتـراح جــرادُ الـبـلايــا…
عـلـى روضـة مـن غـصـون الـمـرح ْ
وحـيـن الـمـتـاح ُبـفـخّ الـمـنـايـــا…
وعــذر ِالـبــرايـــا…
أســال الأمــانــــي…
بـحـيـث نـجـيــع َدم ِالـزاكــيـــات ِ…
عـلـى خــدّ ورد الــحــنـايــا سَـفـَـح ْ
ويُـصـطـادُ طـفـلٌ بـكـفــّّي أبـيـــه ِ…
ومــرســى ذويــــه ِ…
فـفـي الـجـهـر ِلاءُ الـهـضـيــم ِاتـضـح ْ
ومـسـتـنـقــع الـضـيــم ِ…
يـغـشـاه دودُ الـسـرايـــا
وغــيــمُ الــمـــرايـــا…
يـلـفّ تـواريـخ َجــذر ٍكــدح ْ
ولـكـن فـعـل الـثـبـات ِالـســؤال…
وجـمـرالـفـعـــــال…
سـيـبـقـى عـصـيـــّاً…
وعــوداً نــديــــــــّاً…
لـيـمــلأ بـالـسـلـسـبـيــل الـقــدح ْ
سـيـبــقــى…
ســيــبــقــى…
ويــبــقـــــــى
 
عبد الصمد الـلـيـث
 1 يونيو 2010م

 

اقرأ المزيد

العالم أحمد زويل ودعوته الحضارية لعالم متخلف


 ضمن منتدى الإعلام العربي التاسع، الذي عُقد في دبي مؤخرا، جاءت دعوة العالم المصري الدكتور (أحمد زويل) والمشارك في هذا المنتدى، إلى “مشاركة العرب في صناعة التقدم العلمي والمعرفة وعدم الاكتفاء بشراء التقنيات”.. كما ان دعوة هذا العالم والحائز جائزة نوبل للكيمياء، قد أصابت كبد الحقيقة، وخاصة انها صادرة عن عبقري فريد ومميز، اعتمدت السياسة الأمريكية في الولايات المتحدة استشاراته العلمية والتكنولوجية.
 
ولكون صاحب هذه الدعوة، قد سعى الى النهوض بالوطن العربي تعليميا وعلميا وتكنولوجيا وإعلاميا وإنسانيا، استوجب الإيمان بهذه الدعوة بحقائقها ومفاهيمها حضاريا وأخلاقيا وعقلانيا وديمقراطيا.
 
ولكن يبقى القول المؤسف بهذا الصدد ان هذه الدعوة المخلصة، ومثيلاتها من الدعوات السابقة، تظل عادة مغيبة بمزيد من التجاهل والتهميش، من قبل أنظمة عربية قد بلغ بها التخلف بجميع أشكاله، أقصاه، بل حتى النخاع.. طالما الوطن العربي بأسره، قد عُرف بإبراز معالم (الدولة القطرية) التي لم يتجاوز عمرها منذ استقلالها الوطني، سبعين عاما، هي فترة قصيرة.. ورغم قصر هذه الفترة، فانها اتسمت بالكثير من الانكسارات والنكسات، ذلك بخضوع الوطن العربي تحت طائلة مظاهر التشرذم والهزائم والتمزق والحروب الأهلية محليا، مثلما اشتعلت الحروب الحدودية ما بين هذه الدولة وتلك.. ناهيك عن ان هذه (الدولة القطرية) قد برزت مفاهيمها ومعالمها، من جوهر السياسة الاستعمارية للوطن العربي، من قبل الاستعمار الأجنبي.ولطالما قامت تشكيلة هذه (الدولة القطرية) على تفاوت العلاقات الاجتماعية والطبقية والاقتصادية والأسرية.. فان هذه الدولة بالمقابل تظل قائمة على طبقات محافظة وطفيلية ووصولية واستبدادية، قد أنشأها الاستعمار الأجنبي بعد انسحابه..
 
ومن منطلق هذه المعادلة السياسية، فان دعوة العالم الدكتور (أحمد زويل) الحضارية لعالم متخلف قد تظل خارجة عن الإطار الرسمي العربي.. لكون النظام السياسي لدى الوطن العربي هو أساس الجرح النازف في تكوين الفجوة السحيقة ما بين البنى الفوقية المهيمنة، والبنى التحتية المضطهدة. ومثلما تعاني (البنى التحتية) غياب الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة.. فإن (البنى الفوقية) ظلت مهترئة وهلامية.. وفي مقدمتها البيئات الإعلامية والتربوية والسياسية، التي لم تعكس سوى مجتمع أبوي فوقي استبدادي.. مثلما تجسدت هذه (البنى الفوقية)، بإقامة نظام سياسي، اعتمد مسألة الأمن القومي كتنظيم اجتماعي، وانساق سياسية وتربوية وتنموية على حساب تدهور التنمية الاقتصادية والعلمية والتربوية والبشرية وتخلف البيئات التعليمية بهشاشة مركزية التعليم، بأنساقه ومفاهيمه الذي يدور في فلك تقليدي، بمعزل عما تقتضيه العملية التنموية الشاملة وحاجات سوق العمل، وتهميش مراكز البحوث والدراسات العلمية، بقدر تهميش العلماء والمفكرين والباحثين، ومصادرة حرياتهم وتقييد مهماتهم.
 
وفي هذا الصدد فان العالم (أحمد زويل) قد وضع النقاط فوق الحروف، حينما استرسل خلال كلمته “ان هناك ضعفا كبيرا في التعليم في الدول العربية، حيث تتراوح نسبة الامية بين 30% و50%، كما أن إنتاج العالم العربي من البحث العلمي يقل عن 1%”.ولا يفوتنا القول هنا ان الوسائل الإعلامية التي تمثل وجها أساسيا من البنى الفوقية لدى أقطار الوطن العربي.. فانها سعت الى حجب المعلومات، والحجر على حرية الرأي والكلمة، والتعتيم على الحقائق والوقائع، بسياسة ديماغوجية تضليلية اتسمت بأساليب الترهيب والترغيب والإلهاء والتنفيس، التي لم تؤسس سوى مجتمع مستهلك وغير منتج، وفكر استهلاكي هابط.. بل فكر تبريري منكسر وانهزامي.. مثلما أبرزت هذه الأنظمة على السطح المجتمعي وفي دوائر الأضواء الإعلامية، المتمثلة في القنوات الفضائية، أنشطة وفعاليات قوى تيار الإسلام السياسي، التي فتحت المجالات أمامها واسعة من خلال ترتيب المقابلات وتنظيم اللقاءات والمناظرات ومختلف البرامج الدينية، ومن ثم الترويج لأجندة خطابها الديني..
 
ومن هنا يأتي النقد الايجابي للعالم (أحمد زويل) ليفتح الأفاق الرحبة أمام الكثير من العقول المغيبة في أوساط مجتمعاتنا العربية، هو حينما استطرد بالقول “ان هناك فوضى في الفتاوى على الفضائيات، وان هناك إعلاما عربيا يهاجم من دون سند او دليل، وهو امر قد يعاقب مرتكبه في الغرب”. في نهاية المطاف يمكن القول ان ما جاء على لسان العالم المصري الدكتور (أحمد زويل) من دعوة حضارية لأقطار وطننا العربي، حملت في أحشائها وماهيتها انتقادا ايجابيا وبناء، حول الخروج من أزمة التخلف التي يعانيها الوطن العربي حضاريا وعلميا وتعليميا وتربويا وإعلاميا وتكنولوجيا، قد جاءت مغازي ودلالات هذا النقد منسجمة وما أورده المفكر المصري (نصر حامد أبوزيد)، في كتابه (نقد الخطاب الديني) قائلا “ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الإيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا”.. حسبما ترجمت مغازي دعوة العالم (أحمد زويل) بروز تلك الطبقات الفوقية من متخذي القرارات السياسية لدى حكومات الوطن العربي، وهي الطبقات المحافظة والانتهازية والوصولية والطفيلية على حد سواء
 
 
أخبار الخليج 4 يونيو 2010
 
 

اقرأ المزيد

أمـلاك الدولــة


لا يعلم المواطن البحريني ماذا يفعل تجاه قضية ” أملاك الدولة “. هل يضحك أم يبكي تجاه ما يحدث هذه الإيام بين الحكومة والنواب على ملف التعديات على أملاك الدولة،  فالحكومة صمتت 29 شهراً هي مدة عمل اللجنة، ثم خرجت لتقول لنا  أن تقرير اللجنة باطل، كيف يكون تقرير اللجنة باطلاً بعد جهد وعمل اللجنة لمدة أكثر من عامين ونصف من  البحث والتدقيق؟.
 
يقول رئيس اللجنة أن عقار رأس رمان يؤجر حالياً لمدة 99 سنة ب 400 ديناراً سنوياً، أرض مخصصة ل” بريد البحرين ” تحولت إلى موقف للسيارات لشركة خاصة ب 50 دينار سنويا. ثلاث قوائم من العقارات تم التعدي عليها فعلاً مثل عقار شاطيء السنابس ومساحته 650 ألف كيلو متر مربع وعقار المحرق مساحته 5.5 كيلو متر مربع وعقار كرانة تبلغ مساحته 9.5 كيلو متر مربع  وهي تسع لبناء 45 وحدة سكنية.
 
أين تذهب قيمة إيجار عقار القاعدة الإمريكية التي تبلغ قيمته 4.5 ملايين دينار؟. فعلاً يقف المواطن مذهولاً تجاه هذا الطرح الذي يراد منه طمس الحقائق وإخفاؤها ، وتقول السلطة بأن المجلس لا يحق له الحديث عن التعديات التي وقعت قبل عام 2002 ومازالت موجودة. فمن له  الحق إذن ؟ وكيف ستسترجع الآراضي الشاسعة التي اٌخذت دون وجهة حق، أموال تذهب كزبد البحر وأراضي تطير وتختفي بسرعة كالدخان وكأنه ضرب من الخيال.
 
لابد للدولة أن تتحرك وأن تضع حداً لهذا الاستهتار بالممتلكات وأن تقوم على المحاسبة والرقابة ضد أي تلاعب يمكن أن ينسف الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية لشعبنا البحريني.

اقرأ المزيد

من تركيا الحرية لفلسطين

لقد تصاعد الدور التركي الديمقراطي الإسلامي العلماني في المنطقة العربية.إن تركيا لعبت دوراً تاريخياً في تشكيل العالم الإسلامي (السني خاصة)، ولم تستطعْ العلاقاتُ التقليدية للسلاطين والباشوات أن تلاحقَ عصرَ التحولات الديمقراطية الغربية، وراحتْ تركيا تنفضُ الأرديةَ التقليديةَ للنظامِ السابق المتخلفِ خاصةً في احتضارهِ الأخير الذي قُدم كوجبةٍ سياسيةٍ شهية للغرب الاستعماري وقتذاك.ولكن العلاقة بالغرب الديمقراطي لعبتْ دوراً كبيراً في تطور تركيا المستقلة بعد ذلك، فقد حمتها علاقاتُ التبعية هذه من الشموليات الشرقية، ومن الأنظمة الدكتاتورية المتغلغلة في كل مجالات الاقتصاد والوعي ومن الملكيات العامة الشمولية.ولم يكن لهذه التناقضات دور كبير في عالم الصراع بين ما كان يُسمى المعسكر الاشتراكي وما يُسمى المعسكر الرأسمالي، فتركيا كانت مجردُ حجرٍ صغير في دولاب الغرب، وحين سقطت القيود على التطورات الديمقراطية في الاتحاد السوفيتي، ولم يعد ثمة قيمة خطيرة كونية معرقلة لحلف شمال الأطلسي، لم يعد ثمة قيمة للجنرالات الاتراك العلمانيين المتسلطين المتغربين عن تاريخ المنطقة وتراثها الديني وقيمها النضالية، وهم الذين كونوا طبقة الفساد الضعيفة في المجتمع التركي، فجاءتْ أحزابُ الطبقة الوسطى من التضافر بين الحداثة والإسلام ووجدت في العالم الإسلامي سوقها الحقيقية الواسعة، في حين قدم الغرب مصانعَ لعمالها المهاجرين فقط.واستثمرتْ القيادةُ التركية هذه الأوضاعَ، وقدمتْ نفسَها كبطلٍ جديد في حياة المنطقة، في حين عجزتْ الدول العربية كافة عن دور البطولة هذه!هذه المفارقةُ المذهلةُ ليست نتاجَ زعامةٍ مجردة، بل إن الزعامةَ السياسية التركية التحديثية استفادتْ من وجود حريات اقتصادية وسياسية طويلة وفرها النظامُ الديمقراطي العلماني!ولولا وجود طبقة وسطى حرة أنبتها وزرعها ورعاها الغربُ ما كان للنضاليةِ الديمقراطية الإسلامية والإنسانية أن توجد وتترعرع، ويكون لها دورٌ مغايرٌ عن دور الطبقات الحاكمة المتبلدة في العالم العربي العائشة على القطاعات العامة الفاسدة!هذ الجبر الحسابي السياسي يغدو غير مفهوم للجماعات الدينية الجامدة المحافظة، ولكن الحراك التركي التحديثي راح يؤثر في بعض التوجهات الدينية السياسية، ويفتح آفاقاً جديدة لها، ولعل ذلك يقود لبعض الفهم والتفتح والتأثير في المنطقة وفي قضية فلسطين الموضوعة في الثلاجة الإسرائيلية بل المقبرة.فمسألة الصواريخ المضرة استعيض عنها بسفنِ سلامٍ وفكِ حصار وأغذية، وهو شكلٌ إنساني مؤثر، ينتشرُ على مسرح البحر الأبيض المتوسط الواسع قلب العالم، ويجبر مختلف الأمم على الرؤية والتأثر، وكشف من هو المتجبر والظالم.ورغم الضحايا فإن الخسائر المعنوية والسياسية الكبيرة لإسرائيل وعزلة وهزيمة الدولة العبرية كانت كبيرة، وهذا التحول الكوني ضد هذه الأساليب الوحشية التي غدت ملازمة لإسرائيل، غيرت تماماً تاريخاً طويلاً من ادعاء صورة الحمل الوديع.وبدلاً من العمليات الانتحارية والصواريخ التي لا تفرق بين جندي وطفل، راحت سفن السلام تمزق وجه إسرائيل الفاشي، الذي تفتت أمام العالم بشكل لم يسبق له مثيل.لعل اللغة التركية السلمية المصعدة لكفاح متحضر قد هزمت عدة لغات فوضوية وعنفية حادة في المنطقة، وخاصةً هي تعملُ لكي تكون مؤثرة قوية في العالم العربي، المبهور والمرحب بعودة السلاطين من آل عثمان وهم تجار ديمقراطيون وجمهوريون يجمعون بين الحداثة والإسلام.إن هذا الأسلوب هو جزءٌ من التراكم الديمقراطي التركي خلال العقود الماضية، لكنه ينتقل الآن إلى المنطقة ككل، ويجذب بعض القوى العربية والعالمية السلمية الديمقراطية في نضال مشترك، ويُحاصرُ فيه الجنرالات الإسرائيليون مثل الجنرالات الأتراك العلمانيين المتغربين، لكي يُدرك جنرالات إسرائيل خطورة علمانيتهم المتغربة غير الإنسانية، وغير المتفهمة لتاريخ المنطقة ودور الإسلام المحوري فيها، وليتكشفوا نوعية ديمقراطيتهم الشمولية الساحقة للشعب الفلسطيني وللعمال الإسرائيليين معاً.وضعت الحكومةُ التركية عبر أدوات التحديث والنشاط السلمي القمعَ الإسرائيلي في زاويةٍ ضيقة، لم تُطلقْ طلقةُ واحدة، ولم تُهدد بصواريخ ولم ترفع شعارات سحق إسرائيل، بل استخدمتْ أبسطَ الأدوات السلمية، وهذه اللغة لها تأثيرٌ كبيرٌ، في عزلة التطرف الإسرائيلي وهزيمته القادمة المتصاعدة، وفي نمو النضال الفلسطيني الموحد، وإنفصال القوى الديمقراطية الإسرائيلية عن الدكتاتورية الحاكمة.وإذا استخدم التطرفُ في الجهة العربية الأساليب الإسرائيلية القمعية نفسها تحدث الخسارة مجدداً، ولا يحدث التراكم وهزيمة التطرف الصهيوني.

 
صحيفة اخبار الخليج
3 يونيو 2010
اقرأ المزيد