معلومتان كنت ابحث عنهما ولم أجد ضالتي بالحصول عليهما في غمرة التقارير الإخبارية والمقالات الصحفية المتعلقة بالكارثة البيئية المروعة في خليج المكسيك والناجمة عن انفجار المنصة التي تستثمرها شركة “بريتيش بتروليوم” المعروفة اختصارا بـ “B.P” منذ شهرين ونيف التي أدت إلى تسرب كميات هائلة من النفط دمرت مساحات واسعة من الخليج وتضررت منها على الأخص المناطق الساحلية للولايات المتحدة المطلة عليه.
المعلومة الأولى: عدم وجود رصد يومي للكميات الهائلة المتسربة من النفط وتقديرات قيمتها التي تقدر بملايين او مليارات الدولارات وربما جاءت هذه التقديرات النهائية بعد انحسار الكارثة.
أما المعلومة الثانية فتتعلق بمدى حجم تلوث خليج المكسيك بمختلف أشكال التلوث من صنع الإنسان قبل وقوع كارثة بئر “بريتيش بتروليوم” في الخليج.
ففيما يتعلق بضالتي للحصول على المعلومة الأولى (حجم الخسائر المالية المتعلقة بالتسرب النفطي المهدور يوميا، دع عنك الأضرار اللاحقة بالثروات الأخرى الطبيعية والعمرانية والإنسانية) فلم يكن ذلك إلا بدافع معرفة الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الشعب الامريكي من جراء تبديد جزء كبير من ثروته النفطية الآيلة للنضوب أصلا.
أما فيما يتعلق بضالتي للحصول على المعلومة الثانية (مدى حجم التلوث في خليج المكسيك قبيل وقوع الكارثة) فلم يكن ذلك الا بدافع مقارنة مدى حجم وخطورة التلوث بمختلف أشكاله وأسبابه في هذا الخليج بخليجنا العربي، وان أكاد اجزم مقدما بأن لا وجه للمقارنة بين حجم وخطورة التلوث في خليج المكسيك وحجم وخطورة التلوث في الخليج العربي، ولربما مما زاد خطورة وحجم التلوث في هذا الخليج الأخير ان مساحته الجغرافية تقل عن 20% من مساحة الخليج الأول ففي حين تصل مساحة خليج المكسيك وهو واحد من اكبر خلجان العالم إلى 1،300،000 كيلومتر مربع فإن الخليج العربي لا تتعدى مساحته 240،000 كيلومتر مربع وبالتالي لك ان تتخيل حجم وخطورة الكارثة بالكميات المتسربة المعلنة لو وقعت في خليجنا العربي الذي تقل مساحته، كما ذكرنا، عن 20% من مساحة خليج المكسيك.
على ان حجم وخطورة الكارثة لو وقعت في الخليج العربي لا تتحدد فقط لكونه اصغر من خليج المكسيك وبالتالي فإن الكميات النفطية المتسربة ستغرق مياه الخليج العربي برمته، بل لأن التشريعات الوطنية لدول الخليج والرقابة على تطبيقها تفتقر الى التقاليد الديمقراطية والدستورية، وبخاصة تلك المتعلقة بالبيئة، فهي ضعيفة ولا ترقى إلى التصدي بقوة لجبروت شركة عملاقة كشركة “بريتيش بتروليوم” كقوة التشريعات والرقابة للدول المتشاطئة على سواحل خليج المكسيك ولاسيما الولايات المتحدة. يكفي ان نعرف مدى خطورة الأزمة السياسية التي يواجهها الرئيس الأمريكي اوباما الآن بسبب استمرار الكارثة رغم مرور أكثر من شهرين على وقوعها، هذا على الرغم من زيارته ثلاث مرات للمنطقة المنكوبة في محاولة مستميتة يائسة منه لتهدئة خواطر الناس.
وقد طالب البيت الابيض “بريتيش بتروليوم” بدفع 69 مليار دولار لتنظيف الخليج من البقعة النفطية او أكثر من ذلك، فثمة جدل يدور الآن عن مسئولية الإدارة الأمريكية في وقوع الكارثة وعدم كفاية الاشتراطات الرقابية الصارمة على صناعة النفط حتى التشريعات البيئية الخاصة بذلك.
ومما زاد غضب الناس تجاه الحكومة الدمار الهائل الذي لحق بقطاع صيد الأسماك الذي يعتمد عليه العديد من الشركات الصغيرة في منطقة لويزيانا كمصدر رزق لها. ويتفق كل المراقبين ان هذه أسوأ كارثة بيئية تشهدها الولايات المتحدة طوال تاريخها.
كما تعرض الرئيس اوباما لانتقادات داخلية حادة لعدم تعامله بجدية كافية مع خطورة الكارثة منذ وقوعها وانتقدت لغة الخطاب الذي أرسلته الحكومة الى الشركة البريطانية باعتبارها لغة مهذبة للغاية تفتقر إلى التعبير عن الصرامة والضغوط عليها لتتحمل مسئولياتها الكاملة لإيقاف الكارثة في أسرع وقت ممكن وتعويض الولايات المتحدة بالكامل لما أحدثته لها من خسائر فادحة فيما لا تزال آلاف البراميل تتسرب يوميا من البئر البحرية ومازالت “بريتيش بتروليوم” تواجه فشلا ذريعا في تجريب كل الوسائل الممكنة لتوقيف التسرب.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن لدول الخليج العربي ان تستفيد من دروس كارثة ما سببته “بريتيش بتروليوم” من كارثة بيئية نفطية سواء في تطوير تشريعاتها البيئية وأنظمة الرقابة وآلياتها، ام فيما ستبرمه من عقود مع شركات نفطية مستقبلا؟ ويصح هذا السؤال بوجه خاص اذا ما علمنا ان كل دولنا الخليجية لها آبار نفطية بحرية وان بنسب متفاوتة.
في واقع الحال لا يخفي المرء تشاؤمه من إمكانية استفادة دول الخليج من دروس كارثة خليج المكسيك البيئية ليس فقط بالنظر الى غياب النظم الديمقراطية والدستورية عن معظم هذه الدول فضلا عن ضعف التجارب الديمقراطية السارية لبعضها الآخر، بل لأن هذه الدول ايضا تتحمل مسئولية مباشرة في إطلاق العنان للمافيات الاستثمارية الطفيلية لتلويث سواحلها وسواحل الخليج.
أخبار الخليج 22 يونيو 2010