كلما تذكرنا كيف اقر النواب وباجماع لم يسبق قانون تقاعدهم قلنا والأمل يسكن قلوبنا عسى الفال» لقانون الصحافة والقوانين الاخرى والتي تعثرت ولا تزال كقانون التنظيمات السياسية والاحوال الشخصية الموحد والنقابات في القطاع الحكومي وغيرها من القوانين.
نعم، قلنا عندما صوت اصحاب السعادة على قانون تقاعدهم: اللهم ارزقهم دنيا واخرة، فهم مواطنون قبل ان يكونوا نوابا والمواطن الفقير اليوم كما تعرفون لا يدري الى من يلجأ أو «وين يصك براسه» كما يقول اهل البحرين الكرام لان تكاليف الحياة المعيشية المرتفعة والقروض وبطاقات الائتمان كالدوامة لا يحسن الخروج منها حتى لوضاعف جهده واشتغل «بارت تايم» فنصيبه من هذه الدنيا السكري وضغط الدم وامراض القولون العصبي والاكتئاب.
وقلنا ايضا هكذا حال الدنيا الكرسي البرلماني اذا دام اليوم لاصحاب السعادة ربما لا يدوم غداً وبالتالي لماذا يختلفون على قانون تقاعدهم اليس من حقهم كمواطنين ان يضمنوا بعد كل هذا العناء تقاعدا مجزيا يساعدهم على تحمل ظروف الحياة الصعبة.
وفي نفس الوقت طلبنا من رب العباد ان يسخرهم وبالاجماع كما فعلوا لقانون تقاعدهم ان يقروا قانون الصحافة وان ينظروا في حال الصحفيين الذين وبعقوبة الحبس ستتضاعف معاناتهم.. العقوبة التي تشكل تهديدا لحرية الرأي والتعبير خلاقا لما نص عليه الدستور الذي كفل هذه الحرية.
اذن فالمسألة يا سادة ان البحرين وفي هذه المرحلة بالذات هي في امس الحاجة لتطوير وتحديث القوانين والتشريعات بما يتناسب تطورها السياسي والاقتصادي والتنموي والاهم من ذلك ما احوجها الى العقول المنفتحة والممارسات الواعية التي تدرك اهمية تلك الحرية والحقوق المتساوية والمتكافئة اي تحتاج الى ممارسات ديمقراطية لا تخول احداً يفرض وصايته على الحريات العامة والشخصية وإلا ستظل هذه العقول وهذه الوصاية خطرا على تقدم البحرين وتطورها وعلى مستقبلها السياسي والاقتصادي. على العموم لانريد الدخول في عموميات وتعميمات لا أول لها ولا آخر ولكن كل ما نريد قوله هنا هو كفانا يا اصحاب السعادة ازدواجية والا ماذا نفسر وقوفكم كما تدعون مع حرية الصحافة وفي الوقت ذاته تطالبون بحبس الصحفي؟!
اصحاب السعادة تدركون تماما ان الصحافة في البحرين امالها وطموحاتها كثيرة وتدركون ايضا انها اصبحت اليوم من اهم الادوات الرقابية وان كانت مع الاسف تعاني من عدم انسياب المعلومات التي هي حبيسة ادراج النواب والمسؤولين في الدولة.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان: هل اصرار نوابنا على حبس الصحفي اساسه نقد الصحافة للاداء البرلماني؟ ربما.
صحيح ان صحافتنا تشكو من مرض يدعى الرقابة المفرطة وصحيح ايضا ان مقص الرقيب لا يرحم كما لو ان الصحفيين والكتاب لا يضعون في حسبانهم الرقابة الذاتية التي يؤكدون عليها باستمرار ولكن الصحيح هنا ان عقوبة الحبس ابلغ دليل على مخاوف النواب من حرية الرأي والتعبير وبالتالي لماذا الاستخفاف بحرية الصحافة؟ اليست هذه العقوبة تعديا على الحق الدستورى للصحفيين؟
ولماذا كل هذه الوصاية على الصحافة والصحفيين والكتاب؟
ما من شك ان الكتل البرلمانية المتشددة التي اعتادت ان تفرض وصايتها على المرأة وحرية الاعتقاد والثقافة والابداع عموما وتنصب نفسها حارسا على الاخلاق والفضيلة والنوايا ها هي الان ومن دون تردد تصادر حرية الصحفيين وتلاحقهم وتطاردهم يعقوبة الحبس وهذا في الوقع يذكرنا بمحاكم التفتيش في القرون الوسطى.
صحيفة الايام
20 مارس 2010
حبس الصحفي!!
هكذا أصبح حال الشعب الفلسطيني اليوم
لم يتبق شيء من الأساطير والخرافات اليهودية الصهيونية غير مطبق على الأرض الفلسطينية العربية، ولم يسلم حتى الحرم الإبراهيمي من الادعاء بتصنيف المؤسسة الصهيونية الحاكمة له ضمن التراث اليهودي، دع عنك المساس بالمسجد الأقصى واستمرار التنقيب بجواره للبحث عن الهيكل المزعوم، وكلما نقبوا في مكان فقعت أعينهم لقيات من الآثار ولسان حالها يقول: “الأرض تتكلم عربي”. لكن من يتصدى اليوم لهذه العجرفة الصهيونية من الهرطقات والأساطير التي يفرضها الاحتلال الغاشم بقوة السلاح والقمع الاستبدادي ضد الشعب الأعزل؟
لا أحد من العرب والمجتمع الدولي سوى الفلسطينيين المدنيين البسطاء الذين يواجهون سلطات الاحتلال يوميا بصدورهم العارية للحيلولة دون ترجمة مخططاته الاستيطانية والاساطير الصهيونية على أرض الواقع.
وأنت لا تتعجب إذا ما وقف المجتمع الدولي صامتا متفرجا على تلك الإجراءات غير المشروعة دوليا التي تمارسها إسرائيل كسلطة احتلال في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 إذا ما كان كذلك هو الموقف العربي نفسه، أي التفرج واللوذ بالصمت المتخاذل، وليس لأحد من الفلسطينيين الحق أن يستنكر اليوم هذا الموقف العربي الرسمي المتخاذل في ظل غياب الموقف الفلسطيني الموحد، وفي ظل غياب المؤسسة التمثيلية الرسمية الموحدة المتماسكة (منظمة التحرير الفلسطينية)، وكل ذلك بفعل الصراع العبثي المرير المدمر بين الفصيلين الرئيسيين: فتح والسلطة من جهة وحماس من جهة أخرى على السلطة وتقاسم مناطق النفوذ، وفي ظل استفراد قادة فتح الرسميين بالسلطة الفلسطينية واستبعاد الفصائل الوطنية الأخرى من الحوارات ونبذ الائتلاف الجبهوي داخل بنية السلطة الفلسطينية وفي مؤسسات منظمة التحرير، فالشمولية “الفتحاوية”، ممثلة على وجه الخصوص في مؤسسة الرئاسة، حولت السلطة الفلسطينية إلى سلطة استبدادية بامتياز، فليس لديها مشروع جاد لبناء جبهة وطنية ديمقراطية من قبيل الجبهة الوطنية في الداخل في سني ما قبل الخروج من بيروت عام 1982، إبان الكفاح المسلح من الخارج، وهي لا تملك ولا تريد أن تملك بديلا لمواجهة تعنت سلطة الاحتلال لتحرير الأرض الجاثم عليها سوى المراهنة على المفاوضات، ثم المفاوضات، ثم المفاوضات، ولا شيء سواها حتى بعد مضي 17 عاما على استمرار العجرفة الإسرائيلية وتنكر إسرائيل لكل التعهدات التي قطعتها أمام المجتمع الدولي في اتفاقيات أوسلو التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ثم اخلالها باستحقاقات خريطة الطريق.
إن الشعب الفلسطيني بات اليوم بكل معنى الكلمة واقعا بين مطرقة الاحتلال وسندان الصراع الفتحاوي ــ الحمساوي على سلطة صورية شكلية محاصرة بسلطات الاحتلال من جميع جهات الأراضي التي تقع تحت سلطتها، وحتى إدارة سلطة شكلية صورية لخدمة الشعب المطحون المعذب أثبت كلا الفصيلين فشله الذريع بامتياز في تحقيق أدنى شيء ملموس من التجرد والنزاهة من الخدمات لصالح شعبهما، إن تحت سلطة فتح في رام الله وإن تحت سلطة حماس. فالجزء من الشعب الفلسطيني المعذب الواقع تحت سلطة عباس في الضفة الغربية ابتلي بسلطة قمعية فاسدة ومفسدة، والجزء الواقع تحت سلطة حماس في قطاع غزة ابتلي بسلطة شمولية دينية أقل فسادا لكنها استبدادية دكتاتورية لا تتورع عن تنفيذ طموحاتها وأحلامها السياسية الدينية بفرض إقامة إمارة إسلامية متطرفة موغلة في الغلو والتزمت الدينيين كنموذج أو بروفة للسلطة التي ترنو إلى الاستحواذ عليها بإقامة نظام إسلامي فلسطيني إذا ما تحققت معجزة التحرير والاستقلال الناجز. وهي بذلك تضرب التعددية الثقافية والاجتماعية التي تتميز بها تركيبة الشعب الفلسطيني في القطاع بعرض الحائط، وما عليك سوى النظر في تصرفاتها بفرض زي إسلامي موحد للطالبات في المدارس، دع عنك تصرفاتها ومحظوراتها السياحية المتشددة في السواحل والفنادق.
وإذا كان كذلك الحال لوضع الشعب الفلسطيني المجزأ داخل القطاع وداخل الضفة، فأوضاعه في الشتات العربي والدولي ليست أفضل حالا، بل مرائر ومآس متفاقمة يعيش في ظلها وإن كانت من نوع آخر، وبخاصة طبقاته الدنيا الرازحة في مخيمات اللجوء بالدول العربية.. أما الجزء الرابض في أراضي 1948 (حملة الجنسية الإسرائيلية) فهم يكابدون كل أشكال صنوف العذاب اليومي من جراء إجراءات الممارسات العنصرية التمييزية والاستبدادية التي لم يشهد لها مثيل في التفاقم منذ إقامة إسرائيل على أرضهم عام 1948 بالاغتصاب والقوة الغاشمة.
صحيفة اخبار الخليج
19 مارس 2010
هل تظهر طبقةٌ وسطى حرةٌ في العراق؟ (2 – 2)
بين نوري المالكي وإياد علاوي منافسة شديدة، وقد عبرت الانتخابات العراقية عن إمكانية صعود كتلة علمانية ديمقراطية في وجه الوعي المذهبي المحافظ، وقدرة تحالف سياسي جديد على تحدي سلطة رئيس الوزراء العراقي.
جاءت النتائج الانتخابية بصعود التيار الشيعي بشكل أكبر من غيره: إنه كتلةٌ شيعيةٌ سياسيةٌ منقسمةٌ على نفسِها في تحالفين لا نرى ثمة تباينا ايديولوجيا بينهما، فكعادة التوجهات الدينية تقومُ على زعامات وليس على أفكار، وإن كان التجمعان الشيعيان العراقيان الإصلاحيان يرفضان مبدأ ولاية الفقيه، استقلالاً للعراق من الهيمنة الإيرانية الحكومية المباشرة.
التوجه الليبرالي العلماني الذي يقوده إياد علاوي فاجأ الرأي العام بصعوده البارز وطلوعه بقوةٍ من بين الكتل المذهبية ومن بين الأكراد كذلك.
إن إياد علاوي هو وليدُ طبقةٍ وسطى قديمة في العراق، كان جده من الشخصيات البارزة في عهد الدولة العثمانية، واشتغل والدهُ في المجال الطبي وأسس مستشفيات، وكان بعض أقربائه من الفئات الوسطى البارزة خاصة في المجال الصناعي. وقد اختلف مع حزب البعث الذي انضم إليه وغادر البلد وشكلَ معارضة، وألفَ أولَ حكومة بعد سقوط النظام السابق، وقامت بتغييرات اقتصادية مهمة.
إن تجميعه للقوى الليبرالية والديمقراطية العلمانية، وانتصار القائمة العراقية التي يقودها في المناطق الوسطى وبعض المناطق الكردية وتغلغله في المناطق الجنوبية كذلك، يعبر عن انتشارٍ ملفتٍ للقوى الوطنية التي لم تستطع القوى الأخرى الدينية والكردية أن تمنع تصاعدها.
من الواضح هنا عبر هذه النتائج انقسام الطبقة الوسطى لمجموعات سياسية متعددة، ولاتزالُ الشريحةُ السياسيةُ الشيعية في تبعية للقوى المحافظة سواء العراقية أم الإيرانية، طارحة شعارات مذهبية تعبر عن مرحلة دنيا من حراك العراقيين. فهذه تشكلت عبر التغذية الإيرانية عبر عقود سابقة، وهذا التداخلُ الإيراني – العراقي المتضافر خلال عقود، الذي لم تفرزهُ حركةٌ قوميةٌ تنويرية على الجانبين العراقي والإيراني، بل جاءت الحركةُ القوميةُ العربية الشموليةُ لتكرس تداخلهما، فاستفادت الكتلُ الشيعيةُ السياسية من عملية التغيير السريعة الانفجارية واستثمرت القوى السكانية العددية الكبرى. وهذا تعبيرٌ كذلك عن ضعف عمليات الإصلاح السابقة والراهنة، وانتشار البؤس بين الجماهير الفلاحية خاصة، التي تدفقت على الأحياء الشعبية. وهذا الكم العددي المسحورُ بالأدعيةِ والشعارات الدينية يسهلُ تجنيده في تجمعات سياسية تطرح غموضاً برامجياً، من الناحيتين الطبقية والقومية، وبالتالي ترفض العلمانية السياسية لكونها تزيلُ الغشاءَ عن تلك البرامج الغامضة، التي تصعدُ فئاتٍ وسطى متعددة الانتماءات الاجتماعية والسياسية والحكومية لتحصل النصيب الأكبر من الثروة بتقرير كيفية نموها ومشروعاتها. ومن هنا يصعبُ تشكيل طبقة وسطى حرة، رغم تنامي الإنتاجات الحرفية والزراعية والصناعية الخاصة، وبدء التحاق العراق بالسوق العالمية بشكلٍ واسع.
ولهذا فإن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي يمثل هذا الاتجاه العملي المحافظ الذي ينمو داخل الفئات الوسطى الغارقة في الحياة الدينية، فهو من المنتمين إلى جماعة الدعوة، لكنه عاش فترة طويلة خارج العراق. إنها كتلٌ شيعيةٌ سياسيةٌ تعيشُ في هذا البرزخ العراقي – الإيراني – الوسطي – المحافظ، لم تستطع تطوير فكرها السياسي، نظراً لدينيتها المحافظة، نتاجِ العصرِ الوسيط، بكل حديثه عن الملةِ لا عن القومية، عن المسلمين لا عن مصالح القوى الاجتماعية المتباينة المسلمة وغير المسلمة كذلك. أي هو نتاجُ الغبشِ بين المحافظة والديمقراطية التي لم تتجذر.
ومن هنا فإن تحالفاتها لتكوينِ حكومةٍ تخضعُ لذلك، فهي لا تتوجه لتكوين طبقة وسطى حرة، تضعُ أغلبيةَ المواردِ للتصنيع والتوحيد، لكن برامجَ تنشيطِ الاقتصاد وإزالة العقبات الهائلة أمام مختلف الخدمات ووقف الإرهاب، ستظلُ تتحكم في نشاط الحكومة المقبلة مهما كانت هويتها الاجتماعية. أي هي عملياتُ مقاربةٍ للتحديث تخضعُ للمساومات بين الدول المؤثرة في العراق وفي صراعاتها وصراعات القوى الداخلية على الموارد.
إن انتصار كتلة علاوي تشير إلى أن قسماً كبيراً من الجماهير قد مل التجاذبات الطائفية، وتصاعدت فيه الوطنيةُ العراقية، ويريد توجه الحكومة نحو حل مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. إن اختراقَ هذه الكتلة للمنطقتين الكردية والشيعية مؤشرٌ على أن قسماً من هاتين المنطقتين يتوقُ للتوحيد، رغم أن هذا التوقَ ضئيلٌ لكنه مبشرٌ، خاصة مع قدرة القائمة الوطنية على تنفيذ وعودها وحفر إصلاحات اقتصادية وسياسية قوية.
إن هذا التوحيد لا تشكلهُ في الآونة الراهنة مع نومِ الطبقة العاملة وجماعاتها السياسية، سوى البرجوازية التي لديها الأموال والخبرة والشعارات المناسبة لهذه الفترة. لكنها كذلك تعطي بوابةً لفصائل هذه الطبقة أن تنسحبَ من عوالم الطائفية والتبعية لايديولوجيات الإقطاع الديني، وأن تجددَ أفكارَها وتقيمَ علاقات وطنية عراقية، بدلاً من علاقات شيعية فقط أو كردية فقط، أي أن تنصهرَ مجدداً في النضال الوطني. ونشوء هذه العلمانية في أغلب المناطق السنية ليس لطابع قومي، لكن لأن هذه المناطق كانت سباقةً في الوعي القومي وتبني العلمانية.
الشعارات المناسبة وتنهيض وعي العراقي الوطني، والرد على مخاوفهم من الابتلاعات السياسية الأجنبية والمجازر، وتحقيق برنامج التغيير، سيكون أرضية للتوحيد ولإيجاد ظروف طبقة وسطى حرة.
صحيفة اخبار الخليج
19 مارس 2010
علاقة المثقف بالسلطة
دائماً ما تشغلنا أسئلة من قبيل: ما علاقة المثقف بالسلطة وإشكاليتها؟ وهل ممكن أن تؤطر الثقافة بإطار سياسي؟ وهل يحق لوزارات الثقافة أن تضع برامجها وفق مقاساتها، حتى وإن كانت تعارض الواقع والتعددية الفكرية؟؟…
في مقابلة صحافية مطولة مع وزير الثقافة والشباب في إقليم كردستان، كاوه محمود (52 عاماً) (1) وجدت أجوبة شافية لتلك الأسئلة أعلاه تضمن حلولاً برجماتية تبيّن أن الثقافة أوسع من أن تؤطر بإطار سياسي، وقال مما قاله ‘أعتقد يجب أن تكون البرامج الثقافية مبنية على أساس الواقع، وليس على أساس الرغبات، ويجب أن لا نلوي عنق الواقع كي ينسجم مع إرادتنا؛ لأن الرغبوية والإرادوية وبال علينا، وهما مرض شديد في منهجية التفكير. فيما يتعلق في السياسية الثقافية يجب أن نرى الواقع الثقافي وما هي الإشكاليات الموجودة في الواقع الثقافي، الإشكالية المزمنة، والتي هي ليس فقط في إقليم كردستان أو العراق فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط عموما، هي العلاقة بين المثقف والسلطة، وهي إشكالية معقدة، فكيف يمكن أن نتعامل مع هذه الإشكالية؟؟ نحن أكدنا في برنامجنا على حل هذه الإشكالية لصالح المثقف، وهذا يعني أن هذا الحل هو لصالح السلطة الديمقراطية المدنية التي تملك مشروعا للتغيير الاجتماعي، نحو التقدم الاجتماعي’.
ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك، خارج النطاق النظري، الذي يصطدم بالواقع في أغلب الأحيان؟
يقول كاوه ‘قطعاً عندما تعالج هذه الإشكالية لصالح المثقف، فهذا يعني في الجوهر هو لصالح المشروع المدني الديمقراطي الذي تطرحه السلطة’، وهو مشروع مستمر، ونحن في مرحلة انتقالية وبحاجة إلى التراكم، ولكي نتجاوز الشعاراتية ونتحول إلى الواقع العملي الملموس، نكون بحاجة إلى آليات عمل تساعدنا على تنفيذ هذا البرنامج وهيمنة الناحية العملية، لقد نشرنا الخطوط العامة لسياسة الوزارة في الصحافة العلنية، ونشرنا أيضا قانون الوزارة وطلبنا من المثقفين ومن المعنيين بالتنمية الشبابية والشؤون الرياضية أن يقدموا مقترحاتهم وملاحظاتهم حول قانون الوزارة بما في ذلك ملاحظاتهم حول المديريات التابعة للوزارة، وآلية عمل الوزارة، وهذا جزء من الشفافية من خلال العودة إلى الرأي العام، لم نقدم المشروع مباشرة إلى مجلس الوزراء، وقد طرحنا هذا المشروع في ندوة تلفزيونية، كما نشرنا العنوان الإلكتروني الخاص بالوزير في الصحافة، كي تكون الآراء والملاحظات من المعنيين مباشرة إلى الوزير، وقد تلقينا ملاحظات جيدة وأجرينا تعديلات على ضوء ما ورد إلينا من آراء’. وأعطى كاوه مثالاً آخر على هذه الروحية بقوله ‘نحن في الوزارة تلقينا دعوة لسفر ثلاثة شعراء أكراد إلى القاهرة يقرأون قصائدهم في اللغة العربية، أنا بدوري حولت الدعوة إلى اتحاد الأدباء ليشخصوا هؤلاء الشعراء وليس الوزارة، وبالفعل فقد اختاروا ثلاثة من الشعراء وعلى حساب الوزارة، لدينا مثلا لجنة لمتابعة النصوص السينمائية، وأغلب أعضاء هذه اللجنة هم من خارج الوزارة وباختصاصات متنوعة، لكي يقرروا صلاحية النص، جملة من هذه الآليات ستعيد الثقة والعلاقة إلى مجراها الطبيعي بين المثقف والسلطة، وعندما أتحدث عن السلطة، أتحدث في الحقيقة عن إدارة الشأن الثقافي، والشأن الثقافي واسع، وأنا أعتبر كل هذه المؤسسات الثقافية خارج الوزارة، هي بمثابة وزارة للثقافة وهذا ليس منقصة للوزارة؛ لأنها تكمل عمل الوزارة، نحن معنيون جملة وتفصيلا بالشأن الثقافي’.
ـ (‘طريق الشعب’ العدد 147 ـ السنة 75 ـ الأربعاء 17 مارس/ آذار 2010)
«الشفافية» تنتدي عـــن «أمــلاك الدولــة»
عجباً ممن ينادي بحقوق المرأة نهاراً ويطعنها بخنجره ليلاً.. عجباً ممن ينادون بحقوقها ويرفضونها عند التشريع.
ما الفرق بين المغالين والمتطرفين سواء كانوا يميناً أو يساراً، كلهم صنف واحد.
هناك من المغالين من يريدون أن تكون المرأة للمطبخ والفراش، وهناك آخرون يريدون حرمانها من وقت رعاية ورضاعة ابنها بحجة المساواة مع الرجل.
زعموا أنهم ينادون بالمساواة، وما أقوالهم ومناداتهم إلا شططاً.
هذه مشكلة من يدعون الثقافة.. دائماً ينظرون إلى القضايا بتعالٍ وفوقية.. «ما أكرم المرأة إلا كريم.. وما أهانها إلا لئيم».
يريدون أن يحرموا المرأة من تشريع ساعة لرضاعة هذا الطفل ورعايته.. حقاً هذا الذي يريدونه؟! غريب أمرهم!!.
ربما لأن أبناءهم تربوا وفي فمهم معالق من ذهب.. أو قد يكونون في أحضان المربيات والخادمات الأجنبيات… ربما.. لِمَ لا؟
أتريدون أن تكون مهمة الأم فقط أن تنجب وبمجرد أن يرى طفلها النور، وحينها تلقى المهمة على عاتق المربية الاجنبية.. يا عجب الله، سيتوقف الاقتصاد وينهار من ساعة أو ساعتي تقضيها الأم لرضاعة ابنها حولين كاملين.
تلك هي المشكلة عند «المثقفين البرجوازيي» لا يتلمسون معاناة أحد، هم فقط الفاهمون والناس بسطاء.. هم فقط من يمتلكون المعرفة والناس همج رعاع!
متى يشعر هؤلاء بآلام الناس وأحزانهم وأتراحهم.. متى ينزلون إلى الشارع ليعرفوا أن ساعة يقضيها الطفل في أحضان أمه خير من الدنيا وما فيها.
حين يقف ذاك «الشنب» الذي دافع عن المرأة بطريقة أذهل المرأة ذاتها، أفضل من ألف مقال ينادي بحقوق المرأة وهو في الحقيقة مجرد حبر على ورق.
صحيفة الايام
19 مارس 2010
مجلس التعاون ودروس اغتيال المبحوح
بعدما ظلت جريمة اغتيال القيادي في حركة حماس الشهيد محمود المبحوح على ايدي عناصر من “الموساد” الاسرائيلي تتصدر عناوين الاخبار في وسائل الاعلام العربية والعالمية كلما كشفت شرطة دبي النقاب عن فصل جديد من فصول عملية الاغتيال التي تثبت على نحو قاطع ودامغ تورط جهاز الاستخبارات المذكور في تلك الجريمة النكراء واستمر كشف هذه الفصول المثيرة تباعاً على مدى نحو شهر، بدا اهتمام وسائل الاعلام العربية والعالمية يتضاءل حول هذه القضية تدريجيا، واخذت أضواؤها تتوارى عن أنظار الرأي العام العالمي بوجه عام والرأي العام العربي بشكل خاص شيئاً فشيئاً، هذا على الرغم من ان ما كشفه حتى الآن رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان من اوراق ومستندات ومستمسكات واسانيد حول تورط “الموساد” الذي لم ينكر بدوره بصورة قاطعة ارتكابه الجريمة تكفي حتى بربعها فقط لادانة اسرائيل على نحو دامغ قاطع، ويصلح ربع ما كشفه لفتح ملف اتهام متكامل دسم ثري بالمعلومات والبراهين والدلالات التي تتيح حق رفع دعوى دولية ضد اسرائيل ليس من قبل دولة الامارات العربية المتحدة فحسب باعتبارها الدولة التي ارتكبت فوق اراضيها وضد سيادتها الوطنية تلك الجريمة، بل من قبل الدول الاوروبية الصديقة لاسرائيل وهي كل من بريطانيا وايرلندا وفرنسا وألمانيا التي امعنت اسرائيل بكل استخفاف بتزوير عدد من جوازات سفر رعاياها ضاربة بعرض الحائط هيبة هذه الدول وكرامتها وسيادتها، وهذه الدول بدورها وبعدما ابدت على استحياء ممزوج بشيء من الحرج شيئاً من الامتعاض من التصرف الاسرائيلي هي الاخرى توارى “امتعاضها” الى الخلف ولم يتطور ولو إلى احتجاج قوي رادع يحفظ هيبة وكرامة كل منها، وسرعان ما عادت المياه إلى مجاريها في علاقاتها مع اسرائيل وتعاملت مع ما حدث كأنه سحابة صيف عابرة.
لذا وبناء على كل ما تقدم هل من المستغرب بعدئذ اذا امعنت اسرائيل في سياساتها العنصرية والتهويدية الاستيطانية بحق العرب في القدس الشرقية مادامت قد امنت ليس العقوبات الدولية فحسب، بل الادهى من ذلك مادام الفلسطينيون والعرب يمعنون في مكافأتها باعطائها الفرصة تلو الفرصة باعلانهم استمرار المفاوضات وابقاء اليد العربية ممدودة مهما اوغلت اسرائيل أو تمادت في اهانتهم واذلالهم فاقدين امكانية التلويح بأي بديل آخر من اوراق الضغط التي يملكونها سواء على اسرائيل ام حليفتها الدولية الولايات المتحدة؟
ثم مادام كل هذين الدلال والاستخذاء الفلسطينيين والعربيين الرسميين اللذين يعطيان لها حتى وصل الأمر الى درجة غير مسبوقة من الذل والهوان بأن تمنح فرصة 4 أشهر اضافية لاثبات جديتها في استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين كما يأتي اعلان هذا الموقف من قبل وزراء الخارجية العرب في ذروة الحرب الاعلامية الشجاعة التي شنها الفريق ضاحي خلفان مما يشكل طعنة عربية رسمية غادرة مؤسفة في ظهر الشعب العربي الذي يتابع من الخليج إلى المحيط باعجاب يستعيد شيئاً من الكرامة العربية ولو كلاميا على جرائم اسرائيل لاستباحتها عمليات اغتيال ليس المناضلين الفلسطينيين الذين تتيح لهم الشرعية الدولية حق مقاومة المحتل لاراضي وطنهم فحسب بل لانتهاكها الفظ قوانين وسيادة دول لارتكابها جرائم الاغتيال على اراضيها، فهل من عجب بعدئذ اذا ما امعنت بكل وقاحة في اعلان مخططها الاستيطاني اثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن لإسرائيل؟
والآن فإن الخشية كل الخشية من ان يحفظ ملف هذه القضية كأنها قيدت ضد “مجهول”، رغم كل ما كشفته دبي من ادلة دامغة تفضح على نحو قاطع تورط “الموساد” الاسرائيلي. لكن تخطئ الدول العربية بوجه عام والدول الخليجية بوجه خاص اذا ما توهمت ان اسرائيل ستتعظ من دروس هذه العملية التي ارتكبها جهازها الاستخباري “الموساد” بعد انكشاف وفضح فصولها بالكامل بحيث إن اسرائيل لن تقدم بناء على هذا الفضح على أي عملية من هذا القبيل مستقبلاً، وانها بالتالي ستحرص على فتح صفحة تطبيعية جديدة على قاعدة “عفا الله عما سلف” مع دول التطبيع العربية على اختلاف درجات ومستويات هذا التطبيع.
على العكس من ذلك فإنها اذا خرجت من هذه العملية قوية منتصرة من دون ان تهتز لها شعرة واحدة فستتمادى في ارتكاب المزيد من هذه العمليات الاجرامية في أي دولة من دول العالم وما عملية دبي الا عملية واحدة خلت من قبلها عشرات العمليات المماثلة في الدول العربية وغيرها.
فهل يا ترى ستصمت دول مجلس التعاون وتعود حليمة إلى عادتها القديمة باستمرار قبول التطبيع سرا او علنية مع العدو الاسرائيلي وبما يشكل ذلك أكبر اهانة واحتقار لكرامة دول المجلس؟
ان دول مجلس التعاون تخطئ اذا ما توهمت بأن أي عملية جديدة للموساد على اراضي أي منها سيكون هدفها دقيقا وناجحا في التصويب نحو عنصر فلسطيني مستهدف، فكم من العمليات الاستخباراتية اخطأت الهدف لتصيب مواطنين ابرياء او حتى رموزا من الدولة! لنتذكر هنا الوزير الاماراتي الشهيد سيف غباش الذي راح ضحية عملية استخباراتية عربية كانت تستهدف وزير الخارجية السوري الاسبق عبدالحليم خدام برصاصة طائشة.
واذ تشكل مثل هذه العمليات تهديدا فعليا للأمن القومي الخليجي العربي وتهدد سلامة دول الخليج وسلامة مواطنيها وقياداتها الرسمية فهل من منطق العقل والكرامة ان تنفرد بعد اليوم دولة خليجية او اكثر بمواصلة خطوات التطبيع مع العدو الاسرائيلي ارضاء او استجابة للحليف الامريكي؟
صحيفة اخبار الخليج
18 مارس 2010
هل تظهر طبقةٌ وسطى حرةٌ في العراق؟ (1 – 2)
كانت تباشيرُ نمو الطبقة الوسطى تبدو من النظام الملكي الإقطاعي قبل الثورة، ومع مجيء ثورة العسكريين تزايد من جهةٍ نمو العلاقات الرأسمالية خاصة في الريف، حيث قامت حكومة الثورة بإصلاح زراعي مهم، وكذلك تنامتْ رأسمالية الدولة الحكومية، ثم تغلبتْ رأسماليةُ الدولة بعد تأميم النفط وانصبت معظمُ المداخيل في جيوب البيروقراطية الحكومية المتعددة الأوجه.
(رغم توسع قطاع الدولة الانشائي فان حصته في تنفيذ الاستثمارات الحكومية لم تبلغ 10% وعليه فان القطاع الخاص قد تولى في السبعينيات مقاولات بما لا يقل عن 6 مليارات دينار جنى منها أرباحاً تزيد على المليار دينار وتنطوي على هامش طفيلي كبير)،(تطور العراق، د. أحمد الشيخ ربيعة).
وسواء أكان هو حكم عبدالكريم قاسم أم البعث فإن القوى البيروقراطية الحكومية نمّتْ البرجوازيةَ الخاصة الخاضعة لها عبر المقاولات وأعمال الباطن المختلفة، بحيث غدت القوى البيروقراطية هي المسئولة عن تصاعدِ دور الأجهزة العسكرية والقمع وإلغاء الحريات.
وجاءَ الاحتلالُ الأمريكي عبر فوضى عارمة ولم يدع القوى المحلية هي التي تجهزُ على النظام وتواصل التغيير، فركزَ في تصفية الرأسمالية الحكومية المركزية، وأدواتها الأساسية المساندة من جيش ومخابرات.
لقد انتكس الدورُ الحكومي المركزي، لكن لم تكن ثمة قوى مالية خاصة كبيرة تستثمر الوضع لتطور رأسمالي ديمقراطي وطني، كما قامت القوى الإقطاعية والمذهبية بتفجير الصراعات المختلفة، وضرب القوى المتعاونة مع التطور الجديد، وحدث تخريبٌ ودمارٌ كبيران وهجرة الخ.
بعد هدم رأسمالية الدولة المركزية وتوزيع الفوائض الاقتصادية على المحافظات، في ظروفٍ اقتصاديةٍ اجتماعية بلا ملامح تحديثية، وبلا وجود طبقة وسطى عراقية على طول الخريطة الوطنية، وسيادة الاقاليم المذهبية والقومية المختلفة، وقيام الإدارات المناطقية بالسيطرة على الموارد، والتلاعب في كثير من الأحيان بها، وحدوث فضائح بهذا الصدد كهجوم قوى الدرك الحكومية على البنوك، واستغلال الحكومة المركزية دورها المهم وتنفيع جماعاتها، حدثت الانتخابات الأخيرة وبرزت ثلاث قوى سياسية مناطقية رئيسية هي حكومة المالكي وجماعة إياد علاوي كقوة تحديثية واستمرار القوى الكردية المتنفذة في الشمال.
لقد حدث تكوينٌ عراقي اجتماعي جديدٌ في هذه السنوات القليلة في بداية القرن الواحد والعشرين وهو صعود كتل اجتماعية بلا جذور اقتصادية عميقة سابقة، فملكية الدولة الكبيرة وهي الشريان الأكبر لتشكيل البرجوازيات سواء الحكومية أم الخاصة المتداخلتين في الأنظمة السابقة قد تم قطع عرقه الكبير، ومع ظهور التعددية والصحافة الحرة، توجه المالُ النفطي إلى الخريطة الاقتصادية المُراقبة، وإذا جاءت الفوائض الاقتصادية فهي تأتي من خلال الوظائف الحكومية، في حين تتوجه الأقسامُ الكبيرةُ من الفوائض النفطية النقدية إلى المشروعات العامة.
فكيف تشكلت القوى السياسية الاجتماعية واعتمدت على إيجاد مناصرين وأتباع لها من دون الهيمنة النفطية المالية؟
قامت في العراق الراهن قوى اقتصادية سياسية منفصلة عن الرأسمالية الحكومية المعتادة وقامت على ما يمكن تسميته:(البرجوازيات الخاصة – العشائرية – الطائفية)، وهي تسميةٌ من الأدبياتِ العراقية وتعبرُ عن المنحى الجديد للقوى الاجتماعية السياسية المتنفذة. وهذا الانفصال يحدث أول مرة في التاريخ العراقي الحديث على الأقل، فالدولة المركزية أُزيلت وحلتْ دولةٌ غير مركزية.
والحزبُ المسيطرُ تنشأ سيطرته من خلال وجود المال لديه أولاً، ثم من خلال لجوئه للعشائر ثم يعتمد كذلك على طائفيته.
ثلاثة جذورٍ شكلتْ خريطةَ الانتخابات العراقية الراهنة التي صعدت فيها تلك القوى السابقة الذكر. وبالتأكيد فإن المالَ الكثيف موجود والقوى السياسية المؤثرة موجودة ولكن بطرق مختلفة عن السابق!
صحيفة اخبار الخليج
18 مارس 2010
ملف لم يعد محلياً
تغلغلت آثار اعتماد مواطني بلدان الخليج على الأيدي العاملة الأجنبية، الآسيوية منها خاصة، في ثنايا التكوين النفسي لأفراد هذه المجتمعات وعاداتهم، الناجمة عن تعودهم على نمطٍ سهلٍ من المعيشة يوفره العمال الأجانب دون التبصر في أبعاد الموضوع. ولا نظن أن الأمر آيل في المدى المنظور وفق ما نرى من معطيات إلى تغيير جوهري في هذا النمط، وبالتالي إلى معالجة سليمة لهذه الظاهرة لا تؤدي إلى إنهائها أو التخلي عنها فذلك بات أمراً مستحيلاً خاصة في عالم اليوم، وإنما لترشيد استقدامها وترشيد توظيفها في المجالات التي تحتاجها هذه المجتمعات.
وعلى صلة بذلك، فإن حجم الأيدي العاملة الأجنبية في بلداننا، يجعل من هذه البلدان مكشوفة على الخارج، فدول المنشأ أو المصدر لهذه الجاليات أو أوطانها الأم معنية بشكل كبير بأوضاع هذه الجاليات، ليس فقط لأن حقوق المواطنة تقتضي مثل هذه الاهتمام من قبل حكومات هذه الدول بأمر مواطنيها الذين يعيشون ويعملون في بلدان الخليج النفطية، وإنما أيضاً لأن التحويلات المالية لأفراد هذه الجاليات في الخليج إلى أوطانهم تشكل أحد عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في بلدان المصدر، وبالتالي فإنها معنية برعاية أمور أبنائها في هذه البلدان والسعي لتأمين الظروف الملائمة لعمل ومعيشة هؤلاء.
وقد بدأت هذه الحكومات في الضغط من أجل سن ما يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف، وربما تحث مواطنيها في المستقبل، ولعلها بدأت في حثهم بالفعل على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي لتأمين مثل هذه الظروف، وعلينا، من وجهة نظر إنسانية وتقدمية، أن ننظر لذلك بصفته أمراً مشروعاً.
معدلات النمو الحالية في بلدان الخليج ونمط المعيشة، السائد فيها بما ينطوي عليه من رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة ما كان يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من الأيدي العاملة الآسيوية، فإن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرةٍ من حرير دون التبصر في المستقبل وعواقبه ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها، غداً عندما «تروح السكرة وتجيء الفكرة».
إن العولمة فرضت هذا التدويل الواسع للظواهر والحالات. ومجتمعات الخليج بحكم ما فيها من ثروات وما تحتله من موقع لا يمكن إلا أن تكن في قلب هذه العولمة، على الأقل من زاوية استراتيجية سلعة النفط الموجودة في أحشائها. وآليات العولمة لا يمكن أن تستخف بقضية جوهرية ومصيرية وحيوية بالنسبة لبلدان المنطقة، كقضية العمال الأجانب التي باتت ملفاً قيد التداول من قبل المنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان وقضايا العمال المهاجرين.
ومن العبث القول إن الوقت قد آن للتفكر في الأمر، الأصح القول إن الوقت يكاد يكون متأخراً، والأجدى هو السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر الخطوات العملية التي تتطلب قرارات جريئة، لابد منها، وهي لا يمكن إلا أن تكون قرارات مؤلمة في الآن ذاته، لأنها تتطلب التغلب على المظاهر المتطرفة في سيكولوجيا الاستهلاك التي تجتاح بلداننا جميعها، وبدون استثناء، حتى لو تفاوتت النسب.
صحيفة الايام
18 مارس 2010
الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي ودور الحكومات والبرلمانات الوطنية
عند الحديث عن الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي أو ما أصبح يطلق عليها بالموازنات الحساسة ، يصبح لزاما علينا أن نشير بكل التقدير والاحترام لأستراليا حيث البدايات الأولى على مستوى العالم التي يتم فيها الالتفات بشكل جاد وعملي لتفعيل فكرة الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي وذلك
الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي ودور الحكومات والبرلمانات الوطنية
– ورقة نقدية –
إعداد: عبد النبي سلمان
عند الحديث عن الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي أو ما أصبح يطلق عليها بالموازنات الحساسة ، يصبح لزاما علينا أن نشير بكل التقدير والاحترام لأستراليا حيث البدايات الأولى على مستوى العالم التي يتم فيها الالتفات بشكل جاد وعملي لتفعيل فكرة الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي وذلك منذ العام 1984، لتتلوها بعد ذلك مبادرات عالمية عديدة، ربما كان من بينها مبادرة دول الكومنولث التي التزمت بمساواة النوع الاجتماعي في العام 1991 ثم ما لبثت أن صادقت عام1995م على خطة عمل تدعو لتطوير هذا المبدأ والذي اعتبرته أساسياً في مجال حقوق المرأة، لتتوالى بعدها اجتماعات ومؤتمرات مهمة على مستوى دول الكومنولث لوزراء مثل المالية، والتعليم والصحة والتشريع وشؤون المرأة وحقوق الإنسان، وقد استمد هذا التوجه زخمه العالمي لاحقا في مختلف قارات العالم وبدرجات متفاوتة بغية تحقيق رؤية طال انتظارها لعالم تتساوى فيه الفرص بين النساء والرجال في مختلف مناحي الفعل الإنساني الخلاق لبناء عالم جديد تكون فيه المرأة كيانا فاعلا وعلى مستوى متكافىء دون وجل أو خوف من تلك المعوقات التي ظلت لقرون تتشكك في قدرات النساء على أن يكنّ فاعلات في الهم الإنساني المشترك وعملية البناء والتنمية.
وقبل أن نستطرد في الحديث والمقاربة، يجدر بنا أولا الدعوة لتحقيق فهم موضوعي لمفهوم الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي،باعتبارها موازنات ترمي باتجاه تحقيق أقصى قدر من العدالة والمساواة على أساس النوع الاجتماعي، أي بين النساء والرجال والفتيات والفتيان، في ما يتعلق ببنود الموازنات ومن حيث أوجه الإنفاق العام، ونوعية المشاريع المراد تحقيقها من خلال تلك الموازنات العامة على طريق جسر الفجوة المزمنة في عملية التنمية الشاملة والتي تحتاج بالفعل إلى عدالة لا ترتبط بالمساواة بين النساء والرجال فحسب، وإنما أصبحت ترتبط بمبدأ عدالة توزيع الثروات، كما أصبح ينظر لها في الدول الأكثر تقدما وفي مفاهيم حقوق الإنسان العالمية، وبالمثل فهي ترتبط بتحقيق بنود دستورية تتحدث عنها مختلف الدساتير والتشريعات في العالم والتي ترتبط بمفاهيم مثل المواطنة ومسائل تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة بين المواطنين وما أكثرها في دساتيرنا المكتوبة وقوانيننا النافذة!
لنتفق أولا على أهمية موضوع ندوتنا لهذه الأمسية، والذي سنحاول جاهدين من خلال ما سنطرحه معا، تسليط الضوء على قضية حساسة ظلت مهملة وفي أحسن الحالات ثانوية ولعقود طويلة، فقط تأملوا معي تلك الفترة الزمنية التي تفصلنا عن قرار استراليا صاحبة المبادرة منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي وبين مصادقة دول الكومنولث وبين ما أصبح يطرح لدينا مؤخرا فقط على استحياء وتردد. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة وبرامج (الاسكوا) وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة (اجفند)، فأن معظم الدلائل تشير وبوضوح إلى عمق الفجوة التي تفصل مجتمعاتنا عن تحقيق فهم متقدم باتجاه تحقيق تلك العدالة الغائبة بحق أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية التي لا زالت نسبة أمية النساء فيها تتجاوز ال 50% ومشاركتها في عملية التنمية الاقتصادية لا تتجاوز ال 30% علاوة على أن مشاركتها السياسية في صناعة القرار لا تتجاوز ال 2% وهي مؤشرات مهمة نستطيع أن نفهم من خلالها سلبية وتخلف السياسات التنموية وعجزها حتى الآن عن إنصاف المرأة لدينا، علاوة على أن من يضعون تلك السياسات التنموية ومن يرسمون ويقررون موازناتنا العامة في الحكومة والوزارات وحتى البرلمانات جلهم من الرجال، ومما يزيد الطين بلة فإنهم أساسا من الفنيين والمحاسبين على أحسن تقدير! وهنا يمكن أن نقول انه من الخطأ أن تبقى الموازنات شأنا تقنيا ومحاسبيا بحتا تضطلع به فئة من أولئك الفنيين والمحاسبين الماليين مهما بلغوا من إخلاص ومهنية.
وبالنسبة لنا هنا في البحرين، فأعتقد أن أول طرح رسمي جدي لهذه المسألة ربما جاء من خلال جلسات المؤتمر الوطني لدمج النوع الاجتماعي الذي نظمه المجلس الأعلى للمرأة في يونيو من العام 2008 حيث أوصى المجتمعون من خلاله آنذاك بضرورة دراسة ومراجعة واقع موازنات المؤسسات الرسمية في البحرين للتعرف على مدى استجابتها لاحتياجات برامج النهوض بالمرأة باعتبارها أحدى أهم الفئات الأساسية في مجتمعنا البحريني، حيث أكدت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة المحامية “لولوة العوضي” على ضرورة العمل مع أصحاب القرار في الوزارات والمؤسسات الرسمية للتعاون بهدف إدماج الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة في برامجها وميزانياتها والتنسيق من اجل ذلك والسعي لحفز تلك الجهات على إدماج النوع الاجتماعي في برامجها وموازناتها، كما أنها قد شددت أيضا على ضرورة تبني منهجية جديدة لإعداد الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي عوضا عن بناء القدرات وإعداد الكوادر الفنية المتخصصة لدى مختلف الجهات الحكومية في مجال النوع الاجتماعي. وإذ ندعم ونُشجع هذا الفهم الايجابي الذي بدأ يتأصل لدى قيادات المجلس الأعلى للمرأة إلا أنه يجدر بنا القول أن ذلك لم يتأتى بطبيعة الحال من فراغ، فقد لعبت حركتنا النسائية ممثلة في الاتحاد النسائي البحريني ومن قبله مختلف الجمعيات النسائية وبعض مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة دورا مهما في تحقيق هذا الفهم، الذي نرى انه سيظل قاصرا على أية حال إذا لم يفعّل من خلال البدء الفعلي في تطبيق تلك التوجهات الجديدة التي لا نجد للتلكؤ في تطبيقها من مبررات سوى القصور والسلبية الشديدة لدى من يرسمون السياسات ويضعون الموازنات في النظر للمرأة البحرينية باعتبارها ركنا مهملا في عملية التنمية الشاملة، والبون شاسع بين الحديث عن الارتقاء بالمرأة وتمكينها وما يمارس واقعا من سياسات غير منصفة بحقها سواء على مستوى إشراكها في صناعة القرار في المؤسسات الرسمية أو في مواقع العمل في القطاعين العام والخاص.
وبالنظر لموازناتنا العامة، فانه يصعب الحديث عن أرقام أو إحصائيات أو حتى برامج ومشاريع واضحة المعالم والأهداف أو حتى تستند إلى رؤية واضحة، رغم ما أسلفت بالإشارة إليه حول وجود الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة التي يضطلع بها المجلس الأعلى للمرأة، والتي يفترض أن تمثل رؤية وطنية شاملة تسعى الدولة لتنفيذها عبر عمل دؤوب ومسئول وعبر رصد ميزانيات لا زلنا لا نجد لها ركنا معلنا أو خفيا في موازناتنا العامة حتى الآن، فلا زالت موازناتنا العامة في البحرين ترسم لخطط الارتقاء بالنساء من زوايا تقليدية محددة يشوبها الخلط والارتباك كتلك التي نراها في قانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية أو حتى قانون الضمان الاجتماعي البحريني الذي يصنف النساء ودعمهم باعتبارهم إما مطلقات أو معنفات أو أرامل أو أيتام أو فقراء ومعوزين يستحقون معونة الشؤون الاجتماعية شأنهم شأن بقية الفئات الضعيفة في المجتمع، وتلك نظرة قاصرة بالفعل لن تستجيب أبدا إذا ما استمرت لمفهوم الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي الذي نحن بصدد الحديث عنه.
إن قضية الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي ودور الحكومات والبرلمانات تجاهها لا يجب أن ينظر لها سواء من الحكومات أو البرلمانات أو حتى من قبل الجمهور على أنها نوع من أنواع الترف الفكري الذي لا طائل من ورائه، بل يجب أن يكون مسعانا المشترك هو كيفية جعلها مسألة أساسية ذات مضامين تنموية، بحيث لا يمكن لمجتمعاتنا أن تتحدث عن تنمية مستدامة أو شاملة في ظل إغفال أو حتى إنكار لدور المرأة في عملية التنمية، ولأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن لها أن تستقيم في ظل عدم الاهتمام بالموازنات وبرامجها ومواردها وأوجه الصرف فيها، فان ذلك في حد ذاته يجب أن يفتح الباب واسعا أمامنا لقراءة مختلفة عن ما درجت عليه بعض مؤسساتنا الرسمية من فهم ناقص عند تناول الموازنات باعتبارها أرقام صماء، فالموازنات كما نفهمها هي رسم لسياسات وبرامج تسعى من خلالها الحكومات الى تحقيق انجازاتها على الأرض خلال فترة زمنية محددة، بحيث تسهل مقاربة ادءاها بحجم أفعالها بعيدا عن الكلام المرسل الذي لا يقدم ولا يؤخر.
من هذا المنطلق فإننا ننوه بما أصبح يطرح لدينا في البحرين من برامج يطلق عليها عادة برامج تمكين للمرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والتي تقوم بها جهات مثل المجلس الأعلى للمرأة ووزارة التنمية والشؤون الاجتماعية وصندوق العمل تمكين وغيرها من الجهات، حيث أننا لا ننتقص من أهمية تلك البرامج الطموحة وقدرتها على خلق بوادر اهتمام بقضايا المرأة مستقبلا، ويجب أن نسعى من مواقعنا كقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني على حفزها وتطويرها وحتى نقدها نقدا بناءا باعتبارنا شركاء في عملية التنمية الشاملة، إلا أن برامج تمكين المرأة القائمة لدينا حاليا هي حقيقة لا تستند إلى رؤية وطنية شاملة بحيث تكون مستمدة لقوتها وزخمها من ضرورة إعادة هيكلة موازناتنا العامة على أسس تنموية حقيقية تكون قادرة على النهوض بالمجتمع بشكل عام وبالمرأة بشكل خاص باعتبارها نصف المجتمع المعطل الذي لا يمكن أن تستقيم عملية التنمية الشاملة بدونه، ونعلم جيدا أن تلك المهمة ستظل ممكنة طالما وجد الفهم الموضوعي الشامل لعملية ومسار التنمية المنشودة، دون الرضوخ والاستمرار في تكريس موازناتنا العامة لجوانب أثبتت التجربة أن بذخ الإنفاق عليها قد شكل عائقا حقيقيا أمام عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونعني بذلك إنفاق أكثر من ثلث موازناتنا العامة على الأمن والدفاع دون مبررات موضوعية تستحق التضحية بمواردنا الشحيحة أصلا.
وفي هذا الإطار فإننا نرى أن الحل الأنجع يكمن في الإسراع نحو إيجاد هيكلة جديدة لبنية موازناتنا العامة ابتداءاً من الموازنة القادمة 2011-2012 والتي سيناقشها البرلمان القادم ضمن أولى مهماته، بحيث تستجيب برامجها وأهدافها لإنصاف النوع الاجتماعي وعملية التنمية الشاملة، وبطبيعة الحال فان ذلك يحتاج لجهود استثنائية من قبل عدة جهات معنية بقضايا المرأة مثل المجلس الأعلى للمرأة ووزارة التنمية الاجتماعية ومجلس التنمية الاقتصادية وصندوق العمل والاتحاد النسائي واتحاد عمال البحرين وبقية مؤسسات المجتمع المدني المعنية، نحو تفعيل رؤية مجتمعية تكون أداة ضغط مؤثرة على صُناع القرار ومن يرسمون برامج التنمية ومن يناقشون ويصادقون على الموازنات العامة لدى الحكومة وفي السلطة التشريعية عبر الربط والتشبيك بين كل تلك المكونات بهدف خلق فهم متقدم يتفهم الحاجة لإيجاد تنمية حقيقية غير منقوصة يكون فيها النوع الاجتماعي حاضرا ضمن أهداف وبرامج وخطط تنموية تحظى بالتوافق المجتمعي دون أن تكون مجتزأة أو فوقية أو أن تكون تحت رحمة تلك النظرة النمطية المتأصلة منذ عقود في التعاطي مع الموازنات العامة وسبل الإنفاق العام.
فرصة مهمة لأهل الخليج
تكونت أكبر ثروة للعرب في التاريخ عند أهل الخليج، وهي فرصة لإنجاز أهم حضارة للعرب تتجاوز ما بلغه المسلمون في الحضارة العباسية!
لكن التحديات هائلة للوصول لهذا المستوى، بعضهُ ينبعُ من شوائب وأخطاءٍ في الأنظمة، ومن مستوى سياسي محدود للشعوب، وكثير من الطمع والتآمر من دولٍ أجنبيةٍ تريدُ أن تتلهمَ ثراءَ النفط قبل أن نحولهُ نحن إلى حضارةٍ متقدمة! ومن انتهازية كبيرة للفئات العليا والوسطى المختلفة تريد أن تستثمر كل فترة لمصالحها الخاصة ومن دون نظر للمستقبل!
ولذلك لابد من الاتفاق على خطوطٍ عريضةٍ سياسية واجتماعية توحدُ أهلَ المنطقة بأنظمتها، لأن هذا التوحد سيكون جبهة عامة تمنع التسلل الجانبي والهجوم المباشر كذلك.
لا بد من تقدير الأنظمة الملكية الوراثية ومنع التجاوز لها والقفز عليها، وأن تكون هذه الأنظمة ملكية دستورية ديمقراطية تضع الموارد في أيدي الشعوب، وعبر مراقبة ونشاط لبرلمانات منتخبة، وبأشكالٍ تدرجية تلائم التطور السياسي لهذه الدول.
لا نريد استيراد الأنظمة الجمهورية العسكرية الانقلابية ولا أنظمة الجماعات والحكومات الدينية الإرهابية، فنكون كهارب من الرمضاء إلى النار!
وليقارن من يريد أن يقارن تجربة سلطنة عُمان بهدوئها السياسي وتطورها الاجتماعي المتصاعد من دون ضجيج وصخب التي حدثت في بداية السبعينيات بتجربة مثل الجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمى التي حدثت في الزمن نفسه، وأن يقارن ما حدث في هذا البلد بذاك؟
فماذا يحدث في ليبيا هو شيء مخيف، وثروة أسطورية تضيع على جماعة حاكمة في صراعاتها التي لا تنتهي في افريقيا والعالم وأخيراً مع سويسرا التي أرادت حكم القانون!
لكن لا يعني التمسك بالأطر السياسية الملكية الدستورية في الخليج أن نرضى بالبذخ غير القانوني لبعض أو لجماعات من الأسر الحاكمة وتلاعبها في الثروات، وبغياب الميزانيات الدقيقة والحسابات الموثقة كذلك!
إن حفاظ شعوب الخليج على الأنظمة المؤتمنة على الثروة بشروط الإدارة العادلة للثروة.
نحن لا نريد تكرار تجارب الأنظمة العربية العسكرية والقومية والشمولية والدينية وغيرها الصانعة لحفلات الدم التي جرتْ طوال عقود في تلك الدول وحرقتْ الأخضرَ واليابسَ فيها، وحولتْ شعوبَها لمتسولين، وضحايا في أقطار الدنيا، يغرقون في البحار ويعيشون على معونات الصليب الأحمر!
ولكن نحن لدينا الكثير من حقول الألغام علينا أن نلتفت إليها، وألا نمشي فوقها ونكرر المضي مع الغابرين، فالطامعون كثيرون، ومن يريدون تمزيق الصفوف وحرق المراحل وإثارة الفوضى كثيرون، لأن الحكومات والمعارضات ستلجأ إليها، كل من جهتها، للاستعانة بها، ولجلب عمالها، وأجهزتها ومفرقعاتها، وأساطيلها، وشراء معداتها العسكرية الثمينة المكدسة في المخازن، والاستعانة بمراقبةِ أقمارِها الصناعية لجيوشِنا وثرواتنا المطمورة في الأرض، وبعث عيونها للتسللِ لمخادعنا ومشكلاتنا واستغلالها في التشويه والتحريض والبيع والشراء لما يفديها!
لديكم يا أهل الخليج فرصة مهمة لا تعوض، وكثير من الملايين في العالم تحسدكم عليها، لهذا يلجأ كثيرون إلى التفريق بينكم، واستغلال مشاكلكم ليبثعوا خبراءهم وجواسيسهم، ولينفروا هذا المذهب من ذاك، وليحرضوا أهل الحكم على المحكومين، والمحكومين على الحكام، والجار على الجار، والشرقي على الغربي والحوثي على اليمني والجنوبي على الشمالي، والسني على الشيعي!
إن قوى الاستثمار والعمل لديها إمكانيات هائلة في الجزيرة العربية التي ثرواتها من النفط والغاز والمعادن لا تنفد، لكن ثروتها العقلية محدودة، وربما تنفد. طبيعةٌ زاخرةٌ ورؤوسٌ غير ممتلئة بالعلوم والخبرات الدقيقة!
صحيفة اخبار الخليج
17 مارس 2010