لعبت القوى الطائفية دوراً تمزيقياً للنضال الوطني البحريني الديمقراطي منذ أن نشأت.
أولاً قسمت الحركة الاجتماعية، وصعدت القوى المتخلفة الاجتماعية، ممن تعيش تحت سقف فكري محدود في فهم الإسلام وفهم قضايا الوطن وفهم العالم.
وتتحمل الأجهزة الحاكمةُ مسئولية هذا التصعيد فهي التي شجعت تأسيس مراكز القوى الطائفية وباركتها ووسعتها، ثم انقلبت هذه عليها، بعد أن رفدت بجمهور ليس له تجربة سياسية، خاصة من الأقسام الريفية، وكرست إبعاد الجمهور المدني العصري الذي كان هو العمود الفقري للحركة الوطنية بتجلياتها اليسارية خاصة.
وفي هذه الأثناء لم تتكرس أي مفاهيم تحديثية وطنية ديمقراطية عن الإسلام، واعتمدت الاتجاهات الطائفية على البث الأهلي للمواد الدينية غير العقلانية، التي نفخت في بعض الجمهور روح التعصب والجهل بالإسلام والعصر.
فلم ترْ القوى الطائفية إلا أنها ملكت زمام الموقف وناوأت كل القوى الحديثة التي كانت الدوائر الحكومية جزء منها!
لكن برنامج القوى الطائفية لم يتوقف ولن يتوقف في هدم الحياة الوطنية والأسس السياسية والاجتماعية للبلد، وهي تقوم بطرح ذلك بصورة غير مسئولة بعد ان استنفدت الجوانب الهشة من آرائها في نقد الحياة السياسية والاقتصادية الجزئية، ومن دون أن تمتلك الخبرات الفكرية والسياسية في طرح معارضة جدية بأدوات قانونية تحويلية، فهي طائفية غير قادرة على التوحيد الحقيقي في معارضة وطنية عميقة داخل البرلمان وخارجه.
وقد عرت أربع سنوات من ممارسة سياسية محدودة الأشكال هذه السطحية من المعارضة ومن الموالاة كذلك، فالملفات الكبيرة من أوضاع الاقتصاد والشركات الحكومية الكبرى لم تدرِ بها إلا في اللحظات الأخيرة وهي تخرج من المسرح السياسي البرلماني، فانشغلتْ بقضايا هامشية، عوضاً عن أن تحفر وتكشف أحوال (بيت مال) مسلمي البحرين من أول وجودها قبل سنوات!
وكأنها في خروجها المزري من على المسرح لم ترد إلا أن تقوم بوصلة رقص خطرة مدمرة تضحك بها على الناخبين البسطاء أنفسهم الذين خدعتهم بـ(الخطابات الإسلامية) وتهدم بها المسرح السياسي البحريني على كل الرؤوس!
هو قرار خطير بمنع الخمور كلياً وقطعياً وبلاحيثيات وبلا امكانية للتطبيق الفعلي كذلك! وإنما هوجة سياسية استعراضية!
لقد ورطت مجتمعنا وشعبنا بهذا القرار، فعدم تطبيقه من قبل الجهات المختصة يعني نهاية الحقبة البرلمانية الحقيقية، لأن الجهات المختصة تمتنع عن تطبيق قرار ممثلي الشعب المتوحدين في هذا التصويت لأول مرة بعد أن تركوا قضايا الشعب المصيرية من فقر وفساد ونهب ولم يتحدوا من أجلها!
أكبر المآخذ هو انه صدر عن عقليات تجارية استغلالية للإسلام كان يجب الحجر على تلاعبها بديننا الحنيف منذ عقود، وتعريض الإسلام لمثل هذه التجارة هو أكبر الأخطار وأشنع الممارسات وأحفلها بتوصيل أي بلد للخراب وهدم الديار!
والمخاطر الدستورية لا تقل عن ذلك خطورة!
فعدم تنفيذ القرار أو التوصية، إذا تمت إجازتها يعني أن الجهات التنفيذية لا تتعاون مع الجهة المنتخبة!
وهو أمر يضع علامات استفهام كبرى على تجربتنا البرلمانية الغضة الهشة!
وكذلك فإن تنفيذ مثل هذه التوصية يعني خراب الاقتصاد، والتدخل عملياً فيه، والتدخل في حياة مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين غير المسلمين وفصل العمال والموظفين عن أعمالهم!
هؤلاء لا يعرفون كم فواتير قرارتهم هذه، وهل يوجد مسئول ذو عقل لا يدرس فعل قراراته على أرزاق الناس؟
إضافة إلى الاستحالة العملية من تطبيق توصية مثل هذه، وإيجاد حالات فوضى عبرها ومن خلالها، تعرض حياة الناس لأفدح الأخطار!
حالات الافلاس الفكرية والسياسية التي تصيب القوى الطائفية تدفعها دائماً للقفزات في الهواء أو التخريب، لعدم قدرتها على التطور الفكري، والدرس العميق للدين، فتلجأ للمظاهر الخارجية والديكورات البرانية لتخفي ضحالة داخلية وغياباً مضمونياً.
إنها ورطة كبيرة ومأزق جديد تضعنا فيه هذه القوى التي ما فتئت أن تطورنا كل يوم بمصيبة!
لقد قلنا كثيراً للمخدوعين بهذه القوى إن تطورنا الوطني لا يتشكل من دون هزيمتها الفكرية والسياسية!
صحيفة اخبار الخليج
31 مارس 2010